أصبحت حقيقة أفول نجم الجيل الذهبي لنادي برشلونة أمرًا لا يمكن إنكاره أو تجميل بعض جوانبه من خلال التركيز على قضية شغلت كثيرًا فكر جماهير النادي الكتالوني، الحقيقة أن لاماسيا لا تملك البديل الجاهز كما أخبرنا مشجعو برشلونة عن أكاديمية ناديهم، ليس لخلل ما في النظم التدريبية في لاماسيا أو بسبب إهمال متعمد أو عفوي بحق شبان الأكاديمية، بل بسبب أن الجيل القديم كان استثنائيًا بتميزه، واستثنائيًا باجتماع عناصره في الفترة ذاتها، واستثنائيًا بتواجد ابن البيت والبيئة القادر على استخراج أفضل ما يمكن من نجومه. رحل جوارديولا وتشافي وانريكي، وحان دور رحيل نيمار الذي فضل ترك المدينة الدافئة وشد الرحال إلى العاصمة الفرنسية باريس، غادر من كان سيحمل لواء نجومية السنين القادمة خلفًا لميسي الذي يقترب موسمًا تلو الآخر من إطفاء شمعته النيرة في ملاعب كرة القدم.

لو جاء رحيل نيمار في مواسم سبقت هذا الجنون المالي والاستعراض التسويقي الذي يسيطر على النهج العام للعبة، لكان توقع البديل القادم أمرًا أكثر صعوبة وأقل كلفة من الآونة الحالية، لكن هذه العقلية التسويقية جعلت عملية البحث عن البدائل المحتملة أمرًا أقرب إلى الحتمية منه إلى التكهن، وخاصة مع قلة النجوم التي بإمكانها الرحيل عن أنديتها والانضمام إلى برشلونة، واستقرار النجوم الآخرين مع المشاريع الكروية لأنديتهم، وأخيرًا بسبب التخوف ذاته الذي أشيع عن نيمار وحرصه على اسمه ومكانته العالمية في فضاء اللعبة. لكن دعني أفكر في مجموعة من الأسماء والخيارات التي من الممكن أن تحل مكان البرازيلي، أمر يحتاج إلى بعض الواقعية وبعض التطرف في الآن نفسه.


ساعة الصفر تقترب!

جاء رحيل نيمار صادمًا للكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن الكروي بسبب عدم توقعهم خروج البرازيلي من البيت الكتالوني، فكانت الأخبار تتزايد ويزداد معها بشكل طردي رفض الجماهير لتصديقه؛ بسبب مشاركة نيمار مع فريقه حتى اللحظات الأخيرة قبيل توقيعه، وبسبب تغريدة بيكيه التي أعلن فيها بقاء البرازيلي، وأخيرًا بسبب إيمان الجماهير بأن العقد الذي يربط الثلاثي الهجومي لن ينكسر وسيبقى وثيقًا بسبب التفاهم الكبير والعلاقة المميزة الذي تجمع ثلاثي MSN.

ارنيستور فالفيردي – مدرب نادي برشلونة

رحيل نيمار المتأخر في عرف سوق الانتقالات سيجبر برشلونة على التفكير بشكل متعجل وغير مدروس، وخاصة مع مدرب جديد ما زال يختبر ويجرب بعض الأفكار في فترته التحضيرية مع نادٍ وصف بأنه يفوقه شهرةً وأكبر منه اسمًا. والسؤال هو: هل سيعتمد فالفيردي نفس النهج الذي اعتمده سلفه السابق لويس انريكي في التركيز على خط مقدمته اللاتيني، أم سيفكر في إصلاح بعض المشاكل المتفاقمة والمتلاحقة في خط الوسط منذ رحيل تشافي هيرنانديز، أم أن إدارة برشلونة أعدت العدة مسبقًا للمرحلة التي تلي رحيل نجم السيليساو، وهذا أمر منفي تمامًا لمعرفة الجميع بتردي الإدارة الرياضية الذي يتسم به مسؤولو النادي على صعيد المفاوضات والتعاقدات.


من هو البديل؟

رحلة الغوص من أجل البحث عن البدائل تتطلب دراسة شاملة عن المكان الذي ستتجه إليه، وتتطلب معرفة كافية بحاجاتك ولوازمك، لكي تصل بسرعة يجب عليك معرفة السؤال ومن ثم عليك ترجمة الجواب بشكل صحيح وفقًا لما تحتاج وليس وفقًا لما يرغب السوق والجماهير.

