في ظل الأزمة الحالية التي تعصف بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، المتنازع عليه بين قيادتين، تبدو جماعة الإخوان أنها تعيش أزمة هي الأصعب في عمر الجماعة، ولكن بالرغم من ذلك فإنها لم تكن الأوحد، فالخلافات الأخيرة بالجماعة لم تكن أول أزمة يواجهها الإخوان على مدار تاريخهم، -فالعلاقة المترددة بالسلطة، وطريقة فهم الدعوة، والخروج عن مجلس الشورى واللوائح الداخلية-، كلمات مفتتاحية في تاريخ الانشقاقات والخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين.

في هذا التقرير نحاول أن نرصد أبرزها، بدايةً من عصر مؤسسها حسن البنا إلى عهدنا الحالي.

عهد الإمام حسن البنا

في عام 1937 وحينما كان الإمام حسن البنا هو مسؤول جماعة الإخوان المسلمين، نشبت بعض الخلافات داخل أروقة الجماعة بين أعضائها؛ كان ذلك بسبب نهج الإخوان الذي تسلكه تجاه بعض القضايا حينها، التي رآها عددٌ من أعضائها غير مناسبة ولا بد من تغييرها، وكان على رأسها قضية الجهاد والسفر إلى فلسطين التي رأوها واجبة حينئذ، وأزمة قبول «البنا» تبرعًا من قناة السويس من قِبل سلطة الاستعمار، وقضية التعامل مع النساء المتبرجات، حيث رأى بعضهم التعامل معهم بنوعِ من الشدة بدلًا من الاستمرار في الدعوة بالحسنى.

وما كان منهم إلا أن انشقوا عن الجماعة في عام 1940، وكان على رأسهم المحامي محمد عطية خميس، مؤسس حركة “شباب محمد” ذات الخلفية الجهادية.

أحمد السكري

أحمد السكري، الشخص الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الجماعة، والذي وصل إلى منصب وكيل إمام الإخوان المسلمين، حسن البنا، قبل أن تُصدر الجماعة قرارًا بخروجه منها عام 1947، ليؤسس جمعية “الإخوان المجاهدون الأحرار”.

ووفقاً لرواية الإخوان، في الموسوعة الرسمية لتاريخ الإخوان المسلمين، فإن أسباب فصل السكري بدأت بشنه هجومًا على البنا في مقالات بـ جريدتي “صوت الأمة” و”الكتلة”، ذكر فيها أن البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية، وهي اتهامات لم يستطع السكري وفقاً لرواية الإخوان، أن يقدم سندًا لصحتها، كما اتهم السكري، البنا، بالاستبداد في اتخاذ القرار؛ فقررت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين توجيه اللوم إليه وإعفائه من عضوية الجماعة.

عهد المستشار حسن الهضيبي

التنظيم الخاص

في مطلع الخمسينيات وفي أعقاب اغتيال حسن البنا، وقع صراع بين المرشد الجديد حينها حسن الهضيبي والتنظيم الخاص الذي أسسه البنا، حيث أراد الهضيبي التخلص منه؛ حيث يقول عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، عن التنظيم الخاص: “أنشأت الجماعة هذا النظام، عام 1936 بهدف تحرير مصر من الاستعمار البريطاني، ثم انحرف عن الطريق”.

بدأ تمرد عبدالرحمن السندى، وفقًا للتلمساني، في عهد حسن البنا، عندما قرر التنظيم الخاص تنفيذ عمليات، دون الرجوع إلى البنا، ويفسر عمر التلمساني ذلك بقوله: “السندي عندما شعر بطاعة وولاء النظام الخاص له؛ تملكه غرور القوة وشعر بأنه ند لمرشد الجماعة”.

وهو ما أوقع خلافًا مع عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم، حيث قرر الهضيبي إعادة تشكيل التنظيم الخاص، وتعيين بديلًا للسندي؛ حتى يقع التنظيم الخاص تحت مسؤولية المكاتب الإدارية للجماعة، وتطور الأمر حتى وصل إلى محاصرة أنصار السندي لمنزل الهضيبي، وامتد لاشتباكات بين مؤيدي الطرفين، انتهت بعقد جمعية تأسيسية لجماعة الإخوان؛ قررت فصل السندي من الجماعة.

