عام جديد بنفس السيناريو في النصف الأزرق من مدينة مانشستر. حتى جائحة كورونا التي غيرت من نظام الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا (مباراة واحدة بدلاً من مباراتي ذهاب وإياب) لم تستطع منع مانشستر سيتي و«بيب جوارديولا» من المداومة على روتين الخروج من دور الثمانية للمرة الثالثة على التوالي.

لكن هذه المرة كان الخروج أكثر إحراجًا، لدرجة جعلت اللاعبين يشكون في قدرات مدربهم. مصدر مقرب من غرفة ملابس الفريق أخبر موقع «The Athletic» أن اللاعبين قد ظنوا أن تدربهم لثلاثة أيام كاملة قبل مباراة دور الثمانية على اللعب بخمسة لاعبين في خط الدفاع، كان تحضيرًا لمباراة بايرن ميونخ المنتظرة في نصف النهائي أو باريس سان جيرمان في النهائي، وليس لمواجهة ليون.

كشف مصدر آخر عن انزعاج اللاعبين للتدرب معظم الموسم على نظام الـ 4-3-3، وفجأة يقرر «بيب» تغيير طريقة اللعب من أجل ليون، سابع الدوري الفرنسي، ثم وصف المصدر حالة اللاعبين بكلمتي «مرتبكين ومحطمين».

أهلاً بك في عالم الـ Overthinking

تظهر مشكلة ما سبق أنك تقرؤه الآن ومانشستر سيتي يقدم أمتع كرة قدم في موسم 2020/21، بل وأنهى المنافسة على لقب البريميرليج إكلينيكيًا مبكرًا. لكن تلك الكواليس كانت أقرب للتصديق في سياقها وتاريخها، كما أنها جاءت مفصلة على مقاس الاتهام الشهير لـ «جوارديولا» بالـ «Overthinking» أو التفكير الزائد.

ذلك الاتهام الذي يلاحق المدرب الكتالوني منذ حقبته في بايرن ميونخ، والذي يشير لتعديلات «بيب» الزائدة عن الحد في المباريات المصيرية (خاصة في دوري الأبطال)، وقد دعمه تصريح للمدير الرياضي السابق للعملاق البافاري «مايكل ريتشكه»، وآخر لـ«توماس مولر»، الذي قال صراحة إن في بعض الأوقات لا يكون واضحًا بنسبة 100% للاعبين ما عليهم القيام به.

إن قمت بربط تلك الخيوط مع تحقيق «جوارديولا» لأسوأ بداية في تاريخه التدريبي بدوري 2020/21، بجمع 12 نقطة من 8 مباريات، واكتفاء لاعبيه بتسجيل 10 أهداف فقط، ستجد أن لحظة الشك التي بدأت بمباراة ليون، تحولت إلى كرة ثلج توشك على الإطاحة بالمدرب الفيلسوف.

لكن فجأة وبدون مقدمات أو بمقدمات ليست بالوضوح الكافي، عكست كرة الثلج مسارها، وتحول شك اللاعبين بمدربهم إلى ثقة لا حدود لها، تترجمها النتائج والهيمنة التكتيكية على أرض الملعب، وانتقلت عدوى الـ «Overthinking» من مدرب برشلونة الأسبق إلى المشجعين والنقاد.

على سبيل المثال، طرح «سام لي» بموقع «The Athletic» سؤالاً بريئًا عما إذا كان مانشستر سيتي أفضل بدون «كيفين دي بروين»؟ تخيل، أن يصل الحال لهكذا سؤال عن أفضل لاعبي الدوري بموسم 2019/20 وفقًا لاختيارات رابطة اللاعبين المحترفين.

