في مارس/آذار 1983، وبينما كان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني يُلقي خطابه السنوي في عيد العرش، وفي معرض حديثه وثنائه على القادة الذين قاموا بزيارة المغرب، قال: «استقبلت بلادنا خلال العام المنصرم صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة المغربية». وعند تدخل وزير الإعلام عبد الواحد بن قزيز لتصويب الجملة، رد عليه الملك الراحل قائلاً: «أييه! الملك فهد ملك المملكة المغربية، وليس هناك خطأ وعليكم الاحتفاظ بالجملة كما هي».

رد الملك فهد بعد بضعة أشهر في مراسم استقباله لولي العهد وقتها محمد السادس حين توجه إلى الوزراء ورجال الأعمال بالقول «يجب تقديم كل ما يمكن من الدعم للمغرب؛ لما لهذا البلد من مكانة في نفسي ولما أكنه من تقدير واحترام لأخي الملك الحسن الثاني الذي أعتبره ملكًا للمملكة العربية السعودية».

الملك المغربي الراحل الحسن الثاني

استمرت تلك العلاقة الطيبة بين المملكتين، وهو الحال نفسه لعلاقة المغرب بدولة الإمارات وحكامها، على نفس الوتيرة حتى جاء يوم 10 مايو/آيار 2011، حين أعلن الدكتور عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي،دعوة المغرب للانضمام للمجلس عقب قمة تشاورية دعا إليها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز أوضح فيها مدى ترابط وقرب العلاقة بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية والإمارات.

لم يكن أحد يتخيل في ظل تلك العلاقة التاريخية أن يأتي يوم تصف فيه قناة سعودية المغرب بـ «الدولة المُحتلة»، بينما تعرض أخرى إماراتية خريطة لها مبتورة فيها الصحراء؛ وهي الأفعال التي أسفر عن السفراء المغاربة في الرياض وأبو ظبي.

تقول مصادر مغربية مُطلعة إن هذا التحول في العلاقات المغربية مع السعودية والإمارات جاء مع جلوس الملك سلمان على عرش المملكة السعودية وتولي ولي العهد محمد مقاليد السيطرة، بالتزامن مع تضخم نفوذ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حيث شعر النظام المغربي بكثير من التكبر والغطرسة من الاتجاه الآخر ومحاولة تصوير المغرب كتابع لهما على غرار دول أخرى، وهو ما ترفضه التقاليد المغربية وتجرح الشعور الوطني داخل المملكة.

بناء على ذلك، كان للملك المغربي كثير من التحفظ على البروتوكولات الدبلوماسية خاصة تجاه الأمير محمد بن سلمان، ورفض المملكة محاولة بسط السيطرة والنفوذ والهيمنة على القرار المغربي. وتُشير المصادر إلى أن مشاركة المغرب في التحالف السعودي في اليمن جاءت على مضض من المملكة، إلا أن النظام رأى أنها تأتي ضمن تحالف عربي واسع لن يتم تصويره على أنه تبعية للملكة وأن الانسحاب منه كان مسألة وقت.


صفقة القرن واستضافة نتنياهو

تشير الأحداث إلى أن تدهور العلاقات المغربية السعودية-الإماراتية جاء بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وانتهاجه موقفًا شديد الانحياز للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ودعم السعودية والإمارات له في هذا التوجه وتبني رؤيته فيه، وهو ما كان لافتًا في التمثيل المغربي الضعيف في القمة الأمريكية العربية التي عقدها ترامب في الرياض، والتي تبعها غياب الملك المغربي عن القمة العربية في عمّان التي تلت القمة الأمريكية رغم زيارة العاهل الأردني شخصيًا للمغرب لدعوة الملك محمد السادس لحضور القمة.

عبّر هذا عن الغضب المغربي من التوجه الخليجي الجديد تجاه قضية فلسطين ورفضه مشروع صفقة القرن الذي يتم الترويج له بقوة في الداخل العربي، خاصة وأن المغرب ينظر إلى القضية الفلسطينية بنظرة شديدة الحساسية وخاصة موقف القدس، حيث يترأس الملك المغربي لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي خلفًا لوالده الذي أسسها، وهي اللجنة التي تقوم على حماية المدينة من المخططات الصهيونية ومحاولات تهويدها، وهو جوهر صفقة القرن وفق ما رأى المغرب.

