اختار ترامب الحادي عشر من يناير/كانون الأول ليكون موعد أول مؤتمر صحفي يعقده منذ فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية في التاسع من نوفمبر/تشرين الأول 2016. جاء مؤتمر ترامب في اليوم التالي للخطاب الوداعي الذي ألقاه أوباما قبل أن يغادر البيت الأبيض ويسلمه للوافد الجديد في العشرين من الشهر الجاري.

يأتي المؤتمر أيضًا بالتزامن مع موجة من التقارير الاستخبارية والصحفية حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والتي شهدت استقطابًا حادًا من خلال اختراق البريد الإلكتروني لعدد من مراكز القرار السياسية الأمريكية. والإشاعات والتسريبات الصحفية التي أشارت إلى تورط ترامب في هذه الانتهاكات، ووجود ارتباطات مشبوهة بينه وبين النظام الروسي، الاتهامات التي لاحقته طوال حملته الانتخابية.

قدم «مايك بينس»، نائب الرئيس الأمريكي، ترامب في عبارات مقتضبة حرص فيها على مهاجمة «الأخبار الملفقة» والدعاية الإعلامية المضللة التي هاجمت الرئيس ترامب.

استهل ترامب مؤتمره الصحفي بـ «أخبار اقتصادية رائعة» مبشرًا بأن مصانع كبرى ستبنى في الولايات المتحدة، كما أن كبرى الشركات الأمريكية تعود لفتح مصانعها في الولايات المتحدة بما فيها شركات السيارات الكبرى، «فورد وكرايسلر فعلا ذلك وأنا متأكد من أن جنرال موتورز ستخذو حذوهما». في نفس الآن الذي كلف شركات الأدوية خسارة بـ 24 مليار دولار جراء مهاجمته لها.

هاجم ترامب أيضًا برنامج صنع الطائرة إف 35 متهمًا الشركة المصنعة (لوكهيد مارتن) بالتأخر في التسليم والتكلفة المبالغ فيها مقابل التقنيات الموجودة بالطائرة؛ الأمر الذي نقل ترامب اتفاق جنرالات الجيش الأمريكي معه أثناء اجتماعه الأخير بهم، متعهدًا بإعادة هيكلة البرنامج، وبتوفير «منافسة» للشركة لحصول طائرات أفضل.


اختراقات روسية وابتزاز بفضائح شخصية

تركت الأسئلة كل هذا لتسأل مباشرة عن الاجتماع الذي ضم ترامب مع رؤساء وكالات الأمن والاستخبارات الأمريكية، والذي اطلع فيه الرئيس المنتخب حديثًا على تقارير الوكالات التي أكدت تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب عن طريق اختراق إيميلات اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي ومديري حملة هيلاري كلينتون، مع وجود إشاعات حول علاقات مشبوهة لترامب بالنظام الروسي.

تنوعت إجابات ترامب بين مهاجمة الإعلام وأجهزة المخابرات التي روجت لتسريبات تتحدث عن تعرض ترامب للابتزاز من قبل النظام الروسي عبر فضائح جنسية وديون قديمة «لا أدري من الذي يقف وراء هذه التسريبات غير المنطقية؛ ربما وكالات الاستخبارات، واحدة من هذه المؤسسات التي تعمل بطريقة احترافية للغاية»، «الاجتماع والمعلومات التي فيه سرية، البعض سرب أخبارًا غير صحيحة عما دار في الاجتماع، «معارضونا المرضى» هم من اختلقوا هذا، وهي فضيحة بكل معاني الكلمة».

تنوعت إجابات ترامب بين مهاجمة الإعلام وأجهزة المخابرات، وتشتيت الاتهام عن روسيا، والإلقاء باللوم على الحزب الديموقراطي.

