أنت الآن على الأغلب تتهمني بالكذب. حسنًا، لقد حاولت كثيرًا أن أختار عنوانًا آخر لهذا المقال لكن دون جدوى. إنه سحر الكذب الذي لا يقاوم منذ بدء الخليقة، لمسة من الحكمة الكاذبة ولمسات من التشويق المفتعل دون أن تمس عصب الحقيقة، تلك الخلطة التي لا تخيب أبدًا.

بالطبع بيب جوارديولا لم يطلق مثل هذا التصريح، كما أنني أرجو من الله ألا تكون مقتنعًا أن صاحب التصريح الحقيقي هو رئيس وزراء إيطاليا إثر تعرض بلاده لانتشار وباء الكورونا؛ لأن هذا لم يحدث أيضًا.

التصريح مفتعل تمامًا لكنه انتشر بشكل كبير؛ كونه يبدو دراميًا للغاية من مسئول بحجم رئيس وزراء إيطاليا مغلوب على أمره أمام عدو شرس يهابه الجميع مثل فيروس الكورونا. على الجانب الآخر انتشر التصريح لأنه يعبر عن حال البعض الذين يؤمنون بأن الحل سيأتي من السماء. هم يريدون أن يصدقونه؛ فصدقوه.

في المقابل، خرج الكثيرون ليؤكدوا أن التصريح ملفق لكن وكالعادة لن تصمد الحقيقة أمام سحر الكذب. وأصبحت العبارة أكثر أهمية من كونها حقيقية من عدمه.

على الجانب الآخر، تقدم كرة القدم للجميع وجبة مثالية من الدراما والتشويق والفرح والحزن والحماس. ولكي تبقى تلك الوجبة طازجة دومًا فلا بد من بهارات الكذب التي تجعل الوجبة أكثر حلاوة في عيون المتابعين.

لهذا فإن التصريحات الكاذبة والأخبار الملفقة والحكايات الخيالية هي جزء من كرة القدم دون شك. بعض تلك الأكاذيب تعود أصولها إلى حقائق بسيطة والبعض الآخر مفتعل بالكامل. وبعض تلك الأكاذيب كان الكشف عنها بمثابة وبال على أصحابها. دعنا نتناول بعضًا من تلك الأكاذيب بمختلف أنواعها.  

توني العنيف أصبح امرأة

انتشر فجأة ودون سابق إنذار خبر يؤكد أن مدافع نورويتش سيتي السابق وأحد أكثر مدافعي الدوري الإنجليزي عنفًا «توني بويل» قام بعملية تغيير للجنس وأصبح امرأة.

لا أحد يعلم من أين أتى «داني بيكر» مذيع الراديو الإنجليزي بهذا الخبر، لكن الخبر أصبح متداولًا للغاية للحد الذي اضطر معه توني أن يؤكد للجميع بنفسه أن ذلك لم يحدث، بل إن الرجل حرص على أن يؤكد بأنه لم يرتدِ فستانًا نسائيًا قط، وأنه الأقل احتمالاً بين الرجال لإجراء عملية تغيير الجنس.

ليدز يونايتد في لوساكا

عام 1990 وصل مجموعة من لاعبي كرة القدم الهواة والذين يلعبون باسم كلية كارنيجي في ليدز إلى مطار لوساكا في زامبيا ليصابوا بالذهول تمامًا. كان هناك العديد من المراسلين والكاميرات تنتظر وصولهم، بالإضافة إلى اهتمام جماهيري غير مسبوق وغير منطقي أيضًا.

كان السبب وراء كل هذا الاهتمام غير المتوقع هو قصة في جريدة زامبيا ديلي ميل زعمت أن فريق ليدز يونايتد سيصل إلى لوساكا ليقوم بجولة من ثلاث مباريات.

المثير أن فريق الهواة خسر كل مبارياته في زامبيا، كان ذلك هو السبب الوحيد الذي دفع جماهير زامبيا لتتشكك في الأمر. اعترف في النهاية الشخص المسئول عن تلك الجولة أنه سرب تلك القصة الكاذبة إلى الصحافة الزامبية في محاولة لتضخيم الحشود وكسب بعض المال.

ماركو بوجيرس و الحافلة المتنقلة

تقتضي القصة الشهيرة أن لاعب ويستهام السابق الهولندي «ماركو بوجيرس» كان يقيم في حافلة متنقلة. الحقيقة أن بوجيرس لم يستطع أن يتكيف مع إيقاع الكرة الإنجليزية وظهر متوترًا في بدايته، خاصة بعد أن تعرض لعقوبة المنع عن اللعب لمدة أربع مباريات إثر تدخل عنيف.

اختفى بورجيس لبضعة أيام، لم يستطع مسئولو ويستهام العثور عليه كما أنه لم يقم بحجز أي رحلات طيران خلال تلك الفترة. هنا ظهرت أسطورة بورجيس المكتئب الذي يعيش في منزل متنقل عبارة عن حافلة، لكن في الحقيقة أنه عاد لهولندا مستخدمًا سيارته.

ملك التصريحات المزيفة

ربما لا ينسى البعض التصريح المنسوب «لجاري نيفيل» والذي يؤكد من خلاله أنه «إذا خسر من فريق برشلونة بعدد كبير من الأهداف فإنه لن يستطيع أن ينظر في أعين عائلته بعد ذلك».

ظل هذا التصريح كامنًا وظهر فجأة عقب خسارة جاري نيفيل كمدرب لفريق فالنسيا بسبعة أهداف أمام فريق برشلونة، لتبدأ عبارات على شاكلة «يا لسخرية القدر» و«الصمت من ذهب» وما إلى ذلك.

