*لا يمكن أن يكون هذا الفتى قليل الأدب، هو ذاته الطفل الودود الذي ربيته! *كيف تحولت معاملة ابنتي الرقيقة المتعلقة بي إلى التجاهل والصدود، بل السخرية مني وإحراجي أمام الآخرين؟ *كان طفلي صعب المراس، ولكن ما صار إليه فاق توقعاتي، يجادل باستمرار، ولا يستمع لأحد، ويلقي الكلمات الجارحة دون تردد.

هذه عينة مما يواجهه آباء المراهقين والمراهقات، ويدور بسببه مشاحنات يومية، تزيد العلاقة مع الأبناء تعقيدًا في هذه المرحلة الانتقالية بين الطفولة والنضج. دعونا نتعرف بداية بشكل موجز على أسباب تغير سلوك المراهق، وتقلباته المزاجية وما يجعله فظًا أحيانًا، وحساسًا بشكل زائد في أحيان أخرى، ولماذا يقل احترامه لوالديه عن ذي قبل؟


تفسير سلوك المراهق

مع التأكيد على الفروق الفردية بين المراهقين، والفروق الثقافية بين مجتمعٍ وآخر في التعامل معهم وتأثير ذلك على تشكيل هذه المرحلة، فإن المراهقة تشهد حالة فريدة دماغيًا وهرمونيًا، وحتى وقت قريب نسبيًا، كان يعتقد أن الدماغ يتطور بنشاط فقط أثناء الطفولة، ولكن في العقدين الأخيرين، أكد الباحثون أن الدماغ يمر بتغيرات هائلة في مرحلة المراهقة، سواء من حيث تركيبته، أو كيفية عمله.

وبسبب تطور دماغه يمكن أن تتغير حالته المزاجية بسرعة، لا يستطيع التعامل دومًا مع مشاعره المتغيرة ولا التحكم في ردود أفعاله تجاه الأحداث غير المتوقعة، وقد يؤدي هذا أحيانًا إلى حساسية مفرطة، وفي المقابل قد يؤدي إلى غضب وفظاظة، وهو كذلك يتعلم التعبير المستقل عن أفكاره، وهذا جزء أساسي من النمو، لكنه لا يزال يتعلم كيفية التعامل مع الاختلاف في الرأي.


استقلالية عاطفية

هل يمكن أن نتخيل أن الطفل الصغير المنبهر بأبويه التابع للكبار من حوله في الرأي والفعل سيصبح فجأة راشدًا ناضجًا قادرًا على اتخاذ قراراته، والتخطيط الذاتي لمستقبله، متمتعًا بعقلية نقدية تجعله يفحص الأقوال والأشخاص ويقيّم بشكل صحيح؟

بالطبع لا؛ فلا بد من تلك المرحلة الانتقالية التي تسمى المراهقة، لا بد أن يحاول ويجرب ويستكشف، ويبدأ بنوع من التمرد على التبعية عمومًا، والذي يبدو للآباء تمردًا عليهم ورفضًا لهم، وما هو إلا محاولة حثيثة للاستقلال العاطفي. ولا يقوم المراهق بهذا الاستقلال في الفراغ، بل من خلال فرض قيمه ورؤيته، والتحدي لإثبات فرديته من خلال الصراع والمواجهة، فيكون فظًا أو يسخر من أبويه، كتعبير عن انفصاله العاطفي وشعوره بالاستقلالية.

وقد خلص عدد من الدراسات إلى أن الكثير من التصرفات «الوقحة» للمراهق هي جزء من عملية اكتشافه لنفسه كشخص مستقل، هو ليس عيبًا فيه، ولن يصاحبه بقية حياته، إنها مرحلة نمو. إنها ليست دعوة لتقبل تلك الوقاحة، وإنما محاولة للفهم، وفي ظل وعي المربين فإن عملية الاستقلال العاطفي يمكن أن تتم بطرق أسلم وأسهل، وهذا ما نحاول اكتشافه في السطور القادمة.

1. تقبل أنه يكبر

يصعب على بعض الآباء والأمهات أن يفقدوا شعورهم بأهميتهم القصوى في حياة أبنائهم، ولا يتقبلون بسهولة أن ذلك الطفل الذي كان ملتصقًا بهم، أصبح أكثر انفتاحًا وإقبالًا على الأصدقاء والتعرف على أشخاص جدد، وأنه لم يعد ينظر إليهم كأبطال وإنما كأشخاص عاديين.

هذا الرفض لخروج الابن من الطفولة يُعقّد المرحلة الانتقالية – المراهقة- ويباعدها عن النضج، بمحاولة الحفاظ على مركزية الدور الأبوي بنفس الطريقة التي كان عليها في الطفولة، مما يجعل المراهق المتطلع إلى الاستقلال يقاوم، ويستخدم الفظاظة ويقلل الاحترام تعبيرًا عن رفضه للبقاء طفلًا.

