بعد المباراة أخبرني كولو توريه أنني لم أكن في حالتي الطبيعية. لو أن أحدهم أطلق عليّ النار في هذه اللحظة لم يكن يستطيع أن يمنعني من الذهاب إليهم. الضغط والتنمر الذي تعرضت له كان رهيبًا، وأنا بشر.

كرة مشتركة ينجح القصير شون رايت فيليبس في استخلاصها، ليقوم بعمل عرضية متقنة للغاية. يقفز إيمانويل أديبايور ويسدد الكرة برأسه على يمين الحارس الإسباني مانويل ألمونيا، ليقرر بعدها المهاجم التوجولي قطع الملعب بطوله كاملًا حتى يصل إلى جماهير الأرسنال الإنجليزي ويحتفل أمامهم بالهدف.

هذا هو المشهد الأشهر في مسيرة المهاجم الأفريقي إيمانويل أديبايور. عفوًا، ربما يكون انتقاله بشكل مفاجئ لنادي العاصمة مدريد هو الحدث الأشهر. لا لا، مهاجمته لأمه وعائلته في وسائل التواصل الاجتماعي كانت هي الحدث الذي علق في أذهان الجماهير. هل ستتهمني بالتردد وتفقد ثقتك فيّ إذا أخبرتك أنني تراجعت وقررت أن صورته وهو يبكي بعد تعرض حافلة منتخب بلاده إلى هجوم إرهابي في أنجولا خلال كأس الأمم الأفريفية عام 2010؟

حسنًا، دعنا نتناول مشاهد مختلفة من حياة إيمانويل ولك حرية اختيار أغربهم بالنسبة لك.


الكل معك وأنت فقير، ولكن

حينما يكون الكل في الأسرة فقيرًا يكون الوضع أسهل، لكن بمجرد أن يصير أحدهم غنيًا فإنه يصير هدفًا للجميع.

يقول أديبايور إن خروجه من بلده توجو حدث قبل أن يتم الـ 16 عامًا. مجرد طفل ذهب للعب في نادي ميتز في شمال فرنسا، ومرتبه من النادي حينها 3000 يورو، لكن أهله كانوا ينظرون له نظرة أكبر من ذلك مما وضع عليه الكثير والكثير من الضغوط، لدرجة أنهم طلبوا منه منزلاً في توجو قيمته 500 ألف يورو وهو في هذا السن وفقًا لروايته.

تزايدت تلك الضغوط والأعباء المادية عليه، فلم يؤدّ بشكل جيد في النادي ولم يستطع تلبية طلبات أهله، فشعر وكأنه غير مرغوب فيه من الجميع، ومن هنا سيطرت عليه فكرة الانتحار.

ذهبت إلى الصيدلي وطلبت منه كمية كبيرة من الدواء ولكنه رفض. أخبرته أن هذا الدواء لجمعية خيرية في توجو فأعطاني كمية كبيرة.

أقدم أديبايور على الخطوة وأخذ كمية كبيرة من الدواء بالفعل بهدف الانتحار، لكن أحد أصدقائه هو من أنقذه في منتصف الليل. أخبره صديقه أنه هو من سيغير أحوال بلاده، بل وأحوال أفريقيا ككل. صحيح أنه لم يقتنع بتلك الأحلام ولكنه على الأقل صار أفضل ولم يمت ليلتها.


لا تمزح واترك الهاتف

أخبرني صديقي أن أرسين فينجر على الهاتف، فقلت له لا تمزح واترك الهاتف وهيا نكمل اللعب. أغلق الهاتف بالفعل ولكن فينجر عاود الاتصال مرة أخرى.

يقول إيمانويل أديبايور في حواره مع صحيفة الديلي ميل إن عمره كان 21 عامًا حين حدثه أرسين فينجر أول مرة. كان يقضي الموسم مع نادي موناكو ثم يعود إلى توجو للعب في الشوارع مع أصدقائه. وفي يوم رن هاتفه وهو منهمك في إحدى المباريات مع أصدقائه فأجاب صاحبه على الهاتف بدلًا منه. أخبره صديقه أن أرسين فينجر على الهاتف. لم يصدق أديبايور وقال له أغلق الهاتف!

