كان الأمر أشبه بحكم الملوك. عادلاً أم ظالمًا، سيظل في حكمه لا يفرق بينهما سوى الموت أو ما يسبقه من تدهور صحته، حتى يحين الدور على ولي العهد ليأتي دوره في الحفاظ على المملكة واستكمال الرحلة. ما زالوا في بريطانيا يتبعون هذا النهج ولو بصلاحيات أقل، إلى أن خطر ببال أحدهم أن يطبق التجربة على أندية كرة القدم. قرر نادي مانشستر يونايتد أن يسند إدارة الفريق إلى الإسكتلندي أليكس فيرجسون، ومنحه كافة الضمانات والصلاحيات. ثم تبعه أرسنال، ذلك النادي اللندني المعروف بالكرة المملة، وأسند المهمة إلى فرنسي قادم من الدوري الياباني يدعى أرسن فينجر.

وبعد تجاوز عقدين من الحكم المطلق، أصبح الأول أكثر أندية إنجلترا حصولاً على الدوري، وتحول الثاني من الملل إلى المتعة. لكن الصورة لم تكن وردية في النهاية. أساء فينجر في أواخر أيامه لسمعة ناديه التي بناها بنفسه، وتركهم بعيدين عن المنافسة المحلية والأوروبية. أما فيرجسون فلم يكن أفضل حالاً. لم يهدم السير ما بناه بنفسه، لكنه كلف غيره ليقوم بالمهمة. اليوم وبعد مرور 15 أسبوعًا من البريميرليج لموسم 2018/2019، رأينا أحدهم يحاول إعادة أرسنال للطريق الصحيح، بينما ضل الشياطين الحمر طريقهم، وسنحاول أن نفهم سويًا ما حدث.


ولي العهد لا يفكر كالملك

ما زلت أتذكر أول مواجهاتنا ضد ليفربول وتشيلسي، وكان المدرب يحدثنا كثيرًا عن كوتينيو وهازارد وكيفية مواجهتهم. كنا ننظر إلى بعضنا ونتساءل هل المدرب يقصدنا نحن؟ نحن أفضل منهم، لقد فزنا بالدوري في الموسم الماضي. علينا أن نثق في أنفسنا ونهاجم ونفوز بطريقتنا. حتى اللاعبون الصغار كانوا يرددون ذلك.

«ريو فيرديناند» يحكي بعضًا من تفاصيل فترة اليونايتد مع «دافيد مويس» في أحد اللقاءات التلفزيونية.

كان هذا هو التحول الأخطر على اليونايتد. أن تتحول عقلية النادي من الفوز والثقة إلى الشك والخوف من الخصوم؛ لأن «مويس» لم يكن أبدًا على مستوى طموح النادي. لكن «فيرديناند» من دون أن يدري ذكر نفس المعاناة التي يعانيها النادي الآن رفقة مورينيو. النادي تحول من الفلسفة الهجومية إلى الدفاعية، ولم يعد يجرؤ على مهاجمة الكبار، ففقد اليونايتد هيبته حتى إشعار آخر.

على النقيض، فإن الإسباني «أوناي إيمري» يقوم بعمل جيد بهذا الشأن رفقة أرسنال. حافظ «إيمري» على فلسفة أرسنال الهجومية، مع إضافة لمسته الخاصة مع بعض الضوابط. على الورق، كان أرسنال الطرف الأضعف في كل مواجهاته أمام الكبار، ومع ذلك لم يركن للدفاع وهاجمهم وأحرجهم جميعًا.

فقط ما تغير في النادي اللندني هو الهيكل الإداري. بعد أن كان فينجر يمتلك كافة الصلاحيات داخل وخارج الملعب، أتى «إيمري» من أجل الملعب فقط، في حضرة الخبيرين «راؤول سانهيلي» كمدير رياضي، و«سفين ميسلنتات» ككشاف للمواهب.

سبق لـ«ميسلنتات» العمل كشافًا للمواهب في نادي بروسيا دورتموند منذ عام 2006، وكان وراء انتداب عدة لاعبين على رأسهم: كاجاوا، وجندوجان، وأوباميانج. أما «سانهيلي» فقد كان أحد أفراد إدارة برشلونة مع الرئيس السابق «خوان لابورتا» في عام 2007. وعمل مديرًا لفريق الكرة مركّزًا مهامه على إدارة المفاوضات، تاركًا مهمة اختيار اللاعبين لمدرب الفريق حينها «بيب جوارديولا».

الإسباني «راؤول سانهيلي» يمينًا، والألماني «سفين ميسلنتات» يسارًا.


الفوز أم البناء؟

بالطبع ستسأل نفسك: هل يوجد تعارض بينهما؟ سأوضح لك الصورة. منذ موسمين كان مانشستر يونايتد رفقة مورينيو يحتفل بثلاثية ميكي ماوس (السوبر الإنجليزي، وكأس رابطة الأندية، والدوري الأوروبي) بينما خرج ليفربول ومانشستر سيتي خاليا الوفاض. الآن يتنافس كلا الناديين على الدوري، وفي الموسم السابق أحدهما وصل نهائي دوري أبطال أوروبا والآخر اكتسح البريميرليج.

