وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل شهر خلال زيارته الخارجية الأولى كرئيسٍ للولايات المتحدة مُترنحًا، بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بينما كان الرجلان في لقاءٍ صحفي. ولم يكن جليًا لماذا كان الرجل يترنح؟! ولكن أيًا كان السبب فإنه كان يترنح هنا في الشرق الأوسط وإدارته تترنح على وَقع علاقتِها بالروس هناك في واشنطن العاصمة.


الأمريكيون يريدون عزل ترامب

أظهر الناخبون شهيةً متزايدةً لعزل ترامب خلال الأسابيع القليلة الماضية، فبحسب استطلاعٍ جديدٍ لصحيفتي مورنينغ كونسولت وبوليتيكو تشهد مطالب سحب الثقة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ارتفاعًا متزايدًا.

وفى الاستطلاع الجديد، قال 43% من الناخبين المسجلين إنَّه يتعين على الكونغرس الأمريكي بدء إجراءات سحب الثقة لإقالة ترامب من منصبه، مقابل 45% قالوا إنَّه لا ينبغي القيام بذلك، وقد ارتفع تأييد البدء في إجراءات سحب الثقة بنحو 5 نِقاط عن الاستطلاع السابق، حيث قال 38% إنَّ الكونغرس يجب أن يبدأ في سحب الثقة.

وشَهِدَ تأييد سحب الثقة من ترامب عن منصبه تزايدًا بين جميع الميول الحزبية وليس من الديمقراطيين فحسب، وجاء أكبر تغيَّير بين المستقلين؛ حيث دعم 38% منهم سحب الثقة في الاستطلاع الجديد، مقارنة بــ33% في الاستطلاع السابق، بينما دعم الديمقراطيون العزل بنسبة تتراوح من 68 إلى 71 في المائة، والجمهوريون من 12 إلى 15 في المائة.

وشَهِدت الأسابيع القليلة الماضية عددًا من الأخبار القاسية المُتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي حول التواطؤ المُحتمل بين أفراد حملة ترامب ومسئولي المخابرات الروسية فضلًا عن تسرب معلومات سرية حساسة للغاية عن الدبلوماسيين الروس. وقد أدت إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، على وجه الخصوص، إلى توجيه اتهامات إلى الرئيس بعرقلة سير العدالة.

وعزا غالبية الديمقراطيين والمستقلين، الذين قالوا إنَّ ترامب يجب أن يواجه إجراءات سحب الثقة، ذلك إلى أنَّه غير مناسب لمنصب الرئاسة. وسجل تصنيف شعبية الرئيس دونالد ترامب رقمًا قياسيًا جديدًا، مُتفوقًا على أسلافه المباشرين في أعلى درجةٍ من عدم الرضا في أقصر فترة زمنية!

ووفقًا لآخر استطلاع للرأي اليومي الذي تجريه مؤسسة غالوب، فإنَّ 60% من الأمريكيين لم يوافقوا على أداء ترامب الوظيفي، في حين وافق 36% منهم.

وقدم استطلاع غالوب تتبُّعا لبيانات تقييم الشعبية التي يرجع تاريخها إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان، وكان ترامب الرئيس الوحيد الذي حصل على نسبة رفض تصل إلى 60% خلال الأشهر الأربعة والنصف الأولى من رئاسته.


ولكن لماذا يُريد الأمريكيون عزل ترامب؟

أبدى الكثير من الأمريكيين مشاعر عدم احترام خلال الأسابيع القليلة الماضية لدونالد ترامب. فقد كانت أولى رحلته الخارجية محطًا للسخرية عندما ظهرت لقطات توضح كيف تجنبت زوجته، ميلانيا ترامب، الإمساك بيده. بالإضافة إلى توقيعه على صفقة سلاح تبلغ 340 مليار دولار قيمة ما تم تداوله بشأن الصفقة مع السعودية، الأمر الذي تسبب في تعرضه للانتقاد من العديد من الليبراليين وخبراء وسائل الإعلام.

وقد أشار العديد من الخبراء إلى أنَّ سحب الثقة هو السبيل الوحيد لوقف دونالد ترامب من ارتكاب المزيد من الأخطاء. ولن يحدث عزل دونالد ترامب قريبًا – إذا حدث ذلك – ولكن المحادثات حول عزله تجعل الجمهوريين قلقين، وفقًا لما جاء في تقريرٍ لموقع إنكويزيتير الأميركي.

يُذكر أنَّ إجراءات سحب الثقة قد بدأت ضد عددٍ من الرؤساء الأمريكيين في السابق. وكان مجلس النواب قد بدأ في سحب الثقة من بيل كلينتون وأندرو جونسون، ولكن مجلس الشيوخ بعد ذلك برأهما من جميع الاتهامات. وقد دفعت مزاعم تواطؤ ترامب مع الكرملن الكثيرين إلى حث الكونغرس على النظر في أدلة سحب الثقة منه.

