ربما يكون هو الشخص الوحيد حتى الآن الذي يفكر ليس خارج الصندوق فحسب، بل خارج المجرّة كلها!

مر تاريخ استكشاف الفضاء بثورات وابتكارات مذهلة، لكن ما نراه من جنون وعبقرية «إلون ماسك» معًا، لم نعهده ولم نعتد عليه. تعتقد للحظات أنه آتٍ من المريخ، ساعيًا في محاولات مستميتة للعودة إليه مرة أخرى بسبب شغفه الحقيقي به. فالتفكير جديًا في استعمار المريخ؛ دفعه لإنشاء شركته SpaceX من أجل أن يكون البشر (جنسًا متعدد الكواكب)، وليسوا مخلوقات أرضية فحسب!

اقرأ أيضًا:SpaceX؛ حلم «إيلون ماسك» بغزو المريخ


اللغز وراء فالكون العملاق

أتى هذا العملاق «فالكون هِيفي – falcon heavy» كخطوة تالية أعلن عنها «إيلون ماسك» في مؤتمر عقده في أبريل/ نيسان عام 2011، مغيرًا ملامح رحلات وبعثات الفضاء. حيث سيعمل على خفض تكاليف إطلاق الصواريخ نسبة 95%، مقارنة بالصورايخ.

أصبح وجود الصاروخ (فالكون العملاق) خطوة متقدمة بعد أن نجحت الشركة في إطلاق 18 صاروخًا من طراز (فالكون 9) في العام الماضي وحده دون أي حوادث. وهو تقدم ملحوظ منذ حادثة الإطلاق للصاروخ في سبتمبر/ أيلول 2016.

أيضًا كان هو الخطوة التالية بعد عدة مهمات أطقلتها الشركة بتدفق ثابت دون أي حوادث للصاروخ فالكون 9؛ الذي حمل المؤن والمعدات لمدار الأرض المنخفض، لمحطة الفضاء الدولية.

الصاروخ فالكون العملاق (يمين) مقارنة بالصاروخ فالكون 9، والصاروخ فالكون 9 حاملًا الكبسولة «التنين – Dragon»

يعمل الصاروخ (فالكون 9) بتسعة محركات «ميرلين» قوية، صممتها الشركة خصيصًا لتعمل على دفع الصاروخ للفضاء إلى مدار الأرض المنخفض، ثم العودة به مرة أخرى إلى قاعدة الهبوط. أما الصاروخ فالكون العملاق فيحتوي على 27 محرك ميرلين قادرة على دفع الصاروخ إلى مداره.

يبلغ طول طول الصاروخ 69.2 متر، بعرض إجمالي يصل إلى 11.6 متر، ويستطيع حمل وزن طائرة (بوينج 737) بحمولتها الكاملة (أي ما يقرب من 63 طن متري)، وتتطلب عملية إطلاق الصاروخ 90 مليون دولار أمريكي/ في كل مرة يُطلق فيها. تفوق حمولة فالكون العملاق، ضعف حمولة أقرب منافس له «دلتا الرابع الثقيلة – Delta IV Heavy»، لكن بثلث التكلفة فقط.

تم تصميم الصاروخ «فالكون هِيفي» لتوفير أقصى درجات السلامة بخلاف الصاروخ (فالكون 9)؛ مثل القدرة على إكمال المهمة حتى لو فشلت بعض المحركات في العمل. يحيط بكل محرك درع واقي يحميه من مخاطر مثل الانفجار، تمزق غرفته، ومنعها من التأثير على المحركات الأخرى أو التأثير على الصاروخ نفسه.


الإطلاق التجريبي الأول

كان من المفترض أن تكون عملية الإطلاق الأولى في العام 2014، إلا أن المشروع لم يكتمل وفقًا للخطة التي وضعها «ماسك»، واليوم أطلق الصاروخ «فالكون العملاق – falcon heavy» في تمام الساعة 10:45 مساءً اليوم بتوقيت القاهرة، وهو الإطلاق الذي تم بنجاح.

