تمريرة ساحرة بكعب القدم من وضعية الحركة، يعقبها تمويه بالجسد لتفويت الكرة للاعب الآتي من خلفه، ثم أسيست رائع بالوجه الخارجي لقدم لديها حساسية موازين الذهب. ثلاثة مشاهد يتمنى أغلب لاعبي العالم أن يفعلوها خلال موسم كامل وأن تُسجل لهم فيتهافت الجمهور على مشاهدتها ملايين المرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

مسعود أوزيل فعل كل ذلك في 11 ثانية فقط في مباراة أرسنال أمام ليستر سيتي في ختام الجولة التاسعة بالبريمييرليج هذا الموسم.

مهلًا، هذه ليست القصة كاملة، فقبل تلك الثواني الساحرة بثلاث دقائق فقط كان عازف الليل قد أمتع جمهور المدفعجية بأسيست آخر لهدف ثانٍ نجح فيه بتمريرة واحدة لهيكتور بيليرين في المرور من ثلاثة خطوط دفاعية لفريق ليستر دفعة واحدة. كل ذلك بعد هدف مميز في الشوط الأول من هجمة بدأت وانتهت بقدم الجناح الألماني.

كان هذا الجانب المشرق من الرواية، ولكن دعنا الآن ننتقل للجانب المظلم لها. تقول الإحصائيات إنه في نفس الليلة كان عدد استخلاصات أوزيل الناجحة للكرة من المنافس تساوي صفرًا. في الواقع، لم تكن هناك محاولات بالأساس لوصفها بالناجحة أو الفاشلة؛ لأن العدد الإجمالي لمحاولات أوزيل لاستخلاص الكرة كان صفرًا أيضًا.

لم يقم أوزيل بأي واجب دفاعي في تلك المباراة سوى بعمل block وحيد لتصويبة من لاعبي ليستر طوال الـ 90 دقيقة، وهي الخانة الوحيدة التي حظيت بقيمة عددية غير الصفر في إحصائيات أوزيل الدفاعية هذه المباراة. لا قطع للكرة، لا التحامات هوائية، ولا فوز بالتحامات ثنائية أرضية.

وهنا يجد مشجع أرسنال نفسه حائرًا أمام هذا السؤال: هل تفيدنا قدرات أوزيل الهجومية أم يؤذينا تخاذله الدفاعي بشكل أكبر؟


الأرقام تشرح كل شيء

لن نطيل الحديث عن شخصية أرسنال الجديدة وفلسفة إيمري وروح ملعب الإمارات وكل هذه التعبيرات المطاطة التي لا تعطينا وصفًا دقيقًا لما تغير في أرسنال ويغيرها المحللون من مباراة لأخرى وفقًا للنتيجة لا للأداء. الأمر بوضوح أن لاعبي أرسنال صاروا في منظومة أكثر التزامًا بكثير من ذي قبل، دعنا نلقي نظرة على أرقام لاعبي الثلث الأمامي قبل وبعد إيمري لنفهم الأمر بشكل أعمق.

في الموسم السابق كان معدل محاولات استخلاص أوباميانج للكرة من المنافس هو «0.8محاولة/90 دقيقة»، أما هذا الموسم صار معدله هو «1.6 محاولة/90 دقيقة». ألكسندر لاكازيت كان معدله الموسم السابق «1.5 محاولة/90 دقيقة»، صار هذا الموسم «3.4 محاولة/90 دقيقة». داني ويلبيك فكان معدله قبل قدوم إيمري هو «1 محاولة/90 دقيقة»، أما بعد إيمري صار معدله «1.9 محاولة/90 دقيقة».

مختاريان هو الآخر زاد معدل محاولاته لاستخلاص الكرة من «3 محاولة/90 دقيقة» إلى «3.5محاولة/90 دقيقة»، حتى أليكس أيوبي والذي كان مثار سخرية جمهور الأرسنال قبل ذلك تطور معدله بشكل مذهل هذا الموسم حتى الآن من «1.1 محاولة/90 دقيقة» إلى «3محاولة/90 دقيقة».

