لأكثر من سنة، تحاول الدولة الإسلامية (المعروفة أيضًا باسم داعش) أن تتوسع في جنوب آسيا. وقد وضعت داعش هيكلًا تنظيميًا فضفاضًا في أفغانستان وباكستان، ووفرت الأموال إلى الجماعات المحلية، واعتمدت نهج مواجهة مع حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة – في موطن تنظيم القاعدة الأصلي. وهدفها بسيط: استمالة المقاتلين المحليين الساخطين في محاولة لبناء النفوذ والسلطة في المنطقة.

إن داعش في جنوب آسيا – التي تسمي نفسها الدولة الإسلامية في خراسان- أكبر مما يعترف أغلب الناس، وهي تضم مجموعة تتراوح بين عدة مئات وعدة آلاف من المقاتلين. وأدى توغلها في شبه القارة الهندية إلى العديد من المناوشات مع حركة طالبان الأفغانية، وهي الجماعة المسلحة الأفغانية الأكبر عددًا والأفضل تنظيمًا. في أوائل يونيو، على سبيل المثال، دخل مقاتلو داعش وطالبان في معارك ضارية في شينوار، وأشين، ومناطق أخرى في محافظة نانجارهار.

على الرغم من هذه التطورات، اعتبر بعض المحللين وجود داعش في أفغانستان وباكستان وهميًا في أسوأ الأحوال أو مبالغا فيه بشكل فاضح في أحسن الأحوال. في مقال نشر على الجزيرة في مايو، على سبيل المثال، يجادل ايمال فايزي- وهو صحفي والناطق الرسمي السابق لحامد كرزاي- بأن وجود داعش في أفغانستان هو إلى حد كبير “أسطورة مفتعلة” يستخدمها المسؤولون الأفغان والأمريكيون لأغراض سياسية.

قد يكون هناك جزء من الحقيقة في تأكيده. مثلًا، من المرجح إن بعض المسؤولين الأفغان يبالغون في وجود داعش في أفغانستان باعتبارها وسيلة للضغط على واشنطن لإبقاء القوات الأميركية في البلاد أو إلقاء اللوم على باكستان لتدخلها في الشؤون الداخلية لأفغانستان. وبالتأكيد استغلت السلطات المحلية المخاوف بشأن داعش لمصلحتها الخاصة: في وقت سابق من هذا العام، كتبت صحيفة نيويورك تايمز إن المسؤولين في إقليم غزنة في أفغانستان قد افتعلوا قصة عن قطع داعش للرؤوس في محاولة للحصول على الدعم العسكري من كابول في عام 2014.

بالتأكيد سيكون من الصعب على فرع داعش في جنوب آسيا السيطرة على الجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة. هناك مجموعة متنوعة من المنظمات الجهادية المتنافسة موجودة بالفعل هناك وليس لدى أيديولوجية داعش جذور محلية قوية في المنطقة.

ولكن حتى مع ذلك، لاقت إستراتيجية تجنيد داعش في المنطقة بالفعل بعض النجاح. وبينما تكتسب المجموعة موطئ قدم بين المسلحين الأفغان والباكستانيين، يمكن أن ينتظر المنطقة المزيد من الصراعات، بما في ذلك الصراعات بين الجماعات المسلحة.

إنشاء الجماعة لأعمالها

في ربيع عام 2014، بينما كانت داعش توطد سيطرتها على مدينة الرقة في سوريا وتتوسع في محافظة الأنبار العراقية، تواصل قادة الجماعة بالمسلحين في جنوب آسيا. يبدو إن داعش كانت تأمل في قياس إمكانية توسيع نفوذها في المنطقة وتجنيد مقاتلين للقدوم إلى العراق وسوريا.

كانت داعش قد تم طردها للتو من تنظيم القاعدة بعد سلسلة من الخلافات الشخصية والأيديولوجية، وخلافات حول القيادة والسيطرة. إلا إن خطتها للتوسع في أفغانستان وباكستان اتبعت إستراتيجية برع فيها حليفها السابق: محاولة استمالة المقاتلين المحليين. كان تنظيم القاعدة قد فعل ذلك بنجاح كبير في العراق، والصومال، واليمن، وشمال أفريقيا، وبذلك تجنب أن يبدأ من الصفر العملية غير الفعالة – والتي تتطلب الكثير من العمالة – لبناء تابع أجنبي.

