محتوى مترجم
المصدر
Al Monitor
التاريخ
2015/09/13
الكاتب
Barbara Slavin

خلافا للانطباع الذي يبدو أنه يراود كثيرين في «واشنطن»، بأن إيران سوف تعمد حتما إلى مضاعفة تدخّلها في النزاعات الإقليمية؛ تدعو بعض النخب السياسية الإيرانية إلى الانكفاء من أجل التركيز على إصلاح الاقتصاد الإيراني الذي أنهكته العقوبات، حسب «ناصر هديان»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، والمقرّب من حكومة الرئيس «حسن روحاني».

كتب هديان في ورقةٍ بحثية جديدة قُدِّمت في «المجلس الأطلنطي»، وهو مؤسسة بحثية يقع مقرها في واشنطن، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، أن معسكرا «مؤيدا لحدٍ أدنى من الاشتباك» يجادل بأنه ينبغي على إيران خفض تدخّلها في الدول المجاورة إلى «الحد الأدنى».

لا يُحدّد هديان هوية المنتمين إلى هذا المعسكر، قائلاً لموقع «المونيتور» إن من يتبنّون هذه الآراء لم يختاروا بعد الإدلاء بها في العلن. لكنه أردف أن بينهم «شخصيات رئيسية؛ من المحافظين والمتشدّدين والإصلاحيين والجيش والمؤسسات البحثية والعلمانيين والمتديّنين».

اضطلاع إيران بدور بارز في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، جعل منها هدفا لهجمات التنظيم بشكل أساسي

وكتب هديان في التقرير الذي اطّلع عليه موقع «المونيتور» مسبقا: «يؤكد أصحاب هذا الرأي أن إيران تتحمل بالفعل ما يفوق طاقتها نتيجة التزاماتها في أفغانستان ولبنان وأماكن أخرى، وأنه لا يقع على عاتقها أن تخوض بنفسها الحرب ضد التنظيم الذي يسمّي نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)».

وأضاف؛ «يجادل ذلك المعسكر بأن إيران، عبر اضطلاعها بدور بارز في محاربة داعش، جعلت نفسها بشكلٍ أساسي هدفاً لهجمات التنظيم». وقال هديان إن أحد الاحتمالات التي يعتقد بها ذلك المعسكر هي أن «اعتماد مقاربة تتبنى الحد الأدنى من التدخل قد يتيح لإيران التوصّل إلى نوعٍ من التفاهم المتبادل أو الهدنة مع تنظيم الدولة الإسلامية».

وتابع هديان أنه في حين لا يزال يسيطر في طهران معسكر «مؤيد لنشر الاستقرار» يرفع لواء التدخل القوي والمتواصل، فإن هناك ثمة مؤشرات على أن مقاربة الحد الأدنى تكتسب زخما، بما في ذلك التردد الإيراني في دفع الحكومة العراقية نحو استعادة السيطرة على المعقل السنّي في الموصل. وفي سوريا، من شأن هذه السياسة أن تحد من الدعم الإيراني للدفاع عن دمشق ومعاقل العلويين على ساحل المتوسط. قد تشجّع إيران أيضًا الحوثيين في اليمن على التوصل إلى اتفاق سلام مع القوى المدعومة من السعودية.

يشمل أعضاء المعسكر المؤيّد لنشر الاستقرار، روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وآخرين من كبار المسؤولين، كما قال هديان لموقع «المونيتور»، مشيرًا إلى أنه هو نفسه ينتمي إلى تلك المجموعة.

يُذكَر أن إيران، التي ازداد تأثيرها في العراق إلى حدٍ كبير بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003، تدخّلت بحزم العام الماضي لمنع تنظيم الدولة الإسلامية من الاستيلاء على مزيدٍ من الأراضي العراقية.

لكن مؤخرا، يبدو أن إيران تخفّف من حضورها في العراق. فقد جرى مؤخرا تهميش وكيلها (ووكيل الولايات المتحدة سابقا) «نوري المالكي»، بناءً على إصرار آية الله العظمى علي السيستاني من بين أسبابٍ أخرى. و لم تعد تُلتقَط صور لقاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» أو الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، بعدما كان يظهر في كل ساحات المعارك تقريبا.

وقد سعى مسؤولون إيرانيون كبار آخرون إلى تهدئة المخاوف بشأن الامتداد الإقليمي بعد الاتفاق النووي. حيث صرّح «علي لاريجاني»، رئيس مجلس الشورى الإيراني والعضو البارز في النخبة السياسية، لموقع «المونيتور» في مقابلةٍ معه في الأول من سبتمبر الجاري، أن من يقولون إن إيران ستحصل على أموالٍ طائلة جراء تخفيف العقوبات، وسوف تستخدمها لإذكاء النزاعات الإقليمية، يسعون إلى إيجاد «ذرائع أو أعذار» لتبرير معارضتهم للاتفاق النووي. واعتبر أن الأولوية بالنسبة إلى إيران الآن هي التنمية الاقتصادية.

إن الدعم الإيراني لمجموعات مثل «حزب الله» هو جزء من إستراتيجية تهدف إلى ردع هجومٍ إسرائيلي على إيران

يتوقّف سلوك إيران الإقليمي على تصوراتها عن التهديدات بالإضافة إلى مواردها. كتب هديان في ورقته البحثية أن إيران لا تزال ترى في الولايات المتحدة وإسرائيل – وليس السعودية، وهذا شيء لافت – تهديداتٍ رئيسية. يقول هديان إن الدعم الإيراني لمجموعات مثل «حزب الله» هو جزء من إستراتيجية تهدف إلى ردع هجومٍ إسرائيلي على إيران. وبناءً عليه، من شأن تراجع التهديد الإسرائيلي أن يساهم في الحد من عدوانية حزب الله.