عاود فينجر الاتصال مرة أخرى فأجابه إيمانويل، نعم إنه أرسين فينجر بالفعل! أخبره البروفيسور الفرنسي أنه يريده معه في أرسنال وسأله: «هل لديك أية شروط؟» فأجابه أديبايور أن كل ما يريده فقط هو قميص نوانكو كانو والدولاب الخاص به في غرفة خلع ملابس أرسنال، فقد كان مثله الأعلى في الطفولة.

عاش أديبايور أيامًا جميلة مع أرسنال، ولكنه كما يقول: أرسنال لا يستطيع الحفاظ على نجومه. فروبين فان بيرسي رحل، وكولو توريه رحل، وكذلك سيسك فابريجاس. وبالرغم من تمسكه بأرسنال وفق تعبيره إلا أن أرسين فينجر أخبره بأنه ليس من ضمن حساباته للموسم الذي يستعدون له لذلك ذهب إلى السيتي.


أنا بشر

يجلس على ركبتيه، فاتحًا ذراعيه كنوع من استعراض القوى. لا يشعر بزملائه الذين يحاولون حمله من أمام زجاجات المياه والولاعات التي تلقى عليه من جماهير النادي اللندني. يبتسم بعدها للحكم الإنجليزي مارك زوكربيرج الذي أعطاه بطاقة صفراء على هذا السلوك المتهور.

«روبين فان بيرسي» إلى أديبايور في طرقة غرف الملابس بعد استفزاز الأخير لجماهير أرسنال

يسترجع أديبايور المشهد ويقول إنه فعل ذلك بسبب الشعور بالظلم. فعندما رآه زملاء فريقه القديم لم يسلموا عليه. وبمجرد ما وطأت قدماه أرض الملعب لم ترحمه جماهير أرسنال من السباب؛ وصفت أمه بالعاهرة، وأباه بمنظف الأفيال، وقلدوا أصوات القردة. كل هذا وهو لم يطلب الرحيل من أرسنال وفقًا لروايته.

يستكمل أديبايور حديثه ويقول إنه لم يحتمل ذلك لأنه ببساطة بشر، ولكنه نادم بكل تأكيد على هذه الحركة ولو عاد به الزمن سيحاول أن يتمالك أعصابه.


حادثة الأتوبيس

لماذا يا إيمانويل؟ لماذا فعلت ذلك؟
ظللنا لمدة 42 دقيقة لا نسمع شيئًا سوى أصوات الرصاص وصرخات لاعبي المنتخب. كان الرصاص يطير فوق رؤوسنا من كل مكان.

يقول أديبايور إن الهجوم الإرهابي التي تعرضت له حافلة منتخب توجو في كأس الأمم الإفريقية عام 2010 هي اللحظة الأصعب في حياته على الإطلاق. فكان يرى دماء من حوله ورصاصًا متطايرًا وزملاءه يصرخون، فشعر وكأنها لحظة النهاية.

يستطرد أديبايور ويقول إنه تناول هاتفه واتصل بصديقته وقد كانت حبلى في ذلك التوقيت. أخبرها أديبايور أنه غالبًا سيرحل عن العالم خلال لحظات وكل ما يريده إذا أنجبت ولدًا أن تسميه «إيمانويل جونيور»، أما إذا أنجبت بنتًا تسميها «إيمانويلا». وألا تبخل بأي جزء من أمواله في تربية ابنه/بنته. هو لا يريده أن يعيش في بيت بسقف غير مكتمل كما عاش في طفولته. لا يريد له أن يشعر وكأن الحصول على الكهرباء معجزة وشرب ماء نظيف هو أسعد أمنيات الحياة.

ربما كان حرمان أديبايور من أساسيات العيش في طفولته هو الذي دفعه لأن يكون المال هو الدافع الرئيسي له في أغلب مشاهد حياته، سواء خلافه مع أهله، أو ضغوطات حياته، أو الرحيل عن الأرسنال الذي قال علانية إنه نادٍ لا يريد أن يصرف كي يحافظ على نجومه. حتى في اللحظة التي كان أقرب فيها إلى الموت ذكر فيها المال.