التطور الحقيقي الفارق سيحدث مع الصواريخ القابلة لإعادة الاستعمال بشكل كامل وسريع، ولن نستطيع قهر المريخ قبل أن نفعل ذلك، وسيكون هذا غاليًا جدًّا. لكن، لم يكن المستعمرون الأمريكيون الأوائل ليقدروا أن يسيطروا لو لم تكن سفنهم التي عبرت المحيط قابلة لإعادة الاستخدام.

«إيلون ماسك»

أحد أهم أحلام «إيلون ماسك» هو الوصول للمريخ، ليس الوصول فحسب؛ فقد وصلت البشرية للمريخ بالفعل بإرسال العديد من المسابير السطحية والأقمار الصناعية، بل وقامت ناسا وغيرها بإصدار العديد من الخرائط عالية الدقة لسطح الكوكب تم تصويرها بمختلف الأقمار الصناعية التي تدور حوله.

لكن حلم إيلون مختلف تمامًا؛ هو يريد استعمار المريخ. الذهاب هناك بمجموعة من البشر ليقيموا المستعمرات ويعيشوا على سطح الكوكب الأحمر. يحلم بأن يصبح الجنس البشري «جنسًا متعدد الكواكب Mankind a multi -planetary species».


ما الذي فعله إيلون ماسك ليحقق حلمه؟

«جيم كانتريل – Jim Cantrell»، رجل أعمال رائد، مهتم بعلوم الفضاء وشركات الفضاء، ومهندس ميكانيكي متخصص في الديناميكا الحرارية، وأنظمة الدفع الصاروخي، والميكانيكا الفضائية بوجه عام.

أسس وعمل في العديد من الشركات المتخصصة في الإنتاج الفضائي، ورئيس شركة (stratspace) لتقنيات الفضاء. ساعد «جيم كانتريل»؛ «إيلون ماسك» عام 2001 في إنشاء شركته الخاصة التي سيحاول بها «ماسك» تحقيق حلمه أحمر اللون، ولهذا حكاية.

لقد قمت بمساعدة ماسك في بداية إنشائه لشركة SpaceX، وكل ما سأحكيه الآن قد شهدته بنفسي معه، ما زال لم يُرجع لي كتابي عن تقنيات الدفع الصاروخي.

«جيم كانتريل»

يحكي «جيم»؛ كان لدى «إيلون ماسك» من أول يوم قابلته فيه هدف واضح جدًا، ويريد بذل مجهود عملاق لفهم هذا الهدف جيدًا، وتوضيح أهميته للجميع والعمل على تحقيقه. الهدف هو جعل البشر عرقًا متعدد الكواكب، ولهذا كان عليه حل مشكلة التنقل بين الكواكب لتحقيق ذلك الحلم!.

بمجرد تحديد الهدف، يحاول «ماسك» تعلّم كل ما يمكن معرفته عن الوسيلة من كل المصادر الممكنة. وببساطة، «ماسك» أكثر شخص ذكي عملت معه على الإطلاق. لا أستطيع تحديد مستوى ذكائه، لكنه شديد الذكاء. لديه عقل عملي منطقي رائع، ويستطيع امتصاص المعارف والخبرات بسهولة من كل من حوله.

اختارني «ماسك» لأنه يعرف عن خبرتي في إطلاق الصواريخ الروسية؛ فقد عملت في برنامج الفضاء الروسي لفترة، وأعرف جميع تفاصيله. كان «ماسك» يفكر وقتها في شراء صواريخ فضاء روسية واستخدامها لتحقيق حلمه.

كان هذا قبل أن نفشل في التفاوض مع الروس على شراء مركباتهم، ولهذا قرر «ماسك» أن يبني صاروخه الخاص. كنا نظن أن «إيلون ماسك» أحمق وقتها، يريد إنفاق كل ماله على حلم خيالي! لم نكن نتوقع أنه بهذا الإصرار، وأن إنجازه سيصبح بهذا الحجم العملاق، وسيقترب هكذا من الحلم.

بمجرد أن عقد «ماسك» العزم على تكوين شركته. شرع في قراءة كل ما كتب في علم الصواريخ الباليستية، وصواريخ الفضاء، كما تعاون مع مجموعة من العلماء المتخصصين في الصواريخ لفهم تفاصيل الموضوع بشكل أكثر عمقًا.


SpaceX

إطلاق صاروخي لشركة SpaceX
إطلاق صاروخي لشركة SpaceX

شركة «تقنيات اسكتشاف الفضاء – Space Exploration Technologies Corporation» أو ما يعرف اختصارًا بـ (SpaceX)، هي الخطوة العملية في تحقيق حلم «ماسك». الشركة التي أزعم -وبثقة- أنها الأهم الآن في عالم استكشاف الفضاء.