أما عن الاختبارات السابقة لقدرات الصاروخ، فقد أجرت الشركة أول عملية اختبار ثابت لإطلاق الوقود من الصاورخ العملاق، في منشأة اختبار الشركة في ولاية تكساس في أوائل مايو/ آيار 2017. كما نشر إيلون ماسك على حسابه الرسمي على تويتر،تغريدة وضح فيها استعداد الصاروخ لموعد الإطلاق في قاعدة فلوريدا حيث بدأ ينتصب واقفًا بين الغيوم.

كما أجرت الشركة منذ أسبوع عملية اختبار ثابتة لإطلاق الوقود من الصاروخ (فالكون العملاق) بشكلٍ كامل كأقرب خطوة نحو عملية الإطلاق، ونشرت تغريدة على حسابها الشخصي على تويتر لعملية الاختبار هذه.

ستارمان والسيارة الحمراء

الهيكل (ستارمان) مرتديًا الزي الفضائي داخل السيارة الرياضية الحمراء التي وضعها «ماسك» على متن الصاروخ.

لك أن تتخيل أن حمولة الصاروخ العملاق في عملية إطلاقه التجريبية الأولى، هي السيارة الرياضية الكهربائية الحمراء «تسلا رودستر»، يقودها الرجل «ستارمان» كما أسماه «ماسك»، والتي أنتجتها شركة تسلا؛ لتصبح أول سيارة يتم إطلاقها إلى مدار خاص حول الشمس!

وهذه السيارة ليست أولى الحمولات (الغريبة) التي يتم وضعها في صواريخ إيلون ماسك.فأول حمولة غريبة كانت (قرصًا من الجبن) على متن تجربة لصاروخ فالكون إلى الفضاء. سيتم إطلاق السيارة في مدار خاص حول الشمس يبعد عن الأرض نحو 400 مليون كم، وتسير السيارة فيه بسرعة 11 كم/ ثانية لتتمكن من الوصول إلى المريخ في الوقت المحدد لها، كما أنها تحمل 3 كاميرات توفر معلومات وأحداث «ملحمية» -كما وصفها ماسك- إذا سار كل شيء على ما يرام!

ماذا بعد نجاح الإطلاق؟

سيصبح الصاروخ أقوى صاروخ في العالم يعمل حاليًا، وبجانب فرط السعادة الذي سيصيبه؛ سينتقل «ماسك» إلى الخطوة الكبيرة نحو خطة الشركة لنقل البشر إلى المريخ. كما ستبدأ سلسلة من أربع عمليات إطلاق للصاروخ العملاق، من ضمنها مهمة واحدة للقوات الجوية الأمريكية.

هذا الفيديو المذهل يظهر عملية الهبوط المهيبة للثنائي الصغيران (فالكون 9) بعد إتمام مهمة الإطلاق بنجاح!

وقد حدد «ماسك» خططًا لاستخدام الصاروخ في إرسال البضائع إلى المريخ في العام 2022، بهدف إرسال البشر إليه في رحلة بعد عامين فقط من تاريخ رحلة 2022.

كما سيكون الصاروخ قادرًا على حمل الأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية بين الكواكب بأوزان أكثر من 53 طنًا. كما سيقوم -في خطوة متقدمة- من القيام بحمل أقمار التجسس الصناعية لبعثات القوات الجوية، والتي لا يستطيع الصاروخ (فالكون 9) حملها.

كما يمكن أن يكون مفيدًا ومهمًا جدًا لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لإطلاق بعثات استكشاف الفضاء الكبيرة. ويعتقد البعض أنه يمكن أن يكون حتى بديلًا أرخص وأكفأ من نظام الإطلاق الفضائي، وبديلًا عن الصاروخ الذي تقوم ناسا بتطويره حاليًا لنقل رواد الفضاء لبعثات فضائية سحيقة، وإلى القمر، وإلى المريخ بحلول العام 2020. سيقوم صاروخ ناسا هذا برحلة واحدة فقط كل بضع سنوات، بتكلفة مليار دولار أمريكي!

تشمل مهمات الصاروخ حمل التليسكوبات الضخمة. ومن مهمات الصاروخ أيضًا -كما أعلنتها الشركة في العام الماضي- هو حمل سائحين للفضاء في رحلة تستمر أسبوعًا حول القمر!

