عقب هزيمة منتخب مصر أمام منتخب مالاوي عام 1992 في أولى مباريات المنتخب خلال التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الإفريقية كتب الكاتب الساخر أحمد رجب من خلال فقرته الشهيرة «نص كلمة»، جملة وحيدة هي: «حتى مالاوي .. أما بلاوي».هكذا كانت هزيمة مصر من منتخب مالاوي بلوى من بلاوي العصر. وعلى الرغم من تعرض منتخب مصر خلال تاريخ مواجهاته الإفريقية للخسارة من العديد من المنتخبات مثل الكاميرون ونيجيريا والسنغال وغانا، فإن ذلك الأمر لم يعتبر كفضيحة بينما الخسارة من فريق مثل مالاوي تحت أي ظرف وبأي تشكيل هو أمر مرفوض تمامًا.يعبر لك هذا الحادث بشكل مباشر عن الفرق بين دول الغرب الإفريقي وغيرها من الدول فيما يتعلق بكرة القدم. تنتمي مالاوي إلى شرق إفريقيا، والحقيقة أن الفرق بين الغرب الإفريقي في كرة القدم وشرقها أكبر من أن تستوعبه الخريطة. فدول الغرب الإفريقي في كرة القدم قوة لا يستهان بها. نحن نتحدث هنا عن دول بحجم نيجيريا والكاميرون وغانا والسنغال ومالي وساحل العاج.أما دول شرق إفريقيا تحديدًا، بالإضافة لدول الوسط الإفريقي والجنوب، فهي دول لا تملك أي تاريخ في كرة القدم يذكر أو يقارن بالغرب والشمال الإفريقي، يكفي أن تعرف أن منتخب أوغندا قد حقق منذ أيام معدودة فوزه الأول خلال كأس الأمم الإفريقية منذ ما يقرب الواحد وأربعين عامًا.وعلى الجانب الآخر فدول مثل الكاميرون والسنغال وغانا هي الدول الوحيدة في إفريقيا التي تأهلت إلى ربع نهائي كأس العالم. نيجيريا والكاميرون هما الفائزان الوحيدان في القارة بالميدالية الذهبية الأولمبية، في حين تشترك نيجيريا وغانا في ستة ألقاب عالمية خاضعة للفيفا تحت 17 و20 عامًا.الحديث عن الفوارق لا يشمل المنتخبات الوطنية فقط، بل يمتد على المستوى الفردي. حيث لم تستطع مجموعة من الدول التي يعيش فيها أكثر من ربع سكان القارة البالغ عددهم 700 مليون نسمة أن يقدموا لاعبًا بارزًا واحدًا.الفارق واضح إذن، يبقى أن نحاول معرفة الأسباب التي أدت لتفوق دول الغرب الإفريقي بهذا الشكل. ولنتناول في البداية دول وسط وجنوب إفريقيا، وهو ما يجعلنا نعود لتاريخ الكرة في إفريقيا.

كرة القدم ليست أهم من الألماس

عرفت إفريقيا كرة القدم عن طريق الدول الاستعمارية الأوروبية. كان البحارة والجنود أول من ركل كرة القدم في القارة. بعد ذلك تم نشر كرة القدم عن طريق المدنيين من الدول المستعمرة كأداة من الأدوات الناعمة للاستعمار كما قامت الحملات التبشيرية باستخدام كرة القدم في حملاتها بإفريقيا. لكن هذا الاهتمام كان مختلفًا باختلاف البلد المحتل بالطبع.وهنا تحديدًا يجب أن نلقي نظرة على خريطة الثروات الطبيعية الإفريقية لنتفهم تمامًا لماذا ظلت دول وسط وجنوب إفريقيا بعيدًا عن الاهتمام بكرة القدم.
صوره توضح الثروات الطبيعية لإفريقيا وتقسميها طبقًا لكل دولة – مصدر الصورة : الجزيرة

يتضح لنا من تلك الخريطة كيف أن دول غرب إفريقيا تتلخص ثرواتها في الذهب بينما تغرق دول وسط إفريقيا في الألماس الأكثر قيمة بالطبع، فكان من المنطقي أن يهتم المستعمر أكثر بنهب تلك الثروات بدلًا من أن يهتم بلعبة كرة القدم.حتى بعد أن نالت تلك الدول استقلالها، لم تتخلَّ الدول الأجنبية عن هذا الألماس بسهولة، حيث يُسمى الألماس القادم من مناجم تلك البلاد بالألماس الدموي؛ بسبب الحروب الأهلية العديدة التي قامت من أجل السيطرة على الألماس. تلك الحروب الأهلية كانت بدعم من الدول الأجنبية بالطبع كونها المستفيد الوحيد من تلك الحروب. وفي ظروف مثل تلك، كان من المنطقي أن تتأخر كرة القدم كثيرًا، هم يريدون عاملين لا لاعبي كرة قدم.

اقرأ أيضًا:ألماس الدم والصراعات: كيف صار الألماس لعنة إفريقيا؟

دول مثل الكونغو وأنجولا وإفريقيا الوسطى وليبيريا فقدوا الملايين من شعوبهم من أجل الألماس. ربما لاحظت أن هناك منطقة في غرب إفريقيا بها ألماس من واقع الخريطة. دعني أوضح لك أن تلك المنطقة تحتوي على دولتي سيراليون وساحل العاج. شهدت سيراليون 11 عامًا من الحروب الأهلية لم تنتهِ إلا بحلول عام 2002، فلم يكن لها تواجد كروي ملحوظ حتى الآن. أما ساحل العاج فلم تظهر كقوة إفريقية كروية مستقرة سوى مؤخرًا.لكننا هنا بصدد ملاحظة مهمة، لماذا لم يحظَ الشرق الإفريقي المشابه للغرب الإفريقي من حيث الثروات بذات الاهتمام باللعبة؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا تفسير عاملين: طبيعة المستعمر ثم طبيعة أبناء تلك الدول.