نافيًا ارتكابه أي عمل محرج يعرضه للابتزاز: «عندما أغادر البلاد أنا رجل حريص للغاية، وأخبر الجميع أن يكونوا حذرين للغاية؛ لأنه في كل غرفة في الفنادق، في كل مكان، هناك كاميرات متناهية الصغر، عليكم ألا تفعلوا أي شيء مشين وإلا أصبحتم على شاشات التلفاز».

استشهد ترامب أيضًا بالبيان الذي أصدره الكرملين نافيًا «امتلاك أي معلومات محرجة تخصّ ترامب»، قائلاً: «ربما يرى البعض أنه من الطبيعي أن تنكر روسيا ذلك إلا أني أخالفهم الرأي، فأنا أحترم ما قاله الرئيس بوتين، ولأكون صادقًا أنا أعتقد أنه لو كان لديهم معلومات كهذه لأخرجوها للعلن».

«ليس لدي صفقة مع روسيا لا في الماضي ولا في الحاضر ولا حتى تحت الإعداد، ليس لدي أي صفقات أو ديون مع روسيا»، العبارة التي كررها ترامب عدة مرات.

أعقب ترامب ذلك بتشتيت اتهام التلاعب بالانتخابات الأمريكية عن روسيا، على الرغم من إقراره بحدوث الاختراق الروسي، «من الذي قام بهذا الاختراق؟، أعتقد أنها روسيا لكن أيضًا لقد تعرضنا للاختراق من قبل دول أخرى، الصين اخترقت ملايين البيانات، لكن الأمر لم يثر هذه الضجة».

في ذات الوقت الذي ألقى فيه ترامب باللوم، في الهجمات الإلكترونية، على عاتق الحزب الديموقراطي نفسه، «اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي جعلت نفسها مكشوفة تمامًا للاختراق … بخلاف الحزب الجمهوري الذي استطاع بناء دفاعات تكنولوجية قوية حالت دون اختراقه».

«الاختراق خطير لكن الأهم ما تم الكشف عنه. لقد ثبت أن الإعلاميين سربوا أسئلة المناظرات الرئاسية لهيلاري كلينتون، هذا أمر مريع!، تخيلوا لو كان الأمر معاكسا؛ لو وجد أن الأسئلة قد سربت لترامب، كانت لتصبح أهم خبر في التاريخ، كانت ستخرج مطالبات لترامب بالتنحي من السباق الرئاسي؛ لكن هيلاري لم يثر ضدها أي رد فعل!».

«كون الرئيس بوتين معجب بترامب فهذه ميزة ونقطة قوة للولايات المتحدة لا عائق … ولا أدري إن كانت الأمور ستسير على مايرام مع روسيا، آمل ذلك، لكن دعكم من هذا الهراء. هل يعتقد أحد في هذه القاعة حقًا أن هيلاري كانت لتصبح أشد خشونة وحزمًا تجاه روسيا مني؟!».


(الإمبراطور ترامب) يتنحى

الخبر المثير الذي أعلنه ترامب أيضًا في المؤتمر الصحفي يتجسد في عرض شركة «داماك» الإماراتية، مقرها دبي، صفقات على الرئيس الأمريكي المنتخب تبلغ قيمتها 2 مليار دولار، إلا أن ترامب رفض هذا العرض، رغم أن القانون الأمريكي يسمح للرئيس ولنائب الرئيس بمواصلة أعمالهم التجارية الخاصة في نفس الوقت الذي يديرون فيه البلاد من البيت الأبيض.

على الفور استغلت إحدى المراسلات هذه الفرصة لتطلب من الرئيس الجديد الإفصاح عن عائدات ضرائبه، القضية التي أثارت جدلاً إبان الانتخابات؛ «لأن هذا يهم الناس» بحد وصف المذيعة. إلا أن ترامب رفض ذلك بشكل قاطع: «لن أفصح عن عائدات ضرائبي. أنا الرئيس، والناس لا يهتمون بهذا، لم أفصح عن عائدات ضرائبي ومع ذلك انتخبوني رئيسًا، أنت وبقية الصحفيين فقط من يهتمون بهذا الأمر».