مظاهرة في كازابلانكا للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين (2014)

إلا أن الغضب السعودي الإماراتي تصاعد بقوة بعد الموقف المغربي تجاه الأزمة الخليجية والحصار على قطر، حيث رفضت المغرب التبعية أو الانحياز لطرف من الأطراف، وقد حاولت الوقوف على الحياد الذي لم تقبله الإمارات ولا السعودية، فغابت السعودية عن جولة الملك المغربي في الخليج عقب الأزمة، حيث قام الأخير بزيارة أبو ظبي والدوحة دون أن يمر بالرياض، ثم تطوع المغرب بإرسال مساعدات ودعم للدوحة؛ الأمر الذي رأت فيه السعودية تحديًا لها وخروجًا عن سياستها، بينما رأت المغرب أنه تصرف ملزم وواجب خاصة وأن الدوحة كانت قد أوفت بتعهداتها تجاه المغرب، حينما تعهدت الإمارات والسعودية وقطر والكويت عام 2012 بتقديم 5 مليارات دولار مساعدة للمغرب لتحسين اقتصاده، بينما لم توفِ السعودية ولا الإمارات بتعهداتهما.

خرجت بعض هذه التوترات إلى العلن خلال مرحلة التصويت لاستضافة كأس العالم 2026 الذي كانت تتنافس فيه المغرب ضد الولايات المتحدة، حيث كانت المغرب تولي تلك القضية كثيرًا من الاهتمام معتمدة على الدعم العربي والأفريقي، إلا أن موقف السعودية والإمارات كان شديد القسوة، حيث لم تكتفِ الدولتان بالتصويت للولايات المتحدة، وإنما عملتا لحشد عدة دول أخرى للتصويت لها ضد الملف المغربي، مما أدى إلى تصاعد حدة التوتر الذي انتقل إلى مرحلة الخصومة وتبادل الاتهامات والسباب بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.


خاشقجي هنا أيضًا

مظاهرة لدعم القضية الفلسطينية في كازابلانكا

النقطة التي فاض بها الكأس كانت رفض المغرب استقبال ولي العهد السعودي خلال جولته بشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي عقب الأزمة الدولية التي وقع فيها الأمير بعد قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث أراد ابن سلمان أن يجمع دعمًا عربيًا في مواجهة الهجوم الدولي والغربي عليه قبيل مشاركته في قمة العشرين في الأرجنتين، فقام بزيارة البحرين والإمارات ومصر وتونس والجزائر، بينما رفضت المغرب استقباله، ليسدل الستار على فصل مغاير تمامًا لما سبقه في العلاقات بين البلدين.

الصحفي السعوي الراحل جمال خاشقجي

كثير من الدراما في هذا الفصل؛ فبعد حوار بثته قناة الجزيرة مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ألمح خلاله إلى تحفظ المغرب على جولة ولي العهد العربية بعد إدانته بمقتل خاشقجي، قامت قناة العربية السعودية ببث فيلم وثائقي عن منطقة الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، جاء فيه إن المغرب قام بغزو المنطقة بعد مغادرة الاستعمار الإسباني عام 1975، واصفًا المغرب بالدولة المُحتلة للمنطقة. يمثل هذا استفزازًا للمغرب في الملف الأشد خطورة وحساسية داخله، لتقوم المغرب عقب ذلك بالانسحاب من التحالف العسكري السعودي في اليمن ثم سحب سفيريها في الرياض وأبو ظبي.

وقد كشفت مصادر صحفية مغربية عن تصاعد توترات التي بين الجانبين، حيث أشارت وسائل الإعلام المغربية إلى اعتقال السلطات المغربية لخلية تجسس تعمل لحساب السعودية والإمارات، بجانب الكشف عن تحقيق أجراه مسؤول إماراتي مع صحفي مغربي أثناء وجوده في أبو ظبي ضمن زيارة نظّمتها السفارة الإماراتية في الرباط لمجموعة من الصحفيين المغاربة، حيث جرى التحقيق مع الصحفي حول دفاعه عن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران وحزبه («العدالة والتنمية» المحسوب على تيار جماعة الإخوان) الذي ترى فيه الإمارات امتدادًا لأعدائها من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما رأت فيه المغرب تدخلاً في شؤونها الداخلية.

كل تلك الوقائع تُشير بوضوح إلى خروج الرباط من دائرة محور الرياض-أبو ظبي، وتفضيلها البُعد عن مغامرات أولياء عهديهما وغطرستهما، للاستقلال بقرارها، مع تقارب حذر ناحية الضفة القطرية يحتفظ بالتقاليد والأعراف المغربية.