أنا ساكن في حي الزمالك، لكن النادي الأهلي بيتي
ميشيل يانكون، المشرف على حراس المرمى بقطاع ناشئي النادي الأهلي.

بشكل مثير، لا يبدو التصريح أعلاه كغيره من عبارات التملُّق التي لطالما صدرت من أفواه المحترفين في حق الأندية التي تدفَع أجورهم، لعدة أسباب؛ ربما لأن صاحب الـ63 عامًا بدا على سجيته حين قاله، أو ربما لأنه قد أثبت من قبل رغبته في الاستمرار بالجزيرة، مرةً حين وافق على ألا يقفز من السفينة بفترة جائحة كورونا، وأخرى حين قبل العمل في منصب بقطاع الناشئين بدلًا من استكمال مسيرته كمدرّب حرّاس محترف بأي نادٍ آخر.

وبغض النظر عن الاستنتاجات، يظل السؤال الأهَم؛ ما الذي جعل «يانكون» يعتقد أنّ النادي الأهلي هو بيته، الذي يُمكن أن يتنازل عن ما تبقى من مسيرته المهنية تحت الأضواء لأجله؟

قصص لا تحكى

فترة كورونا لم تكُن سهلة. لقد رأيت عائلتي مرة واحدة فقط في الأشهر الـ8 الماضية.
السويسري رينيه فايلر، المدير الفني الأسبق للنادي الأهلي.

تمتلك الجماهير صورة نمطية عن كُل العاملين بمجال كرة القدم؛ حيث الشهرة، الأموال التي لا حصر لها، وغيرها من المميزات التي قد يحظى بها موظف محترف داخل القمة. لكن الحقيقة أنّ هؤلاء في النهاية بشر، لديهم أُسر ومسؤوليات أهَم -بالنسبة لهُم- من الألقاب والشهرة والأموال.

في تقرير بعنوان «ماذا يعني أن تكون شريكًا لمدير فني؟»، استعرضت «سارة شيبرد»، محررة «ذي أثيليتيك»، تفاصيل حياة بعض من عائلات المديرين الفنيين، والتي اتضَح أنّها لا تبدو وردية على الدوام، بل أنّها قد لا تُحتمَل في بعض الأحيان، حتى وإن كانت مثالية من الخارج.

بعد إجراء بعض الحوارات من زوجات كُل من «داني كاولي»، مدرّب بورتسموث، و«واين روني» مدرّب «ديربي كاونتي»، و«فيل نيفيل»، مدرب فالنسيا المساعد الأسبق، استنتجت «شيبرد» أنّ المحترفين -سواءً لاعبين أو مدربين- لا يُمكنهم القيام بدورهم كأرباب أُسر بشكل مثالي بحُكم وظيفتهم، ما يضع كامل الحِمل على الشريك.

فيما أكّد الجميع على أنّ التحدّي الأكبر يكمُن في التعامُل مع ابتعاد الأسرة لفترات طويلة عن بعضها البعض في حالة قررت الأسرة عدم الالتحاق بالمدرّب بمكان عمله.

أذهب لكل مكان معتقدةً أننا سنظل بهذا المنزل للأبد، لكن هذا لم يحُدُث مطلقًا
جولي نيفيل، زوجة فيل نيفيل.

فيما تطرّق البعض إلى أن لَم شمل الأسرة في البلد الذي يعمل به المدرب لا يقل إزعاجًا؛ حيث يتطلّب ذلك التنقُّل بشكلٍ مستمر، وما يليه من إجراءات روتينية مثل استئجار منزل جديد للمعيشة، أو تغيير المدارس للأبناء بمنتصف العام الدراسي. تلك المشاكل تبدو عادية بالفعل للشخص العادي، لكن تكرار التعامُل معها لـ20 عامًا قد يجعلها أزمة حقيقية للأسرة، قد تنعكس على خيارات المدير الفنّي المهنية دون شك.

زوج صالح

أنا سعيد أنّ «أولا» تحب الـ«سكاوز»، أنا سعيد جدًا أنّها لن تنتقل.
هتاف جماهير ليفربول لأولا كلوب، زوجة يورجن كلوب.

عند انتهاء رحلة «يورجن كلوب» مع «بوروسيا دورتموند» الألماني عام 2015، وعند دراسة العروض المُقدمة له، نصحت «أولا» زوجها بأن يرفض عرض «مانشيستر يونايتد» ويقبل عرض «ليفربول»؛ لأنّها اعتقدت وقتئذٍ أن ليفربول مدينة ونادٍ أفضل لهما. وهو ما كان بالفعل، حتى ولو كانت نصيحتها آنذاك مبنية على الحدس وحسب.