وفي الوقت الذي بدأ فيه زعماء داعش سلسلة من المباحثات مع جماعات في مصر (بما في ذلك أنصار بيت المقدس)، وليبيا (بما في ذلك كتائب من أنصار الشريعة)، ولاحقا في نيجيريا (بما في ذلك بوكو حرام)، بدأوا أيضا في التواصل مع مسلحين في أفغانستان وباكستان. بدت جنوب آسيا واعدة بالنسبة لداعش. كان للمنطقة تاريخ طويل من رعاية الجماعات الجهادية، التي يعود تاريخها إلى الحرب ضد السوفيات في الثمانينيات، فضلًا عن الحكومات الضعيفة نسبيا، والتي أتاحت الفرصة لتأمين ملاذات آمنة في المناطق الخاضعة لسيطرة محدودة من الدولة، إلى جانب الحروب المستمرة ضد الأنظمة “الكافرة” ومؤيديهم الغربيين.

وبينما كانوا يدرسون التوسع في المنطقة، خلص قادة داعش إلى أن هناك مشاكل حقيقية في وجهات النظر الأيدولوجية والإستراتيجية للعديد من الجماعات المحلية، بما في ذلك تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية. في عدد ديسمبر 2014 من مجلة “دابق” والتي توفر الدعاية الرسمية للجماعة، نشر مقال ملتهب يوجز تلك المخاوف. اتهم الكاتب تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية بالتخلي عن الإسلام من خلال دعم القانون القبلي فوق الشريعة، والفشل في الاستيلاء والسيطرة على الأراضي بفاعلية، وتجاهل استهداف السكان الشيعة، والاعتراف – الذي يعد خطأً- بالحدود الدولية. كما انتقد المقال بوقاحة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية، لممارسة نسخة مشوهة من الإسلام والدعوة إليها.

أحد المجموعات القليلة التي هربت من انتقادات داعش كانت حركة طالبان باكستان (أو بالأوردية: تحريك طالبان باكستان) ، التي تشكلت في ديسمبر 2007 كمنظمة مظلة لمختلف الجماعات المسلحة في المنطقة. خلصت مقالة دابق إلى إن تحريك طالبان باكستان “كانت على خير عظيم”. وأضافت “أنهم يحملون العقيدة السلفية ونأمل ونسعى جاهدين لإقامة شرائع الإسلام في منطقتهم.” قابلت داعش أقوالها بأفعال. في سبتمبر 2014 تقريبًا، أرسلت داعش ممثلين عنها إلى باكستان للقاء المسلحين المحليين، بما في ذلك بعض قادة حركة طالبان باكستان، بعد عدة أشهر من المناقشات. في نفس الوقت تقريبا، بدأ مسؤولون باكستانيون في تلقي تقارير عن منشورات مؤيدة للداعش في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية.

بحلول يناير، عُيْن حافظ سعيد خان – الرئيس السابق لفرع أوراكزاي من حركة طالبان باكستان في المناطق القبلية في باكستان- زعيمًا لفرع داعش في جنوب آسيا. وكان نائبه هو الملا عبد الرؤوف كاظم، وهو من قبيلة علي زاي وقائد سابق لطالبان من ولاية هلمند، برز على الساحة بعد إطلاق سراحه عام 2007 من منشأة أمريكية في خليج جوانتانامو بكوبا.

ستصبح شبكات معارف سعيد وكاظم الراسخة شديدة الأهمية لجهود داعش من أجل التجنيد. كان سعيد مفيدا بشكل خاص في توسيع بصمة الجماعة الإرهابية في المناطق القبلية الباكستانية وفي محافظات الحدود الأفغانية كونار ونانجارهار، حيث فر بعض عناصر حركة طالبان باكستان في أعقاب العمليات العسكرية الباكستانية. من ناحية أخرى، ساعد كاظم في تطوير شبكة داعش في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، وفي محافظات هلمند وفراه الأفغانيتان.

بحلول أواخر عام 2014، أصبح المسؤولون الأمريكيون والأفغان منتبهين بما فيه الكفاية إلى نشاط كاظم والتهديد الذي يمثله للقوات الأميركية، حتى إنهم بدأوا التفكير في توجيه ضربة ضده. في 9 فبراير 2015، تابعت طائرة أمريكية بدون طيار سيارة كاظم في مقاطعة هلمند في أفغانستان وأطلقت صاروخا عليها، مما أسفر عن مقتل كاظم والعديدين غيره.

خلال الأشهر التالية، ركزت داعش على استمالة المزيد من المقاتلين وتوسيع شبكاتها في شرق وجنوب وغرب أفغانستان، وفى مقاطعة بلوشستان الباكستانية ومناطقها القبلية.

