الأمل شيء خطير قد يقود صاحبه للجنون.

تلك الجملة التي يرددها الجميع بصوت مورجان فريمان تلخص تمامًا ما حدث لنادي أرسنال في مباراته الافتتاحية في الدوري الإنجليزي أمام حامل اللقب نادي مانشستر سيتي.

حالة الأمل كانت تغلف سماء شمال لندن، فالجماهير لديها أمل كبير في حقبة جديدة ناجحة، بعد أن ذاقت مرارة الخسارة على يد فينجر في مواسمه الأخيرة.

تضاعف هذا الأمل بعد انتداب أكثر من صفقة على غير المعتاد في ميركاتو أرسنال السنوي. هذا الأمل يبدو أنه تسرب إلى نفس المدير الفني الجديد للفريق أوناي إيمري ليقرر أن يبدأ المباراة بتشكيل مغامر أمام خصم مخضرم كمانشستر سيتي، لكنه على الجانب الآخر قدم نفسه بذلك التشكيل كفريسة مثالية لخصمه المدير الفني بيب جوارديولا.


ميكانو بيب في مواجهة آمال إيمري

يمتاز السيتي مع بيب جوارديولا كونه يشبه كثيرًا لعبة الميكانو. أكثر من عشرين قطعة مختلفة يمتلكها بيب إلا أنه يستطيع دومًا أن يصل إلى الشكل الذي يريده بإعادة ترتيب تلك القطع.

بدأ بيب جوارديولا بتشكيل منطقي تمامًا مستغلًا عودة الفرنسي صاحب الجهد الوفير ميندي في مركز الظهير الأيسر وأمامه شارك ستيرلينج على حساب ليروي سانيه كمفاجأة وحيدة في تشكيل الفريق تاركًا الرواق الأيمن لصفقة الفريق الجديدة الجزائري رياض محرز ومن خلفه الإنجليزي ووكر الذي لا يهدأ.

حسنًا نحن هنا نملك جناحين قادرين على الانطلاق بطول الملعب ويمتازان أيضًا بالقدرة على الدخول لقلب الملعب وصناعة اللعب والتسديد من على مسافات بعيدة. من خلفهما نجد ظهيرين يمتازان بالقدرة على الركض أقرب إلى قدرة الخيول، قدرة ممتازة على التغطية الدفاعية والمشاركة بأدوار هجومية أيضًا. لكن ماذا يملك إيمري على الجانب الآخر؟

بدأ إيمري برسم تكتيكي 4-2-3-1، لكن المثير للسخرية هنا أن إيمري لا يمتلك أجنحة في تشكيلته على الإطلاق، كما قرر الرجل البدء بثنائي وسط دفاعي مكون من جندوزي صاحب الـ19 عامًا في أول مباراة رسمية له مع الفريق بجوار تشاكا الذي أثبت مرارًا أنه لا يمكن الاعتماد عليه كمتوسط ميدان مدافع من شأنه إفساد هجمات المنافس، وقرر أن يتولى الثلاثي «أوزيل-ميختاريان-رامسي» عملية الضغط علي دفاع السيتي، وهو ما فشلوا فيه بالطبع فشلًا ذريعًا نظرًا للفروق البدنية الواضحة بينهم وبين رباعي دفاع جوارديولا.

كان إيمري يأمل في القدرة على استغلال مجهود الثنائي «تشاكا -جندوزي»، إلا أنه لم يقدر بطء تشاكا الملحوظ وحداثة سن رفيقه. كما قرر الاعتماد على قدرة الثلاثي الهجومي في التحكم بالكرة وصناعة الفرص للمهاجم أوباميانج وهو ما لم يتحقق لأنه لم يمتلك الكرة من الأساس. كانت النتيجة متوقعة، إيمري لم يضغط أبدًا على دفاع السيتي كما أنه لم يتحمل ضغط المنافس فأصبح فريسة مثالية لطريقة لعب بيب جوارديولا.


إيمري والطريق الصعب

لنكن منصفين في تقييم الأمور يجب علينا أن نجيب على سؤال هام في البداية، هل أرسنال الآن ناد جاذب للنجوم؟ الإجابة بالطبع لا. إذا ما فرضنا أن أرسنال قدم عرضًا يتساوى مع عروض الخمسة فرق التي سبقته في ترتيب الدوري الموسم الماضي فسيحل أرسنال أخيرًا طبقًا لرغبة اللاعبين المنطقية لأسباب عدة، ما بالك أن آرسنال لا يستطيع أو بمعنى أدق لم يحاول أن يجاري تلك الفرق من حيث القوة الشرائية ربما باستثناء جاره توتنهام الذي لم يبرم أي صفقة هذا الموسم.

على إيمري إذن أن يسلك الطريق الصعب وهو صناعة النجوم من جانب والحفاظ على هوية نادي أرسنال الكبير على الجانب الآخر، وهو ما يستدعي وجود بعض الوجوه الجديدة في تشكيلة الفريق. هكذا ظهر نادي أرسنال في مباراته الأولى بثنائي متوسط دفاعي مكون من تشاكا وجندوزي والحديث عن أحد اللاعبين يفضي إلى الحديث عن الآخر بالضرورة.

جندوزي ذو الـ19 ربيعًا يعد مثالًا جيدًا للشق الأول، حيث ظهر اللاعب بشكل لافت من حيث القدرة على التواجد في وسط الملعب بفضل مجهوده الوفير، حتى أنه كان أكثر من طلب ولمس الكرة في لاعبي أرسنال بـ71 لمسة في المباراة. إلا أنه ونتيجة لحداثة سنه ارتكب العديد من الأخطاء في النصف الساعة الأولي أهمها تعرضه لمراوغة سهلة من رحيم ستيرلينج نتج عنها الهدف الأول، لكنه على مدار المباراة ظهر بمظهر مبشر للغاية.