وسبق لبرشلونة وريال مدريد الوقوع في المطب ذاته بعد التوقيع مع نيمار وجاريث بيل، فعلى الرغم من مهارتهما العالية ونجوميتهما الكبيرة، إلا أنهما لم يناسبا احتياجات الناديين داخل الرقعة الخضراء، مدريد تخلص من هذا العائق بسبب تردي المستوى الفني للويلزي وإصاباته المتكررة، أما برشلونة اضطر لتغيير نهجه وعاداته الكروية بسبب الاعتماد الكلي عليه في بناء الهجمة واختصار دور خط الوسط في تحضيرها، و هذا ما لاحظناه جليًا أثناء غيابه عن الكلاسيكو الذي كان مميزًا بنفسه الكتالوني المعتاد بسبب غياب نيمار للإيقاف.

البديل المُستهدف يجب أن نُحدد من يستهدفه، هل إدارة البارسا تريده بديلًا بمقام نيمار من الناحية التسويقية، أم أن لفالفيردي رأي بارز في الاختيار وخاصة مع تفضيله لخطة 4-2-3-1 و التي يجب أن يساهم الجناح فيها بالتغطية والمساندة الدفاعية. في كلتا الحالتين الطلب واحد، هناك حاجة ماسة لاستقطاب لاعب يشغل مركز الجناح بسبب القناعة التامة بأن ديلوفو لن يحظى بهذه الثقة ولن يرضي الغاية التي تريدها إرادة البارسا بعد رحيل نجم الإعلانات والميديا.


البديل الأول: مُغرٍ وجذاب، ولكن!

الحديث عن البديل يكاد ينحصر في أسماء قليلة تترواح بين المستحيلة وممكنة الحدوث، وأحد الأسماء التي طرحها الإعلام منذ البداية وحتى قبل رحيل نيمار هو البرازيلي كوتينيو الذي يُعد اسمًا مغريًا لإدارة البارسا بسبب ارتباطها الدائم مع الأسماء اللاتينية والبرازيلية على وجه الخصوص. كوتينيو قدمه لنا يورجن كلوب بقالب جديد جذاب جعل منه نجم ليفربول الأول، حيث يشغل مركز الجناح المتحكم بحركة الكرة وسير الهجمة، جناح يشق طريقه من الأطراف إلى العمق ويفضل المراوغة والتسديد كلما سنحت له الفرصة، يكاد يكون سيناريو مكررًا أشبه بمواطنه نيمار رغم اختلاف الموهبة والمهارة الفنية فيما بينهما.

فيليب كوتينيو – بديل محتمل لنيمار في برشلونة

البرازيلي الليفربولي مثل مواطنه يبرز بشكل أكبر عندما يكون متحكمًا بالكرة ويضع بصمته عليها، وفي برشلونة لن تتاح له هذه الفرصة كثيرًا بحكم تواجد كل من انييستا وميسي، وإن تواجد كوتينيو على الجناح وإعطاءه ذات الصلاحيات التي تم منحها لسلفه يعني استمرار المشكلة ذاتها في إلغاء دور خط الوسط، سواء في العملية الهجومية أو حتى في المساهمة الدفاعية بحكم عدم تمكن كوتينيو من تأدية المهام الهجومية والدفاعية بذات الفاعلية.


البديل الثاني: واعد ومميز، ولكن!

اسم آخر متداول في الإعلام وبدأ ترديده منذ الصيف الماضي قبل أن يخطفه بوروسيا دورتموند، الشاب الفرنسي عثمان ديمبلي والذي تم ابتداء المزاد عليه بـ 100 مليون كما تناقلت الأخبار القادمة من إسبانيا وألمانيا. ديمبلي ورغم تقديمه بسرعة لأوراقه الثبوتية في البوندسليجا وخاصة مع فريق يطبق أسلوبًا مماثلاً لبرشلونة الذي يعشقه توخيل، إلا أن الضغوط تختلف ما بين نادٍ يسعى لتحقيق الألقاب جميعها، وما بين آخر يهوى المنافسة ولم يعد يتقنها.