ثم بالغ زميله «جاك بيت بروك» بالـ «Overthinking» وعنون مقاله بجملة: «جوارديولا جعلني أفكر أن توتنهام لم يكن عليه إقالة بوتشيتينو». وهنا تظهر أمامنا فرصة للانضمام لمسابقة التفكير الزائد وتعميم الطرح على حالات أخرى للعديد من المدربين الكبار الآخرين، الذين توقفت العجلة عن الدوران معهم كما حدث بالضبط مع «مانشستر سيتي»، لكن أحدًا منهم لم ينتفض مثلما فعل «جوارديولا»، لماذا؟

من فات قديمه تاه

كان ذلك بعد التعادل بنتيجة 1-1 أمام ويست بروميتش ألبيون على ملعبنا، كان بإمكاننا الفوز لكن بعد المباراة أخبرت الجهاز الفني وأصدقائي أنني لا أحب الفريق، ولا أحب الطريقة التي نلعب بها، لا تهمني النتائج لكنني لا أحب ما أراه، ولم أعد أستطيع التعرف على فريقي.

كنا أسرع من اللازم، نركض كثيرًا أثناء الاستحواذ دون التمركز جيدًا، كان الجميع يتحرك يمينًا ويسارًا ويسارًا ويمينًا وكأننا لا نعلم ما علينا فعله بالضبط. كانت نقطة قوتنا هي الهدوء ومعرفة كل لاعب أين يتواجد زملاؤه في الملعب.

فقط عدنا إلى المبادئ، a b c؛ الجناحان بالأعلى يمددان عرض الملعب، المزيد من اللاعبين في الوسط، مزيد من الهدوء والتمريرات بالكرة، وبدونها. عدنا للركض كالحيوانات، ثم تكفلت جودة اللاعبين بالبقية، ومع كل فوز كانت الثقة تزداد.
بيب جوارديولا في حواره مع لاعب مانشستر يونايتد السابق ريو فيرديناند

كان تلك رؤية المدرب الكتالوني لتعديلات فريقه التي قلبت حاله رأسًا على عقب، لكن الغريب أن التعديلات كانت مجرد عبارة عن عودة للمبادئ القديمة! لكننا سنحاول رصد أبرز ما تم من خلال ثلاث نقاط.

تتعلق النقطة الأولى برقم «PPDA» وهو مؤشر لحساب عدد التمريرات التي تسمح بها لخصمك أثناء بناء الهجمة قبل كل تدخل دفاعي من فريقك (مقياس لحدة الضغط)، ويحقق مانشستر سيتي في موسم 2020/21 رقم 11.5 للمباراة الواحدة، وهو الأسوأ في آخر 4 مواسم، ويمكننا القول إن تنظيم حدة الضغط هو أول خطوات التكيف مع غياب قاطع الكرات الأول، «فيرناندينيو».

أما النقطة الثانية فهي عن الهدوء وعدد التمريرات التي تحدث عنها «بيب»، فكلما زاد عدد التمريرات منح لاعبو السيتي أنفسهم وقتًا للتمركز الجيد، الذي يخدمهم في حالة الهجوم، وكذلك الاستعداد للتحول من الهجوم للدفاع واحتواء مرتدات الخصم (Rest-Defense)، وهنا منحت جودة التمرير أفضلية لـ «زينشينكو» على حساب «ميندي»، في التمركز كلاعب ثالث في قلب الدفاع أو الوسط.

ماركة جوارديولا

اكتملت المنظومة الدفاعية بقدوم قلب الدفاع البرتغالي «روبن دياز»، الذي وصفه مدربه بالقائد الذي يحرص على توجيه من حوله دائمًا ومساعدتهم على اتخاذ القرارات، وهو ما كان ينقص خط دفاع السيتي. وكانت النتيجة استقبال الفريق (0.9) فرصة محققة للتسجيل للمباراة الواحدة، أقل من الموسم الماضي.

ثم تأتي النقطة الثالثة والتي يمكن وصفها بماركة «بيب»، التي تحسب له كإحدى الإضافات التي أضافها لتكتيكات كرة القدم؛ الظهير الوهمي، والذي وصفته قناة «دويتش فيله» على اليوتيوب بالثورة الصغيرة، لأن الثورات الكبيرة تشمل إضافات أكثر أهمية كالكرة الشاملة والكاتيناتشو وما يعادلها.