أيها الآباء والأمهات.. دوركم لم ولن ينتهي في حياة أبنائكم، فهو سيظل بحاجة إليكم، ولكن هذا الاحتياج تحول من اعتماده الطفولي عليكم في اتخاذ القرارات، وتوفير الأمان، والتوجيه في كل الأمور إلى الحب والثقة والمشاركة.

2. لا تأخذ الأمر بشكل شخصي

مجرد إدراكك لطبيعة المراهقة، وأن تصرفات ابنك الاندفاعية هي أمر وقتي في حياته، ولا تدل على قلة احترامه لك بقدر ما تدل على ما يخوضه في هذه الفترة من تغيرات، سينزع فتيل الغضب من قلبك، وسيجعلك أكثر قدرة على تحجيم سلوكه بدلًا من زيادته بالتركيز عليه.

أسوأ ما يمكن أن يفعله الوالدان في مواجهة قلة احترام المراهق لهما أن يعتبرا ذلك تحديًا شخصيًا، ويقبلا أن يدخلا في معركة خاسرة من العناد ورد الفظاظة بما هو أشد منها.

لا تدع صدمتك من صور قلة الاحترام التي يبديها المراهق تنسيك أنه ابنك – طفل البارحة- الذي استثمرت فيه عمرك ومحبتك، والذي يعد استقراره النفسي وخروجه من نفق المراهقة إلى نضج سليم مكونًا أساسيًا لراحة بالك.

من المهم أيضًا التنبه إلى أن مقارنتك طفلك بنفسك وقت مراهقتك ليست عادلة ولا واقعية، تمامًا كما كان على والديك أن يدركا أنك مخلوق لزمان غير زمانهما، فعليك أن تدرك أن المراهقين اليوم شديدو الصلة والتأثر بأشكال التواصل الإلكترونية، والتي تتيح لهم قدرًا هائلًا من الحرية، ويكونون فيه غالبًا مجهولي الهوية، مما يعني حدودًا أقل، في مناخ عام يفاخر بالبذاءة و«قصف الجبهة».

ليس المطلوب أن تتقبل فظاظة ابنك بصدر رحب، ولكن فقط لا تتعامل معها كإهانة شخصية.

3. أعطه مسئوليات

ينضج المراهقون أسرع في المجتمعات التي يتحملون فيها مسئوليات مبكرة، ويكونون أقل عرضة لمشكلات المراهقة، بشرط أن تكون تلك المسئوليات مناسبة لهم، ومفيدة في اكتسابهم خبرات حياتية.

المراهقة/ المراهق المدلل المعفي من الالتزامات، الذي يطول عليها وقت الفراغ في التنقل بين النوم، واللعب، وتصفح الهاتف، سيلجأ تلقائيًا إلى الجدال، وأسلوب الحوار العنيف، وإبداء الملل والسخرية للتعبير عن الذات والاستقلال العاطفي، والضيق من الحالة الضبابية التي يعيشها.

أما المراهق الذي يتحمل المسئولية، ويتلقى الشعور بالأهمية والتقدير، فإنه يحل مشكلة الاستقلال العاطفي والاجتماعي بسلاسة، وإذا حقق نفسه معك، فلن يسعى إلى مصادمتك. والمسئولية المطلوبة هنا ليست تلك التي يشعر فيها أنه تابع لوالديه، وأن إنجازه متلاشٍ في ظلهما، وإنما التي يشعر فيها باختلاف طريقة تعامل والديه معه، وأنهما أصبحا أكثر ثقة فيه، واعتمادًا عليه.

لنضرب مثالًا على ذلك بالمشكلة اليومية المتكررة بين الأم وابنتها منذ المراهقة المبكرة حول الأعمال المنزلية، وتنظيم الغرفة، والمساعدة في غسل الصحون مثلًا وما إلى ذلك من أعمال.

تعتبر الأم أن النضج الجسدي لابنتها يعني أن عليها مساعدتها، بينما تنظر الفتاة إلى هذا الطلب المتكرر كعبء، ولا تجد دافعًا لأن تكون جزءًا من تصورات والدتها – التي تعتبرها أحيانًا مبالغًا فيها- عن مستوى النظافة والترتيب. أما إذا أوكلت الأم للفتاة مسئولية مستقلة، كأن تكون مسئولة عن الطهي بمفردها في يوم ثابت من أيام الأسبوع، أو أن تحضر طبقًا ما على المائدة كل يوم، أو أن تكون مسئولة عن العناية بمكان معين في البيت، وتنسب هذه المهمة إليها، وتظهر الأسرة تقديرًا لها على أدائها له، فإنها ستجد لذة تحقيق الذات، وستتحرك بدافع داخلي دون ضغط ومطالبة.

4. تحكم في الموقف ولا تدع فظاظته تشتت انتباهك

مرحلة المراهقة مليئة بالأمور الجدية التي تحتاج إلى تركيز واهتمام الأبوين أكثر من استهلاك الطاقة في المسائل التافهة مثل المشاحنات بسبب قلة الاحترام المتصورة من قبل الآباء.