إنجلترا وفرنسا: هناك فارق كبير

سيطرت فرنسا على معظم دول غرب إفريقيا، بينما أثرت إنجلترا لنفسها بمعظم الشرق الإفريقي. تعاملت إنجلترا مع مستعمراتها الإفريقية بشكل من التعالي، حيث فضل الإنجليز المستوطنين في إفريقيا لعب الكريكت على لعب كرة القدم.لم يفضل الإنجليز أن يلعبوا تلك اللعبة التي عرفها المحليون في إفريقيا وبدأوا في ممارستها كونها لا تحتاج أي إمكانات باهظة لكي تلعب.بينما اعتبرت فرنسا مستعمراتها امتدادًا للوطن الأم فرنسا. وبحلول عام 1938 فقط كان هناك 147 إفريقيٍّا يلعبون في بطولات كرة القدم الأولى والثانية في فرنسا.حتى إن أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال أحمد بن بيلا كان لاعبًا في صفوف أولمبيك مارسيليا وهو صغير.أدركت البرتغال أيضًا الإمكانيات الرياضية لمستعمراتها، حيث أنشأت الأندية البرتغالية الرائدة نظامًا يشبه كشافة اللاعبين في أنجولا، فكانت النتيجة أن البرتغال تدين بجزء مهم من تاريخها الكروي للأسطورة إيزيبيو الموزمبيقي المولد، والاستثناء الوحيد من شرق إفريقيا.


الإمكانات البدنية لها دور بالطبع

هيمنة غرب إفريقيا على كرة القدم تعود لعلم الوراثة، أبناء الغرب الإفريقي أقوى وأكبر من حيث البنية الجسدية. بينما ستجد مواطني شرق إفريقيا أخف وزنًا وأصغر حجمًا، ولذا فهم أبطال دائمون في مسابقات العدو. لكن بالطبع الصفات الجسدية تلك لا تغني عن بيئة مناسبة للعب كرة القدم.
تيم نواكس عالم جنوب إفريقي

تحتل الإمكانات البدنية المكانة الأهم في كرة القدم الحديثة. ومهما بلغ مستوى التنافس المحلي في دول إفريقيا يبقى الاحتراف الأوروبي دومًا هو المقياس الحقيقي لتطور كرة القدم في تلك الدول. وبينما تعج الدوريات الأوروبية بلاعبي غانا ونيجيريا والسنغال، فلا يوجد لاعبون من كينيا أو رواندا على سبيل المثال.ذلك أن لاعبي دول غرب إفريقيا مناسبون من الناحية البدنية بشكل كبير طبقًا للتنافس في الدوريات الأوروبية. وهو ما يلخصه أحد الكشافة المعينين من إحدى الدول الأوروبية في إفريقيا بأن الأندية الأوروبية حريصة على العثور على «لاعبين أصحاب إمكانيات قوية وعضلية عنيفة»، وهم يبحثون في أي جزء من العالم حيث يمكنهم العثور عليهم، لكن ليس شرق إفريقيا.

يقول جون إنتين، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي

تجد العديد من لاعبي غرب إفريقيا في الدوري الفرنسي على سبيل المثال دون أن يقدموا أداءً استثنائيًّا أو موهبة مميزة، لكنهم وبفضل أدائهم البدني يحجزون لأنفسهم مكانًا دائمًا في دوري أوروبي جيد.ربما نقطة الأداء البدني دون الموهبة تحديدًا هي النقطة التي يستغلها الشمال الإفريقي العربي للتفوق على دول غرب إفريقيا في المنافسات المباشرة. حيث تلعب دول شمال إفريقيا كرة قدم مختلفة. كرة قدم تتسم بالمهارة أكثر منها بالإمكانات البدنية وهو السبب الذي يضمن لهم التفوق في الكثير من الأحيان أو على الأقل التنافس مع دول غرب إفريقيا، لكنه لا يضمن لهم الاحتراف الأوروبي.


نماذج النجاح

ليس مفاجأة أن شرق إفريقيا لم يقدموا لاعبي كرة قدم جيدين. في الواقع هم من بين الأسوأ في العالم. هم من سكان المرتفعات ونوع أجسامهم يختلف عن غرب إفريقيا. ليس العرق، ولكن نوع الجسم.

دعنا نتفق أن نموذجًا واحدًا ناجحًا قد يخطف الأنظار بشكل كبير نحو البقية. بعد نجاح محمد صلاح في مصر حاول أكثر من نادٍ أوروبي أن يعيد التجربة مع عدد من اللاعبين المصريين.والغرب الإفريقي قدم العشرات من النماذج الرائعة مما دفع الأندية الأوروبية لمحاولة تكرار التجربة وبناء العديد من الأكاديميات التابعة لها في دول غرب إفريقيا. كما يحلم الملايين من أبناء تلك الدول أن يصبحوا لاعبي كرة قدم لكي يعبروا خط الفقر والاحتياج، واضعين نصب أعينهم نماذج مثل دروجبا وإيتو وكانو وغيرهم. بينما لا يجد البقية من أبناء القارة ذلك النموذج الذي يعطيهم الأمل في تكرار التجربة.

الأندية تريد أن تعرف عن نيجيريا والكاميرون وغانا وليس عن كينيا، كان هناك حديث عن إنشاء أكاديميات في الشرق، لكن لم يحدث شيء بعد.
نيكولاس ماكجوان كشاف يعمل لصالح مانشستر يونايتد