لم يكن التوحد يومًا عائقًا يقع على كتف حامله، فنظرتنا الدونية هي من تحبط عزائمنا وعزيمة كل فرد يحاول أن يقهر مرضه وينتصر عليه بالعزيمة والإرادة لتحقيق مبتغاه.

لقد كنت واحدةً من الذين ينظرون إلى مصابي التوحد بنظرة تحمل كل معاني الألم والأسف نظرًا لعدم كونهم أشخاصًا طبيعيين يستطيعون مزاولة الحياة كأي فرد طبيعي. ولكن، قد يحمل إلينا القدر بعض الومضات لتشير إلى مفهوم مغلوط اعتقدناه. لذلك سنتعرض في هذا التقرير إلى 10 نماذج من أبرز الشخصيات التي أصيبت بالتوحد واستطاعوا قهر مرضهم. حققوا النجاح والتميز بفضل إيمانهم وإيمان ذويهم بقدراتهم وإمكاناتهم، ليصبحوا من أكثر الأشخاص المؤثرين والنوابغ في العالم.

منذ أول تشخيص لمرض التوحد عام 1943، كانت نسبة الأطفال مصابي التوحد لا تتجاوز 10%، ولكن في الآونة الأخيرة تزايد انتشار التوحد بين الأطفال، حتى أصبح أشهر من الإصابة بالسرطان أو السكري.

لم يكن التوحد مفهومًا بمعناه الصحيح منذ بداية التعرف عليه، ولكن في العقد الأخير قرأنا وتعلمنا الكثير والصحيح عن هذا المرض، وأصبح الشخص التوحدي لا يمثل آفة أو عالة علينا، بل هو ثمرة الغد يمكننا أن نطوعه ليخدم فكرة أو رؤية ما.

نحن الذي نحصر مصابي التوحد في زاوية الانفصال عن العالم الخارجي دون أن ندري عواقب الأمر؛ فبالتعامل مع مصابي التوحد بهذه الطريقة نهمشهم أكثر ونقضي عليهم. بينما إذا اهتممنا أكثر بهم وحاولنا تطويرهم، فبالطبع سنرى ثمارًا يافعة نجني حصادها في المستقبل.


1. جون إلدر روبنسون

الكاتب الأمريكي المشهور، صاحب كتاب «Look me in the Eye» والذي يتناول فيه قضية إصابته بمتلازمة اضطرابات طيف التوحد «أسبرجر».

يشرح روبنسون في كتابه قصة حياته التي كانت بمثابة تحدٍ ذاتي دون أن يعرف تشخيصًا مناسبًا لحالته قبل تشخيصها في سن الأربعين بمتلازمة أسبرجر.

لقد اشتهر قبل تشخيصه بقدرته وموهبته في فن الميكانيكا والإلكترونيات، وقد دفعته قدراته القوية في هذه المجالات إلى العثور على عمل كمهندس في مجال الموسيقى في شركة صوت Pink Floyd.

وفي الثمانينيات عمل روبنسون في مصنعي الإلكترونيات ميلتون برادلي (الألعاب الإلكترونية)، سيمبلكس (أجهزة إنذار الحريق والتحكم في المباني)، و ISOREG (أنظمة تكييف الطاقة). والآن يمتلك شركته الخاصة في جمع واستعادة السيارات الأوروبية القديمة.

وبعد وصوله إلى سن الأربعين قرر الإفصاح عن حياته في كتابه الأول ليكون إلهامًا لبعض المحبَطين من إصابتهم أو إصابة أطفالهم بالتوحد.


2. توماس آي ماكين

«توماس آي ماكين» مؤلف ومحاضر أمريكي

توماس آي ماكين مؤلف ومحاضر أمريكي مصاب بالتوحد، اهتم بالمجمتع التوحدي وأظهر ذلك من خلال تفانيه في دعم وبحث تعليم التوحديين. وها قد وصل ماكين إلى مرتبة المشاهير اليوم، فهو شاعر، ومغنٍّّ وكاتب أغانٍ، ومتحدث دولي وكاتب، ومؤلف كتاب «قريبًا سيأتي الضوء: رؤية أعمق من داخل لغز التوحد».

