كيف استقرت المذاهب الأربعة في الفقه السني؟
على هذا النحو ترسخت فكرة "الرباعية المذهبية" واستقرت نهائيًّا، وغدت مرتكزًا ثابتًا لا للفقه السُّني وحده، بل لمجمل الأنشطة الدائرة في فلكه، في ميادين التعليم والقضاء والدعوة الدينية، وكأن اتفاقًا وقع بين المسلمين ــــ مدعومًا بفتاوى دينية ـــــ على وجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم الاشتغال بغيرها، كما يوحي ظاهر كلام المقريزي.
في تاريخ الفقه: النشأة وتشكل المذاهب
الواقع أنه لم يُقَدَّر البقاء لغير أربعة من تلك المذاهب الشخصية، وكان أن صادفت من الذيوع والانتشار ما ارتقت به إلى مصاف المذاهب الكبرى المتبوعة، في حين اندثرت مذاهبُ أخرى، ظلت بين النشأة إلى الاندثار مجرد نسق من الآراء الشخصية لأصحابها، ولئن صادفت مَنْ يعتنقها ويؤمن بها، فإنها لم تظفر بمن يتولى شرحها ويضيف إليها ما يصبح مع التراكم مذهبًا تامًّا، أو ينافح عنها في مواجهة المذاهب الأخرى. أما الأسباب الموضوعية التي تفسِّر بقاء تلك المذاهب واندثار ما سواها، فموضوع المقال التالي بإذن الله.