على الرغم من أن هشام ونبيل يمثلان اتجاهين سياسيين متناقضين، إلا أن المطالبة بإسقاط نظام عمر البشير جمعتهما هذه المرة، ليخرجا للشارع في احتجاجات اندلعت منذ الـ 13 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بحثًا عن مستقبل أفضل للسودان.

فهشام ذو الخلفية الإسلامية يقول في حديثه لـ إضاءات عن سبب خروجه للشارع والمطالبة بإسقاط النظام:

أُدرك أن الحراك الجماهيري يربك نظام الإنقاذ ويبرز وجههُ القبيح المُتستر خلف أكاذيب وتضليلات ظل النظام ينسجها لعشرات السنوات، فالشارع اختبار عسير لهذا النظام، يثبت صلفه وتخبطه وضعف خطابه وأخلاق قادته.

أما نبيل ذو الخلفية اليسارية، فيقول إنه لا يهدف لإسقاط النظام فحسب، بل لبناء دولة العدالة. بالنسبة لنبيل كانت الاحتجاجات إحدى الأدوات إلا أن الطريق طويل، فإرث النظام الذي يمتد لنحو ثلاثة عقود في المجتمع وتجذره في مفاصل الدولة تلزمهُ معركةٌ أخرى.

منذ أن بدأت الاحتجاجات بالسودان قبل نحو شهرين، حدثت تغييرات على أرض الواقع السياسي من خروج أحزاب من الحوار الوطني وسحب ممثليها من الجهاز التنفيذي والتشريعي، إلى جانب ظهور عدد من المبادرات من شخصيات أكاديمية، سياسية، وإسلامية، أبدت جميعها دعمها للحراك الجماهيري، كما برز في المشهد السياسي رئيس حزب الأمة القومي «الصادق المهدي» الذي أيد علانية في الـ 25 من يناير/ كانون الأول التحركات الشعبية المطالبة برحيل النظام، ودعا إلى تجنب أية مظاهر للعنف المادي واللفظي، مشيرًا إلى أنهم وقعوا مع تجمع المهنيين وآخرين على ميثاق الحرية والتغيير في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، ووضعوا تفصيلاً لنص ميثاق الخلاص والحرية والمواطنة، مشيرًا إلى تسيير مواكب يشارك فيها إضافة للشباب الثائر رموز المجتمع وقادة تكويناته السياسية والمدنية لتقديم المطالب الشعبية في العاصمة والولايات وفي سفارات السودان في الخارج.

اقرأ أيضًا: لهذه الأسباب لا نتوقع رحيل نظام عمر البشير


معركة طويلة

هشام شمس الدين

الشاهد حتى هذه اللحظة هو صمود المحتجين وخروجهم للشارع في كل مرةٍ يعلن فيها التجمع عن موعد جديد للخروج إلى الشارع، رغم القمع الذي تقابل به الأجهزة الأمنية المحتجين، الذين يرفعون في كل مرة شعارهم : «سلمية، سلمية، ضد الحرامية».

هشام شمس الدين عضو حزب المؤتمر الشعبي، انتظر طويلًا أن يتخذ حزبه قرارًا بفض الشراكة مع الحزب الحاكم والانضمام للشارع، وفي نهاية المطاف اتخذ قراره بتقديم استقالته من الحزب الذي أعلن أنه لن يقفز من السفينة، وأن استمراره في الحكم ضمان مهم للتوازن والمحافظة على استقرار الوطن.

انضم هشام إلى الشارع وهو يرى أن الحراك الجماهيري وسيلة ناجعة لإحداث تغييرات كبيرة في النظام وربما تفكيكه أو إسقاطه، لافتًا إلى أن الفئة الحاكمة لا تفهم إلا منطق القوة وفي المقابل لا قوة يمتلكها الثوار أو يسعون إليها سوى الحراك المدني السلمي، مُعتبرًا أن الحراك الجماهيري وسيلة جيدة لتوحيد كثير من الرؤى السياسية والفكرية المتباينة إلى جانب أنه وسيلة لتنفض الفئة الخاملة من الشعب الغبار عن نفسها وتنخرط في العمل أو الانتماء السياسي بصورةٍ أو بأخرى.

هشام الذي واجه الاعتقال والضرب يقول:

الحراك الجماهيري هو غضبة على الظلم والاستبداد والفساد، وأنا غاضب.

مجموعات جديدة

من جانبه يرى عزت الشريف عضو حزب المؤتمر السوداني المعارض في حديثه لـ إضاءات أن انتفاضة ديسمبر/ كانون الأول «نجحت حتى الآن في تجاوز انقسامات الحركة الجماهيرية على أسس جهوية أو عرقية»، لافتًا إلى أن هذا التجاوز خلق تقاربًا داخل الحراك وعزز من اتساعه.