تشاكا يمثل الشق الثاني بصورة كبيرة أيضًا. كيف سيحافظ إيمري على هوية نادي أرسنال كفريق كبير لا يستباح دفاعه ووسط ملعبه بالشكل الذي تعرض له على يد لاعبي بيب جوارديولا مع وجود تشاكا في الملعب. تشاكا لاعب وسط مدافع لا يمتاز بالقدرة على الافتكاك ولا يمتاز بالسرعة ولا الصلابة. وهو ما ينبئ بأهمية تواجد توريرا فيما هو قادم من مباريات.

لاعب آخر في عامه العشرين ظهر هو الآخر في تشكيلة إيمري وهو مايتلاند نيلز كظهير أيسر لتعويض إصابات مونريال وكولاشيناتس إلا أنه ظهر بشكل متواضع للغاية في مركز غير مركزه الأصلي لمدة 35 دقيقة حتى خرج مصابًا هو الآخر. ربما تلك المباراة هي تقييم جيد لقدرة هؤلاء الشبان في تجديد دماء الأرسنال دون المساس بهويته كفريق كبير.

أما الحارس بيتر تشيك فقد ظهر بشكل متواضع فهل سيقرر إيمري الدفع بالحارس الجديد لينو والمغامرة بأكثر من وجه في تشكيلته الأساسية في بداية هذه الموسم؟

حسنًا، قطع إيمري نصف الطريق بوجود تلك الوجوه الجديدة، لكن الشق الهجومي يستدعي بالضرورة التدخل السريع. كرة القدم أصبحت تعتمد على السرعة كخيار أساسي في بناء أي فريق. الثلاثي أوزيل مختاريان رامسي يفتقد لتلك الميزة الأساسية، ومهما تغيرت مراكز الثلاثة وتبادلت أدوارهم سيبقى وجودهم برفقة بعض على أرض الملعب عبئًا كبيرًا طالما أنك لا تملك الكرة.


أرقام قياسية جديدة في انتظار مواجهة كلوب

خريطة حرارية، أرسنال، مانشستر سيتي، الدوري الإنجليزي، بيب جوارديولا، يوناي إيمري
ميندي؟ أحيانًا تنظر له بإعجاب وتقول ياله من لاعب! وأحيان أخرى أريد أن أقتله، يحتاج أن ينسى السوشيال ميديا قليلًا ولكنه قدم مباراة عظيمة اليوم بالطبع.

بيب جوارديولا في المؤتمر الصحفي عقب المباراة.

يبدو أن جوارديولا الذي استهل الموسم الجديد بالفوز على فريقين بحجم تشيلسي وأرسنال قادر على تحقيق أرقام قياسية جديدة. فمع عودة ميندي وجاهزية ووكر مع وجود أكثر من جناح لدى بيب ستجعل الأمور صعبة على منافسيه، ستيرلينج لعب اليوم كجناح أيسر وأجاد كما أجاد كجناح أيمن بعض مباريات الموسم الماضي كما أن محرز أيضًا أثبت في مواسمه السابقة قدرته على اللعب سواء كجناح أيمن أو أيسر.

الخريطة الحرارية لمدافعي فريق السيتي على الأطراف ميندي ووكر (يمين) والتي توضح المجهود الوفير الذي قام به هذا الثنائي أثناء المباراة.

برناردو سيلفا هو الآخر خيار متاح بالإضافة لساني المتوج بأفضل موهبة شابة خلال الموسم الماضي. ربما يحتاج بيب إلى متوسط مدافع بخلاف فيرناندينهو في الميركاتو الشتوي القادم. فبرغم قلة ضغط الفريق اللندني اليوم إلا أنه استطاع أن يتحصل على أكثر من كرة تسببت في بعض الخطورة على مرمى السيتي، جورجينهو كان خيارًا مثاليًا لبيب لكنه فضل اللعب رفقة ساري في تشيلسي وفضل بيب عدم انتداب أي لاعب في هذا المركز ليبقى هو المركز الوحيد في الفريق الذي لا يشغله أكثر من لاعب.

هذا يجعلنا في انتظار مباراة «بيب-كلوب» من الآن. فريق ليفربول هو أقدر فريق على تنفيذ الضغط المتقدم لأوقات طويلة خلال المباراة في الدوري الإنجليزي، ومع أخطاء السيتي نتيجة لضغط الأرسنال الضعيف تظهر مشكلة بيب جوارديولا والتي استغلها كلوب فيما قبل.

إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن قوام فريق السيتي مثالي إلى حد كبير، يعيد بيب ترتيبه كقطع الميكانو كما تحدثنا من قبل، مدافعين رئيسين وظهيرين منطلقين أم ثلاثة مدافعين وظهيرين متقدمين، الرجل يملك من الأدوات التي تمكنه من اللعب بالطريقتين بل والتحرك من واحدة لأخرى خلال مباراة واحدة.

ما شاهدناه في مباراة أرسنال كان بدون تواجد الثنائي «سيلفا-دي برويين»، وهو ما يؤكد أن تعدد خيارات الوسط لدي لاعبي الفريق مذهل تمامًا. جندوجان وبرناردو سيلفا يمكنهما اللعب كلاعبي وسط بخلاف مراكزهما الأساسية، ويبقي أجويرو مهاجمًا مثاليًا يستطيع أن ينزل إلى الوسط ومعاونة زملائه أو يميل يمينًا ويسارا لمعاونة الجناحين تاركًا مساحات يتقدم فيها خط الوسط والجناح الآخر.

مباراة كبيرة تليق بالجولة الأولى في البريمييرليج وتخبرنا أننا في انتظار الكثير والكثير من المتعة هذا الموسم.