وجودي كحارس أول لفريق برشلونة طيلة هذه السنوات قد ولّد بداخلي ضغطًا لم يعد بإمكاني التعامل معه، أفضّل أن أبعد الآن عن أي وقت مضى.

كانت هذه هي تصريحات الحارس الإسباني «فيكتور فالديز» لصحيفة الإندبندنت عقب إعلانه في شهر مايو/آيار من عام 2013 أنه لن يجدد عقده مع نادي برشلونة بنهاية موسم 2013-2014. راق هذا القرار للعديد من محبي النادي الكتالوني في هذا الوقت ؛لما كانوا يرددونه دائمًا بأن فيكتور لم يكن أبدًا الحارس المناسب لثورة «بيب جوارديولا» التي قادها منذ عام 2008 في الإقليم الساعي للاستقلال، وأن تلك الثورة كان تتطلب حارسين أكثر موهبة من فالديز وبديله الأول «خوسيه بينتو» الذي لم يترك مع جماهير البلوجرانا أي ذكرى بارزة سوى قصات شعره الغريبة وهدف «جاريث بيل» في نهائي السوبر الإسباني، نعم .. جاريث بيل هرب شد شد.

تبعات هذا القرار لم تكن بالجيدة إطلاقًا على الحارس الإسباني على الجانب الكروي، ولا حتى على الجانب الإنساني الذي سعى فالديز إلى الحفاظ عليه برحيله عن برشلونة، فماذا حدث؟


وداع حار

من الصعب للغاية أن تكون ملكًا في روما، أن تكون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أن تكون حارس مرمى برشلونة الأول
تصريح سابق لـ«ساندرو روسيل» رئيس نادي برشلونة السابق.

تألق فالديز في النصف الأول من موسم 2013-2014 بشكل لافت للنظر، وكأنه أراد أن يترك ذكرى طيبة مع جماهير الإقليم الكتالوني قبل لحظات الوداع الأخيرة التي خطط لها أن تكون في نهاية الموسم، ولكن الإصابة لم تمهله حتى نهاية الموسم. أُصيب فالديز إصابة عنيفة في ركبتة اليمنى في مباراة برشلونة أمام سيلتافيجو بالدوري الإسباني في شهر مارس/آذار من عام 2014.

بالرغم من تلك الإصابة لم تتوقف مفاوضات إدارة برشلونة مع الحارس الإسباني لإقناعه بالتجديد والتراجع عن قراره الدرامي بمغادرة الكامب نو. لم تتوقف الجماهير أيضًا عن الهتاف باسمه في مدرجات الملعب لاسيما بعد المستويات الرائعة التي قدمها في النصف الأول من الموسم الأخير له، إلا أن فيكتور كان قد اتخذ قراره النهائي.

تراجع نادي موناكو الفرنسي عن التعاقد المخطط معه بعد إصابته بالركبة، فظن الجميع أنه سيبقى حارسًا لبرشلونة، ولكن فالديز أعلنها صراحة مرة أُخرى: لن أجدد تعاقدي، لم أعد أتحمل الضغط. قرار قد رآه العديد من المتابعين أنه غريب من حارس غريب الأطوار، محتد في كلامه أحيانًا مع الصحافة دون أن يخطئ في أي أحد، غير محب للظهور الإعلامي بالرغم ما تعرض له من انتقادات منذ موسم 2003-2004 وحتى عام 2013-2014.


صدام عنيف

فقد فيكتور فالديز كامل حظوظه للمشاركة مع المنتخب الإسباني في كأس العالم بالبرازيل عام 2014. فانتظر حتى انتهاء عقده مع نادي برشلونة وقضى عدة شهور للتعافي من الإصابة و التدرب بمفرده في نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، حتى قرر الهولندي «لويس فان خال» منحه عقدًا جديدًا مع الشياطين الحمر في مطلع عام 2015.

ستة شهور فقط كانت كافية لدق طبول الحرب بين الحارس الإسباني والمدرب الهولندي، حيث لم يظهر فالديز إلا في مناسبتين فقط في البريميرليج منذ انضمامه للمانيونايتد. لم يصطحبه فان خال أيضًا في جولة الفريق الإنجليزي بالولايات المتحدة لخوض العديد من الوديات قبل بداية الموسم، مما يعني ضمنيًا أنه ليس ضمن حساباته للموسم الجديد.

_ لماذا لم تضم فيكتور فالديز لمعسكر إعداد الفريق للموسم الجديد بالولايات المتحدة؟ _فيكتور لم يظهر التزامًا كبيرًا بالتعليمات ورفض لعب بعض المباريات مع الفريق الرديف. _هل سيتم بيعه في أقرب فرصة؟ _نعم، بكل وضوح
تصريحات المدرب الهولندي «لويس فان خال» عن «فيكتور فالديز».

