يبدو توقيت الإعلان غريبا. فقد بدأت كابول وطهران مؤخرا لقاءات رسمية لمناقشة عملية السلام، ولن يكون لموت الملا عمر أثر إيجابي على سير تلك العملية. حاولت طالبان أن تعتم على المشكلة عبر الزعم، عبر أخيه الأصغر، الملا عبد المنان، وابنه، محمد يعقوب، أنه مات إثر صراع طويل مع المرض. إن كان ذلك صحيحا، فإن التوقيت ليس مثيرا للدهشة، ولكن المصادر الأمريكية والأفغانية لا تزال مصرة على أنه مات منذ عامين. كما تزعم المصادر داخل طالبان أن يعقوب كان يقول لداعميه المقربين إنه علم بموته منذ سنوات ولكن القيادة طلبت منه الصمت تجنبا لخفض الروح المعنوية للمقاتلين. يتوافق ذلك مع مزاعم المصادر الأخرى في طالبان منذ فترة.

فإن كان عمر قد مات منذ سنوات، وفق جميع الاحتمالات، لماذا يأتي الكشف عن حقيقة موته الآن؟ كان من المنطقي أكثر السكوت عنه حتى تخطي مرحلة أكبر من عملية المفاوضات. فالاضطرب الذي سينتج على الأرجح عن تلك الأنباء سيعقد الأمور، بل وربما سيعرقل العملية بالكامل.

تقول الإجابة الواضحة أن تلك الأنباء عن موت عمر سرت نتيجة الصراع على السلطة داخل طالبان. فبحلول صيف 2014، بدا أخيرا أن أختر محمد منصور، نائب عمر، قد أخضع مجلس “شورى كويتا” لسيطرته الصارمة، بعد تطهيره من عدوه الرئيسي، عبد القيوم ذاكر، العضو السابق بطالبان والمعتقل سابقا في جوانتنامو، وأتباعه. نجح منصور ببراعة في إخضاع الكثير من تمويل طالبان إلى سيطرته ، أغلبه عبر المناورات الدبلوماسية، كما أن نظام الرعاية الخاص به لم يكن له مثيل داخل طالبان.

باستثناء الجزء النامي من طالبان في إيران، الذي يلقى رعاية إيرانية، بدا أن مجلس شورى كويتا يستعيد أخيرا الكثير من الأراضي التي خسرها بين عامي 2009 و2013 لصالح المراكز الأخرى الرئيسية لقوة طالبان: الحقانيون (المعروفون أيضا باسم “ميران شاه شورى”) وبيشاور شورى. عندما بدأ يعقوب حياته المهنية في مطلع عام 2015، بدا مواليا لمنصور ومتحيزا إلى جانبه، والذي عينه بدوره رئيسا للجنة المالية لمجلس شورى كويتا. سافر يعقوب على نحو منتظم إلى الخليج لجمع التبرعات، وكان الترحيب الذي يلقاه هناك مشبعا بالتأكيد لغروره.

رغم أنه منذ البداية، تمتع يعقوب أيضا بعلاقات وثيقة مع سراج الدين حقاني، زعيم مجلس شورى ميران شاه والمعادي للإجماع السياسي. ربما أدت السنوات التعليمية العديدة التي قضاها يعقوب في مدرسة دينية باكستانية إلى ميله للاعتراض على أسلوب منصور “عديم المبادئ” تجاه عملية السلام، الذي يركز بشكل أكبر على مشاركة السلطة وتوزيع الغنائم أكثر من اعتماده على المبادئ (تأسيس نظام حكم “أكثر إسلامية”، أيا كان معنى ذلك).

وفق مصادر داخل مجلس شورى كويتا، ظهر أول خلاف بين يعقوب ومنصور في أبريل، عندما أثار منصور بشكل مبدئي احتمالية إعلان موت عمر للعالم. زعم منصور أن طلب كابول لقاء عمر للحصول على موافقة صريحة على عملية السلام قد ترك التنظيم دون أي خيار آخر. إلا أن يعقوب فهم أيضا أن منصور يمهد الطريق لخلافته لعمر. كما يرجح أن يعقوب لم يقدر قرار منصور بإصدار رسالة عيد الفطر في نهاية شهر رمضان، والتي حملت توقيع “الملا عمر” وأيدت عملية السلام. خرقت رسالته الاتفاق غير المكتوب الذي ينطوي على عدم استخدام مجلس شورى كويتا لاسم عمر لترويج سياسات لا تزال محل جدل داخل طالبان.