أسسها «ماسك» عام 2002، وحققت الشركة منذ ذلك الوقت العديد من الإنجازات التي تحسب لها كأول شركة خاصة تستطيع الذهاب للفضاء والعودة بشكلٍ سالم فعّال.

أيقن «ماسك» أن النقلة التقنية التي يريد تحقيق حلمه بها، لن تتحقق سوى بجعل السفر للفضاء بسهولة وتكاليف رحلات الطيران. ولهذا ابتكر فكرة إعادة استخدام مراحل صواريخ الإطلاق، عبر استعادة الصاروخ بطرق تقنية معقدة، واستخدامه مرة أخرى عوضًا عن بناء صاروخ جديد من البداية لكل رحلة فضائية.

وعلى الرغم من تعقيد الفكرة الشديد، والتي لم تتحقق بشكلٍ تجريبي سوى مرة واحدة، وفي عام 2016 (أي بعد 14 عامًا من التخطيط)، إلا أن «ماسك» كعادته كان مُصرًّا على تحقيق حلمه.

أشعر بأنني محظوظ جدًا. بالنسبة لنا، هذا يبدو كالفوز في مبارة السوبر الأمريكية.
«إيلون ماسك»

في 22 مايو/ آيار 2012، صنعت SpaceX التاريخ باعتبارها أول شركة خاصة تستطيع إطلاق صاروخ محمّل بكبسولة أطلقت عليها «التنين – Dragon». كبسولة غير مأهولة، تحمل معدّات وإمدادات لرواد «محطة الفضاء الدولية – ISS»، بعد سنوات من تجارب واختبارات الإطلاق والوصول للفضاء.

كان هذا نتاج العقد الذي أمضته ناسا مع الشركة لإرسال الدعم والإمداد للمحطة في إطار برنامج «خدمات النقل المدارية التجارية – Commercial Orbital Transportation Services» الذي بدأته ناسا، وكانت SpaceX أول مستحقيه. وحتى الآن أرسلت SpaceX ست رحلات إمداد للمحطة الفضائية.

في ديسمبر/ كانون الأول 2013، استطاعت SpaceX في إنجاز جديد أيضًا إرسال قمر صناعي في «المدار المتزامن حول الأرض – geostationary transfer orbit» باستخدام صاروخ (Falcon 9)؛ الصاروخ الرئيسي لدى الشركة.

ولم تقف الشركة هنا، بل قامت -وفي تحدٍّ جديد- بإرسال القمر الصناعي (Deep Space Climate Observatory DSCOVR) في الفضاء العميق على بعد مليون ميل من الأرض، وفي المدار بين الأرض والشمس. يهدف (DSCOVR) لمراقبة النشاط الشمسي لتحذير الأرض من العواصف والرياح الشمسية الشديدة قبل وصولها للأرض بوقتٍ كافٍ، وذلك لاتخاذ التدابير اللازمة قبل حدوث أي أضرار أو تأثير على البنية التحتية.


التنين سيحمل البشر

التنين

في العام 2011، قامت ناسا بإمضاء عقد جديد مع SpaceX في إطار برنامج استكشاف الفضاء «التجاري المأهول بالرواد – Commercial Crew Development»، والذي يهدف إلى إيصال رواد فضاء لمحطة الفضاء الدولية عبر الشركات الخاصة، أو من خلالها بكبسولات مأهولة خاصة، خلال خمس سنوات فقط، بديلًا عن استخدام الصواريخ الروسية وكبسولات (Soyuz) العتيقة. بقيمة 75 مليون دولار حصلت الشركة على تمويل مخصّص لتطوير كبسولتها البشرية الأولى.

وفي مايو/ آيار 2014، أعلن «ماسك» في مؤتمر صحفي عملاق عن مركبة «التنين 2 – DragonRider)، النسخة المعقودة عليها الآمال في تحقيق حلم ناسا بإرسال روادها لمحطة الفضاء من أمريكا، وكذلك حلم «ماسك» بإرسال البشر للمريخ.

قال «إيلون ماسك» في المؤتمر -الذي كان أقرب لحفل هيليودي- أنه عندما بدأت الشركة في تصميم (Dragon 1) لم يكن لديها أية فكرة عن تصميم مركبات الفضاء. لكن اختلاف الأمر مع (DragonRider) والتي جاءت بمواصفات عصرية يجب أن تتوفر في كل مركبات الفضاء.