ومنذ بداية حركة الاحتجاجات الأخيرة يشهد الحراك – بحسب عزت – انضمام مجموعات جديدة، مدن أو مجموعات سياسية وتيارات فكرية جديدة، معتبرًا أن ذلك توسع طبيعي لحركة الاحتجاجات، إذ إنها تهز حزام النظام السياسي وفي هزتها تنقل البعض للحياد وتدفع الآخر للانضمام إلى الصف.

وعما يمكن أن يؤدي إليه تواصل الاحتجاجات، يرى عزت أنها ستصيب الحزامالأمني والعسكري للنظام بالتصدع، لافتًا إلى أن هذا الأمر سيشكل إحدى نقاط التحول المرتقب في مسيرة الانتفاضة. وفيما تعوّل بعض الرؤى على الدور الذي يمكن أن يقوم به الجيش إن ساند الاحتجاجات الشعبية، يمضي عزت في حديثه للقول بأن «عدم استجابة قيادات الجيش والأجهزة النظامية لمطالب الجماهير (بذهاب البشير وتكوين حكومة انتقالية بمشاركة الجميع تقود لتحول ديموقراطي) قد يفتح الباب لانقسام وسط الأجهزة الأمنية والعسكرية مما يشكل خطرًا كبيرًا على الوطن والدولة، إلى جانب أن انتظار القيادة العسكرية لمعجزةٍ ما تحل الأزمة الاقتصادية دون الاستجابة للمطالب السياسية، لا يتناسب مع دورها في قيادة أجهزة منوطٌ بها التصدي للتهديدات الخارجية والداخلية».

عوامل أخرى تعزز بحسب عزت من جعل انتصار الانتفاضة حتميًا، فطبيعة النظام الإقصائية وتدخل الجهاز الأمني لقمع المتظاهرين وتضخم الجهاز السياسي لتوفير رشاوى على شكل مناصب وامتيازات، إلى جانب كبت الحريات للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالقمع، هذه كلها تعزز من الأزمة الاقتصادية لتعود للمربع الأول، ويرى عزت أن التحدي الآن ليس حول انتصار الانتفاضة من عدمه بل التحدي حول تخفيض كلفة رحيل النظام.


من الخبز للسياسة

الاحتجاجات التي كان الخبز وقودها تجاوزته لمطالب تنادي برحيل النظام، الكاتب الصحفي عبد الحميد عوض يعلق في حديثه لـ إضاءات عن مآل الاحتجاجات ومدى قدرتها على إسقاط النظام بقوله:

إن الحراك الذي بدأ عفويًا في أيامه الأولى ومرتبطًا بأزماتٍ اقتصادية رئيسية، الخبز، الوقود، السيولة، ثم تحول آخذًا الطابع السياسي مع ظهور التجمع وكوادر الأحزاب السياسية أدى إلى انسحاب المحتجين العفويين من الشارع لتبقى في إطار السياسيين وكوادرهم ومن لهُ ذات الاهتمامات.

يرى عوض أن نجاح الاحتجاجات يرتبط بالأزمة الاقتصادية التي يمكن أن تنشأ مجددًا وتتفاقم لتسفر عن ندرة في السلع الأساسية، معتبرًا أن هذا سيوحد الحراك بين الاقتصادي والسياسي، إلى جانب أن هذه الفترة مهدت لوعي وكسر حاجز الخوف، لتتحول الاحتجاجات إلى قطاعات كبيرة وتدخل في إطار الاهتمامات الأسرية والمجتمعية وبعدها لن يحتاج الحراك إلا لأسبوع واحد ويسقط نظام الإنقاذ.

وفي المقابل مع بدء الاحتجاجات شرع النظام الحاكم في إجراءات اقتصادية في محاولة للحد من الأزمات التي شهدت انفراجًا نسبيًا، وفي حين نجحت الحكومة في الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية بقي الطابع السياسي للحراك، وهنا يرى عبد الحميد عوض أن الرهان سيكون حول مدى قدرة التجمع والأحزاب على استقطاب قوى جديدة.

وفيما تتشكل عدة سيناريوهات، يشير عوض إلى أن الرئيس السوداني عمر البشير ما زال ممسكًا بكل الأوراق وزمام المبادرة، فمن يمتلك مقدرة على الصمود أكثر سيحسم المعركة لصالحه، ومن الجلي حتى هذه اللحظة صمود الشارع. ولا يغيب أيضًا عن الوضع الحالي في السودان التقاطعات الإقليمية التي تُمثل هي الأخرى عاملًا مهمًا، إذ يشير عوض إلى أن الصراع الخليجي باتت تتحول نقطتهُ للسودان.

فقطر رؤيتها ذهاب البشير وبقاء الإسلاميين، أما المحور الثاني مصر والإمارات فهو مع بقاء البشير وذهاب الإسلاميين وذلك في مقابل انعدام أيّ سند إقليمي أو دولي للحراك الشعبي، إذ تهتم الدول بمن يحقق مصالحها وجميعها يدرك أن النظام السوداني هو أكثر نظام يمكن أن تأخذ منه دون أن تعطيه، لذا لن تغامر بدعم الاحتجاجات دون معرفة البديل الذي يتوافق مع مصالحها.

