كنت أتجول في الطريق عندما استوقفتني لوحة رائعة فيها سُحب بيضاء، وسحب رمادية، وأخرى تميل للاحمرار وكل تلك السحب ممتزجة في خلفية زرقاء جعلتها أبهى لوحة.

لكن أتعلم؟ أنا أرى الكثير من تلك اللوح في كل مكان في الطبيعة، لكن ما يستوقفني حقًا ويشغل تفكيري ليس جمال كل لوحة بل سبب كل لون في تلك اللوحة، فلِمَ هناك العديد من ألوان السحب وليست لونًا واحدًا؟ ولِمَ السماء زرقاء وليست بيضاء مثلاً؟

فهيا بنا في رحلة علمية في أعماق اللوحة لنستكشف ألوانها…

 

لنبسط الأمر سوف نقسِّم السماء إلى 4 عناصر نستكشفها:

1- السماء الزرقاء.

2- السُحب البيضاء.

3- السُحب غامقة اللون.

4- السُحب المائلة للاحمرار.

هل سألت نفسك من قبل لِمَ السماء زرقاء؟

في البداية يجب توضيح -لمن لا يعلم- أن الضوء الأبيض القادم من الشمس يحمل كل ألوان الطيف؛ فالضوء الأبيض يحمل في ثناياه الضوء الأحمر والأصفر والبرتقالي والأخضر والأزرق والبنفسجي.

وإيضاح آخر أن الطول الموجي يختلف من لون لآخر؛ فالأحمر صاحب أطول طول موجي ويظل يصغر حتى نصل للأزرق والبنفسجي صاحب أقصر طول موجي في الضوء المرئي.

الأطوال الموجية للضوء المرئي

إن نظرت لشجرة مثلاً تجد لونها أخضر، والسبب وراء ذلك هو أنه عندما سقط بعض الضوء على الشجرة امتصت كل الضوء الساقط عليها وعكست الضوء الأخضر فقط لذلك رأيتها خضراء.

لكن السماء لا تفعل ذلك بل يحدث شيء آخر يسمى تشتت الضوء Light Scattering، وذلك أن جزءًا من الضوء الذي يعبر الغلاف الجوي يتشتت فيه بسبب جزيئات الهواء الذي يمر عبرها، ويمكن تقسيم التشتت لنوعين يعتمدان على حجم الجزيئات التي يمر الضوء عبرها.

فلو أن الجزيئات التي يمر بها الضوء صغيرة أقل من 100 نانومتر يحدث ما يسمى بـ «تشتت رايلى» Rayleigh scattering، وهو أن الضوء صاحب الطول الموجي القصير يتم تشتيته في حين يمر باقي الضوء.

وكما علمنا أن الأزرق هو صاحب الطول الموجي القصير، لذلك يتشتت في السماء وتظهر لنا السماء باللون الأزرق كما نراها في لوحتنا.

 

من الممكن أن يتساءل أحدنا: لِمَ لَم يتشتت الضوء البنفسجي القادم من الشمس رغم أن طوله الموجي أقصر من الأزرق؟

بالفعل يتشتت اللون البنفسجي مع الأزرق لكنه لا يظهر واضحًا لنا لسببين: الأول لأن كميته القادمة من الشمس قليلة مقارنة بالأزرق الذي يأتي بكمية كبيرة، والثاني مرتبط بمستشعرات أعيننا فنرى اللون البنفسج القليل مع الأزرق على أنه أزرق فقط وذلك السبب الأهم.

إن شك أحدنا في صحة هذا الكلام، فيجب أن ينظر لأكبر دليل على صحة هذا الكلام: سماء القمر، القمر ليس له غلاف جوي لذلك لا يتشتت ضوء الشمس، وإن نظرنا في تلك الصورة نرى الشمس على سطح القمر وليس حولها سماء زرقاء بل سماء شديدة السواد، لعدم وجود غلاف جوي يشتت الضوء.

ويمكنك مشاهدة غروب وشروق الشمس في سماء القمر بالضغط هنا.

سماء القمر

إذن لماذا معظم السحب بيضاء؟

هنا يظهر نوع التشتت الثاني الذي يسمى بـ «تشتت ماي» Mie scattering، يحدث مع الجزيئات الأكبر من 100 نانومتر ويشتت جميع الأطوال الموجية، ولا يقتصر على القصير فقط.

فإذا نظرنا للسحاب فنجد أنه مُكوَّن من جزيئات بخار المياه التي تكبر 100 نانومتر، فعندما يمر بها الضوء تشتت جميع الأطياف الموجية بالتساوي، فتظهر باللون الأبيض مجددًا.

ويمكنك التأكد من هذا التفسير بتجربة سهلة أجراها البروفيسور «والتر لوين» ليشرح تلك الظاهرة، شاهدها بالضغط هنا.