إثر ذلك، وأمام كومة هائلة من عشرات الملفات المكدسة على طاولة كبيرة، أعلن ترامب أن هذه الملفات تمثل الأوراق التي وقعها لتحويل إمبراطوريته المالية لمجلس أمناء يشرفون على إدارتها ويقومون بعزل ترامب تمامًا عما يجري داخل هذه الشركات، لتجنب «تضارب المصالح» أثناء اتخاذه للقرارات السياسية المختلفة.

وعلى الرغم من أن القانون الأمريكي لا يلزم الرئيس بالتخلي عن أعماله التجارية الخاصة، إلا أن ترامب عمل خلال الأسابيع الماضية على إنشاء «مجلس الأمناء» هذا الذي يضم ابنيه «دونالد الابن» و«إريك» بجانب عدد من المستشارين والمدراء في شركات ترامب.

إضافة إلى ذلك سيقوم ترامب أيضًا بتوظيف «مستشار أخلاقي»، يجب أخذ موافقته الكتابية قبل عقد أي صفقة أو تحويل مالي، للتأكد تمامًا من عدم وجود أي تضارب للمصالح.

يأتي هذا بالتزامن مع تعيين ترامب للمليونير اليهودي «جاريد كوشنر»، زوج ابنته «إيفانكا»، مستشارًا له في البيت الأبيض.


سنحطم ميراث أوباما، سنبني الجدار، وبالطبع سنجعل أمريكا عظيمة

أعلن ترامب تأسيس مجلس أمناء للإشراف على إدارة شركاته، وعزله تمامًا عما يجري داخلها أثناء رئاسته، لتجنب «تضارب المصالح».

بخلاف العديد من الأسئلة الأخرى رحب ترامب للغاية بالسؤال عن أوباما كير «أخيرًا سؤال عن أوباما كير!، ستكونون فخورين للغاية بما سنفعله بالخدمة الصحية»، مجددًا تأكيده العزم على إلغاء نظام أوباما كير «هذا النظام، وبكل المقاييس، كارثة، هذه مشكلة الحزب الديموقراطي، ونحن نسدي للديموقراطيين معروفًا بإلغائه».

وعند السؤال حول توفيره بديلاً آخر للملايين من المواطنين الأمريكيين، الذين سيصبحون بلا أي تأمين صحي إذا ما تم إلغاء «أوباما كير»، رد ترامب بأن الحكومة ستعمل على مشروع قانون لنظام تأمين صحي آخر يحل محل أوباما كير: «سنسعى لتطبيق مراحله في نفس الأسبوع، في نفس اليوم، وربما في نفس الساعة، التي سنلغي فيها المراحل المناظرة في نظام أوباما كير. سنصنع نظامًا تأمينيًا أقل تكلفة بكثير وأيضًا أفضل بكثير».

كما أكد ترامب كذلك على عزمه الوفاء بالوعد الذي قطعه إبان حملته الرئاسية، ببناء جدار على الحدود مع المكسيك، وبأن تقوم المكسيك بدفع تكلفة بناء هذا الجدار، «بدفع مباشر أو عن طريق الضرائب» وفقًا لما قاله ترامب، الذي أبدى استعجاله لبناء هذا الجدار، للحد من «استغلال المكسيك للولايات المتحدة» بحسب وصفه.

لم يخلُ المؤتمر أيضًا من حدة ترامب، التي أصبحت معتادة، ليس فقط في ألفاظه غير الدبلوماسية، لكن أيضًا في هجومه اللاذع على معارضيه، وعلى وسائل الإعلام. إذ رفض ترامب المرة تلو المرة تلقي أي أسئلة من مذيع CNN الذي كان يجلس في الصف الأول وعند احتجاج المذيع رد ترامب: «مؤسستك مريعة، أنتم تزوّرون الأخبار، لن أتلقى أي سؤال منك».