عثمان ديمبلي وإشاعات عن اهتمام جدي بخدماته لتعويض نيمار

ديمبلي بلا شك يمتلك كافة المؤهلات للعب في ناد بحجم برشلونة، فهو يجمع بين السرعة والمهارة الفنية والقدرة العالية على المراوغة في المساحات الضيقة، لكن مرة أخرى لن يتمكن من أخذ دور البطولة والحرية المطلقة بالأداء في برشلونة. ديمبلي يفضل اللعب بحرية والاختراق في عمق الملعب وليس الالتزام بمركزه على الجناح، وهذا يعني تداخل دوره مع مهام ميسي الذي أصبح مع تقدمه في العمر يلتزم العمق ويتجنب الخروج إلى الأطراف.

وأخيرًا، مرة أخرى شاب صغير في مقتبل مسيرته المهنية يتم وضعه تحت الضغوطات الفنية والمالية بشكل مبكر، تجربة جديدة معرضة للفشل بحكم افتقاد للخبرة، وخاصة أن الموسم الماضي لديمبلي كان موسمه الأول الكامل في الدرجة الأولى بعد 6 أشهر في الدوري الفرنسي مع ناديه السابق نيس.


البديل الثالث: فعال وغير مضمون!

رغم عدم منطقية الفكرة، إلا أن برشلونة من الممكن أن يكمل الموسم القادم بدون صفقة كبيرة على مستوى الجناح ويستعين بأحد الأسماء التي تتواجد في دكته، وترك مسألة التعاقد مع نجم يكمل عقد الخط الأمامي للموسم القادم، ويصب كامل تركيزه الحالي على تدعيم خط الوسط بسبب صعوبة الحصول على توقيع أحد الأجنحة الهجومية في الفترة الآنية.

نيمار (يمين) – باولينيو (يسار)

الحديث عن اهتمام بخدمات باولينيو لم يكن عبثيًا، فالأهداف الكتالونية كانت واضحة منذ البداية، سيميدو وفيراتي وباولينيو، فيراتي يبدو أنه سيكمل موسمًا آخر مع الباريسيين كما يرغب الخليفي، لكن أرى إمكانية لذهاب باولينيو باتجاه إسبانيا. برشلونة يحتاج إلى تنوع افتقده منذ زمن، تنوع تحتاجه جميع الأندية لخلق التوازن ما بين اللاعبين المهاريين والآخرين الذين يتسمون بالأداء البدني. أندري جوميش وراكيتيتش لم يعطيا بوسكيتس هذه الرفاهية في المساندة الدفاعية والاحتكاك البدني، ولذلك أرى فالفيردي بحاجة ماسة للاعب أقل نجومية وأكثر فاعلية لخدمة خطته المفضلة.


البديل الأخير: إضاعة للوقت!

نيمار وباولينيو مع المنتخب البرازيلي
أليكسيس سانشيز (يمين) – نيمار (يسار)

الأحاديث المتكررة عن اهتمام بديبالا أو سانشيز وحتى هازارد ما هي إلا مضيعة للوقت وذر للرماد في العيون وتضليل للإعلام، أو محاولة من الإدارة الكتالونية لتخفيف حدة النقد الجماهيري بخروج نيمار من خلال التركيز على نجوم تحجز الصف الأول في فرقها، ولا يمكن لأي من الأندية أن تسمح بخروج أحدهم في الوقت الحالي الذي يعد بمثابة الوقت الضائع، ولو استطاع النادي الكتالوني حسم أي من هذه الأسماء سيكون هدفًا ذهبيًا بلا شك رغم استحالة حدوث الأمر من أصله.

برشلونة في سباق مع الزمن يبدو منذ الآن أنه سيخرج منه خاسرًا إما فنيًا أو ماليًا، فالأمر أشبه ببطل سينمائي يحاول النجاة والخروج بسلام من مدينة اجتاحها الزومبي، فالجميع بلا استثناء يريدون تجريدك من هذا التميز الذي تملكه، والزومبي هنا هم ضحايا جدد سيتم الإيقاع بهم بالطريقة ذاتها بسبب الانصياع التام للعبة الأفكار التسويقية. بسبب هذه الأفكار يبدو من المستحيل أن تقنع أحد النجوم بترك ناديه بهذه السهولة والسرعة، وخاصة مع مدرب جديد غير جاذب للنجوم بعكس جوارديولا ومورينيو وأنشيلوتي، والحقيقة الأخرى بأن النادي المستهدف سيكون من أشد الطامعين ماليًا بسبب الرقم القياسي من اليوروهات الذي وُضع في خزينة النادي الكتالوني كمهر لانتقال نيمار.