لا شيء جديد في واشنطن، إدارة ترامب تواصل خذلان حليفها التركي في الناتو وتختار القيام بهجوم منفرد مع المقاتلين الأكراد نحو مدينة الرقة عاصمة التنظيم الأكثر خطورة على مستوى العالم، تنظيم الدولة الإسلامية، داعش.


الخذلان الأمريكي لم يتغير بتغير ساكن البيض الأبيض!

الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»

لم يكن هذا الخذلان جديدًا على الإدارة الأمريكية، إذ إنه يمثل امتدادًا لخذلان أوباما وإدارته للحليف التركي منذ العام 2015م، عندما خدعت إدارة أوباما أردوغان وأقنعته بفتح قاعدة أنجرليك العسكرية مقابل أن تسمح له أمريكا بلعب دور في شمال سوريا يحول دون قيام الكيان الكردي الفيدرالي، والذي يشكل لأردوغان وللجمهورية التركية الأمر الذي لا تتمنى أن تراه أبدًا على حدودها الجنوبية، وكانت إدارة أوباما قد وعدت أردوغان بأنها تضمن له ألا تتحرك القوات الكردية إلى غرب نهر الفرات، وأن ينحصر نشاطها في مهاجمة داعش في شرق الفرات فقط، ولكنها كانت خدعة «أوبامية»، فلم يمضِ عام على هذا الاتفاق حتى استغلت الولايات المتحدة الخلاف الروسي التركي لتطلق عملية مشتركة مع الوحدات الكردية للسيطرة على مدينة منبج، التي تقع في غرب الفرات!

اضطر أردوغان أن يقيم صلحًا مع روسيا يهين كبرياءه العثماني مقابل أن يحصل على غطاء روسي لشن عملية عسكرية يهاجم من خلالها داعش ويقطع الطريق على قوات الحماية الكردية في غرب الفرات. وكانت عملية درع الفرات التي انتهت إلى سيطرة تركيا على مدينة جرابلس والباب وإنهائه للمشروع الفيدرالي السوري (روج آفا) في شمال سوريا تمامًا.

وكان الرئيس التركي أردوغان يراهن على أن أجندة الديمقراطيين مختلفة عن أجندة الجمهوريين، وأن الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، الذي يريد القطع مع فترة أوباما تمامًا، سوف يختار التحالف معه بدلًا من التحالف مع القوات الكردية، وقام أردوغان بعدة اختبارات في محاولة لقياس ردة الفعل (الترامبية)، فحاولت قواته التحرك نحو تل أبيض أو ضرب أماكن القوات الكردية هناك، إلا أن النتيجة كانت سلبية، إذ قامت الولايات المتحدة بإنشاء دوريات لحماية الوحدات الكردية، واستمر ترامب في دعم عملية غضب الفرات التي بدأها أوباما، والتي انتهت قبل أيام بسيطرة كاملة للوحدات الكردية على كامل ريف الرقة الشمالي والغربي، وعلى مدينة الطبقة وعلى سدها ومطارها.

قبل أسبوعين من الآن وقبل أن تنتهي معركة الطبقة وسد الفرات صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الولايات المتحدة وتركيا بإمكانهما متى ما وحدا جهودهما أن يقوما بدفن تنظيم داعش في مدينة الرقة، معلنًا أنه سيقوم بزيارة للولايات المتحدة في منتصف مايو/آيار ليعرض على الرئيس الأمريكي ترامب أن تقوم القوات المسلحة التركية وحلفاؤها من القوات السورية بالهجوم على الرقة مقابل عدم إشراك الولايات المتحدة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية، المكونة من قوات وحدات الحماية الكردية وحلفائها، ويبدو أن الرئيس الأمريكي استبق زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليصدر أمرًا تنفيذيًا فوريًا بتسليح القوات الكردية استعدادًا لمعركة الرقة، والذي قالت مصادر كردية إنها سوف تبدأ مع بداية فصل الصيف.