في أبريل/ نيسان 2022، أعلن نادي «ليفربول» الإنجليزي عن تجديد عقد «كلوب» حتى لـ4 سنوات إضافية، ومجددًا لعبت «أولا» دورًا خفيًا في إقناع زوجها بالبقاء داخل مدينة «ليفربول». فبالمقطع المصوّر الذي أعلن من خلاله «يورجن كلوب» تمديد عقده مع النادي، أشار إلى أنّ أول الأسباب التي دفعته لتمديد عقده هو رغبة زوجته بالبقاء داخل المدينة. بالتالي، وكزوج صالح، وافق على الاستمرار. 

بالعودة لـ«ميشيل يانكون» -في حال نسيت أنّه موضوعنا الرئيسي-، فأحَد أهم أسباب بقائه داخل مصر طوال هذه الفترة كان تأقلُم أسرته مع الحياة بمصر وتكوينهم لصداقات، لدرجة أنّهم هُم من أصرّوا على البقاء داخل مصر عن العودة إلى بلدهم الأصلي.

في البداية قمت بزيارة مصر للبقاء بجانب والدي لفترة قليلة، لكن بعد مُضي 8 أشهر، أحببت الحياة بمصر، لا أريد العودة مجددًا لأوروبا.
إليسيا يانكون، نجلة ميشيل يانكون.

حسب رأيه، يعتقد «ميشيل يانكون» أنّ ارتياح أسرته وتأقلمها بمصر انعكس إيجابيًا على رغبته في الاستمرار بالعمَل داخل النادي الأهلي، حيث أشار إلى أنّ جزءًا من تفكيره كان لينشغل باستياء أسرته -وخاصةً ابنته- إذا لم يستطيعوا التأقلم مع الحياة ببلد غريب عليهم.

يانكون: الرجل الذي لا يُفضّل التغيير كثيرًا

رُبما يتَضِح الفارق بين تعامُل أسرة «يانكون» وأسرة «ڤايلر» -كمثال- من مسيرة البلجيكي المهنية نفسها، وطريقة تعامله مع اللاعبين وحتى الجماهير.

«ميشيل يانكون» رجل لم يحظ بمسيرة تدريبية كبيرة قبل الوصول للقاهرة، حيث اقتصرت رحلته المهنية على تدريب حرّاس مرمى ناديي «RAEC Mons» و«Charleroi» البلجيكيين، حيث أمضى 6 سنوات بالأول، و10 سنوات بين جُدران الثاني. ورُبما هذا أول استنتاج؛ يتمكّن «يانكون» من بناء علاقات قوية مع محيط عمله، نتيجةً لاستمراره في مكانٍ واحد لفترةٍ طويلة.

بسهولة، يُمكن ملاحظة ترحيب جماهير النادي الأهلي ببقاء «يانكون» في أي منصب داخل النادي، لكن المفاجأة، أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تُظهر جماهير فريق ما حُبها للمدرب نفسه.

في 2019، وبعد إعلان «ميشيل يانكون» انتهاء علاقته بنادي «تشيرلروا» البلجيكي، والتي دامت لـ10 سنواتٍ كاملةٍ نشرت رابطة مشجعي النادي «Storm Ultras» بيانًا على صفحتها الرسمية، تُعرب من خلاله عن امتنانها لدور الرجل في انتشال الفريق من المراكز المتأخرة بجدول الترتيب وصولًا للمراكز المؤهلة للبطولات الأوروبية، على الرغم من تغيير الإدارة لـ10 مديرين فنيين خلال نفس الفترة.

ربما يعود سر هذه العلاقة القوية بين يانكون ومحيط عمله طوال مسيرته بالأساس -بجانب الالتزام الفنّي- إلى تعامله مع النادي كعائلة، والحراس كأبناء، وهو ما يجعله يعمل بشغف أكبر، ما يؤدي إلى ارتباط الجماهير بشخصه.

تقول كيت كاولي، زوجة داني كاولي، مدرب بورتسموث الإنجليزي، إن أول ما يتبادر إلى ذهنها حين ترى مدربًا كبيرًا في السن مستمرًا في عمله، هو حقيقة امتلاكه لأسرة متفهمة، تمكنت بشكل ما من التأقلم مع ظروف حياته من أجل استمرار مسيرته المهنية.

لذا، إن كنت تبحث عن إجابة السؤال الذي طرح بأول فقرة، ربما كان استقرار أسرة يانكون وسعادتها داخل مصر سببًا كافيًا لمنحه الشعور بأن الأهلي بيته.