عند استطلاع رأي بعض من جماهير ليفربول في إنجلترا عن إمكانية تشجيعهم فريقًا آخر، رأى 92.2% منهم أن ذلك لن يحدث أبدًا. أما عن جارهم إيفرتون، فتقريبًا أعلنت نفس النسبة أيضًا ولاءها للفريق، في حين ارتفعت النسبة إلى 94.1% عند اختبار ولاء جماهير كريستال بالاس، الذين رغم تواضع ناديهم إلا أنهم يرون الانتماء إليه أمرًا مميزًا.

وللتأكيد على قوة تلك العلاقة، بإمكاننا سؤال نفس الجماهير عن إمكانية تغيير شريك حياتهم أو بمسمى آخر نسبة الطلاق في مجتمعهم، حيث تصل النسبة في إنجلترا إلى 35%، ألمانيا 40%، وفي إسبانيا 60%. قد تكون المقارنة غير عادلة، أو أن المشجعين يأخذون الأمر بجدية مفرطة، جعلت للتشجيع أثرًا كبيرًا لا يمكن تفسيره سوى باللجوء لعلم النفس.

أنا أم نحن؟

إذا قمنا برسم دماغ مشجع رياضي أثناء النظر إلى فريقه أو لاعبه المفضل، فإننا نتوقع أن نجد استجابة مماثلة لتلك التي تحدث عندما تنظر الزوجة إلى صورة لزوجها.
عالم النفس «آرثر أرون»

ذلك الإعجاب المغلف بالانتماء يتحول فيما بعد إلى حالة من الاندماج بين المشجع والنادي. فلا يتوقف الأمر عند لحظات التشجيع ساعة الانتصار وساعة الإخفاق، لكنه يمتد ليؤثر على الذوق العام للمشجع، ولونه المفضل، والعلاقات الأسرية، وكذلك مجموعة الأشخاص المحيطة به الذين اجتمعوا على نفس الهدف.

يوضح «إيريك سيمونز» مؤلف كتاب «The Secret Lives of Sports Fans: The Science of Sports Obsession» أن تشجيع الفريق يعد بمثابة تعبير المشجع عن ذاته، وقد تأكد له ذلك من خلال العديد من المقابلات والأوراق البحثية التي اطلع عليها. وكان أكثر ما لفت انتباهه هو الضمير الذي يستخدمه المشجع للتعبير عن فريقه، «نحن»، والذي يجعل الدماغ في وضع مرتبك غير قادر على التفرقة بين «الشخص ذاته» و«الفريق».

في سبعينيات القرن الماضي، لاحظ أستاذ علم النفس والتسويق في ولاية أريزونا «روبرت سيالديني» زيادة استخدام «نحن» بعد الانتصارات، وانخفاضه بعد الهزائم؛ أما الآن فمتابعة هذه الظواهر باتت أسهل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. توارى المشجعون عن الأنظار في لحظات الهزيمة، ومن يظهر منهم يضطر لحشد أصدقائه للدخول في معارك إلكترونية دفاعًا عن الفريق.

بنفس المنطق، تنتقل كل هذه المشاعر بالتبعية إلى نجوم فريقك المفضل، لكنها هذه المرة تكون محكومة بمدة محددة وفقًا لعقد اللاعب مع النادي ودرجة تأثيره. وحتى ينتهي العقد، تصبح مهمة مساندة اللاعب واجبًا والفضل في ذلك يعود إلى خلايا بالدماغ تسمى المرآة.

سهّل اكتشاف هذه الخلايا العصبية تفسير قراءة عقول الآخرين والتعاطف معهم دون أي جهد، حتى أننا نشعر بما يفعلونه هم! إذ تضعنا الخلايا المرآة لا إراديًا في مواضع الآخرين فنلمس أحاسيسهم ومشاعرهم بجسدنا. ولنوضح ذلك أكثر، عندما يعيش صديقك المقرب موقفًا سبب له الألم والضيق النفسي فسوف تجد نفسك قد تعاطفت معه أيضًا لدرجة أنك تشعر بضيق وألم مماثلين لما يعايشه صديقك، وذلك نتيجة لتنشيط الخلايا الخاصة بالانفعالات في الدماغ، وبناءً على ذلك فقد اتضح أننا عندما نتعاطف مع ألم شخص ما فإننا نشعر بدرجة ما بالألم أيضًا.
تمتاز تلك الخلايا بأنها الخلايا الدماغية الوحيدة التي تنشط بالطريقة ذاتها سواء بالرؤية أو بالفعل، فمثلاً إذا رأيت شخصًا ما يبتسم أمامك فسوف تنشط داخل مخك هذه الخلايا مثيرة نشاطًا عصبيًا في الدماغ.
موقع «الباحثون السوريون»

تلك الخلايا التي تم اكتشافها في بداية التسعينيات – وبفضلها تتزامن أدمغة المشجعين مع أدمغة لاعبيهم، وفقًا عالم الأعصاب «ماركو لاكوبني».

المحاكاة

نحن لا نتحدث هنا عن أداء اللاعب المؤثر في النتيجة المؤثرة بدورها على مزاج المشجع، لكننا نتحدث عن أشكال أخرى للتأثير. تبدأ بتحول لاعب الفريق إلى بطل يلهم الكثير من صغار المشجعين للعب كرة القدم ومحاولة عمل مسيرة مماثلة. ولأن الأمر يتوقف على حجم الموهبة بجانب العديد من الظروف الأخرى، فلا يصل الكثير منهم إلى مبتغاه ويعود إلى المربع صفر.