يزيد دخول الظهير في عمق الملعب من خيارات التمرير أمام قلبي الدفاع، مما يساعد فريق «بيب» على الخروج بالكرة من العمق، عوضًا عن الطرفن وهو أمر مفضل لفريق جوارديولا، لأن ميل الكرة للطرف مع وجود خط التماس، يتيح فرصة أفضل للخصم من أجل الضغط.

أما في حالة فقد الكرة والتحول من الهجوم إلى الدفاع، فوجود الظهير بعمق الملعب –بجوار لاعب الارتكاز– يمنح الفريق قدرة أكبر على السيطرة على مرتدات الخصم.

لكن مع جودة «جواو كانسيلو» تحول الأمر من مجرد مساعدة في مرحلة الخروج بالكرة إلى صناعة الأهداف، حيث يحتل البرتغالي المركز الرابع بين لاعبي البريميرليج من حيث عدد التمريرات المرسلة لمنطقة الجزاء، وعدد الفرص المصنوعة من اللعب المفتوح(3.83 فرصة لكل مباراة).

نقطة التحول الحقيقية

لكن تلك التعديلات ورغم وضوح تأثيرها على أرض الملعب، فإن وصف «بيب» لها بمجرد العودة لمبادئهم القديمة جعلنا نفكر في أمر آخر قد يكون سببًا مكملاً لمشهد ذلك الانقلاب، سببًا قد يجيب عن سؤال: لمً لا ينتفض الجميع مثل سيتي جوارديولا؟

يوضح الرسم البياني التالي متوسط الأهداف التي أحرزها السيتي والأهداف التي استقبلها في بداية موسم 2020/21، لاحظ نقطة الالتقاء بين الخطين ثم صعود أحدهما وهبوط الآخر، تقريبًا في منتصف شهر نوفمبر 2020، وبالصدفة، كان ذلك نفس الشهر الذي أعلن فيه مانشستر سيتي تجديد عقد مدربه حتى عام 2023.

متوسط الأهداف التي سجلها مانشستر سيتي والأهداف التي استقبلها

تلك كانت اللحظة الفاصلة، وتعامل إدارة السيتي معها هو تعامل غير مسبوق، لم يحظَ به أي مدرب من قبل، كم نادٍ أقبل على تجديد عقد مدربه عندما انهارت النتائج بهذا الشكل؟ كم نادٍ لم يشعر لاعبوه بأن المدرب هو الحلقة الأضعف التي سيتخلصون منها عندما تسوء الأمور؟ تقريبًا لا أحد.

عندما نفوز نحن سعداء، عندما نخسر، لا أحد يسألني عن سبب الخسارة، بل يسألونني عما يمكن فعله للتحسن. لا أحد يحكم عليّ بالنتائج فقط، الصحافة تعلم ذلك، واعتقد أن اللاعبين يعلمون أيضًا. كما تعلم فالمدرب هو الحلقة الأضعف، لكن هنا يعلمون أنني محمي ولدي كل الحرية لاتخاذ القرارات المناسبة.
بيب جوارديولا في حواره مع لاعب مانشستر يونايتد السابق ريو فيرديناند

قد يكون مدرب برشلونة وبايرن ميونخ السابق محظوظًا بتلك المعاملة، لكنه انتزعها بنفسه وعن استحقاق كامل، لأن أسلوب اللعب الخاص به جعله أكثر أهمية لنادٍ ما زال يخطو خطواته الأولى لصناعة التاريخ وزيادة قاعدة المشجعين.

وفقًا لـ«بريان ماروود» الذي يشغل منصب «managing director of global football»، كان السيتي يحتاج إلى هوية، وأسلوب لعب مميز، يبني عليه المشروع كاملاً، لذا مثّل التعاقد مع جوارديولا نقطة حرجة -على حد وصفه-، واختلف الفوز معه عن الفوز مع روبيرتو مانشيني أو مانويل بيليجريني، لكن ما لا يعلمه ماروود أن نظرتهم إلى «بيب» قد تكون السبب وراء ما حدث في موسم 2020/21.