قبل أن تبدأ في قراءة التقرير أو البحث عن إجابة للسؤال للمطروح، شاهد هذه الفيديوهات التي نشرها بعض علماء الفلك والمصورين الفلكيين:

والآن..

نعلم جميعًا أن SpaceX أطلقت منذ أيام أول 60 قمرًا اصطناعيًا بهدف إنشاء شبكة ستارلينك Starlink لتقديم خدمات الإنترنت الفضائي، كجزء من أسطول يبلغ أكثر من 10000 قمر اصطناعي في مدارات مختلفة حول الأرض. وتابع أغلب محبي الفضاء والفلك البث المباشر للإطلاق، وكما يظهر في الفيديوهات بالأعلى، شاهد الكثيرون أول دفعة من الأقمار في مدارها حول الأرض وهي تكتسب ارتفاعها وتتوزع في طريقها شيئًا فشيئًا!

لماذا الغضب إذن؟

اقرأ أيضًا: ستار لينك: إيلون ماسك يبدأ سباق إتاحة الإنترنت فضائيًا


حسنًا، ما المشكلة؟

هنا سنسافر سويًا في رحلة سريعة لصحراء تشيلي، الدولة البعيدة بأمريكا الجنوبية والتي تحتضن مجموعة من أفضل الأماكن صفاءً وإظلامًا وجفافًا على الأرض، مما يجعلها موطنًا رائعًا لعدد من أهم التلسكوبات الأرضية من مختلف مراكز الأبحاث العلمية على مستوى العالم. أحدث هذه التلسكوبات هو تلسكوب المسح الشامل الكبير Large Synoptic Survey Telescope، والذي ما زال قيد الإنشاء، بمرآته العملاقة التي تتجاوز الثمانية الأمتار، والتي ستبدأ في جمع الضوء ومسح السماء في 2020.

هنا يجب أن ننظر مرة أخرى للسماء!

ما الذي سنراه في المعتاد في سماء الليل من مكان هكذا؟

نجوم، وكواكب، وشهب، ومجرات، وسدم، ومذنبات، وكويكبات…. وأقمار اصطناعية. نعم، الأقمار الاصطناعية ترى بالعين المجردة وبالتلسكوبات بسهولة من الصحراء ومن قلب المدن كذلك. محطة الفضاء الدولية مثلاً تلمع بدرجات لمعان مختلفة حتى أنها تقارب أحيانًا نجوم القدر الأول والثاني وتستمر في السماء لمدة 6 دقائق قاطعة عرض السماء.

اقرأ أيضًا: كيف تحدد موعد مرور محطة الفضاء الدولية فوق دولتك؟

تعتمد التلسكوبات الفلكية على رصد جزء محدد من السماء لفترة طويلة لرصد أي تغيرات تطرأ على لمعان أي جسم فيه، وتقوم بجمع البيانات بشكل مستمر لتحديد سبب هذا اللمعان، ربما كان انفجار سوبر نوفا جديدًا، أو كويكب قريب من الأرض، أو مذنب، أو حتى جسم من خارج المجموعة الشمسية. وظهور قمر اصطناعي في المشهد بلمعانه عادة ما يعد إشارات خاطئة تؤثر على جودة الرصد، وربما تعتبر لفترة قصيرة كأنها حدث جديد قبل أن يدرك العلماء أنه قمر اصطناعي.

ولكي يظهر قمر اصطناعي يجب أن يكون كبيرًا بما يكفي، أو عاكسًا لضوء الشمس بما يكفي، أو (وهنا تأتي سلبية أسطول ستارلينك)، غير بعيد بما يكفي. وأكثر من نصف أقمار ستارلينك تدور في مدار قريب جدًا حيث يبدو أنها ستغير من شكل سماء الليل للأبد.

أول من تحدث عن المشكلة كما رأيت هو جوناثان ماكدويل Jonathan McDowell، العالم الفلكي بـ Smithsonian Center for Astrophysics والذي أثار الأمر على تويتر بسؤاله عن كم مرة يتوقع أن تظهر تلسكوبات ستار لينك في مجال رصد التلسكوب المستقبلي «تلسكوب المسح الشامل الكبير».