وفي هذا المربع، تظهر علامات التعلُّق بنجم الفريق من خلال ارتداء التي شيرت الخاص به. وإن كنت تمتلك المزيد من الأموال فبإمكانك اقتناء حذاء من نفس الماركة. وإن كنت متيمًا بحبه، فقد تذهب إلى الحلاق لتجعل قصة شعرك مماثلة له.

قبل كأس العالم 2018 بروسيا، كان الحلاق الصربي «ماريو هافالا» يفعل ما هو أكثر من ذلك. فكان يرسم صورة نجمك المفضل على رأسك. لا، ليس وشمًا، بل لوحة مصنوعة من خصلات شعرك «hair tattoos»، تتطلب وقتًا يتراوح بين 5 إلى 7 ساعات. وكان من أبرز النجوم الذين تحولوا إلى قصات: ليونيل ميسي، كريستيانو رونالدو، نوفاك ديوكوفيتش، وحتى رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون.

قصات شعر على شكل نجمك المفضل (ميسي يمينًا وديكوفيتش يسارًا ويتوسطهما رئيس كوريا الشمالية
/ Sky News

لا شك أن الجلوس لـ 7 ساعات على كرسي دون حراك من أجل قصة شعر يعبر عن أقصى درجات الولاء، لكن ما يحدث على أرض الواقع يشهد استغلالاً تجاريًا له، حيث تعتمد الشركات على علاقة الثقة بين اللاعب ومشجعيه من أجل الترويج لمنتجاتهم، وتوطُد هذه العلاقة مع الوقت بفضل منصات التواصل الاجتماعي.

رونالدو مثلاً يعد الواجهة الإعلانية الأولى لشركة نايكي، لكنه أطلق شركة أحذية تحمل اسمه: ماركة «CR7». كذلك فعل النجم الإيطالي المعتزل فرانشيسكو توتي، وأطلق خطًا لإنتاج الملابس والمستلزمات الرياضية باسمه.

على جانب آخر، أبرزت جريدة «Wall Street Journal» تحوُّل نجم دوري الـ «NBA» «ليبرون جيمس» إلى واحد من أكبر المؤثرين على مبيعات النبيذ. تكفي فقط صورة واحدة على موقع إنستجرام، ليحدد على إثرها أنواع النبيذ التي سيتم طلبها في المطاعم في جميع أنحاء البلاد. وبالطبع أنت تشاهد الكثير من الإعلانات التي تعبر عن نفس الفكرة.

تعلم تفاصيل أخرى

نأتي الآن إلى السؤال الأهم: لماذا يقتصر إعجابي بنجمي المفضل على ارتداء قميصه واستفتاءات جوائز الفيفا؟ لماذا لا يمكن أن أقلده فيما هو أكثر فائدة من الملابس وقصات الشعر؟ حسنًا، أنا لست لاعب كرة قدم محترف وبالتالي لن أحذو حذوه في التدريبات، كما أنني لا أملك رفاهية ضبط نظامي الغذائي مثله، إذن إليك ما لا تعلمه عنهم وقد يفيدك في نظامك الحياتي.

يخبرنا «ماثيو والكر»، عالم الأعصاب بجامعة بيركلي، أن النوم يعتبر أكثر المنشطات المسموح بها فعالية لدى الرياضيين، جميعهم يحرص على استغلال هذا المنشط لضمان أكبر قدر ممكن من اللياقة البدنية والذهنية. على سبيل المثال: ينام أسطورة التنس روجير فيدرر 12 ساعة، منها 10 بالليل، و2 بالنهار. العداء الأسطوري أوسين بولت ينام من 9.5 إلى 10 ساعات ليلاً، بجانب بعض القيلولة نهارًا، وفي إحدى المرات كسر أحد أرقامه القياسية بعد أن استيقظ بـ 35 دقيقة فقط.

إضافةً إلى ليبرون جيمس، هنالك الكثير من الرياضيين الذين عمل معهم دكتور ماثيو، لأنهم أدركوا ما أسماه بقوة النوم. فبدونه تصبح التدريبات الشاقة، والنظام الغذائي الصحي أقل تأثيرًا. النوم لـ 6 ساعات أو أقل، يخفض الوقت اللازم للإنهاك الجسدي بنسبة 30%، فإذا كان الرياضي معتادًا على الركض لمسافة 10 كيلومترات، فإن قواه ستنهار عند الكيلو متر السابع.

هذه التفاصيل الدقيقة وغيرها من حياة الرياضيين، بإمكانها أن تلفت انتباهنا إلى بعض التفاصيل الحياتية الخاصة بنا، والنوم بالطبع هو أحدها. بإمكانك مراجعة ما تفعل ومقاربته مع آخر ما توصل إليه دكتور ماثيو وفريقه عبر كتاب «Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams» من خلال أبحاثهم في علم النوم، لتدرك علاقة النوم المباشرة ببعض الأمراض كالزهايمر، وأن النوم طويلاً خلال عطلة نهاية الأسبوع لا يعوض ما فاتك خلال الأسبوع نفسه، وغيرها مما يتعلق بدرجة التركيز والاستيعاب، وتأثير المنبهات، وعادات ما قبل النوم …إلخ.

الآن أنت تسأل نفسك: كيف وصل بنا الحال إلى الحديث عن النوم في مقال رياضي؟ الكاتب لم يخدعك كما تظن، هو فقط استغلال مشروع، استغلال هوسك بناديك أو لاعبك المفضل من أجل إطلاعك على مثل هذه التفاصيل التي يستغلها نجمك المفضل ومن شأنها التأثير إيجابًا على حياتك. والآن، إن كنت تملك مزيدًا من الوقت فبإمكانك مشاهدة الفيديو بالأسفل، ستجد ما تود معرفته معروضًا عبر منصة TED، ومن خلال دكتور ماتيو والكر أيضًا.