اقرأ أيضًا:شهادة كومي: ترامب قد يلقى مصيره لكن هناك ثغرة تحميه من العزل

وبصرف النظر عن صناديق الاقتراع، ادعى تقرير صدر مؤخرًا من وحدة الاستخبارات الاقتصادية أنَّ فرص دونالد ترامب في سحب الثقة تزداد كل يوم.

ويزعم التقرير أنَّ «الرئاسة الشابة» لترامب في مأزقٍ خطير. ووفقًا للتقرير، فإنَّ رئاسة دونالد ترامب على المحك هذه الأيام بسبب إقالة جيمس كومي، وكذلك تعيينه لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق روبرت مولر، لمباشرة التحقيقات في مزاعم علاقة الإدارة الأميركية مع المسئولين الروس. وأشار التقرير إلى أنَّه إذا ثبت أنَّ هناك عرقلة للعدالة من إدارة ترامب، فهناك احتمالات أن يخسر رجل الأعمال السابق منصبه.


خطوات التصعيد

بدأ التحرك بالفعل ضد الرئيس الأميركي كخطوةٍ تصعيدية، إذ يُعِد الآن مجموعة من المحتجين للخروج في مظاهرةٍ شعبيةٍ لبدء إجراءات سحب الثقة، ويعتزم المحتجون الشهر المقبل التظاهر ضد الرئيس ترامب في ولاية فيلادلفيا.

وقد أنشأ المحتجون صفحة للفعالية على موقع فيسبوك من أجل التجمع، المقرر يوم الأحد، 2 يوليو/تموز 2017، ويطالب المُنظمون الكونغرس بالبدء في إجراءات الإقالة على الفور، مدعين أنَّ ترامب انتهك الدستور الأميركي منذ اليوم الأول من توليه الرئاسة.

وتزعم صفحة الفعالية على موقع فيسبوك، أنَّ المنظمين لا يشعرون بأنَّ بلادهم في أيد أمينة ولا قوية، ويؤكدون أنَّ ترامب عرقل العدالة بالقوة بإقالة ضباط فيدراليين ومحققين كانوا يُحققون في «أنشطته غير المشروعة»، بما في ذلك مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. وادعى منظمو التجمع أنَّ ترامب انتهك أيضًا حقوق حرية التعبير عن طريق منع دخول وسائل الإعلام إلى البيت الأبيض.

وفي المقابل بدأ تداول مادة لسحب الثقة من ترامب لعرقلته العدالة بين أعضاء مجلس النواب الأميركي، فلدى الكونغرس الأميركي أسباب كافية لإخضاع الرئيس ترامب للمحاسبة لعرقلته العدالة.

اقرأ أيضًا:ترامب في السعودية: ما الذي يريده الرجل من العالم الإسلامي؟

وتُعد الوسيلة المناسبة لمحاسبة ترامب عبر إجراءات سحب الثقة، وذلك على غرار ما حدث مع الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون عقب الكشف عن فضيحة «ووترغيت». وترتبط هذه الحالة بنفس الوضع الذي تعيشه الولايات المتحدة اليوم. فقد قال جيمس كلابر مدير المخابرات الوطنية السابق لوكالة الأنباء الوطنية الأسترالية الأسبوع الماضي «من وجهة نظري فضيحة ووترغيت تشبه حقًا ما نواجهه الآن».

وتسببت فضيحة ووترغيت في قرار لجنة التشريع في مجلس النواب لدعم مطالب سحب الثقة، بسبب مخاوف تتعلق بعرقلة سير العدالة وإساءة استعمال السلطة. وفي الشهادة التي أدلى بها الشهر الماضي أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أوضح كومي أدلةً حديثة تُشير إلى عرقلة ترامب للعدالة وتجاوزات السلطة، التي تدفع أعضاء الكونغرس لاتخاذ إجراءاتٍ فوريةٍ للتحقق من ذلك.

وكان عضو الكونغرس براد شيرمان، قال إنَّه «سوف يًقدم قريبًا طلبًا إلى الكونغرس بشأن الرئيس دونالد ترامب». وأوضح: «مع تقدم التحقيقات، قد تظهر أدلة إضافية تدعم سحب الثقة. ومع ذلك، فيما يتعلق بعرقلة العدالة فإنَّ الأدلة المتوفرة لدينا كافية للمضي قدمًا الآن. والمصلحة الوطنية تتطلب أن نفعل ذلك».