يعتقد جون أن سماء الليل في منطقة تغطية تلسكوبات ستار لينك لن تصبح صالحة تمامًا للرصد الفلكي المتقدم بسبب الضوضاء التي سيسببها الأسطول والذي يهدف لتغطية العالم تمامًا. ويظن جون أن صورة لمدة عشر دقائق من تلسكوبه بـ Harvard Smithsonian Center سيظهر فيه أثر ستارلينك عشر مرات على الأقل.

أثار الأمر انتباه الفلكي رونالد دريمل من مرصد تورين بإيطاليا كذلك، والذي قال لفوربس: «المأساة المتوقعة بسبب وجود أسطول في السماء مثل ستارلينك، هو أنها ستغير شكل السماء. ستارلينك والأساطيل المستقبلية المماثلة ستدمر سماء الليلة لكل البشر».


رد من إيلون ماسك

أثار الفلكي ألكس باركر الأمر على تويتر كذلك، لكن هذه المرة قام إيلون ماسك مالك SpaceX صاحبة المشروع بالرد عليه، إذ قال ألكس إن الأقمار التي أطلقت لامعة جدًا، فكيف سيبدو 12 ألف منهم في السماء؛ أي أكثر من عدد النجوم المرئية بالعين المجردة؟

هنا قام إيلون ماسك بالرد بالتأكيد على أن لمعان الأقمار سيكون وقت الشروق والغروب فقط، حيث ستعكس ألواحها الشمسية ضوء الشمس. أما باقي الليل حين يبدأ الرصد العلمي، لن تكون الأقمار ظاهرة بأية حال. وقال إن محطة الفضاء الدولية عملاقة ولامعة ولا تسبب الأذى المتوقع، وهو ما قام الفلكي جاسون ميجور Jason Major بالرد عليه قائلاً إن محطة الفضاء ما زالت واحدة ويمكن التنبؤ بمكانها.

وعندما طلب من ماسك أن يتدخل لحل المشكلة بشكل جذري، رد قائلاً بأنه أرسل بالفعل لفريق ستارلينك يطلب منه حلولاً عملية لتقليل الأثر السلبي لأقمار الأسطول على سماء الليل، لكن هذا سيمكن تقييمه بشكل حقيقي عندنا تصل الأقمار لمدارها الحقيقي.


الفلك الراديوي في مأزق كذلك

في تصريح لفوربس أيضًا، قالت الفلكية أليس جورمان إن الرصد الراديوي سيتأثر كذلك:

«علماء الرصد الراديوي مهتمون أكثر بسبب بث أقمار الأسطول في التردد 10.7-12.7 جيجا هرتز، وهو التردد الذي يحتوي التردد الطيفي للمياه بجانب أشياء أخرى»، «يكافح العلماء يوميًا لحماية ترددات الرصد الراديوي، لكن الأمر من سيئ لأسوأ».

هل تتذكر أول صورة أعلنت لثقب أسود في مجرة بعيدًا، بجانب الصورة المنتظرة للثقب الأسود في القلب من مجرتنا؟ حسنًا، كانت هذه الصور باستخدام تلسكوبات راديوية في مختلف أنحاء الكرة الأرضية. وسيؤثر أسطول ستارلينك على تقنية التصوير التي أنتجت هذه الصورة، وغيرها الكثير من اكتشافات علم الفلك مؤخرًا.

يأتي هنا السؤال الهام: هل يستحق نشر الإنترنت فضائيًا على مستوى العالم تدمير شكل سماء الليل للناظرين وللعلماء للأبد؟

لا أظن أن لدي إجابة، لكني أتمنى حقًا من إيلون ماسك وفريقه أن ينال الأمر اهتمامًا حقيقيًا منهم وأن يصلوا لحلول حقيقية. أريد شخصيًا أن يصل لي الإنترنت بلا أي قيود بالتأكيد، لكني أرغب أكثر في أن أنظر بكامل حريتي لسماء الليل دون منغصات سخيفة.