انتهى الإيرانيون مساء الجمعة 29 إبريل/ نيسان من التصويت في جولة الإعادة من الانتخابات البرلمانية التي ربما هي الأهم في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ويتبقى فقط للحسم في هذه الجولة 68 مقعدًا من بين 290 مقعدًا هي عدد مقاعد مجلس الشورى الإيراني. ومن المنتظر أن تُعلن النتائج النهائية لهذه الجولة خلال الساعات القادمة لتضاف إلى نتائج الجولة السابقة التي جرت في فبراير/ شباط الماضي.هذا وقد أتت الجولة الأولى بما لم يكن متوقعًا من النتائج؛ إذ حصد تحالف الإصلاحيين والمعتدلين 80 مقعدًا في مواجهة 76 مقعدًا للمحافظين و60 مقعدًا لمرشحين مستقلين، يرى متابعون أن أغلبهم على مسافة أقرب للإصلاحيين من المحافظين. ووجد المرشحون على قائمة المحافظين في طهران العاصمة نفسهم خارج السباق بالكلية ولم يحصدوا مقعدًا واحدًا من 30 مقعدًا هي حصة العاصمة من الانتخابات!.

تزامنًا مع الانتخابات البرلمانية أُجريت معركة أخرى أكثر ضراوةً، تنافست فيها المراجع الدينية على 88 مقعدًا خُصصت لمجلس الخبراء المخوّل بمراقبة أعمال المرشد الأعلى للثورة واختيار خليفةٍ له حال تعذّره عن أداء مهامه القيادية. وتكتسب الانتخابات الحالية أهميتها في إطار ما يتم الترويج له عن تدهور صحة آية الله علي خامنئي. ولِي الإصلاحيون والمعتدلون 15 مقعدًا في العاصمة من 16 مقعدًا، بينما لم يبق للمحافظين سوى مقعد واحد اقتنصه آية الله أحمد جنتي.

النتائج التي أفرزتها جولة البرلمان الأولى صبّت بلا شك في مصلحة الرئيس روحاني وإدارته وكأن الجماهير الإيرانية راضية عما يتجه إليه في سياساته الخارجية والداخلية، وهو تحول ليس بالهين في مسيرة إيران بعد الثورة. إذ استطاع الرجل المعمم أن يسير في خط من الإصلاح ويوازن به مصالح إيران العليا من تصدير الثورة ودعم أطراف محور الممانعة ودعم مصالح الأقليات الشيعية في المنطقة وكذلك الانفتاح الاقتصادي وغزو الأسواق العالمية بالنفط الإيراني المحظور على خلفية العقوبات الدولية السابقة على إيران.


رفسنجاني ويزدي؛ الجولة الأخيرة!

http://gty.im/465744412

الصورة من جلسة مجلس الخبراء التي جرى فيها اختيار آية الله يزدي لتولي قيادة المجلس مارس/آذار 2015م

تلقى رفسنجاني -الذي تجاوز عمره الثمانين عامًا- أكبر هزيمة له بانتخاب المرجع الديني محمد يزيدي رئيسًا لمجلس الخبراء في مارس/ آذار 2015م، خلفًا للراحل محمد رضا مهدوي كنّي والذي توفّي في أكتوبر/ تشرين الأول 2014م عن عمر يناهز الـ83 عامًا، وكان رئيسًا للمجلس حتى ذلك الحين.محمد يزدي؛ من مواليد مدينة أصفهان وهو عضو في مجلس صيانة الدستور ورئيس رابطة مدرسي حوزة قُم العلمية، وكان قد ترأس السلطة القضائية لعشر سنوات «1990-2000م»، وسبق أن واجه رفسنجاني في رئاسة مجلس الخبراء في 2009م لكنه لم ينجح «51 صوتا مقابل 26».في أعقاب رحيل مهدي كنّي رئيس المجلس الأسبق خلفه لفترة مؤقتة آية الله محمود الشاهرودي، حتى أُجريت الانتخابات في مارس/ آذار 2015م، وترشح لها كل من رفسنجاني والشاهرودي معبرين بدرجة كبيرة عن تيار الاعتدال الإيراني، وكذلك خاض السباق -بفرصٍ أقل في الفوز- كل من يزدي وآية الله محمد مؤمن معبرين عن التيار المحافظ. إذ كانت المنافسة الأشرس بين رفسنجاني والشاهرودي وحُسمت بانسحاب الشاهرودي احترامًا للعلاقة الحميمية التي تربطه برفسنجاني، إلا أن آية الله محمد يزدي فاز بالمنصب بعدد أصوات 47 صوتًا من أصل 73 فيما عدّه المتابعون ضربةً قاضية لرفسنجاني.