ثم في 4 يوليو، اتخذ منصور الخطوة الأخيرة بالدعوة إلى اجتماع لوجهاء طالبان (الحكام، وأعضاء عدة لجان، وأعضاء مجلس شورى كويتا، كبار الشيوخ، والقادة البارزين بطالبان، ومدراء المدارس الدينية الرئيسية) وإعلامهم أن عمر قد مات وأنه انتوى إصدار بيان عام يحمل تلك الحقيقة في خلال شهر. وطلب من الوجهاء دعم خلافته لعمر. ثم حاول منصور تعزيز سيطرته على عملية السلام، بنية تسريعها، عبر عزل سيد طيب أغا من منصبه كرئيس للعمليات الدبلوماسية لطالبان (عمليا، كان أغا نائب رئيس مكتب الدوحة وعبر عن شكوك حول مدى حكمة تسريع عملية الوفاق). إثر تجاوزهما من قبل منصور، أثير غضب يعقوب وعمه عبد المنان.

وبالتالي أصبح يعقوب الآن عقبة أمام منصور وأمام نهجه نحو محادثات السلام. دعى يعقوب إلى وجوب إبطاء عملية السلام، وأنه لم يكن يجب إعلان موت عمر، وأنه على أي حال، سيكون هو أو الملا عبد الغني بارادار، وهو شريك مؤسس في حركة طالبان، الخلفاء الطبيعيين لعمر. في سعيه نحو القيادة، يبدو أن يعقوب يحظى بتشجيع حقاني والقائدين العسكريين الآخرين لطالبان: عبد القيوم ذاكر (المتحالف حاليا مع الإيرانيين) وقاري بريال، رئيس اللجنة العسكرية لمجلس شورى بيشاور. تبدو حقيقة أن يعقوب صغير السن جدا وخبرته أقل من أن يشغل تلك الوظيفة كانت أقل أهمية بالنسبة لهم من احتمالية أن يوقف منصور عن سعيه ومنع عملية المصالحة التي لا تعجبهم.

من الواضح أن إعلان موت عمر كان منسقا بين كابول وكويتا، بغض النظر عما تقوله المصادر في مجلس شورى كويتا، فإن كان كويتا قد تفاجأ حقا، لكان احتاج إلى وقت أطول ليقرر رد فعله. ومع حشد يعقوب للدعم، يبدو أن منصور قد قرر استباقه عبر تحقيق التسارع لعملية السلام. ربما اعتقد منصور أن اتصالاته الدولية مع المتبرعين الرئيسيين لحركة طالبان سيعطيه ميزة حاسمة.

إلا أنه بدلا من ذلك، دفع منصور ثمنا باهظا. فدائما ما زعم منصور ومجلس شورى كويتا أنهم يستمدون شرعيتهم من تأييد عمر وأصدروا بيانات منتظمة كتبها عمر، وفق زعمهم. الآن سيناضل منصور بشكل أكبر ليحصل على تأييد الأغلبية من مقاتلي وقادة طالبان لسياسة التصالح. كذلك لم يخرج يعقوب بشكل أفضل. فقد اكتسب الكثير من سمعته كنجم صاعد في صفوف طالبان عبر زعمه أنه على اتصال منتظم مع والده، بل وأوصل بعض البيانات من عمر إلى قيادة طالبان. أما منصور من جانبه فربما قرر ببساطة أن، بما أنه أصبح الرئيس الفعلي لمجلس شورى كويتا بصفته نائب عمر، نزع الشرعية عن كليهما سيضعف يعقوب أكثر مما سيضر منصور.

دعى منصور يوم 30 يوليو إلى اجتماع عام لطالبان لاختيار خليفة لعمر. وقد كان منصور ملائما لخلافته، بفضل حقيقة أنه ملأ مجلس الشورى بالداعمين والحلفاء وأنه تلاعب بعملية اختيار الوفود حتى لا يكون المجتمعون ممثلون لطالبان كحركة، أو حتى للقيادة بالكامل. انسحب يعقوب وعبد المنان من الاجتماع عندما أدركوا ما حدث. واختار المجتمعون منصور بسهولة، ولكن تلك العملية أكسبته أعداء جدد، ومنهم بارادار، الذي كان نائبا لعمر حتى اعتقاله على يد الباكستانيين عام 2010. ومع مرضه، بذل بارادار جهودا ليحضر الاجتماع ولكنه لم يصوت. فقد اتخذ جانب يعقوب في رفضه لاختيار منصور لأنه غير شرعي. كذلك اكتسب منصور المزيد من الأعداء خارج مجلس شورى كويتا، حيث يحظى يعقوب بدعم أكبر.