إذا اعتمدت إيران موقفا أقل نزوعا نحو التدخل، فقد يسهّل ذلك على إدارة الرئيس «باراك أوباما» إقناع داعمي إسرائيل، وكذلك الدول العربية في الخليج العربي، بالاتفاق النووي. قال «بلال صعب»، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الأطلنطي، لموقع «المونيتور» إن ما يعتبره الإيرانيون «عامل استقرار»، يرى فيه جيرانهم النقيض تمامًا.

ورغم أن هديان يقول إن إيران لا تعتبر أن السعودية تشكّل تهديدًا لها، إلا أنها تدخلت في اليمن، التي تشكّل أولوية كبرى بالنسبة إلى السعوديين. يؤكّد المسؤولون الإيرانيون أن المتمرّدين الحوثيين تصرّفوا من تلقاء أنفسهم عندما سيطروا على العاصمة اليمنية، صنعاء، لكنهم يُظهرون عدوانية شديدة في تعليقاتهم عن السعودية.

عقب الاتفاق النووي، تحدّث عدد من المسؤولين الأميركيين الكبار والمرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة عن حاجةٍ إلى تعويض إسرائيل والدول العربية عن المكاسب الإيرانية المتصوّرة من الاتفاق. من شأن هذه الجهود أن تزيد من استشعار إيران للتهديد، لا سيما من جانب الدولة اليهودية.

مؤخرا حذّر «إيلان جولدنبرج»، المسؤول السابق في البنتاجون والذي يدير برنامج الأمن الشرق أوسطي في مركز الأمن الأميركي الجديد، من مغبّة قيام الولايات المتحدة – في معرض زيادة تبادل الاستخبارات مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية تعاون عسكري جديدة معها تمتد لمدة 10 سنوات – بتزويد إسرائيل بقنبلة خارقة للتحصينات يبلغ وزنها 13600 كيلوجرام وتعرف باسم Massive Ordnance Penetrator أو MOP.

لدى القنبلة – التي لا تزال قيد التطوير في الولايات المتحدة – القدرة على إلحاق ضررٍ كبير بالمنشآت الإيرانية الواقعة تحت الأرض مثل التي توجد في «فوردو»، بيد أن إسرائيل تفتقر إلى الطائرات الضرورية لإيصال القنبلة، كما أن معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية (ستارت 2) قد تمنع الولايات المتحدة من تزويد إسرائيل بها.

يجادل جولدنبرج بأن «مثل تلك الخطوة سوف يتم اعتبارها استفزازية للغاية من قِبل ليس فقط إيران، وإنما أيضًا شركائنا في مجموعة خمسة زائد واحد الذين سوف يتساءلون لماذا تزيد الولايات المتحدة إلى حد كبير من قدرة إسرائيل على شنّ هجومٍ منفرد على إيران؟».

قال جولدنبرج في مقابلةٍ مع موقع «المونيتور»، إنه ينبغي على إدارة أوباما «فرض توازنٍ دقيقٍ ومتأنٍّ. من المهم أن نردع السلوكيات الإيرانية التي نعتبرها غير مقبولة، لكن من المهم أيضا أن نُبقي قنواتٍ مفتوحة للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك. إذا ضغطنا بعدوانية، فسوف نقطع الطريق على فرص الانخراط».

تتمتع الوﻻيات المتحدة بالقدرة والإمكانيات لمواجهة داعش، ولكن إيران هي من تمتلك الإرادة السياسية لفعل ذلك

أدلى المسؤولون الإيرانيون بتصريحات متناقضة حول استعدادهم للعمل مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات المشتركة. فقد بدا مؤخرا أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يستبعد هذه الإمكانية، لكنه قال في الماضي إن الاتفاق النووي سيشكّل «اختبارا» للنوايا الأمريكية.

يعتبر مؤيّدو التدخل الإيراني القوي والمتواصل في بلدانٍ مثل العراق وسوريا، أن إيران هي اللاعب المحوري في مواجهة تنظيم «داعش» المتشدد، وأنها تؤدّي دورا لا يستطيع أي بلدٍ آخر الاضطلاع به. يقول هديان: «تتمتّع الولايات المتحدة بالقدرة والإمكانات، لكن ليس الإرادة السياسية» لمواجهة التنظيم.

يقدّم هديان توصياتٍ عدّة لتحسين المناخ الإقليمي فيما بعد الاتفاق النووي وتعزيز فرص أن يقود هذا الاتفاق إلى الحد من عدم الاستقرار. فهو يقترح أن تتخلّى حكومته عن شعار «الموت لأمريكا»، وأن تُحجم الولايات المتحدة أيضًا عن الخطاب العدواني ضد إيران. كما يقترح أن يتوصل الطرفان إلى اتفاقٍ لتجنب الصدامات غير المتعمدة في الخليج العربي، وعند الإمكان، مناقشة سبل التعاون ضد الأعداء المشتركين في أفغانستان والعراق.

ويدعو هديان أيضا إيران والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية إلى «الانخراط في نقاشاتٍ جدية لوضع عناصر خطة واقعية لاحتواء وحل النزاع في سوريا».

على الرغم من أن السعودية صدّت حتى الآن المحاولات التي قامت بها حكومة روحاني للحوار معها، يقول هديان إنه ينبغي على إيران والسعودية «بذل جهود حثيثة من أجل تحسين العلاقة بينهما» لأنهما «تكبدتا وسوف تظلان تتكبدان أثمانا باهظة جراء العداوة والتنافس غير الضروريين».