فنظام الهبوط في المركبة الجديدة لا يستخدم مظلات عملاقة كالمعتاد، بل محركات دفع قوية يضمن لها الهبوط في المياه أو على الأرض في أي مكان، وبدقة شديدة كأنك تقود طائرة هليكوبتر. وتتسع الكبسولة لأربعة رواد فضاء ستحملهم في رحلة ممتعة مريحة حسب وصف موقع الشركة.

فالكبسولة مزوّدة بأربعة شبابيك زجاجية تضمن لروّادها رؤية السماء والأرض، والشمس والفضاء وهم على كراسيهم المصممة بشكلٍ جديد مختلف، ومن خامات مخصصة مصنوعة من ألياف الكربون.

حصلت الشركة على عقد بقيمة 2.6 مليار دولار من ناسا لاستخدام الكبسولة (التنين) في إيصال ست رحلات مأهولة لمحطة الفضاء الدولية مستقبلًا. ومازالت SpaceX تختبر تنينها وتطوّره وتجهّزه ليصبح على قدر المهمة شديدة الصعوبة.

فيديوهات متعددة عن التنين:


التعقيد الحقيقي؛ إعادة استخدام الصواريخ

التنين
التنين

يهدف «إيلون ماسك» لأن تكون تكلفة ارتياد الفضاء أقلّ لعُشر ما هي عليه الآن. وابتكر -كما قلنا سابقًا- فكرة إعادة استخدام مراحل الصواريخ المختلفة. يهدف «ماسك» بذلك لأن ينطلق الصاروخ للفضاء حاملًا حمولته الغالية من رواد فضاء أو إمدادات أو أقمار صناعية، ومن ثمّ ينفصل عنها قبل أن يهبط للأرض سليمًا مُعافى يمكن إعادة استخدامه كاملًا في إطلاق جديد وبعد فترة قصيرة للغاية.

هبوط المرحلة المرحلة الأولى من Falcon9 على البارجة البحرية
هبوط المرحلة المرحلة الأولى من Falcon 9 على البارجة البحرية

بعد العديد من المحاولات، نجحت الشركة في التجارب الأولية، مما نقلها للمرحلة التالية، وهي تجربة محاولة جعل الصاروخ يهبط بعد عملية إطلاق حقيقية تقوم بها الشركة.

لهذا قامت الشركة بتصنيع بارجة عملاقة وذلك لمحاولة جعل الصاروخ يهبط في قلب المحيط؛ تجنبًا لأي أضرار محتملة. وفي مهمتيْ إمداد محطة الفضاء الدولية (CRS-5 و CRS-6) في 2015 قامت الشركة بالتجربة، والتي لم يكتب لها النجاح للعديد من الأسباب. وبعد تحليلها ودراسة معدات المحطة، قرر «ماسك» أن تكون التجربة التالية على الأرض.

تجربة الهبوط الناجحة
تجربة الهبوط الناجحة

وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، قام الصاروخ (Falcon 9) المحسن بإيصال 11 قمرًا صناعيًّا لمدارهم الفضاء، مع نجاح مرحلته الأولى بالهبوط بشكلٍ سالم في نقطة الهبوط المحددة له في مركز جون كينيدي الفضائي.

بسبب هذا النجاح، وسعت الشركة في خط إنتاجها للصواريخ القابلة لإعادة الاستعمال، مع توقع زيادة الطلب على استخدامها خصوصًا مع تكلفتها الرخيصة جدًّا مقارنة بأي صواريخ أخرى. وتتوقع SpaceX أن تصبح قادرة على القيام بإطلاق فضائي مرة كل 3 أسابيع بسبب تقنيتها الجديدة، والتي ما زالوا يعملون على تطويرها لتستطيع الصواريخ الهبوط على البارجة البحرية.

وفي نفس الإطار، ولزيادة قدراتها العملية، تعمل SpaceX على تصنيع الصاروخ الأقوى في العالم «Falcon Heavy»، وهو نسخة معدلة تستخدم 3 من صواريخ (Falcon 9) القابلة لإعادة الاستخدام.

تقول الشركة أنه عند الانتهاء منه، سيكون أقوى صاروخ فضائي دافع بفرق الضعف عن أقرب منافسيه (Delta IV Heavy)، وبتكلفة أقل بنسبة الثُلث، وبقابلية لإعادة الاستخدام.

يهدف «Falcon Heavy» إلى حمل رواد فضاء للقمر مرة أخرى، وأيضًا تنفيذ حلم «إيلون ماسك» الذي بدأ كل هذا منذ البداية، بأن يصبح الجنس البشري «جنسًا متعدد الكواكب – Mankind a multi-planetary species».

المراجع
  1. 1
  2. 2
  3. 3
  4. 4