أرسنال هو رابع أفضل فريق في الدوري الإنجليزي حتى الآن من حيث الهجمات التي نجح لاعبوه في إفسادها، المصدر:
Skysport

كما ترى عزيزي القارئ، الثلث الأمامي في أرسنال إيمري تضاعفت معدلات محاولاته لاستخلاص الكرة، بل إن بعضهم أصبح مجهوده الدفاعي ثلاثة أضعاف مجهود الموسم السابق. وأمام كل هذا الزخم يقف مسعود أوزيل مُكتفيًا بمشاهدة زملائه يركضون وراء الكرة بمجرد فقدانها.

معدل محاولات استخلاص أوزيل للكرة الموسم السابق كان «1.2 محاولة/90 دقيقة»، أما بعد قدوم إيمري صار «1.3 محاولة/90 دقيقة». يبدو أن إيمري نجح في تغيير كل شيء في ملعب الإمارات وعجز أمام كسل عازف الليل، حتى الآن!


من يرتدي القيمص رقم 10؟

يلجا أوناي إيمري إلى طريقة 4-2-3-1 منذ قدومه إلى لندن، تحتاج تلك الطريقة إلى اللاعب رقم 10 تحت المهاجم الوحيد.

منذ بداية الموسم ويعتمد إيمري على أرون رامسي في هذا المركز ويلعب أوزيل كجناح أيمن. أوزيل لم يقدم أفضل ما لديه من الناحية الهجومية في هذا المركز، ولكن بمجرد وجوده في المركز رقم 10 تحت المهاجم قدم واحدة من أفضل مستوياته على الإطلاق من الناحية الهجومية في مباراة تشيلسي في بداية الموسم و مباراة ليستر سيتي.

مسعود أوزيل, أرسنال, كرة القدم

لماذا يبرع أوزيل في المركز رقم 10 دونًا عن غيره عند امتلاك الكرة؟ الإجابة في الخريطة الحرارية السابقة، وهي أن أوزيل لا يلعب في هذا المركز بشكله الكلاسيكي بتمرير الكرات الذكية من مكانه في عمق الملعب، بل يقوم بدور اللاعب رقم 10 الذي يميل كثيرًا ناحية الجناح، أو كما يُعرف بـ «False 10»، وهو ما يعطي كثافة أكبر بكثير للثلث الأمامي لفريق أرسنال. الأمر يشبه وكأنك تلعب زائدًا عن منافسك بلاعب عند امتلاك الكرة.

لكي نفهم الأمر بشكل أوضح لاحظ تحرك أوزيل، في لقطة الهدف الأول أمام ليستر سيتي، أوزيل استلم الكرة من عند دائرة المنتصف ثم توجه إلى الطرف الأيمن من الملعب، لم يتجه إلى عمق الملعب بالرغم من وجود المساحة الكافية لذلك في العمق. وبعد تسليم الكرة لهيكتور بيليرين القادم من الخلف تحول بسرعة رهيبة إلى عمق الملعب ليحرز الهدف بنفسه.


لماذا رامسي إذن؟

إذن لماذا يعتمد إيمري على رامسي في هذا المركز بدلًا من أوزيل في أغلب مباريات الموسم طالما أنه يتألق فيه بهذا الشكل؟ للإجابة على هذا السؤال يكفيك فقط الاطلاع على تلك الإحصائية: عدد محاولات أرون رامسي لاستخلاص الكرة هذا الموسم «3.9محاولة/90 دقيقة»، بينما معدل أوزيل في نفس الموسم هو «1.3محاولة/90 دقيقة» بالرغم من تواجد أوزيل لدقائق أكثر من رامسي على أرضية الملعب.