الأمر وما فيه أن مورينيو لم يعبأ ببناء أسلوب لعب خاص بالفريق، وقرر السير على نهج ميكافيلي وتحقيق الفوز بأي وسيلة حتى لو تطلب الأمر الدفاع أمام شبان أياكس. البناء التكتيكي الذي يناسب إمكانيات عناصر الفريق ويساعدهم على التطور ليس واضحًا. إلى أن وصلنا إلى الموسم الثالث، وما زال أكثر من نصف الفريق يبحث عن استعادة مستواه، والمدرب يشكو من سوء الإرث حتى تراجع ترتيب الفريق.

على الجانب الآخر، لم يكن «إيمري» أفضل حالاً مع إرث «فينجر». ورغم هذا حاول أن يطبق أسلوبه منذ اليوم الأول دون خوف. بعد مباراته ضد مانشستر سيتي في الأسبوع الأول، نشرت صحيفة «التليجراف» تحليلاً مفصلاً عن فشل «أوناي» الذريع في البناء من الخلف.

لم يكن الأمر سهلاً مع بيتر تشيك وسوكراتيس وموستافي، لكن الإسباني استمر في التعديل وإجراء الإصلاحات اللازمة دون شكوى. حاول تطبيق الضغط العالي، مع القليل من الحرية والكثير من التنظيم، فيما يمكن تسميته بالـ «structured football»، فتحسن الوضع، وبدأ اللاعبون الاعتياد على الأسلوب الجديد، ثم بدأوا بالتطور. تحسن «تشاكا» بجانب «توريرا»، ثنائية «لاكازيت» و«أوباميانج» أصبحت أكثر فاعلية، واستعاد «بيليرين» شيئًا من مستواه السابق، وهكذا حتى بدأ الفريق يحقق نتائج إيجابية بالرغم من بدايته المتعثرة.

مع وضوح أسلوب المدرب وطريقة التدريب، تظل إدارة غرفة خلع الملابس لها أهميتها، حيث من شأنها أن تكمل العمل الفني للمدرب أو القضاء عليه تمامًا مع فقدانه السيطرة على لاعبيه.


لا تصبر على الفيروس

راؤول سانهيلي، سفين ميسلنتات
أنت لا تلعب ولا تحترم اللاعبين والمشجعين، أصبحت كالفيروس الذي يعدي من حوله.

هكذا احتد مورينيو على لاعبه «بول بوجبا» عقب التعادل مع ساوثهامبتون بهدفين لمثلهما. وفي المباراة التالية ضد أرسنال، وجد الدولي الفرنسي نفسه على مقاعد البدلاء. تواضُع ما يقدمه مورينيو لا ينفي أبدًا استهتار «بول». فقد سبق له انتقاد طريقة لعب فريقه، وسُحبت منه شارة القيادة.

لعب أغلى لاعب بالعالم سابقًا تحت إمرة مدربين يغلب عليهم الطابع الدفاعي كـ«كونتي» و«أليجري» و«ديشامب»، لكنه لم يتضايق سوى من طريقة اليونايتد، وردًا على ذلك أخذ يقدم دروسًا في اللعب السلبي داخل الميدان لأن الجمهور عليه دفع ثمن خلافه مع مدربه. ولأن المدرب البرتغالي لم ينهِ تلك المهزلة من بدايتها، وصل الوضع لما هو عليه. «بوجبا»لم يحترمهم في عهد فيرجسون، ولم يحترمهم الآن.

في أرسنال، واجه «إيمري» أمرًا مشابهًا عندما أبقى «مسعود أوزيل» على مقاعد البدلاء في مباراة بورنموث بحجة أن المباراة كانت تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا لا يناسب إمكانيات اللاعب. لم يكن الدولي الألماني السابق سعيدًا باستبداله أمام تشيلسي أيضًا، وبدأ الخلاف بينه وبين مدربه. يفضل مدرب إشبيلية السابق اختيار العناصر والأسلوب المناسبين للخصم، وعلى الجميع الالتزام.

اعتادت الصحف الإنجليزية على استبعاد «أوزيل»، وبالتوازي تخرج تقارير تفيد بمرضه لتجميل الصورة. يدرك المدرب الإسباني بالطبع مدى أهمية اللاعب، لكن الأمر يتعلق بفرضه لسطوته من البداية حتى لو على حساب اللاعب الأعلى في سلم الرواتب. وبالطبع أتت النتائج الإيجابية لتنصف المدرب الإسباني على عكس مورينيو مع اليونايتد.

في النهاية، يبدو أرسنال على الطريق الصحيح. قد تقودنا العاطفة إلى هذا الحكم المبكر، أو أنها فقط المعطيات التي أمامنا. بعد أن كسر «فيرجسون» هيمنة ليفربول وأدخل البريميرليج عصرًا جديدًا، كان فيه المنافس الثابت، والبقية متغيرون – يبدو أننا على مشارف عصر جديد. يتصدره صغير مدينة مانشستر والبقية يحاولون اللحاق به. قد يتمكن «إيمري» من حجز مقعد لأرسنال في هذا العصر الجديد، لأنه ليس الرجل المختار كـ«دافيد مويس»، ولا الرجل الخاص كـ«مورينيو»، بل هو ببساطة الرجل المناسب.