لقد حاولت تركيا منذ قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة في شهر يناير/كانون الثاني الماضي محاولة فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة بعد فوز الجمهوريين، الذين يمثلهم دونالد ترامب، وعملت على إظهار تعاون مع إدارة ترامب من أجل حسم القضايا الخلافية، التي أشعلت الخلاف مع الإدارة الديمقراطية السابقة، والتي كان على رأسها قضية دعم الوحدات الكردية شمالي سوريا على حساب المعارضة المعتدلة التي تدعمها تركيا في شمالي سوريا وقضية تسليم الداعية الإسلامي المقيم في بنسلفانيا، فتح الله غولن، والذي تتهمه الحكومة التركية بقيادة الانقلاب العسكري الذي أُفشل الصيف الماضي.


ما الذي يعنيه تسليح الوحدات الكردية لمعركة الرقة؟

الرقة؛ هي مدينة ذات طابع خاص، فهي عرين الأسد والعاصمة والمركز الرئيسي لقوات داعش في سوريا وفي العراق، خصوصًا بعد خسارته -المنتظرة والمؤكدة بحسب المعطيات الميدانية- للموصل في الأيام القادمة، ويتوقع أن تخوض القوات التي سوف تحارب في داخل هذه المدينة مقاومة شديدة من تنظيم داعش تتمثل في السيارات الملغمة والعبوات الناسفة، بالإضافة إلى حرب الشوارع التي لا يستطيع الطيران توفير الدعم فيها للمهاجمين.

وحسب بعض الصحف الأمريكية، فمثل عملية الرقة المعقدة تحتاج لمضادات دروع متطورة تستطيع إيقاف الدبابات الداعشية، وعربات مدرعة ورشاشات ثقيلة وقذائف هاون وبعض المعدات الهندسية المختصة بنزع الألغام أو تفجير الأنفاق الداعشية، حيث يُتوقع أن تكون أكثر أسلحة داعش فتكًا في مدينة الرقة. فما الذي يضير تركيا من كل هذا؟

1. سهولة نقل هذه الأسلحة إلى داخل الأراضي التركية

رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أن الأسلحة التي تقدمها لقوات سوريا الديمقراطية سوف تكون موجهة ضد داعش فقط ولمعركة الرقة فقط، لكن تكمن المشكلة في أن هذه الأسلحة التي طلبتها القوات الكردية يمكن بكل سهولة نقلها لحزب العمال الكردستاني ليستهدف بها الجيش والشرطة التركيين في جنوب شرقي تركيا، ولذلك ترفض تركيا من حيث المبدأ تسليح هذه الوحدات الموالية لحزب العمال الكردستاني، ولا تبدي نفس القلق من التسليح الغربي الذي يُقدم لقوات البيشمركة في شمال العراق، وخصوصًا بيشمركة البارزاني، الذين يتمتعون بانضباط كبير ويكنون قدرًا كبيرًا من العداء لحزب العمال الكردستاني لا يقل عن هذا الذي تكنه تركيا للحزب.

2. وداعًا للمناطق الآمنة

لقد كان أحد أبرز وعود الرئيس الأمريكي ترامب في حملته الانتخابية أن يقوم بإنشاء مناطق آمنة تؤوي اللاجئين السوريين الهاربين من الصراع داخل الأراضي السورية، ورغم أن الرئيس الأمريكي أكد تعهده هذا بعد إعلان فوزه الرئاسي، لكن يبدو أن تنفيذ هذا الوعد سوف يتبدد مع عملية الرقة العسكرية ضد داعش، حيث سوف تكون كل المناطق الحدودية مع تركيا قد سقطت تقريبًا بيد الوحدات الكردية، وحتى معقل داعش الرئيس قد سقط في يد هذه الوحدات، ولن يتبقى أي مكان مناسب لإقامة المنطقة الآمنة طالما وُجد المشروع الكردي الفيدرالي في الرقة وما حولها.