نجح منصور في كسب دعم حقاني مجددا عبر تعيينه نائبا له – وهي محاولة لاجتذاب أحد الحلفاء الرئيسيين ليعقوب. يتعرض حقاني لضغوط باكستانية قوية للتحالف مع منصور ودعم عملية المصالحة. وقد وافق على مضض على إرسال ممثل إلى اجتماع 7 يوليو مع ممثلي كابول في إسلام آباد. كما دعم الباكستانيون منصور وشجعوا محاولته لتسريع عملية السلام. إلا أن المصادر في كويتا تقول إن يعقوب يضغط على حقاني لنبذ معسكر منصور والإنضمام إليه مجددا. يبدو التعيين الآخر الذي أقدم عليه منصور، تعيين مولاي هيبة الله أخونا زادا نائبا له، محاولة لجذب الشيوخ إلى صفوفه، والذي كان أيضا منتقدا لسياسات منصور التصالحية، وتحديدا لتركيزه على تشارك السلطة.

وفي غضون ذلك، يسير يعقوب على مسار الحرب، حيث استقال من اللجنة المالية، ويشن حملة في أوساط طبقة الشيوخ وقيادة طالبان لحملهم على مقاومة منصور. ويخطط لتحدي انتخاب منصور بشكل معلن. وهناك أرضية خصبة لذلك. حيث تورد تقارير أن العديد من قادة ومقاتلي طالبان مصدومين لعلمهم بكذب منصور وكبار القادة عليهم لسنوات بلا خجل، زاعمين تأييدهم من قبل رجل ميت. رغم أن يعقوب كان يكذب أيضا عبر تمرير رسائل يفترض أنها من عمر، إلا أن حقيقة أنه لم يكن في مركز قيادي أعفته من الانتقادات الرئيسية. وتذكر تقارير تبريره لموقفه بقوله إن القيادة (المتمثلة في منصور) طلبت منه السكوت عن موت عمر تجنبا لخفض الروح المعناوية للمقاتلين.

كما تمثل المشاركة الضعيفة لمجلس شورى كويتا في الصراع الدائر (التي تتناقض مع الحشد الكامل لمجلس شورى بيشاور في الشرق وشمال الشرق، وذاكر في هلمند وأروزجان) عاملا مضعفا لشرعية منصور ويؤدي بالكثير من أعضاء طالبان لتشكك في أن سياسته لا تمثل شيئا أقل من الخيانة.

يعكس تأجيل اجتماع المصالحة الثاني بين كابول وطالبان، الذي كان مخططا عقده في الأساس في 31 يوليو أو 3 أغسطس، على الأغلب رغبة منصور في تقوية موقفه واسترضاء المتشددين ومن يطلق عليهم المتمسكون بالمبادئ في طالبان، على الأقل مؤقتا، لصد يعقوب عن تحديه. يبدو واضحا على أي حال أن منصور سيستمر في مواجهة معارضة من مصدرين على الأقل: خصمه القديم عبد القيوم ذاكر وطالبان الأخرى المتحالفة مع إيران، من جانب، ومجلس شورى بيشاور من الجانب الآخر. لم يحضر أي ممثلين عن مجلس شورى بيشاور اجتماع التصالح السابق يوم 7 يوليو، حيث يقتنع قادته بأن منصور يريد تهميشهم وإخراجهم خاليي الوفاض حال تحقيق أي عملية تصالح ناجحة.

يتوقف ما إن كانت مقامرة منصور قد أضرت بجهوده، التي استمرت لسنوات لتوحيد مجلس شورى كويتا تحت قيادته بشكل دائم، أم لا بشكل كبير على موقف مانحيه، فمعارضته على المستوى الداخلي ستضعف مالم تنجح في حشد الموارد المالية. ولكن حتى إن نجح منصور في الإفلات باختياره المشبوه كقائد بعيدا عن خصومه، سيكون من الصعب عليه أن يستمر في السعي إلى عملية تصالح تحقق رغبات رعاته وحلفاءه الأجانب وتبقى على اتحاد معظم طالبان في ذات الوقت – أو حتى تبقي على اتحاد مجلس شورى كويتا.

بالنسبة للآن، لا يبدو الانقسام في صفوف الحركة وشيكا. كما يبدو يعقوب عازما على تنظيم حملة ضد منصور داخل طالبان، وهو اسم مميز يحمل قيمة هامة. ولكن إن استمر منصور في خرق القواعد القديمة، والأكثر أهمية، إن تابع عملية السلام قبل حشد دعم واسع داخل الطبقات العليا من طالبان، فجميع الاحتمالات مطروحة. كما تواجه طالبان خطر أن المتبرعين الكبار للحركة قد ينتهي بهم الحال مستائين للغاية نتيجة الصراعات الداخلية الأسوء إطلاقا، لدرجة أنهم قد يتخلوا عن طالبان بالكامل. كما أن تمويل الحركة انخفض بالفعل العام الحالي، وقد تنتج آثار مدمرة عن تسارع أكبر للخفض.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب