لم ينتظر «أوناي إيمري»، المدرب الأول في «حقبة أرسنال ما بعد فينجر» الكثير من الوقت لكي يكسر أرقام سابقه. الـ«جانرز» وفي بداية ساخنة جدًا في جدول لقاءاته للدوري الإنجليزي الممتاز عام 2018/2019 تلقى هزيمتين متتاليتين، في سابقة لم تحدث طوال فترة تولي المدرب الفرنسي في النسخة الجديدة من الـ«بريميرليج».

كان على الجماهير اللندنية توديع كل شيء يخص المدرب التاريخي للفريق في اللحظة التي وطأت فيها أقدام «إيمري» ملعب الإمارات، لكن على ما يبدو ألا الجماهير ولا اللاعبين ولا حتى المدرب الجديد ذاته سيودعون عاداتهم السابقة التي وجدوا عليها آباءهم. أرسنال بأخطاء متكررة، هزائم متوقعة، آمال كبيرة توضع على عواتق صغيرة وفي بعض الأحيان متناهية في الصغر، ما زال يحافظ على كونه مثيرًا للجدل والحيرة دائمًا، في مواجهة مع تشيلسي بنسخة جديدة مغايرة عن تلك المعتادة عن كل القديم. «تشيلسي-ساري» أو في رواية أخرى، حينما يكن الـ«بلوز» في وضع المهاجم.


التخلص من الدولة العميقة

للمصادفة، أنه في اللقاء الثاني من الموسم الجاري كان الخصمان يضعان أحجار الأساس لنظام جديد مختلف. أسود لندن كانوا بالشكل الجديد الذي يضعه الإيطالي الصامت «ماوريسيو ساري»، حيث المحاولة للضغط من الأمام، وعند قطع الكرة لا يتم العودة بها للخلف بل سرعة تدويرها من أجل هجمة جديدة. الفكرة المستحدثة التي تُوضع في عقول اللاعبين وفي عقول جماهير تشيلسي لهذا العام، هو كيف يمكن أن تتحول وجوه الجميع نحو مرمى الخصم بالكرة وليس دونها؟ المفاجأة الكبيرة كانت في قدرة الإيطالي على وضع ذلك النمط سريعًا في ظل تشكيلة لم يتغير بها العديد من العناصر، لكن غالبًا ما يكمن الفساد في العمق.

90 دقيقة جديدة لكل من ساري وإيمري كانت كافية للحصول على الإجابة التي دارت في الأفق طوال فترة الراحة الصيفية، هل سيتمكن ماوريسيو من تعديل وجهة الفريق الدفاعية التي تأصلت من «مورينيو» وصولًا إلى «كونتي»، وهل سيتمكن الإسباني من وضع نظام آخر، أخيرًا، في أرسنال؟

لنكن منصفين مُهمة الإيطالي كانت أكثر سهولة، فلا يمكن أن تتم تسمية وضع كونتي ولا حتى «سبيشال وان» بالدولة العميقة كما هو الحال مع المدفعجية. بالتالي، بتغيير واحد فقط في مركز حساس جدًا كالارتكاز الدفاعي الذي يشغله الآن الصفقة الجديدة: «جورجينيو»، ظهر الفريق بشكل أفضل من حيث القدرة على تدوير اللعب من القلب وكذلك مساحة أكبر لحرية انطلاق أظهرة الطرف للزيادة العددية. الصورة المكررة هي وجود عناصر أكبر من تشيلسي داخل نصف ملعب أرسنال، أو أي خصم آخر ستتم مواجهته في المستقبل.

تمركز لاعبي تشيلسي (بالأحمر في الأعلى والأزرق في الأسفل) في أول لقاءين لهم بالدوري

في المبارة الأولى،لمس اللاعب الإيطالي الكرة 80 مرة وقدم 66 تمريرة ناجحة، كان من المفترض أن يواجه أرسنال تلك المحطة في بناء اللعب بنوع من الذكاء. الشكل الذي يفضله الإسباني هو ثنائي ارتكاز أحدهما يتحرر من الأدوار الدفاعية، الغرض زيادة في الهجوم لكن النتيجة دائمًا هي ضعف الدفاع. تلك النتيجة تُخبرنا أن «جورجي» قد لمس الكرة 105 مرات وأخرج 99 تمريرة صحيحة. زيادة أكثر من النصف في كل مُعدل هو رقم خطير والنتيجة الواضحة كانت سيطرة كاملة لأصحاب الأرض على زمام اللقاء.


تهمة ازدراء الدفاع

كلما لاحظت وجود ثغرات في دفاع الفريق اللندني الأزرق، تجد الإجابة في عقلك سريعة، هناك هجوم يُغطي ذلك. الأمر ببساطة أن ساري قليل الاعتماد على مدافعيه في عملية قطع الكرة، فالاعتماد غالبًا ما يكون على العناصر الهجومية في القيام بذلك. تشعر وأن تلك الفكرة مُكررة؟ بالفعل. جوارديولا أيضًا يُفضل نفس الشكل من المدافعين الذين يجيدون لعب الكرة وهي بحوذتهم عن قطعها وهي في وضع غير ذلك. ما سُمي سابقًا بالـ«جوارديوليزم». لكن الوضع في أرسنال مُغاير تمامًا، فلا عناصر الهجوم قادرة على قطع الكرة ولا عناصر الدفاع تُجيد بناء اللعب.