اليوم، وبعد عام من بقاء يزدي على قمة المجلس، يُحرم من مجرد العضوية، بينما بقي رفسنجاني على قمة مجلس صيانة الدستور وعضوًا في المجلس الجديد!.

من بين ستة عشر مقعدًا هي نصيب العاصمة من مقاعد مجلس الخبراء يقتنص رفسنجاني وأربعة عشر معتدلًا آخرين مقاعدهم في المجلس بينما يحل الرئيس الحالي للمجلس آية الله محمد يزدي في المرتبة السابعة عشرة. في الحقيقة لم تكن هزيمته هو فاجعة المحافظين الوحيدة إذ رافقه المرجع الديني المحافظ آية الله محمد تقي مصباح اليزدي متربعًا في المرتبة التاسعة عشرة. ولم ينج من محافظي طهران سوى آية الله أحمد جنتي.وبالنظر للوراء قليلًا -أي قبل إجراء الانتخابات- فإنه إذا ما لم يستبعد حفيد الخميني آية الله حسن الخميني، والذي كان مرشحًا عن العاصمة هو الآخر، فإنه كان من المتوقع ألا ينجح من المحافظين أحد كما حدث في انتخابات مجلس الشورى، لاسيما وأنّ آية الله جنتي حلّ أخيرًا في قائمة الفائزين التي ضمّت ستة عشر عضوًا.هذا كان فيما يخص العاصمة، وبقيت جل المحافظات عدا العاصمة سجالًا بين المحافظين من جهة وتحالف الاعتدال والإصلاح من جهة أخرى، إلا أن الفوز الأكبر لقوى الاعتدال في المحافظات أنها حافظت على بقاء آياتها العلمية وقياداتها السياسية ممثلةً في المجلس رغم ضراوة المنافسة وتقلباتها.وفي أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات 26 فبراير/ شباط الماضي، اتهم مهدي هاشمي رفسنجاني كلًّا من وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني محمود واعظي و المتحدث الحكومي محمد باقر نوبخت من أن كليهما تسبب في إحداث فرقة بين أبناء الاعتدال والإصلاح أدت إلى تفتت الأصوات بالمدن الكبرى بالمحافظات.

آية الله إبراهيم أميني

أضف لاتهامات مهدي رفسنجاني، ما أشاعه بعض المعتدلين من انتقادات لقائمة رفسنجاني من أنها تضم رجال دين محافظين بين ثناياها وهي الاتهامات التي جادل عنها رفسنجاني بأن ذلك كان ضروريًا للحيلولة دون نجاح بعض الشخصيات الدينية الأكثر تشددًا ونجح رفسنجاني بهذه الحجة في تجاوز كثير من العثرات قبيل الانتخابات، ولولا هذه الحرب الإعلامية لحقق نتيجة أفضل لكنه على أي حال خرج ناجحًا.المعركة القادمة بشأن مجلس الخبراء لن تكون في صناديق الاقتراع المطروحة أمام عامة الإيرانيين. فاختيار خليفة ليزدي الذي تعثر مؤخرًا ستكون المهمة الأولى الموكلة على عاتق المجلس المنتخب حديثًا وثمة صراع يتم الإعداد له بين كتلتي المجلس في الرابع والعشرين من مايو/ آيار الحالي، غير أن مرشحًا توافقيًا مثل آية الله إبراهيم أميني قد ينزع فتيل الصراع قبل أن يشتعل.