قبل أن يظهر هذا الصدام للإعلام كان فالديز قد لمح إلى صحيفة الجارديان بحنينه إلى أيامه في برشلونة تحت قيادة الفيلسوف «بيب جوارديولا» واصفًا إياه بالمخضرم الذي يجيد التعامل مع كل لاعب نفسيًا بما يناسب شخصيته. لم يقل فالديز صراحة إنه نادم على قرار رحيله من برشلونة ولكنه اكتفى بمدح بيب وتوضيح أنه شخص يحتاج إلى فلسفة خاصة في التعامل، وكأنه أراد أن يوصل لرسالة لفان خال: رجاء لا تعاملني هكذا، عاملني كما عاملني جوارديولا!

لم يستجب فان خال لنداء فالديز واستمر في إشراكه مع الفريق الرديف بل و حرمه حتى من المشاركة في صورة الفريق الدعائية للموسم الجديد، فأتى الصدام لا محالة. فأعلن فالديز صراحة أنه نادم أشد الندم على قرار رحيله من برشلونة، كما أنه وصف إنقاذه أمام فريق سيلتافيجو بالإنقاذ الذي غيّر حياته كل هذا التغيير، لكن يبدو أن فيكتور قد نسي إلحاح إدارة برشلونة عليه للتجديد حتى بعد إصابته وكذلك تصريحاته السابقة برغبته التي لن يتراجع عنها للرحيل من كتالونيا للهروب من الضغوط الشديدة.


دوامات لا تنتهي

خرج فالديز في مطلع عام 2016 على سبيل الإعارة إلى نادي «ستاندرد دلييج» البلجيكي، قبل أن يقطع إعارته بعد أربعة شهور فقط من العقد بسبب قرار المدير الفني للنادي البلجيكي منح الفرصة للاعبين الصغار بعد حسم بطولة الكأس أمام فريق بروج. وجد فالديز أنه سيفقد فرصته في اللعب مرة أُخرى لصالح حارس ناشئ وهو لم يلبث أن استفاق من ويلات البُعد عن المشاركة في الأولد ترافورد، فقرر قطع الإعارة والعودة مرة أُخرى إلى نار فان خال.

انتقل بعد ذلك فالديز إلى نادي ميدلسبره الإنجليزي ليبدأ معهم موسم 2016-2017 تحت قيادة «إيتور كارانكا» المساعد المخلص لـ«جوزيه مورينيو» في ولايته لفريق ريال مدريد الإسباني. كارانكا يعرف فالديز جيدًا، فساعده على تقديم موسم أخير له يمكن وصفه بالجيد مع الفريق الإنجليزي حيث شارك معهم في 28 مباراة، فالديز قد عاد للحياة مرة أُخرى بعد اعتزاله.

بحلول شهر مارس/آذار من عام 2017 رحل كارانكا عن قيادة الفريق فلم يشعر فالديز بالراحة وزاد الاحتكاك بينه وبين إدارة ميدلسبره على حد وصفه فتم فسخ العقد بنهاية الموسم باتفاق الطرفين. ظل فيكتور دون نادٍ لمدة تزيد على الثمانية أشهر، حتى أعلن اعتزاله في الثالث من يناير/كانون الثاني من عام 2018.


ليتني لم أبدأ الطريق

إذا ولدت من جديد بالطبع لن أختار أن أكون لاعب كرة قدم. بالرغم من اعتراف الكثيرين بموهبتي إلا أنني عانيت كثيرًا بالمسار الذاي اخترته في كرة القدم.

تصريح كهذا يخبرك الكثير عن حجم الضغط الجماهيري الذي تعرض له فيكتور فالديز طيلة مسيرته مع برشلونة. تشكيك دائم في قدراته وسخرية لا تتوقف من هفواته لمدة عشر سنوات بالطبع كانت جديرة بإصراره على مغادرة الكامب نو وهو في واحد من أفضل مواسمه مع كرة القدم.

أنا لا أحب الشهرة، كرة القدم تجعلك مشلولًا وتصور لك أنك بمكانة عالية وفي الواقع أنت لست بهذه العظمة. بعد إصابتي بالركبة وذهابي للعلاج في ألمانيا كنت أذهب يوميًا من العيادة إلى الفندق دون أن يعرفني أحد في المترو. أدفع لنفسي تذكرة الركوب وثمن فنجان القهوة. هذا لا نفعله ونحن لاعبون مشهورون، وأنت في قمة عطائك كل شيء يكون ميسرًا لك. أدركت حينها أنني عائد لا محالة للعيش مع أسرتي وأطفالي، سأعلمهم معنى الحياة وكيف يواجهون صعوباتها. بعد إعلان اعتزالي سأذهب بعيدًا عن الأضواء وأتمنى ألا يجدني أحد من المتابعين.

هكذا كان نص حديث فيكتور فالديز في مقابلته مع محطة RAC1 الإسبانية منذ عامين تقريبًا. لم يكن فالديز مبالغًا في حديثه لأنه قد أقدم عليه بالفعل منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، حيث أعلن اعتزاله مكتفيًا بصورة لغروب الشمس وكتب عليها «شكرًا لكل شيء». اختفى فالديز بعدها تمامًا عن الأنظار ومسح كافة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. يبدو أنه اتخذ الخطوة الأولى على الطريق الصحيح بالفعل ليعلم أطفاله كيف يواجهون صعوبات الحياة!