النتيجة على حائط ملعب «ستامفورد بريدج» تُظهر 5 أهداف، أكثر من نصفهم لصالح فريق فشل في كل الأشكال الهجومية لكنه بالرغم من ذلك كان طريقه للوصول للمرمى أسهل من ظن لاعبيه حتى. الواضح أن تلك المشكلة ستواجه ساري في موسمه الأول كما كان الوضع مع شبيهه في مانشستر سيتي.

مما ساعد الـ«بلوز» في مواجهة أرسنال افتقار لاعبي الأخير لقدرات بناء اللعب والحفاظ على الكرة في الثلاثين مترًا الدفاعية. لكن في حال نجح فريق آخر في ذلك فإن عملية ضربهم بالمرتدة لن يكون هناك أسهل منها في ظل بطء عنصري الدفاع وسوء الارتداد الدفاعي للظهير الأيسر «ماركوس ألونسو».

بعين مُجردة يمكن ملاحظة سوء مستوى كل من «هيكتور بيليرين» و«ناتشو مونريال» لكن بالرغم من ذلك المقارنة الدفاعية بين ألونسو ونظيره على الجانب الأيمن، «أزبيليكوتا» تُظهر تفوق واضح للأخير في كل الأرقام. 2 تدخل ناجح للظهير الأيسر في مقابل ضعفهم لـ«سيزار»، واعتراضين للكرة لنفس اللاعب مقابل لا شيء من قبل «ماركوس» كما نجح الظهير الأيمن في القيام بـ5 تصديات دفاعية في مقابل 2 فقط لنظيره.

يمكن وضع ذلك على عاتق عدم اهتمام المدرب الإيطالي بالجانب الدفاعي عند ظهيره الإسباني طالما يُقدم الأداء الهجومي المطلوب «صناعة هدف وتسجيل آخر»، لكن لا شك أن الدور الدفاعي لظهيري الطرف في ظل الأدوار الهجومية الكبيرة التي يحصلان عليها ستكون ناقوس خطر في المستقبل.


الخاسر المتوقع دائمًا

تشيلسي، أرسنال، الدوري الإنجليزي

منذ الدقيقة 67 تحديدًا من عمر المباراة، وبعد دخول «آرون رامسي» تحول شكل أرسنال إلى 4-2-3-1. وهو الشكل الذي كان قد نصح به «جي جي بول»، الكاتب الصحفي بالـ«تيليجراف»، في تقديمه للمباراة. بوضوح يُخبرنا الكاتب أن أرسنال أمام مهمة تبدو سهلة لأنه واجه فريقًا متطابقًا تقريبًا في الجولة الأولى وهو مانشستر سيتي، فعليه ألا يُخطئ بنفس الشكل في المباراة المُكررة أمام تشيلسي. المفاجئ أن إيمري وفريقه أعادوا نفس الأخطاء بالحرف التي حذر منها «بول». فقد بالغوا في الاحتفاظ بالكرة في الوضعية الدفاعية دون قدرة على الخروج بها، مما سهّل الهجمات المرتدة مثل التي سُجل منها الهدف الثالث لتشيلسي، ولم يضعوا أي لاعب حر في المركز 10 بالقرب من «جورجينيو» وكانت النتيجة ما سبق ذكره.

الشكل الرقمي الذي ظهر به الفريق الأزرق في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة سمح للضيوف بامتلاك الكرة أكثر؛ لأنه ضمن وجود ارتكازين دفاعيين من عمق الملعب أي شغل المساحة الخالية التي لطالما تمتع بها أجنحة تشيلسي ومانشستر سيتي طوال أكثر من 150 دقيقة. عداد موقع «هو سكورد» يؤكد ارتفاع نسبة الاستحواذ من 37% فقط لصالح الفريق الأحمر إلى نسبة 46% في الدقائق العشرين الأخيرة من عمر المباراة.

أضف إلى ذلك أن أرسنال بات أفضل في حال فقدانه للكرة. تلك الحالة تعتبر مرضًا قديمًا مُزمنًا في ذلك الفريق، حيث إنه دائمًا ما يكون جيدًا مع الكرة، سيئ جدًا دونها، لكن في ظل شراكة بين الوافد الجديد المُبشر «جندوزي» والأورغواياني «توريرا»، فإن هناك فرصة لقطع الكرة وتمريرها بشكل سليم عكس ما قد يقدمه «تشاكا» الذي يفشل دائمًا في القيام بالوظيفتين.

ببساطة صحيفة «جارديان» لن تحتاج لمقال جديد عقب المباراة، يكفي فقط قلب الأزمنة من المستقبل إلى الماضي وسنحصل على نفس النتيجة.

المؤكد أن الحسنة الوحيدة الثابتة في وجود إيمري على خطوط التماس من بعد فينجر، هي وجوده في حد ذاته. التغيير نفسه كان مطلوبًا تمامًا في أرسنال، لكن ذلك التغيير تم باسم غير قوي في قيادة فرق بطموحات كبيرة نحو البطولات، وبصفقات لا تتخطى كونها متوسطة، لا يمكن أن ينطلق أرسنال به بعيدًا في ذلك الموسم، وبالرغم من أنها إجابة أيضًا مُكررة وفي وقت مُبكر جدًا من الموسم، لكن ربما أهميتها بالغة هذه المرة حتى يتم وضع الفريق ومدربه في الخانة المضبوطة من أجل البناء على ما قد ينتهي إليه الموسم.