تم تشخيص حالته لأول مرة في عام 1979 عن عمر يناهز 14 عامًا، حتى وصل إلى سن السادسة عشر من عمره دون أن يستطيع الكلام، وأوضح ماكين أنه لم يُعطَ تشخيصًا رسميًا لحالته، لذا كان يُعاقب مرارًا.

أمضى ماكين النصف الأول من حياته المهنية في مدرسة ابتدائية في فصل دراسي عادي، ثم كان في فصول خاصة للتعليم حتى الصف السادس. كان لا يحظى بشعبية في المدرسة، ثم أمضى ثلاث سنوات في مؤسسة للطب النفسي ابتداءً من سن الرابعة عشر. ومع ذلك، تم انتخابه في نهاية المطاف في مجلس جمعية التوحد الأمريكية في عام 1992.

بدأ ماكين مسيرته المهنية بعد اكتشافه لإصابته بطيف التوحد، من خلال حضور اجتماعات الفصل في جمعية التوحد في أمريكا، ولفت الانتباه لكونه قادرًا على التحدث عن تجاربه الخاصة كشخص توحدي.

استطاع ماكين أن يفوز بجائزة الإنجاز الأدبي لجمعية التوحد الأمريكية. كما أظهر مواهبه في مجالات مثل الكمبيوتر والتصميم الفني، بالإضافة إلى شغفه بالكتابة.

كان كتاب «قريبًا سيأتي الضوء..» من أوائل السير الذاتية التي توفر رؤية فريدة لعالم التوحد. وراجعت جانيس م. سراك، عضوة في جمعية التوحد الأمريكية، هذا الكتاب وأوضحت أن هناك كتبًا قليلة مكتوبة بواسطة التوحديين، وأن هذا الكتاب سيكون مصباح إنارة لأولياء أمور الأطفال المصابين بالتوحد من أجل فهم التصور التشخيصي الصحيح الأول لمرض التوحد.

ذكر ماكين أن بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم مصابون بالتوحد على الإنترنت يصورون وجهة نظر مشوهة وغير واقعية تمامًا لما يعرف بالتوحد. ظهر توماس ماكين ضيفًا في برنامج أوبرا وينفري في عام 2001، وأثناء العرض ذكر أنه كان وحيدًا كطفل، وكان عليه أن يتعلم العواطف.


3. جيسون مسلوين

جيسون مسلوين الملقب بـ«جاي ماك» بطل أمريكي رياضي، ذو لياقة وقدرة بدنية عالية، برع في كل من كرة السلة والماراثون.

اشتهر جيسون في عام 2006 من خلال الأخبار الوطنية، بتسجيله 20 نقطة خلال مباراته لكرة السلة في المدرسة الثانوية.

تم تشخيص حالة جيسون في سن عامين بإصابته بالتوحد. عانى في بداية حياته بسبب عدم قدرته على التفاعل مع الأطفال الآخرين، ولكنه بدأ في تطوير مهاراته الاجتماعية عندما كبر بالرغم من أنه تم وضعه في فصول تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.


4. دوون برينس هيوز

دوون برينس هيوز، عالمة أنثروبولوجيا

دوون برينس هيوز، عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية، وأخصائية الطب الباطني، ومن علماء السلوك، حاصلة على درجة الماجستير والدكتوراه في الأنثروبولوجيا متعددة التخصصات من جامعة هاريسون في سويسرا.

في عام 2000 تم تعيينها أستاذًا مساعدًا في جامعة واشنطن الغربية. وهي الرئيس التنفيذي لشركة ApeNet Inc، وقد عملت كمديرة تنفيذية لمعهد البحوث الأثرية المعرفية (Citationitive Research Research).

عانت دوون برينس في طفولتها من إصابتها بالتوحد، ولكنها استطاعت أن تقهر علتها وتتعامل مع العالم الخارجي بكل ثبات، حيث استطاعت تأليف عدد من الكتب منها كتاب «Songs of the Gorilla Nation»، تحكي فيه معاناتها ورحلتها في مواجهة طيف التوحد، وكتاب «Aquamarine Blue 5» تروي فيه مجموعة قصص لأشخاص جامعيين توحديين، وغيرها الكثير من الكتب المثمرة الرائعة.


