حين أتيت إلى النادي تلقيت اتصالًا هاتفيًا من جان لويجي بوفون وقال لي إنني من سيعلم لاعبي النادي كيفية الفوز بدوري الأبطال، إنه الحلم الأهم له كلاعب كرة قدم الآن.
— «داني ألفيش» قبل نهائي كارديف.

حين تقرأ ذلك التصريح كمشجع لكرة القدم لا تدري ما هو رد الفعل المناسب الذي يجب عليك فعله، هل تحزن على تلك الأسطورة الحية التي لم تكن أبدًا تستحق المصير ذاته الذي ناله رونالدو دي ليما، رود فان نيستلروي، زلاتان إبراهيموفيتش وغيرهم ممن تتسع لهم القائمة الذين طالما حلموا بحمل ذات الأذنين يومًا ما، أم تشعر بقدر لا بأس به من الاستغراب لذلك الفريق ذي الحظ السيئ في النهائيات الأوروبية إن لم يكن الأسوأ، ابتداءً بنهائي عام 73 أمام أياكس أمستردام، مرورا بنهائي 83 أمام هامبورج، ثم نهائي 97 و 98 أمام دورتموند والريال على الترتيب في عامين متتاليين، ومع ذلك لم يحالفك الحظ، ثم نهائي 2003 أمام الميلان على مسرح الأحلام وتخسر بفارق هدف، ثم تصل للنهائي مرتين في خلال الثلاث السنوات الأخيرة وتخسره أمام فريقين من البلد نفسه، أي حظ هذا يا يوفي!

على الناحية الأُخرى في مدريد هناك مشاعر مختلفة تمامًا عن تلك التي في تورينو، مشاعر فرحة تخالطها مشاعر أُخرى من الإعجاب والفخر بأحد أهم اكتشافات القارة العجوز عبر تاريخها، صاروخ ماديرا وابن البرتغال الذي ظن المشككون أنهم قد نالوا منه بعد انتهاء دور المجموعات وإحرازه لهدفين فقط خلال ست مباريات فقرر الرد عليهم بخمسة أهداف في دور الـ 8 أمام العملاق الألماني مانويل نوير، ثم بثلاثة أهداف في الدور ربع النهائي أمام أوبلاك، ثم بهدفين كانوا أكثر قسوة في مرمى الجان لويجي بوفون الذي كسب تعاطف الجميع اليوم بما فيهم بعض مشجعي ريال مدريد، فمن الواضح أن ظهور كتاب «النجاح لا يأتي بالصدفة» في يد النجم البرتغالي في إحدى صوره على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الذي سبق نهائي كارديف لم يكن صدفة!


الشوط الأول، ما هذا؟

بدأ كلا المدربين المباراة بتشكيلين لم يحوِ أي منهما أي نوع من المفاجآت، حتى قرار زيدان بالدفع بإيسكو بدلًا من جاريث بيل منذ بداية المباراة توقعته أغلب الصحف الرياضية حول العالم، ليس بسبب انعدام الثقة في الجناح الويلزي ولكن ثقة في شخصية زيدان التي تتعلم دومًا من أخطائها، فكان من الصعب بعد أن رأى زيزو عواقب الدفع ببيل وهو ليس في أتم جاهزيته البدنية والذهنية أمام برشلونة في الكلاسيكو أن يدفع به مرة أُخرى في تلك الليلة التي لا تقبل الرهانات أو المجازفات.

تشكيل الفريقين، ريال مدريد(يمين) ويوفينتوس (يسار)، المصدر: www.whoscored.com

ولأنه نهائي دوري أبطال أوروبا فكان لابد من المفاجآت حتى وإن خلت التشكيلات منها، حيث فاجأ اليوفي الجميع بداية بجماهيره في تورينو مرورًا بجماهير الريال، أظن أن أليجري نفسه لم يتوقع تلك البداية. بداية هجومية غير معتادة، رأسية من هيجوايين ثم تسديدة صاروخية من اللاعب نفسه ثم تسديدة أخرى من بيانيتش تصدى لها ببراعة كيلور نافاس، لم يرَ جماهير الميرينجي بوفون إلا بعد مرور 11 دقيقة كاملة من زمن الشوط الأول، رأوه يلعب ضربة مرمى لكرة طالت كالعادة من بنزيما!