هل يفعلها الجمهوريون؟

Trump

في الأسابيع المقبلة، سنقرأ المزيد والمزيد من التكهنات حول احتمال سحب الثقة من ترامب. وسيقتصر الكثير منها بالإشارة إلى أن العزل هو قرارٌ سياسي في نهاية المطاف. ويتمتع الجمهوريون حاليًا بالسلطة في الكونغرس. فإذا قرر الجمهوريون أن يكون مايك بينس رئيسًا، فإنهم يستطيعون بالتأكيد أن يتحدوا معًا بما يكفي لبدء إجراءات سحب الثقة من ترامب، حسبما جاء في تقرير لموقع فوكس الأميركي.

ولكن هل سيعزل الجمهوريون ترامب؟

بالنسبة للجمهوريين في الكونغرس، فهذه حساباتٍ غير مؤكدة. فالمضي في عملية سحب الثقة تنطوي على مخاطر كبيرة، مع فوائد محدودة وغير مؤكدة إلى حدٍ كبير. ويبدو أنَّ الجمهوريين سينتظرون لاستكشاف ما تؤول إليه الأحداث، ويتشبثون بالأمل الصغير على نحو متزايد في أن يُبرّأ ترامب من هذه الاتهامات.

لكن قد يتغير الحساب السياسي مع تغير الحقائق. بينما تكشف التحقيقات عن المزيد. وستصبح لحظة أن يكون سحب الثقة حقيقة واقعة هي اللحظة التي ينظر فيها غالبية الجمهوريين في الكونغرس إلى الأدلة، وروايات وسائل الإعلام المحيطة بتلك الأدلة، ولن يَعد بإمكانهم أن يقولوا إنَّ العزل ليس أمرًا حتميًا.

ونظرًا للحسابات غير المؤكدة التي تقف خلف اتهامات ترامب، وضرورة وجود عدد كبير من الجمهوريين في الكونغرس يؤيدون عملية سحب الثقة، فإنَّ قضية العزل ستحتاج إلى أن تكون مقنعة بشكل لا يصدق، على أساس سياسي وإثباتي. وقد يكون هذا السبب الأكبر في احتمال عدم حدوث العزل على الفور؛ فيجب على الجمهوريين التجمع حول القرار. ومثلما استفاد ترامب من تقسيم الحزب الداخلي في الانتخابات الرئاسية، فإنَّ تقسيم الحزب الداخلي قد يستمر في إبقائه في منصبه.

وفي كلتا الحالتين، الجمهوريون في وضع رهيب. رئيسهم لا يحظى بشعبية، وأجندة تشريعية لا تحظى بشعبية، والحزب مقسم داخليًا. ولن يحل عزل ترامب أي من هذه المشاكل العميقة. بل قد يجعلها أسوأ. ولكن في مرحلة ما، على الجمهوريين في الكونغرس مواجهة هذه القضايا. والسؤال الوحيد هو: هل يريدون مواجهتها عاجلًا أم آجلًا؟

وأشار موقع فوكس إلى أنَّ قرار عزل ترامب سيجلب الفوضى في الحزب. لكن الفوضى يجب أن تحدث في مرحلة ما. وكلما كانت مواجهة الحزب لها أسرع، كان بإمكانه إعادة بناء نفسه عاجلًا.

يعتقد الجمهوريون أن بينس سيكون رئيسًا أفضل من ترامب مع تزايد مطالب عزله، إذ يبدو أن جميع السياسيين تقريبًا في حزبه يفضلون أن يتولى الرجل الثاني منصبه في المكتب البيضاوي. وقد ذكر موقع أكسيوس الإخباري صباح يوم الاثنين 12 يونيو/حزيران الجاري، أن تأييد الجمهوريين الكبير لنائب الرئيس مايك بينس مقارنة بالرئيس هو «لغم أرضي» أمام الرئيس ترامب. لذلك فإن عملية العزل قد تعني وصول جمهوري يحبونه إلى المكتب البيضاوي. وفي حين أنَّ الجمهوريين لن يقولوا ذلك علنًا، فمن المعروف على نطاقٍ واسع إذا كان يمكن الاختيار بين نائب الرئيس والرئيس ترامب، فإنَّ بينس سيفوز بنحو 90% من أصوات الجمهوريين.

ويُشير موقع أكسيوس إلى أنه عندما تعرض الرئيس السابق بيل كلينتون لإجراءات سحب الثقة، تمكن من التغلب على ذلك لأنَّ عددًا كبيرًا من الديمقراطيين كانوا في معسكره. وإذا حدث نفس الشيء مع ترامب، فقد لا يحظى بنفس المستوى من الدعم، كما أن الكثيرين في الحزب الجمهوري يحبون رؤية بينس رئيسًا، إذ أشاد الحزب الجمهوري به عندما اختاره ترامب ليكون معه.