الأمر يمكن وصفه ببساطة بأن مجهود رامسي الدفاعي أربعة أضعاف مجهود أوزيل عند فقدان أرسنال للكرة. وبالنظر إلى الثلاث مباريات التي لعبها أوزيل في مركز اللاعب رقم 10 نجد أن واحدة منهم انتهت بالخسارة 3-2 أمام تشيلسي، وأخرى انتهت بالتعادل أمام كريستال بالاس.

أما الثالثة التي فاز بها أرسنال أمام ليستر وكانت أبرز مباراة لمسعود هذا الموسم، ظهر فيها الأرسنال بأداء باهت للغاية الشوط الأول حتى قررت موهبة وجماليات أوزيل الشوط الثاني الطغيان على ما عداها من مساوئ في النصف الأول.

لم يتحدث أحد عن الشوط الأول وتحدث الجميع عن لمسات أوزيل الساحرة الشوط الثاني، لكن بالطبع إيمري لن ينسى ما شعر به من انطباعات سيئة في النصف الأول وهو يرى تشاكا وتوريرا لا يتلقيان أي مساعدة من اللاعب رقم 10 الذي تُعتبر إحدى أهم مهامه هي النزول لمنتصف الملعب في حالة فقدان تكوين ثلاثي خط وسط مع لاعبي الارتكاز. أوزيل لم يفعل ذلك!


لا صدام متوقع مع إيمري

مسعود أوزيل, أرسنال, كرة القدم
أنا أحب اللاعبين ذوي الشخصية، أوزيل كان غاضبًا لأنه يريد الاطمئنان على الفريق. دفعت بداني ويلبيك لأنه يخدم الفريق بشكل أكبر في الناحية الدفاعية والكرات الثنائية العالية التي كثف لاعبو كريستال بالاس من الاعتماد عليها.
هكذا صرح أوناي إيمري بعد غضب مسعود أوزيل عقب استبداله قبل نصف ساعة كاملة من نهاية لقاء أرسنال وكريستال بالاس. تصريح يخبرك بطبيعة الوضع الآن في النادي اللندني. أوزيل لا يريد تغيير طبيعته الكسولة نوعًا ما، خاصة بعد تغير جميع زملائه من حوله وفقًا لفلسفة المدرب الجديد.

أما إيمري فهو مدرب غير صدامي بالمرة، لا يحب الاختيار بين اللونين الأبيض والأسود في خلافه مع اللاعبين. لعلك تتذكر الخلاف الشهير بين نيمار داسيلفا وإيديسون كافاني على ركلات الجزاء والكرات الثابتة منذ أشهر قليلة في باريس سان جيرمان.

خرج أوناي مدرب النادي الباريسي حينها ليصرح أنه يفضل ترك مثل هذه الأمور للاعبين كي ينظموها فيما بينهم!

الأمر يبدو وكأنه سيستمر في تلك الحالة من اللا سلم واللا حرب، حتى يقرر أوزيل نفسه أن يُحدث تغييرًا ما في المعادلة؛ إما بالخضوع لفلسفة إيميري عند فقدان الكرة حتى يستطيع اللعب في مركزه المفضل، وإما بالاستمرار في تلك الحالة من الكسل والتي لن تشفع له عند هبوط مستواه، هذا المستوى الذي يراهن عليه أوزيل طيلة مسيرته الكروية، لكنه نسي أن الأمر أشبه بالرهان على شيء لا تملكه بشكل كامل من الأساس.

هل يستبعده إيمري من التشكيل الأساسي؟ ربما، ولكن إن حدث ذلك سيحدث بشكل تدريجي، إيمري ليس بالمقامر العنيد الذي سيتخذ قرارًا مثل هذا بشكل لحظي لفرض سطوته على الفريق. سيفعل ذلك ولكن بهدوء وهو يكتسب ثقة جماهير الجانرز مباراة تلو الأخرى حتى يجد أوزيل نفسه أمام خيارين: الخضوع لإيمري أو الرحيل.