وضعت «الموسوعة البريطانية-Encyclopædia Britannica» تعريفًا واضحًا لفن المونودراما-Monodrama. حين يتواجد بطل واحد فقط على خشبة المسرح ليقوم بالمطلوب في العرض. دراما مصممة ليتم التصرف فيها من قبل شخص واحد فقط، حتى لو أُحيط بأشخاص وممثلين أخرين، سيظل الحوار له وحده والبقية صامتة، دون كلام.

ووفقًا لفرضية «شكسبير» بأن العالم بالكامل عبارة عن خشبة مسرح، نجد أن هنالك أمورًا في الحياة تدفعنا -دفعًا- نحو القيام بعروض مونودرامية، يتخلى فيها عنا الجميع، لنصبح وحيدين فوق خشبة الحدث. نملك الحوار، الحبكة، عيون الحضور والرغبة في نجاح ذلك العرض، وحدنا. مثل تلك العروض لا تنتهي بنهايات سعيدة في الغالب، لكن الأكيد أنها تؤدى بالدموع.


سكتة دماغية وعزلة اجتماعية

حين أصبتُ بالسكتة الدماغية، جميعهم تركوني، قالوا لي لا. لستُ أعلم السبب.
الغاني المعتزل «جونيور أجوجو».

أكتوبر الماضي، أصدرت شبكة «بي بي سي» فيلمًا وثائقيًا لرفع مستوى الوعي المجتمعي عن فقدان القدرة على الكلام في اليوم العالمي للسكتة الدماغية. شهد الفيلم ظهورًا مفاجئًا للاعب الغاني المعتزل، جونيور أجوجو، والذي خرج لتوه من مرحلة مرضية مدمرة خلال إصابته، ولمدة عامين، بالسكتة الدماغية. اعتزل أجوجو اللعبة بعد تجربة أخيرة داخل أسكتلندا. بعدها، وفي يناير/كانون الثاني لعام 2015، سقط أجوجو تحت وطأة هذا المرض -السكتة الدماغية- والذي أدى في وقت لاحق إلى فقدان القدرة على الكلام مما يؤثر بشدة على قدرة الشخص في استخدام اللغة حتى بعد تعافيه من ذلك المرض.

ظهر الغاني صاحب الـ38 عامًا في الفيلم بلا قدرة على ربط الجمل ببعضها البعض، فقط يظهر عليه بشدة معاناته خلال تلك المرحلة المدمرة. الغريب أن أجوجو لم يتحدث عن صعوبة الأدوية المعالجة، ولا البقاء لأيام طوال ملازمًا للفراش، لكنه تحدث عن كم العزلة الاجتماعية التي ضربته بعد أن وقع ضحية لهذا المرض، فمن المعروف عن أجوجو أنه كان ملازمًا لثلاثية: مايكل إيسيان، صامويل إيتو وديديه دروجبا، حتى أنك ستجد قمصانًا للثلاثي موجودة في إطارات على حوائط الغرفة التي سُجل فيها مع الغاني أجوجو.سأل الصحفي أجوجو عن دور هذا الثلاثي تحديدًا معه خلال مرحلة مرضه، لكن الإجابة كانت صادمة: «لا يتواصل أحد منهم معي الآن».

أجوجو ظهر تائهًا في تلك النقطة تحديدًا. حاول أن يشير إلى أن السبب في ذلك الانقطاع مع أصدقائه -أو هكذا ظن أنهم- كان بسبب صعوبة استخدام اللغة والكلمات من قبله. الحالة المرضية التي وقع فيها ذلك الغاني المخضرم جعلته لا يصدق -بعد- كونه دخل مرحلة مونودرامية من حياته الشخصية. حاول أن يجمع اللوم كله على كاهله، لكن حالته لم تكن الوحيدة، فقط كان -أجوجو- سعيد الحظ لأنها ظهرت خلال وثائقي لأحد الشبكات الكبيرة كـ«بي بي سي».


رحلة حارة من وإلى إسبانيا

«كنتُ معتادًا على البقاء في المنزل طوال سنيني الأُوَل. مع أبويّ في الشمال، لم نعرف سوى «أوفيدو» فريقًا في كل العائلة. قضيتُ فيه كل طفولتي كلاعب قصير القامة يتم رفضه في كل الفرق التي يحاول الانضمام إليها أو التي سعت إلى ضمه من تلقاء نفسها. 18 عامًا، كان سنًا مناسبًا جدًا من أجل رحلة إلى أجواءٍ حارة في «فياريال».

«هناك في الأكاديمية، اعتقدتُ أن الباب قد فُتح لي، الباب الذي بسببه أنا لاعب كرة قدم الآن. شاب صغير يشعر بالوحدة في أيامه الأولى هناك بعدما غادره أبواه للعودة إلى الديار؛ ليبدأ حياته الجديدة، وحيدًا. الأسبوع الأول كان صعبًا للغاية بدون من يطبخ لي، بدون من ألجأ له لحل مشاكلي التي لم أعتد أن أواجهها وحدي، بدونهم، ذلك ساعدني كثيرًا في هذه الأيام. لا زلتُ أستفيد من تلك الفترة حتى اللحظة التي أتحدث فيها الآن.» -سانتي كازورلا في فيلم وثائقي عن بدايته كلاعب.

رحل الإسباني كازورلا من ماربيا -مسقط رأسه- إلى فياريال في سنٍ متقدم -18 سنة-. قضى هناك فترات ذهبية، تعلم خلالها العديد من الأشياء، أهمها: البقاء وحده دون عائلته ودون أنيس. بداية مبكرة جدًا لعروض المونودراما بالنسبة لذلك الشاب الصغير.