تلك الحالة الواضحة من التفوق التي خلقها البيانكونيري كانت بسبب الاستحواذ التام لرباعي خط الوسط «بيانيتش، خضيرة، مانزوكيتش، ألفيش» على الكرة وارتدادهم بشكل سريع للغاية عند فقدان الكرة، فكانوا يتحركون ككتلة واحدة بطريقة تشبه حركة رباعي الـ Diamond في فلسفة العبقري يوهان كرويف، حتى أن الخريطة الحرارية للثنائي «داني ألفيش وبيانيتش» تكاد تكون متطابقة خلال أحداث الشوط الأول، التطابق ذاته تكرر في ثنائية «خضيرة، مانزوكيتش».

الخريطة الحرارية لداني ألفيش وبيانيتش خلال أحداث المباراة، المصدر: www.whoscored.com

نقطة الضعف الوحيدة لليوفي خلال الشوط الأول كانت تقدم ساندرو بشكل مبالغ فيه في بعض الأحيان طمعًا في نشاط الجبهة اليسرى للفريق الإيطالي والبطء في الارتداد بشكل تكرر أربع مرات خلال الشوط الأول استغله كارفخال مرتين كانت إحداهما هي كرة الهدف الأول في الدقيقة 20 والأخرى انتهت برعونة عند إيسكو وثالثة من مودريتش فشل بنزيما في استقبالها بشكل جيد، لكن اليوفي نجح في التعديل بهدف رائع لمانزوكيتش في الدقيقة 27 في توقيت رآه كثير من المحللين والمتابعين مثاليًا لشحن الهمم والروح مرة أخرى داخل لاعبي الفريق الإيطالي، هدف انتهي على إثره الشوط الأول وجعل الجماهير في انتظار الشوط الثاني بشكل جنوني.


الشوط الثاني واللغز الكبير

بعد بداية الشوط الثاني بقليل اشتكى بيانيتش من آلام في الركبة، بالإضافة إلى ارتطام الكرة في قدم خضيرة في الهدف الثاني، الحظ لم يحالفنا.
— ماليسيمو أليجري بعد المباراة.

نعم عزيزي القارئ، الحُجة واهية ولا تليق بفريق قد وصل إلى نهائي كارديف ويريد أن يحمل ذات الأذنين، ولا أظن أن أحدًا من جمهور اليوفي في تورينو قد اقتنع بتلك التصريحات من أليجري. أكاد أجزم أيضًا أن لا أحد من المحللين أو المتابعين يعلم تحديدًا ماذا حدث الشوط الثاني، ماذا قال أليجري للاعبين بين شوطي المباراة؟ ما طبيعة تلك الكلمات التي يمكن أن تحول لاعبين لديهم من الخبرة ما يكفيهم للتماسك في تلك المناسبات بهذه الدرجة؟

دخل الريال كعادته هذا الموسم معتمدًا بشكل رئيسي على أطرافه مارسيلو وكارفخال واختراقات بين الحين والآخر من لوكا مودريتش من العمق، لكن الجديد هذه المرة هي حالة اللامقاومة من لاعبي اليوفي، بطء ملحوظ في التحرك وتراخٍ غريب في التغطية بين رباعي خط الوسط التي تميزوا بها في الشوط الأول، الثلث الأمامي منعزل تمامًا عن باقي الفريق لقلة خبرة ديبالا من ناحية وزيادة وزن هيجوايين من ناحية أخرى بشكل جعله يظهر بمظهر كوميدي حين حاول أكثر من مرة النزول إلى وسط الملعب ومحاولة مراوغة مدافعي الريال.

أصبحت كل شروط الانقضاض على الفريسة متوافرة لدى لاعبي الميرينجي، أطراف مفتوحة على مصراعيها، مساحات متروكة للوكا مودريتش في وسط الملعب حتى وإن كانت مساحات ضيقة، لكنها كافية لمتوسط ميدان فريق بحجم ريال مدريد، روح مفقودة تركها لاعبو اليوفي في غرف خلع الملابس بين شوطي المباراة، فكان من الطبيعي استقبال هدف أو هدفين وربما أكثر.