اقرأ أيضًا: لن تسير وحدك أبدًا: دول أوروبية وعربية تدعم بقاء البشير


الرؤى والمطالب

كحال كثير من الشباب السوداني الذي خرج للشارع، يطالب هشام بإزاحة النظام بالكامل وتهيئة الأوضاع للانتقال لنظام تعددي قائم على الحريات والعدالة ونسف ثقافة الفساد والاحتكار والاستبداد وتحقير الآخرين.

ورغم صعوبة التكهن بما يُمكن أن تؤول إليه الأوضاع، يرى هشام أن المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم بالسودان) سيصل لانتخابات 2020 بأيّ طريقة، إذ تنقسم الآراء داخل الحزب الحاكم فهناك فريق يؤيد ترشيح البشير، وفريق يرى تقديم بديل عن البشير لافتًا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى التصارع، مما يعزز من ترشح البشير، ونجاحه في الحكم لخمس سنين أخرى.

أما في حال بروز الحركات المسلحة في المشهد فسيتم تأجيل الانتخابات وإعطاء البشير شرعية لثلاث سنوات ومن بعدها سيناريو الانتخابات، وهو المسار الذي سيؤدي إلى تفجر الأوضاع في المستقبل وقيام ثورة أكبر وأعنف تنتهي بسقوط النظام لا محالة.

وفق الشعارات المطروحة في الشارع السوداني «حرية، سلام، وعدالة»، يرى نائب رئيس حركة الإصلاح الآن المعارض والمؤيدة للحراك الحالي حسن رزق في حديثه لـ إضاءات أن الاحتجاجات الشعبية عبرت عن قضايا حقيقية، لذا لا بُد من استمرارها لجهة عدم وفاء النظام الحاكم بها، مشيرًا إلى أن الحراك سيستمر وسيؤدي لإسقاط النظام لتنهار الدولة من داخلها، فالمؤسسات التعليمية الآن لم تنجح في إكمال مقرراتها رغم استئنافها مؤخرًا عقب تعليقها منذ ديسمبر الماضي، كما ستتعطل بحسب رزق الكثير من مظاهر الحياة في الدولة.

بطبيعة الحال تظل الخيارات مفتوحة وتتعدد السيناريوهات، ففي حال كسب النظام الحاكم هذه الجولة يرى رزق أن الجولة القادمة ستكون أصعب، فثورة الأجيال التي ستأتي ستكون أعنف من ذي قبل، ولا أمل لدى النظام في القضاء على الثورة.


مبادرات وإقصاء

في إطار دعم الحراك الشعبي سعت بعض منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية لدعم الحراك عبر مبادرات قُدمت فيها رؤى لتكوين فترة انتقالية تمتد لأربع سنوات وإصلاحات اقتصادية وسياسية، إلا أن بعضها قوبل بالرفض من قبل تجمع المهنيين السودانيين الداعم والمتبني للحراك الشعبي.

بعض المبادرات ضمت في تكوينها إسلاميين ليعزز ذلك مخاوف من إعادة إنتاج النظام لدى بعض أعضاء التجمع، وهو الأمر الذي جعل الآراء في شدٍ وجذب. ويرى رزق أن الثورة إذن قائمة لعمل ديمقراطي وحر ينبغي أن تمارس أيّ جهة هذا العمل، فالشباب يبحثون عن فرص الحرية والعدالة والديمقراطية سواء كانوا ينتمون لليمين أو اليسار، كما يحق لأي جهة الترشح للانتخابات والحكم إذا انتخبها الشعب.

اقرأ أيضًا: علاقة مضطربة: الحركة الإسلامية والجيش في السودان

أما الاتهامات التي طالت الأحزاب السياسية في محاولة اختطاف الثورة، يعلق رزق على ذلك بقوله إن «الإقصاء الذي برز الآن ومحاولة اختطاف الثورة لمصلحة فكر أيديولوجي أو حزب بعينه هو الاختطاف القادم للثورة والطريق نحو تغيير ديمقراطي حقيقي يُبنى على أساس أن لكل إنسان حقًا في الوجود وحقًا في الانتخاب بصورة عادلة»، معتبرًا أن عدم قبول الآخر هو الذي سيؤدي لفشل الثورة، إذ أدى عدم قبول الحزب الشيوعي في السابق وحله واضطرراهم للعمل في الغرف المظلمة إلى المجيء بانقلاب مايو/ آيار واستمراره لـ 16 عامًا.

كما أسفر التضييق على الحركة الإسلامية سابقًا إلى انقلاب 1989، والذي جاء بالإنقاذ ليتأخر الناس ثلاثين عامًا، ودعا رزق إلى الاتعاظ من التجارب التاريخية، مشيرًا إلى أن المخرج الوحيد هو ديمقراطية حقيقية يمارس فيها كل فرد أو جماعة أو حزب حريته التي تنتهي حدودها عند حرية الآخر.