بعد عدة سنوات، غادر كازورلا الوطن نحو رحلة مليئة بالشغف والطموح نحو عاصمة الضباب، لندن. كان يأمل خلالها أن يحطم أغلال المستحيل التي كانت تقيده في صغره كلاعب قصير القامة، كي يضع نفسه بين الكبار بالرغم من قصر قامته تلك، لكن لسوء الحظ، كاحله الضعيف لم يقوَ على حمل كل هذا الشغف الموجود في ذلك الباسم دائمًا.

حياة كازورلا كانت مليئة بالعروض المونودرامية، لكن أصعبهم بدأ في العاشر من سبتمبر لعام 2013. سقط سانتي مصابًا في كاحله أثناء لقاء إسبانيا الودي ضد تشيلي. منذ ذلك التاريخ، وهو معتاد على اللعب بألم واضح في تلك المنطقة من قدمه، دون أن يعلم أحد. مونودراما صامتة.

كلما كنت دافئًا كان الأمر أسهل. بين شوطي المباراة، حين تدب البرودة في جسدي بعض الشيء، الأمر يتحول إلى صعب جدًا. أبدأ فعليًا في البكاء.
تصريحات سانتي كازورلا عن إصابته.

الأمر الذي بدا بسيطًا في بداية إصابة الإسباني، وصل لمرحلة خطيرة جدًا. الطبيب الإسباني «ميكيل سانشيز» وضع يده على رأسه -من الصدمة- حين فتح قدم كازورلا في غرفة العمليات. الإصابة دمرت جزءًا عظيمًا من عظمة كعب القدم -العظمة الأكبر في القدم بالكامل-، تلك الإصابة سببت تآكلاً في وتر أكيلس وصل لـ8 سنتيمتر من ذلك الوتر الهام في مؤخرة القدم.

صورة توضيحية للوضع التشريحي للقدم موقع إصابة كازورلا.

عند هذه النقطة بالتحديد، اكتشف الأطباء 3 أنواع بكتيريا عدوانية، أحد هؤلاء الثلاثة هو الذي تسبب في كل هذا الضرر بتلك النقطة من القدم. دخل اللاعب من بعدها في مرحلة طويلة من العلاج عن طريق المضادات الحيوية من أجل القضاء على تلك البكتيريا، لكن كان جل الخوف من وصول العدوى إلى الدم، مما كان سيعني أن بتر القدم هو الحل الوحيد للمعضلة.

خلال تلك الفترة البائسة من عمر كازورلا، خاض 8 عمليات جراحية، تم خلال أحدهم نقل جزء من جلد يده إلى قدمه من أجل الحفاظ على تلك القدم المتهتكة من البتر، لكن صحفيي الماركا، الذين تحركوا فور عودة كازورلا إلى إسبانيا مرة أخرى، تفاجأوا بأنه وبالرغم من كل هذا لا زال كازورلا يبتسم كعادته، إلا لسببٍ واحد فقط.


طول الإصابات يحفز عروض المونودراما

على تطبيق «واتس آب»، وضع سانتي إشارة واضحة جدًا مليئة بالتحدي: «لن أسامح أولائك الذين يرغبون في عدم عودتي للعب مرة أخرى».

قرر كازورلا العودة إلى إسبانيا بالرغم من أنه خاض مرحلة طويلة من العلاج داخل المملكة البريطانية. السبب الذي يخطر في بال الأغلبية عند سماع انتقال كهذا سيتجه نحو العودة إلى العائلة، الوطن والأهل، في حين أوضح سانتي أن أسرته وأولاده لا زالوا في لندن ولم يعودوا معه إلى إسبانيا.

التقرير الأخير الذي جاء من الأطباء في إنجلترا بخصوص حالة كازورلا، كان أن اللاعب إن عاد للمشي مرة أخرى مع أولاده في الحديقة سيُعد إنجازًا يجب أن يشكر. ما يفيد بأنه هناك استحالة للعودة للملاعب مرة أخرى، هذا ما يرفض سانتي الاستسلام له مهما كانت دفوع هؤلاء الأطباء.

كل ما مررتُ به لم يكن إصابة كما يظن الناس. لم يثق أحد بي ولكنني لا زلتُ أثق بنفسي، حتى في ظل ذلك الألم الشديد الذي يجعلني حذرًا.
سانتي كازورلا لصحيفة جارديان.

سانتي كازورلا قد تيقن أن الجميع في إنجلترا لم يثق به. لم يعد أحد هناك يؤمن بأنه سيعود مرة أخرى، حتى أنه فقد الاتصال بكل زملائه من هناك، أو بالأحرى كل زملائه السابقين عدا ثلاثة: ديفيد فيا، أندرياس إنييستا وسيلفا. كلما طالت مدة الإصابة كلما شعر سانتي أنه يفقد شيئًا فشيئًا من ضرورة تواجده هناك، حتى بالرغم من التجديد الأخير الذي وقعه لدى إدارة الجانرز.

ووفق التصريح الأخير للمدير الفني الفرنسي، أرسن فينجر، فإن الوضع الراهن في حالة أحد أبرز الغائبين عن أرسنال في الوقت الحالي، سانتي كازورلا، فإنه قد دخل في أحد أهم عروضه التي سيؤديها وحده، مونودراما، إما أن ينجح ويعود للملاعب ولو لدقائق معدودة يُجيب فيها على كل هؤلاء الذين رفضوا الإيمان به، وإما أن يفشل عرضه الأخير ويتوارى خلف كالوس تلك الإصابة المُدمرة.