أثارت مضادات الأكسدة انتباه الرأي العام في تسعينيات القرن الماضي، عندما اكتشف العلماء أن الشوارد الحرة متورطة في الإصابة بتصلب الشرايين وقد تسبب السرطان وفقدان البصر وغيرها من الحالات المزمنة الأخرى.

لكن بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يتناولون كميات منخفضة من الفواكه والخضروات الغنية بمضادات الأكسدة، كانوا أكثر عرضة للتعرض لهذه الأمراض المزمنة من الأشخاص الذين تناولوا كثيرًا من هذه الفواكه والخضروات. ومن ثم بدأت التجارب السريرية في اختبار تأثير هذه المواد منفردة وخاصة البيتا كاروتين وفيتامين E، كأسلحة ضد أمراض القلب والسرطان وما شابه ذلك.

لكن بدأت وسائل الإعلام في تضخيم فوائد مكملات مضادات الأكسدة حتى قبل ظهور النتائج الحاسمة لهذه التجارب، وروجت الصناعات التجارية لعديد المنتجات التي وصفوها بأنها غنية بمضادات الأكسدة؛ فبدأ الشاي الأخضر والتوت البري وغيرهما من الأطعمة في الازدحام على أرفف المحلات.

شاي أخضر، مضادات الأكسدة، فيتامينات

لكن لم تسفر هذه التجارب عن أية فائدة لمكملات مضادات الأكسدة في الحماية من الأمراض، بل إن بعض التجارب أظهرت وجود علاقة بين بعض مكملات مضادات الأكسدة والإصابة بعدد من السرطانات. لكن هذا لم يوقف شركات الصناعات الغذائية والبائعين من الترويج لمكملات مضادات الأكسدة، بل ويتم إضافتها لحبوب الإفطار ولمشروبات الطاقة وغيرها من الأطعمة المصنعة، ويتم الترويج لها كإضافات يمكن أن تمنع أمراض القلب والسرطان وإعتام عدسة العين وفقدان الذاكرة ومجموعة من الحالات الأخرى.

فما هي القصة الكاملة؟


مضادات الأكسدة: كاسحات الشوارد الحرة

مضادات الأكسدة هي جزيئات يمكنها أن تمنع أو تبطئ من تلف الخلايا التي تسببها الشوارد الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة ينتجها الجسم كناتج من نواتج عمليات الأيض وكرد فعل على الضغوط البيئية وغيرها. وإذا لم يستطع الجسم التخلص من الشوارد الحرة بكفاءة، فقد ينتج من ذلك عملية الإجهاد التأكسدي والتي تضر الخلايا وتعيق من وظائفها.

والإجهاد التأكسدي يرتبط بالإصابة بعديد الأمراض، مثل القلب والسرطان والتهاب المفاصل والسكتات الدماغية ومرض الشلل الرعاش وغيرها.

شاي أخضر، مضادات الأكسدة، فيتامينات

ويمكن أن تكون العوامل التي تزيد من إنتاج الشوارد الحرة في الجسم داخلية وتعزى إلى الالتهابات ونشاط الميتوكوندريا أو خارجية مثل التعرض للتلوث أو للأشعة فوق البنفسجية ودخان السجائر والممارسة المفرطة للرياضة، وإصابات الأنسجة وتناول الأطعمة المصنعة والمعالجة والدهون غير المشبعة والمحليات الصناعية وبعض الأصباغ والمواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية.

من المهم أن نذكر أن الشوارد الحرة ليست الشخص السيئ هنا دائمًا؛ فهي في بعض الأحيان تكون مفيدة ويكون التخلص منها خيارًا خاطئًا، فالخلايا المناعية للجسم تستخدم الشوارد الحرة لقتل البكتيريا التي تحاول أن تصيبنا.

ويمكن أن تكون مصادر مضادات الأكسدة طبيعية مثل تلك الموجودة في المنتجات الحيوانية والنباتية وتعرف بمضادات الأكسدة الداخلية endogenous مثل الفلافونويد والفلافونات والكاتيكينات والبوليفينولات أو المكملات وتعرف بمضادات الأكسدة الخارجية exogenous مثل فيتامين A وفيتامين C وفيتامين E والبيتا كاروتين والليكوبين والليوتين والسلينيوم والمنجانيز والزيوزانثين.

ولكل نوع وظيفة مختلفة لذا من المهم اتباع نظام غذائي متنوع.


احذر.. مكملات مضادات الأكسدة قد تقتلك! ينصح علماء التغذية بتناول وجبات صحية متوازنة تضم مجموعة مختلفة من الأطعمة تضم كوبين على الأقل من الفواكه وكوبين ونصف من الخضروات يوميًا، وإذا اضطررت لتناول الخضروات المجمدة أو المعلبة فلتختر تلك الخالية من أي سكر أو ملح مضاف. كذلك توصي عدد من الهيئات الصحية بالحصول على مضادات الأكسدة من الطعام بدلًا من المكملات الغذائية، حيث لم تظهر الأبحاث العلمية أن المكملات المضادة للأكسدة مفيدة في الوقاية من الأمراض.

بل وجدت بعض الدراسات أن الجرعات العالية من مكملات مضادات الأكسدة ترتبط بعديد المخاطر الصحية. فعلى سبيل المثال الجرعات العالية من مكملات البيتا كاروتين قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى المدخنين، مثلما تزيد الجرعات العالية من فيتامين E من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا. بجانب أن مكملات مضادات الأكسدة قد تتفاعل مع بعض الأدوية، فمثلًا قد تزيد مكملات فيتامين E من خطر النزيف لدى الأشخاص الذين يتعاطون أدوية مضادة للتخثر.


لماذا لا تفيدنا مكملات مضادات الأكسدة؟

وضع العلماء عددًا من التفسيرات، فقد تعود الفائدة الغذائية من اتباع نظام غذائي صحي غني بمضادات الأكسدة إلى عناصر أو عوامل غذائية أخرى. كما قد يختلف التركيب الكيميائي لمضادات الأكسدة في الأطعمة عن مثيلاتها في المكملات، حيث يوجد نحو ثمانية أشكال كيميائية لفيتامين E في الأطعمة لكن لا تحتوي المكملات سوى على شكل واحد من هذه الأشكال.

مثلما أن معظم التجارب التي أجريت كانت قصيرة نسبيًا، وأجريت على أشخاص يعانون من أمراض بالفعل، فلا توجد إجابة واضحة.


وأخيرًا..

فواكه, خضروات, مضادات أكسدة
يمكننا الابتعاد عن هذا الجدل بالتزام العديد من النصائح البسيطة:
  • احرص على أن تشمل وجبتك نصيبًا من الخضار والفاكهة.
  • تناول كوبًا من الشاي الأخضر أو شاي الماتشا يوميًا.
  • فليكن طبقك زاخرًا بالأطعمة ذات الألوان الغنية.
  • استخدم التوابل مثل الكركم والكمون والزنجبيل والقرنفل والقرفة والأوريغانو إلى طعامك فهذه التوابل غنية بمضادات الأكسدة.
  • تناول وجبة خفيفة من المكسرات والفواكه المجففة ولكن دون سكر أو ملح إضافي.

هكذا لن تحتاج لتناول أدوية تكميلية، كما أنك ستحافظ على نظام غذائي صحي له فوائد تتجاوز بكثير تناول أدوية ومكملات غير مضمونة الفائدة.