5. دونا وليامز

«دونا وليامز» — مؤلفة وكاتبة

دونا وليامز مؤلفة الكتاب الأكثر مبيعًا «Nobody Nowhere»، وهي حالة توحدية أخرى لفتت أنظار العالم باجتهادها ومقاومتها للتوحد؛ فهي فنانة تصف نفسها بأنها «متعلمة حركية»، تُدرِس لنفسها كيف تعبر عن ذاتها من خلال النحت والرسم وكتابة الأغاني والسيناريوهات والكتب.

يعتبر كتابها «Nobody Nowhere» هو سيرتها الذاتية التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا في العالم. قيل عنها في عام 2006 في صحيفة الجارديان إن: «أولئك الذين قرأوا أيًا من كتب دونا ويليامز سيعرفون أنها واحدة من أكثر الكُتاب الذين أثاروا أهم القضايا المتعلقة بالتوحد».


6. تيم بادج

الناقد الموسيقي، تيم بادج

تيم بادج، كاتب ومصور وناقد ومؤلف شهير، فاز بجائزة بوليتزر كناقد موسيقي لصحيفة واشنطن بوست، كما تم اختياره من قبل أوبرا نيوز كواحد من أكثر 25 شخصية مؤثرة في عالم الأوبرا.

أنتج تيم حفلات موسيقية في جميع أنحاء العالم، ومنذ ذلك الحين عُين أستاذًا للصحافة والموسيقى في جامعة جنوب كاليفورنيا. ونشر بادج كتابًا بعنوان «Parallel Play» في عام 2009، سرد وأرخ فيها مذكراته وتجاربه الخاصة التي نشأت مع متلازمة أسبرجر غير المشخصة.


7. ساتوشي تاجيري

مصمم ألعاب الفيديو، ساتوشي تاجيري

ساتوشي مصمم ألعاب فيديو ياباني، ومخترع البوكيمون، كان يلقبه أصدقاؤه في طفولته «Dr.Bug»، حيث كان مغرمًا بجمع الحشرات، وكان هذا هو مصدر إلهامه لاختراع لعبة الفيديو «بوكيمون».

تم تشخيص ساتوشي بمتلازمة أسبرجر (طيف التوحد)، من قبل مسؤولي «نينتندو»، وصٌنِفَ بأنه مبدع للغاية ولكنه منعزل وغريب الأطوار.

وبسبب افتتانه بألعاب الفيديو، كان ساتوشي ينقطع عن دراسته بشكل متكرر ولم يكمل دراسته الثانوية. حاول والده أن يلحقه بوظيفة في شركة طوكيو للطاقة الكهربائية، ولكن امتنع ساتوشي عن تولي المنصب. فقد اتجه إلى الحصول على دروس مكثفة وحصل في نهاية المطاف على شهادة الثانوية العامة. لم يلتحق بالجامعة، لكنه بدلًا من ذلك فضّل الالتحاق ببرنامج شهادة تقنية لمدة عامين في كلية طوكيو الوطنية للتكنولوجيا، حيث تخصص في الإلكترونيات وعلوم الكمبيوتر.


8. مات سافاج

الموسيقار والملحن «مات سافاج»

كان سافاج طفلًا نابغًا، حيث استطاع تعلم القراءة في عمر 18 شهرًا، وفي عمر الثالثة تم تشخيص حالته باضطراب النمو لديه بوجه عام وهو شكل من أشكال التوحد، حيث كان ينزعج من أي أصوات أو ضوضاء أو موسيقى خلال مرحلة الطفولة. وعندما وصل إلى سن السادسة، ظهر شغفه بتعلم الموسيقى، وبدأ بتعليم نفسه قراءة النوتة الموسيقية، حيث درس العزف على البيانو الكلاسيكي لمدة أقل من عام قبل أن يكتشف موسيقى الجاز، والتي أصبحت محور اهتمامه الرئيسي.

تلقى سافاج دراسته منزليًا، ثم بدأ بعدها دراسته في معهد نيو إنجلاند للموسيقى في بوسطن، عام 1999، بالإضافة إلى مواصلته للدراسة العادية.

أصبح سافاج موسيقارًا وملحنًا مبدعًا وبارعًا على الرغم من صغر سنه وتوحده، وحتى بدون تعليم رسمي في تأليف النوتة الموسيقية، حيث أصدر اثني عشر ألبومًا من الموسيقى بمفرده. والآن، قرر سافاج إنشاء أكبر كلية مستقلة للموسيقى المعاصرة في العالم في كلية بيركلي للموسيقى في بوسطن، ماساتشوستس.