لم يتركنا كاسيميرو في حيرة من أمرنا حتى جاءت الدقيقة الـ 61 فقرر تصويب كرة مرتدة من دفاع اليوفي ارتطمت بقدم سامي خضيرة لتتهادى في مرمى بوفون، المفارقة أن الكرة اختارت سامي خضيرة تحديدًا بالرغم من أنه أحرص لاعبي الفريقين على تقديم مباراة العمر أمام الفريق الذي تخلى عنه مجانًا عام 2015 بحفل تكريم صغير مما اعتبره متابعي اللاعب الألماني خروجًا من الباب الضيق.

nnnnn

لم تمر ثلاث دقائق حتى نجح مودريتش في الهروب من وراء ساندرو ورفع عرضية لكريستيانو الذي تحرك بشكل يوضّح لك قيمة لاعب من طينة رونالدو، لاعب نجح في الهروب من رقابة خضيرة ثم التحرك بسرعة كبيرة من خلف بيانيتش ثم تصويب الكرة قبل بونوتشي، كل هذه الأشياء إن حدثت مرة من قبيل الصدفة فإنها لن تتكرر بذلك الشكل العجيب، قدرة كريستيانو على التمركز بشكل يُدرّس في مدارس الكرة للصغار حولته لآلة تهديفية جبارة، تحولًا كان كفيلًا أن يقلل من تأثير تراجع مردوده البدني نظرًا لتقدمه في العمر، تحوّلًا جعل مدح هذا الكريستيانو العجيب لا ينتهي بعد أن كانوا ينعتونه بالمنتهي!

كريستيانو رونالدو.

باتت المباراة في اتجاه واحد بعد ذلك وهو اتجاه مرمى الجان لويجي بوفون، فنجح أسينسيو أن يسجّل الهدف الرابع في الدقيقة الـ 90 وكأن الكرة تريد أن تكافئ أحد أهم مواهب القارة العجوز على مجهوداته الرائعة مع الفريق هذا الموسم، بالطبع الفريق البافاري كان أبرز الشهود على تلك المجهودات.


زيدان ؟ أعطوا له كل شيء

أشاهد فيديوهات عديدة لخطوط الدفاع التي سأقابلها وأسجل نقاط ضعفهم وثغراتهم ثم أتمرن على اختراقها في التدريبات أكثر من مرة بشكل منفرد.
زين الدين زيدان احتل الكرة الأوروبية في وقت قياسي، ما فعله إعجاز، زيزو هو نابليون بونابرت الكرة الأوروبية.
محمد أبوتريكة.

بعد الفوز بالليجا صرّح زيدان وقال إنه اجتمع بكريستيانو في بداية الدور الثاني من الليجا واتفقا على ضرورة لعبه لعدد أقل من الدقائق أثناء بعض المباريات بشكل يضمن له أن يكون أفضل لاعب في العالم في نهاية الموسم، استطرد زيدان تصريحاته فقال إن كريستيانو لاعب ذكي مثله تمامًا، فوافق سريعًا كما كان يتوقع.

الموسم ينتهي وكريستيانو أفضل لاعب في العالم، الموسم ينتهي وكريستيانو هو الهداف التاريخي لدوري أبطال أوروبا بـ 105 أهداف، كريستيانو بعد ما أنهى دور المجموعات بهدفين فقط في البطولة أنهى البطولة بـ 12 هدفًا متفوقًا على ليوميسي صاحب الـ 11 هدفًا، 10 أهداف منذ بداية دور الـ 8، خمسة أهداف في «مانويل نوير» و ثلاثة في «أوبلاك» وهدفان في «بوفون»، جائزة الـ Ballon d’or هذا العام ينبغي أن تكون مناصفة بين كريستيانو وزيزو الذي فرض اسمه كأسطورة في التدريب على كل من هاجموه الموسم الماضي، إن لم تكن أنت واحدًا منهم بالفعل.

المراجع
  1. موقع whoscored العالمي.
  2. موقع squawka العالمي.