في أغلب الأحيان يعرف المراهقون جيدًا كيف يُشعلون غضب آبائهم بحركة أو كلمة لتحويل الدفة من أمر مهم أو طلب أو نقاش جدي إلى معركة فارغة حول أسلوبه في الحديث، أو قلة تهذيبه. ومن المتعارف عليه تربويًا أن التركيز على الخطأ غالبًا ما يؤدي إلى استمراره وزيادته، بينما تجاهله كثيرًا ما يكون أكثر فاعلية، لا تستجب إلى فظاظة ابنك/ ابنتك بالصراخ والتهديد، اكتفِ بنظرة غاضبة، أو توبيخ قصير، ولا تدع فظاظتهم العارضة تشتتك عن الموضوع الرئيسي، أو تدخلك في نوبة غضب يترتب عليها ما لا تحمد عقباه لك وله.

5. اضبط الأمور

لا يعني تفهم الحالة الدماغية والهرمونية للمراهق، وما ينتج عنها من تأثيرات سلوكية، أن يتقبل الوالدان كل ما يقوم به، ولا يعني تفهم حاجته إلى «الاستقلال العاطفي» إلى توقفهما عن تربيته؛ فالتجاهل أداة تربوية ما لم تختلط بالتقبل، والمراهق يحتاج إلى معرفة أن قلة الاحترام غير مقبولة، وأن عليه تعلم الطرق المناسبة للتعبير عن رأيه واختلافه وتطبيقها.

أ. كن هادئًا – مهما كان غضبك الداخلي- في التأكيد أنك لا تقبل مثل هذه الطريقة في الحوار.

ب. أنه المناقشة وغادر المكان، وقل له: «سأكون مستعدًا للحوار إذا غيرت طريقتك».

ج. اسحب بعض الميزات منه إذا أصر على أسلوب تقليل احترامك.

د. كن حاسمًا في العقاب أو الرفض، لا تطل الجدال، ولا تقبل التفاوض، يجب أن يفهم أن العواقب لا يمكن التراجع عنها حتى يفكر بجدية في تعديل سلوكه، أما إذا دخلت معه في جدال أو وعظ طويل فعلى الأغلب سيصدر تعبيرًا عن الملل أو يعلق بأسلوب يجدد استفزازك.

من المهم التأكيد أن هناك فرقًا بين قلة الاحترام مثل النظرات الفظة، وتعبيرات الوجه الساخرة، والردود الجارحة، والغمغمة والتعليقات الوقحة، وبين تجاوز ذلك إلى التصرفات العدوانية، أو خرق قواعد البيت والأسرة بما يشكل تهديدًا لأيٍ من أفرادها، فبينما يمكن تجاهل قلة الاحترام أحيانًا، يجب وضع الحدود الصارمة تجاه التصرفات العدوانية.

6. عامله باحترام

كثيرًا ما يردد الآباء أنهم يعاملون أبناءهم المراهقين باحترام ولطف، ولا يلقون منهم – رغمًا عن هذا- إلا الفظاظة، وهنا نقطة مهمة ينبغي التنبه إليها، وهي أن احترام المراهق له أبعاد أكثر من احترام الطفل، فحتى وإن كنت قد تعودت على أن تحدثه بلطف ولغة راقية وهو طفل، فإنه الآن بحاجة إلى تطبيق أشمل للاحترام. يحتاج المراهق إلى أن:

أ. تحترم خصوصيته، فلا يشعر بأنك تراقبه، أو لا تصدقه، فتتعقب محادثاته، أو تتأكد من أصدقائه حول مصداقيته.

ب. تحترم هواياته واهتمامه وتنقله بينها، فلا تجعل ذلك مادة للسخرية منه، أو التشكيك في جديته، بل على العكس، شجعه على التجريب، واستحسن ذلك منه.

ج. تنصت له دون مصادرة، وتتحدث إليه بأسلوب يحترم عقله، وألا تعتمد على القسوة، أو التجاهل، أو الشكوى منه والتحدث عنه بشكل غير لائق.

د. امنحه الاحترام الذي يحتاجه، وسيبادلك – إجمالًا- باحترام.

7. تقوية العلاقة

السلوكيات الفجّة من المراهق كثيرًا ما تدل على الضغط والقلق الذي يعاني منه، لذا فإن شعوره بالحب والاهتمام، ووجوده في أسرة متماسكة ومتفهمة عنصر أساسي حتى يعبر هذه المرحلة بسلام.

كلما أبديت اهتمامًا وحبًا قللت احتمالات أن يصدك، جرّب أن تخصص له وقتًا صافيًا تمارسان فيه هواية مشتركة أو حتى تتنزهان، وستجد تحسنًا ملحوظًا في حالته المزاجية، وسلوكه العام.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.