إسدال الستار على البرلمان الإيراني

إبراهيم أميني
خاض المعتدلون والإصلاحيون جولة الانتخابات البرلمانية الأولى بقائمة موحدة قادتهم للفوز بأغلبية مطمئنة وداعمة للمسار الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية على يد حسن روحاني الرئيس الحالي. قائمة التحالف أُطلق عليها اسم «قائمة الأمل» تزعمها محمد رضا عارف، نائب الرئيس الإصلاحي الأسبق سيد محمد خاتمي، وحظيت القائمة بدعم كل من آية الله رفسنجاني والرئيس الإيراني الأسبق خاتمي. بينما خاض المحافظون السباق بقائمة يتزعمها رئيس البرلمان الأسبق غلام على حداد عادل، والذي كان أول سياسي يعتلي المنصب من غير الملالي منذ الثورة 1979م -خلفه في المنصب علي لاريحاني-.على ذات المنوال، فازت قائمة الأمل في السادس والعشرين من فبراير/ شباط الماضي بثلاثين مقعدًا من أصل ثلاثين خُصصت للعاصمة طهران، وبهذا حاز تحالف الإصلاحيين والمعتدلين العلامة الكاملة في العاصمة. وفشل المحافظون في تمثيل العاصمة في مجلس الشورى ولو بمقعد واحد، والحقيقة أنهم كانوا على وشك تحقيق هذا الغرض إذ حل حداد عادل في المركز الـ32 من بين إجمالي نتائج العاصمة!.
الفوز الأكبر للإصلاحيين يكمن في احتفاظهم بأفراد الصف الأول في أغلب محافظات إيران ممثلين في مجلس الشورى، وهو الهدف الذي لم يتمكن المحافظون من تحقيقه.
الفوز الأكبر للإصلاحيين كان في قدرتهم على إنجاح أعضاء لم يكونوا في الواجهة السياسية من قبل على حساب سياسيين محافظين من الصف الأول، الأمر الذي استدعى سخرية الإعلام الإيراني حتى نشرت إحدى الصحف الإيرانية موصّفةً المشهد الانتخابي على أنه «هزيمة الفريق الأول من الإصلاحيين أمام منتخب الإصلاحيين تحت سن الـ23».الحقيقة؛ أنه لا أحد توقع النتائج بهذا الشكل لكنها أتت في إطار التحول الإيراني الحالي. فالإيرانيون يدعمون المسار الذي قادهم إليه روحاني ويدعمون كذلك الاتفاق النووي، هذه هي الرسالة التي صوّت لأجلها الإيرانيون في فبراير/ شباط الماضي.إجمالًا للنتائج، فمن بين 290 مقعدًا في إجمالي مقاعد البرلمان، حازت «قائمة الأمل» الممثلة لتحالف الإصلاحيين والمعتدلين 80 مقعدًا بينما حاز المحافظون 76 مقعدًا، و60 مقعدًا مستقلًا يدعي كلا الطرفين وصلًا بهم من حيث التوجهات والأفكار والتكتلات، لكنهم على أية حال ترشحوا كمستقلين.

أول أمس الجمعة، توجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع ليسدلوا الستار على الانتخابات البرلمانية الأهم كما يراها المتابعون في تاريخ الجمهورية ويحسموا مصير 68 مقعدًا بقيت معلقةً في انتظار جولة ثانية، ولا أظن أن جولة الإعادة ستأتي بغير ما أفرزته الجولة الأولى من النتائج -من تقدم المعتدلين على المحافظين لكن لا يحقق لأي منهما الأغلبية المطلوبة «146 مقعد»-. الحقيقة الواحدة بهذا الصدد أن أكثرية الإيرانيين راضون بما أنجزته الإدارة الإيرانية الحالية وأن روحاني مؤخرًا بعد الانتخابات باتت لديه صلاحيات أوسع ومعارضة أقل.