وبعيدًا عن المهمات المرتقبة للصاروخ العملاق، تذكر أن هذا الفيديو خالٍ من أي من التعديلات والمؤثرات، وجميع المشاهد فيه منذ لحظة انفتاح غطاء الصاروخ هي حقيقية بثت في نقل مباشر لرحلة لم تراها من قبل بين النجوم؛ تأخذك بعيدًا عن سيناريوهات الأفلام السينمائية، برفقة «ستارمان» الذي يطوف بسيارته الحمراء في مداره بين الأرض والمريخ، على أمل الوصول لمدار الأخير بعد نحو 6 أشهر.!


منصة الإطلاق 39A

منظر جوّي لمنصة الإطلاق (39a)، كيب كانافيرال – مركز كينيدي للفضاء، فلوريدا.

ينطلق الصاروخ العملاق من قاعدة كيب كانافيرال في مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا. سيكون الصاروخ الأقوى منذ إطلاق القمر Saturn 5 في العام 1973. شهدت القاعدة إطلاق الصاروخ (فالكون 9) بنجاح في الـ19 من فبراير/ شباط 2017، وإطلاق الصاروخ بالكبسولة «التنين – Dragon».

وكما ذكر «إيلون ماسك» على حسابه الشخصي على تويتر، وضّح أن إطلاق الصاروخ من هذه القاعدة، يهدف إلى أن تكون أول رحلة للصاروخ (فالكون العملاق) يوم 6 فبراير/ شباط مرئية بسهولة من الطريق العام.

زار المستكشف الإسباني «خوان بونس دي ليون» جزيرة كيب كانافيرال في العام 1513. أما في العام 1950، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ اختبار الصواريخ فيها. وفي عام 1958، بعد إنشاء وكالة ناسا، جعلتها الوكالة أساس عملياتها لاستكشاف الفضاء.

كانت أول رحلة مأهولة إلى الفضاء الخارجي في الـ5 من مايو/ آيار عام 1961 عندما أطلق «آلان ب. شيبرد» الابن أول برنامج إطلاق فضائي باسم «كبسولة ميركوري – Mercury capsule». أيضًا انطلقت منها أول رحلة هبوط للإنسان على سطح القمر على متنها «نيل أرمسترونغ، إدوين ألدرين، مايكل كولينز» في الـ16 من يوليو/ تموز عام 1969.

يحتوي المركز على مرفق هبوط لمكوك الفضاء، ومركز الزوار، ومحطة كيب كانافيرال الجوية، ومجمع تجميع المركبات الفضائية بطول 160 متر، ومساحة 3 هكتار. تمتد القاعدة بطول 55 كم من الشمال إلى الجنوب.


فانتازيا بين النجوم!

ناسا, فضاء, spacex, إيلون ماسك, فالكون هيفي, العملاق

أكثر ما أذهلني شخصيًا منذ الإعلان عن خطة الشركة في إطلاق صاروخها هذا تحديدًا، هو كيفية عمله في الفضاء!

فبجانب عبقرية فكرة إطلاق صواريخ إلى مدار الأرض المنخفض، والعودة بها مجددًا إلى الأرض بكامل سلامتها؛ فإن رحلة فالكون العملاق تشبه أكثر قصة ملحمية تحدث في الأعلى!

تبدأ الرحلة بإطلاق الصاروخ المكون من صواريخ (فالكون 9) الثلاثة معًا، من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا على الأرض، وفي مدار الأرض يبدأ الصاروخان الصغيران في الانفصال والعودة مجددًا إلى قاعدة هبوطهما على الأرض. بعد ذلك ينفصل الصاروخ الثالث عن الكبسولة التي تحمل الحمولة المراد إرسالها إلى الفضاء، ويعود هو أيضًا إلى قاعدة الهبوط!

على أي حال؛ دائمًا ما أقول إن نسبة كبيرة للغاية من نجاح الشركة جماهيريًا، ووصولها لعامة الناس حول العالم، هو تصميم فيديوهاتها عالية الدقة، والموسيقى المميزة لها، والتي تعطيك فكرة دقيقة للغاية عن المشروع القادم، تجعلك دائمًا على ترقب وانتظار الجديد منها.