الحقيقة أن تصريح نيفيل كان مزيفًا تمامًا، وكان وراءه ملك التصريحات المزيفة وهو حساب على تويتر باسم GeorgeWeahsCousin. هذا الحساب يقوم بصناعة بعض التصريحات التي تبدو حقيقية للغاية لكنها لم تحدث أبدًا.

لم يكن نيفيل ضحية هذا الحساب الوحيدة، فهناك العديد من التصريحات المزيفة انتشرت بشكل كبير أيضًا؛ مثل تغريدة «رحيم ستيرلينج» التي يتوعد خلالها جماهير ليفربول، أو حديث زوجة المدرب الهولندي «فان خال» عن مدى سخافة «إد وودورد» المسئول الأول عن كرة القدم في مانشستر يونايتد بعد رحيل الأول عن تدريب الفريق.

يقول المسئول عن هذا الحساب إنه يختبر مدى السذاجة التي يمكن أن يكون عليها جمهور الإنترنت، إنه يريد أن يرى في كل مرة المدى الذي يمكن الوصول إليه. فتصريح مثل تصريح نيفيل المزعوم تناقلته العديد من المواقع الموثوقة دون حتى التأكد من صحته.

أكاذيب ساذجة

قد يبدو الأمر دائمًا أن اللاعبين دائمًا هم ضحية تلك الأكاذيب والتصريحات الملفقة، لكن هذا ليس بصحيح على الإطلاق، بل إن أكاذيب اللاعبين أنفسهم هي الأكثر سذاجة على الإطلاق.

خلال عام 2007 اختلق لاعب السيتي الأيرلندي «ستيفن إيرلند» خبرًا بوفاة جدته من أجل التهرب من لعب مباراة منتخب أيرلندا ضد منتخب التشيك.

كان ستيفن في الحقيقة يريد قضاء الإجازة في بيت صديقته، لهذا طلب من «إريكسون» المدير الفني للسيتي آنذاك تمديد إجازته حتى نهاية هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أنه لن يتمكن من اللعب لأنه لا يزال حزينًا وكان عليه المساعدة في ترتيبات الجنازة.

اكتشف الصحفيون بعد ذلك أن جدة اللاعب على قيد الحياة وبصحة جيدة، وصدمت عندما قرأت عن وفاتها في الصحف. غير إيرلند قصته سريعًا ليوضح أن جدته من الأب هي المقصودة بخبر الوفاة، وبدورها قرأت السيدة عن وفاتها حيث قامت بتهديد بعض الصحف باتخاذ إجراءات قانونية وانكشف كذب إيرلند مرة أخرى.

اضطر إيرلند للخروج ببيان صحفي يعتذر خلاله لأسرته بالكامل ويؤكد أنه تعلم درسًا قاسيًا، لكن الحقيقة أن هذا الموقف أعاد تشكيل مساره المهني بشكل كبير.

إيرلند ليس وحيدًا في ذلك أيضًا، فالمالي «محمد سيسوكو» أخبر فريق فالنسيا أنه بصدد لعب مباراة ودية رفقة منتخب مالي ضد منتخب كينيا وبعد عودته آخر مسؤولي الفريق عن لعبه لمدة 48 دقيقة في تلك المباراة، لكن مسئولي الفريق اكتشفوا في الأخير أن تلك المباراة لم تلعب أبدًا.

عناصر الخلطة

دعنا نعود للتصريحات والأخبار الكاذبة، إنها خلطة بسيطة تحتوي على عدد من العناصر تضمن للخبر أن ينتشر بدون توقف.

أول تلك العناصر هو صاحب التصريح. دعنا نتناول المديرين الفنيين كمثال. إذا كان التصريح ينطوي على بعض الحكمة فمن المنطق أن ينسب إلى بيب جوارديولا، أما إذا كان استفزازيًا فهو يليق بجوزيه مورينيو بالطبع. يبقى كلوب أهلًا للتصريحات الغريبة بعض الشيء، بينما زيدان هو ملك تصريحات الثقة في اللاعبين.

العنصر الثاني هو توقيت إطلاق الخبر. انتشر خبر نيفيل الملفق لأنه متسق تمامًا مع توقيت خسارته أمام برشلونة بسبعة أهداف؛ أما العنصر الثالث والأخير هو إثارة الجماهير، محاولة إثارة حفيظة الجماهير هي لعبة مضمونة في أغلب الأوقات.

دعنا نمزج العناصر الثلاثة ونقدم للعالم التصريحات التالية:

بعد أن تأكد بيب من فوز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي قال: انتهت حلول الأرض.. الأمر متروك للسماء، ليهاجم فيروس الكورونا الجميع ويتأجل احتفال رجال كلوب باللقب.

لا أعرف ما إذا كان على فينجر الحديث عن فيروس كورونا أم لا، فهذا الفيروس أحدث من أي بطولة فاز بها فينجر. القائل هو جوزيه مورينيو بالطبع.

أميل إلى الظن بأن هذا الفيروس مختلق. فملاك بعض الأندية ربما وجهوا أموالهم نحو الصين لمنعنا عن التتويج بالدوري. يورجن كلوب.

أثق تمامًا في قدرة لاعبي فريقي في التغلب على هذا الفيروس. إنهم يتدربون جيدًا على مثل تلك المواجهات. لا داعي للقلق. بالطبع تعرف من صاحب هذا التصريح.