9. تمبل جراندين

«تمبل جراندين»، أستاذة في علم الحيوان بجامعة كولورادو

تمبل جراندين أستاذة بارعة في علم الحيوان بجامعة ولاية كولورادو، واستشارية في سلوك الحيوان بمجال المواشي. تعرف تمبل بكونها توحّدية عالية الأداء؛ حيث قامت بتثقيف وإلهام المجتمع التوحدي فقط من خلال مشاركة قصة حياتها.

تم تشخيص حالة تمبل لأول مرة في عام 1950 بإصابتها بالتوحد، ولكنها استطاعت التحدث في سن الأربعة ببراعة بفضل عدد من الموجهين المتعاونين بداية من المرحلة الإبتدائية.

استطاعت أن تتخرج من مدرسة داخلية للأطفال الموهوبين، ثم التحقت بكلية فرانكلين لدراسة علم النفس وحصلت على البكالوريوس عام 1970، بالإضافة إلى حصولها على درجة الماجستير في علم الحيوان من جامعة ولاية أريزونا عام 1975، ودرجة الدكتوراه في علم الحيوان عام 1989.

قررت تمبل أن تصرح عن إصابتها بالتوحد في العلن في منتصف الثمانينات، وذلك بناءً على طلب من أحد مؤسسي جمعية التوحد الأمريكية، حيث قال: «قابلت تمبل أول مرة في منتصف الثمانينات في المؤتمر السنوي الذي تقيمه الجمعية، وقفت شابة طويلة بدا عليها الاهتمام بالنقاش على هامش المجموعة، كانت تبدو لطيفة وخجولة، لكنها اكتفت بالاستماع. علمت أن اسمها تمبل غراندين، ولكني لم أعلم بأنها مصابة بالتوحد إلا في نهاية الأسبوع. ذهبت إليها وسألتها إذا ما كانت ترغب بالتحدث في المؤتمر في العام المقبل ووافقت. خاطبت تمبل جراندين الجمهور لأول مرة في العام التالي، تجمع الناس ولم يكتفوا من حديثها. لأول مرة كان هناك شخص ما يخبرهم عن التوحد من خلال تجربته الذاتية، وكيف أن يكون شخص ما حساسًا تجاه الأصوات، (كأن تكون مربوطًا بسكة حديدية والقطار قادم). سُئلت العديد من الأسئلة: “لماذا يدور ابني كثيرًا؟” “لماذا لا ينظر إلي؟” “لماذا يضع يديه على أذنه؟” تحدثت من خلال تجربتها الخاصة وبصيرتها المثيرة للإعجاب. امتلأت عيون الكثيرين بالدموع وسرعان ما أصبحت تمبل المتحدثة الأكثر رواجًا في مجتمع التوحد».

نادت تمبل بالدعوة إلى التدخل المبكر لعلاج التوحد وتشكر كل الداعمين والأطباء الذين ساعدوها في طفولتها على تخطي محنتها.


10. دانيال تاميت

دانيال تاميت هو نابغة بريطاني يتمتع بقدرته الفائقة على تعلم اللغات الطبيعية والرياضيات، وهو أيضًا كاتب ومعلم ولغوي بارع.

لفت دانيال أنظار العالم بعد إصداره لكتابه الأول «Born On A Blue Day»، الذي يروي فيه تفاصيل طفولته وإصابته بالتوحد، وشرح فيه كيف استطاع أن يكون متعلمًا ذاتيًا كمتوحد، وتم بيع أكثر من نصف مليون نسخة في جميع أنحاء العالم.

ظهر دانيال في عدد لا يحصى من البرامج التلفزيونية. ونظرًا لمهاراته الذاتية فيما يتعلق بالذاكرة والرياضيات واللغويات، دَرًَسَ دانيال للعديد من كبار علماء الأعصاب في العالم.

أحدث كتاب له كان بعنوان «احتضان السماء على نطاق واسع: جولة عبر آفاق العقل»، وهو عمل استقصائي حول أوجه التشابه والاختلاف بين العقول الباحثة والعقول غير المدركة. ويقال إن لديه قدرة خارقة لوصف كيفية عمل العقل فيما يتعلق بالمعالجة الحسية واللغة والتفاعلات الاجتماعية.