ملحوظة: يتكون 78% من الغلاف الجوي من النيتروجين (حجمه أقل من نصف نانومتر) و21% من الأكسجين (حجمه أقل من خمس نانومتر)، وهما أقل بكثير من 100 نانومتر ويكوّنان معظم الغلاف الجوي، لذلك يحدث تشتت رايلي أما السحب فتتكون من بخار المياه (حجمه حوالي 10 آلاف نانومتر) لذلك يحدث تشتت ماي.

أثناء هطول المطر تتكون سُحب رمادية وسوداء: فلماذا ليست بيضاء كغيرها؟

تتكون السُحب من بخار المياه الخفيف فيبدأ بتشتيت الضوء كما وضحنا سابقًا، لكن مع الوقت تزيد كثافة السُحب وتبدأ بتجميع بعض الأتربة معها، وعندما تصل لوقت المطر تكون سحابة كثيفة مليئة بكريستالات المياه التي سوف تسقط، وهذا يزيد من عتمة السحابة فتصبح السحابة مادة معتمة لا تُشتت الضوء بل تحجبه أو تعكسه، لذلك تظهر السحابة (رقم 3) رمادية من الأسفل لأنها حجبت ضوء الشمس عن أنظارنا.

أما تلك السحابة الحمراء (رقم 4) فهي نفس السحابة التي ذكرناها بالأعلى، السحابة المعتمة (التي تحجب الضوء أو تعكسه) لكنها موجودة بزاوية مختلفة تجعلها تعكس ضوء الشمس الأحمر وقت الغروب بدلاً من حجبه كصديقتها، لذلك تظهر بهذا الاحمرار.

المثالان السابقان مثلهما مثل إذا جئت بكرة بيضاء ووضعتها أمام كشاف ضوء أحمر فستخفي الكرة الضوء الأحمر وتبقى سوداء بسبب عدم وجود ضوء تعكسه مثل السحابة التي حجبت الضوء، ولكن إذا حركت الكرة يمينًا فسيسقط الضوء على الكرة البيضاء وتعكسه، وذلك مثل السحابة ذات اللون المائل للأحمر، فالمادة المعتمة تحجب أو تعكس الضوء كالسحابة أو الكرة.

لوحة أخرى

وهكذا حللنا تلك اللوحة الجميلة للسماء، ولكن تلك اللوحة ينقصها عنصران نلاحظهما في حياتنا اليومية، هيا نراهما في لوحة أخرى تُظهر الشمس وقت الغروب، وقد أشعلت السماء احمرارًا وتحتها البحر الأزرق وقد بدأ يتلون بلون السماء الأحمر.

سماء الغروب

لِمَ السماء حمراء وقت الغروب وليست زرقاء؟

هذا يرجع لمسار الضوء؛ فوقت الغروب تكون الشمس في رحلتها للاختفاء مما يجعلها في زاوية مائلة بالنسبة لنا، فيصبح مسارها أطول فتمر بكمية هواء أكثر وذلك يجعلها تُشتِّت الأزرق بعيدًا وتبدأ بتشتيت اللون الأحمر والبرتقالي مكان غروبها، فتتلون السماء بلونهم وقت الغروب في منظر ساحر، ويظهر تشتت الضوء الأحمر والأزرق في تلك الصورة التوضيحية.

صورة توضيحية لرؤية الشروق والغروب

البحر ليس له لون، فهل ذلك صحيح؟

البحر كسائر المياه ليس له لون، وإنما يتلون بلون السماء؛ ففي النهار يعكس لنا لون السماء فيظهر في لونه الأزرق الذي نعرفه، ووقت الغروب يبدأ لونه يميل للحُمرة، ويصبح بحرًا دمويًا يعكس لون السماء كما ظهر في لوحتنا الثانية، وإن كانت السماء خضراء لتلون بلونها؛ فالبحار في ارتباط جميل مع السماء.

لكل لون مدلول

بعد رحلتين غصنا فيهما نستكشف السبب وراء تلك اللوحات الجميلة، وجدنا أن لكل لون سببًا ولكل ظاهرة تفسيرًا دقيقًا وما من شيء إلا وله مدلول، لكن ما زال هناك العديد من اللوح الأخرى تنتظر من يسأل عنها والعلم يجيب على تلك التساؤلات ويسعى للمزيد، لذلك عليك دائمًا بالتفكير والتساؤل، لعلك في يوم تجد تساؤلاً لا إجابة له، ومن ثَمَّ تسعى أنت لتلك الإجابة، لكن أولاً فكّر واسأل.

الحياة أسئلة غير مُجابة، لذا دعنا نؤمن بمنزلة وأهمية السؤال.
تينيسي ويليامز

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.