الجميع يحبون المنتصر

تشمل إستراتيجية داعش للتوسع في أفغانستان وباكستان ثلاثة عناصر رئيسية:

أولًا، حاولت داعش جذب أعضاء جدد من خلال استغلال المظالم الشخصية والفئوية داخل الشبكات الجهادية الراسخة. في الواقع، انضم أول قادة لفرع جنوب آسيا في أعقاب نزاعات داخل منظماتهم السابقة. في باكستان، كان سعيد قد أصبح على غير وفاق مع حركة طالبان باكستان بعد أن تجاهلوا تعيينه على قمة المنظمة، في أعقاب وفاة عدد من الزعماء بينهم حكيم الله محسود، في عام 2013.

وفي جنوب أفغانستان، وكان لدى كاظم تحفظات مع ما زعم أنه تمثيل قبائلي غير متوازن في مجلس شورى طالبان الداخلي، وفقا لمقابلات أجرتها مع مساعديه “شبكة محللي أفغانستان” كان كاظم وقادة حركة طالبان الأفغانية الآخرين قد أصيبوا أيضا بخيبة أمل تجاه الملا عمر، الذي أدت حالته ومكانه غير المعروفين إلى تكهنات حول ما اذا كان لا يزال على قيد الحياة.

الثانية، دفعت داعش المال لتشجيع عمليات الانشقاق. فقد ازدهرت داعش بفضل تدفق تهريب النفط، وبيع السلع المسروقة والخطف والابتزاز والاستيلاء على الحسابات المصرفية، وتهريب الآثار في العراق وسوريا، إلى جانب أنشطة أخرى. كان قادتها على استعداد لانفاق المال -ربما ما يصل إلى مئات الآلاف من الدولارات- لبناء شبكات في جنوب آسيا.

ثالثا، استخدمت داعش انتصاراتها في العراق وسوريا لجذب بعض المجندين. واصلت المجموعة السيطرة على مناطق كبيرة في الشرق الأوسط في أعقاب حملتها الحربية الخاطفة عام 2014. وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير في أفغانستان: “يبدو أن بعض السكان المحليين انجذبوا إلى نجاح المعركة في العراق وسوريا.” وأضاف “الجميع يحبون المنتصر” سرعان ما استغلت داعش هذه الانتصارات من خلال حملة وسائل إعلام اجتماعية متطورة.

حي مزدحم

على الرغم من هذه التطورات، لا يبدو أن قادة داعش في العراق وسوريا يمارسون رقابة تشغيلية أو تكتيكية على القادة العسكريين في أفغانستان وباكستان. في الوقت الراهن، تبدو داعش في جنوب آسيا أقرب إلى حليف تابع بشكل فضفاض أكثر منها ذراعًا مباشرًا للمنظمة.

ما هو أكثر من ذلك، تواجه داعش عقبات كبيرة في المنطقة بسبب الجبهة المزدحمة بالجماعات الجهادية وافتقارها للأيديولوجيا التي لها جذور محلية قوية. إن الجماعات المسلحة الشعبية في أفغانستان وباكستان متعلقة بشكل عام بالتفسيرات المتطرفة للنسخ المنشأة محليا من الراديكالية، مثل الديبوندية. لكن أفكار داعش لا تزال تعد واردة عليهم، وليست بالضرورة تلقى شعبية.

ومع ذلك، يمكن أن تستفيد داعش من التقدم في مناقشات المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. هناك بعض فصائل طالبان التي يكاد يكون من المؤكد أنها ستنشق إلى جماعات مثل داعش في حال التوصل إلى اتفاق سلام.

ولكن إذا أرادت داعش التوسع في جنوب آسيا، فمن المرجح أن عليها توظيف زعيم له كاريزما أقوى في أفغانستان حتى يمكنه أن يجتذب المزيد من المقاتلين ومن التمويل. وقد أعرب قادة داعش عن اهتمامهم بالملا عبد القيوم ذاكر، وهو قائد عسكري متشددة سابق بحركة طالبان الأفغانية استقال العام الماضي بعد صراع داخلي على السلطة.

سيكون على داعش أيضا مواصلة استمالة المتشددين المحليين. في هذا الصدد، يمكن أن يوفر ولاء مقاتلي الحركة الإسلامية لأوزبكستان، وهي مجموعة ترتبط تقليديا بحركة طالبان، زخمًا إضافيا.

أخيرا، سيكون على داعش محاربة الجماعات الأخرى، ولا سيما حركة طالبان الأفغانية، لتوسيع حصتها في السوق. في أوائل يونيو، عانت داعش على ما يبدو من خسائر فادحة خلال الاشتباكات مع طالبان في إقليم فراه الغربي، مما يشير إلى أنها ستكون معركة شاقة. قد يكون قتال طالبان التحدي الأكثر صعوبة لداعش، ويمكن أن يكون لها آثار عميقة على العنف في المنطقة.

المصدر

* ترجمة فريق موقع راقب