ما هي الخطوات التركية المتوقعة بعد قرار تسليح الكُرد؟

1. الصمت وانتظار فشل الأكراد في مهمتهم

وهذا الخيار هو خيار سيئ للغاية، وقد أثبت الواقع أنه غير ممكن، فالولايات المتحدة عبر الدعم الجوي الكبير والقوات الخاصة لن تسمح للأكراد بأن يفشلوا في اقتحام واحتلال الرقة مهما قدموا من تضحيات، طالما أنفقت كميات كبيرة من الأموال على تسليحهم وتدريبهم، ويُضاف إلى ذلك أن تنظيم داعش يعاني في الفترة الأخيرة من حالة إحباط وانكسارات كبيرة جعلت لديهم القابلية للهزيمة والاستعداد للفرار حتى بدون قتال، كما حدث في جرابلس وتل أبيض عندما انسحب «داعش» من المدينتين دون مقاومة تُذكر أمام القوات الكردية وأمام الجيش التركي وفصائل المعارضة المعتدلة فيما بعد.

2. فرض تركيا نفسها في معركة الرقة والمشاركة حتى بأعداد قليلة

الخيار الثاني للأتراك هو المشاركة في معركة الرقة مهما كانت الخسائر، وهذا الأمر يتطلب من الرئيس التركي القبول بمشاركة الوحدات الكردية في المعركة نفسها، رغم أنه يصنفها إرهابية، وعن طريق هذه المشاركة يستطيع الجيش التركي فرض أمر واقع على الأرض على الوحدات الكردية وعلى داعميها الغربيين، وإيجاد موطئ قدم لهم في الرقة وريفها.

وتركيا تمتلك المبررات الموضوعية لهذا الأمر، حيث يوجد قبر جد مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه، المسمى بابا الترك، والذي كان مدفونًا في ريف الرقة قبل أن تقوم القوات المسلحة التركية بسحب جثمانه إلى داخل الأراضي التركية قبل عامين خوفًا على القبر من أن يقوم تنظيم داعش بتدنيسه أو الاعتداء عليه، ولتركيا بموجب اتفاقية مع الجمهورية العربية السورية الحق في دفن سليمان شاه في قبره، وتُعتبر منطقة قبره جزءا من أراضي الجمهورية التركية، فقد تتخذ القوات المسلحة قبر سليمان شاه كذريعة للتدخل في الرقة وريفها الشمالي.

3. الهجوم على كانتون عفرين وضرب المشروع الانفصالي الكردي في مقتل

توجد فرصة للقوات المسلحة التركية، وهي تدمير الهدف الأسهل لقوات الوحدات الكردية، وهو كانتون عفرين. خصوصًا أن الوحدات الكردية الموجودة في هذا الكانتون قد أظهرت نوايا عدوانية تتمثل في رغبتهم في الحصول على موطئ قدم في البحر والمشاركة مع جيش بشار الأسد في معركة إدلب، ما يعني أن الوحدات الكردية تصر بشكل واضح على تهديد الأمن القومي التركي، وعلى خلق منطقة عازلة تضم كل الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا.

وكانتون عفرين هدف سهل جدًا، فهو لا يتمتع بالغطاء الأمريكي الذي يوفره التحالف الدولي، كما لا توجد بالقرب منه أي مواقع لتنظيم داعش، ويبدو أن القوات الروسية والسورية لن تمانعا في التخلص من هذا الجيب، ردًا على ما فعلته الوحدات الكردية في الحسكة والقامشلي عندما هاجمت جيش بشار الأسد وقتلت عددًا من جنوده واحتلت القسم الأكبر من مدينة الحسكة.

4. الهجوم على كل مراكز الوحدات الكردية

المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب

وهذا الخيار مستبعد رغم أن هناك كُتابا أتراكا روجوا له في الفترة الأخيرة، فربما هؤلاء الكتاب كتبوا هذا الكلام بتوجيه من الحكومة لتأليب الرأي العام وإشعال الشعور القومي التركي، لكن المجتمع الدولي لن يسمح لأردوغان بتصفية وجود الوحدات الكردية في شمال سوريا بمفرده وبدون صفقة واضحة، خصوصًا بعد أن أنفقت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي كل هذه الأموال في دعم هذه الوحدات بالسلاح والتدريب.