عهد مصطفي مشهور

أبوالعلا ماضي

في يناير عام 1996 وقع انشقاق آخر في الجماعة، حينما رفضت فكرة تأسيس حزب يمثلها سياسيًا، وهو ما كان ينادى به بعض أعضائها الذين أصروا على تنفيذ مطلبهم حينها؛ حيث تقدم أبو العلا ماضي، عضو مجلس شورى الجماعة حينها، بطلبٍ للجنة شؤون الأحزاب لإنشاء “حزب الوسط”، وكافح لتحقيق ذلك 15 عامًا باحثًا عن رخصة لتكون لسان حال الإخوان المسلمين، ولكن تلك الفكرة كانت مرفوضة لدى الإخوان حينها؛ فحاولت الجماعة من خلال وسطاء كالدكتور يوسف القرضاوي إقصاء ماضي عن فكرة الحزب وسحب الأوراق، إلا أنه رفض ذلك واستقال هو وعدد من أعضاء الجماعة ليؤسسوا حزب الوسط بعد 15 عامٍ من الصراع مع السلطة.

عهد المستشار مأمون الهضيبي

ثروت الخرباوي وانتخابات نقابة المحامين

في عام 2000 وحينما كان يحاكَم عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أمام المحكمة العسكرية في القضية الشهيرة “بالنقابيين”. كان ثروت الخرباوي الذي بدأ حياته السياسية في حزب الوفد ثم انضم للإخوان المسلمين ليصبح أحد أعضائها الذين ساهموا في نجاحات للجماعة داخل نقابة المحامين، مسئولاً عن انتخابات النقابة والمخطط الأول لها التي كانت تُعقد في تلك الفترة. ولكن الخرباوي خالف أمر جماعة الإخوان حينها وقام بترشيح سامح عاشور على منصب النقيب، ما ترتب عليه بداية خلاف الخرباوي مع الإخوان، وتحويله إلى محاكمة داخل الجماعة أدت في النهاية إلى إعلان انفصاله عنها عام 2002. وقال الخرباوي حينها:”ابتعدت عن الجماعة لأنني وجدتها قد انحرفت عن طريقها الصحيح، حيث أن الخلاف كان حول سياسات وأفكار”.

مختار نوح والسجن في قضية “النقابيين”

في عام 2003 وعقب خروج القيادي الإخواني مختار نوح، من السجن في قضية “النقابيين”، قال:”لقد جمدت نفسي داخل جماعة الإخوان نظرًا لعدم وجود دور لي، وكنت عضوًا منبوذًا داخل الإخوان، ومع ذلك لم أتركهم إلا حينما شعرت أن دوري قد انتهى في الإصلاح داخل الجماعة”. كان ذلك بمثابة رد فعلٍ عملي عن استيائه من موقف الجماعة “المتخاذل”، حسبما يرى من دعمه والوقوف معه في أزمة سجنه، في ظل موقف محاميي الإخوان أعضاء نقابة المحامين المعارضين له، حينما كان يشغل منصب أمين صندوق النقابة، وما بذلوه من محاولات لتشويه صورته داخل الجماعة وخارجها، في وقت امتنعوا فيه عن دعمه لدرجة أن الكثير منهم لم يحضر آخر جلسات المحكمة العسكرية في قضيته، فضلًا عن امتناعهم عن زيارته تمامًا بمحبسه.

لكن آخرين رؤوا أن ذلك كان بسبب النفوذ وتوزيع المناصب، وأن مختار كان يرغب في عودته كمسئول لملف المحامين عقب خروجه من السجن، لكن مكتب الإرشاد أبقى على مسؤول آخر حينها حتى بعد خروج مختار أيضًا.

عهد الدكتور محمد بديع

في عامي 2011-2012 وبعد ثورة 25 يناير، شهدت جماعة الإخوان المسلمين أبرز وأكبر حالات فصل واستقالات لأعضائها، كان اللافت هو أن من بين المفصولين عدد من القيادات التاريخية للجماعة؛ لأسباب متعددة تختلف من حالة إلى أخرى، نرصدها فيما يلي.

محمد حبيب وانتخابات مكتب الإرشاد

في 26 يناير 2010، أي قبل عام من اندلاع الثورة، فاز الدكتور محمد بديع بمنصب المرشد العام للإخوان المسلمين، في أول انتخابات علنية على هذا المنصب، ودلل الإخوان بانتخاب المرشد العام، على ديمقراطية وشفافية الجماعة، لكن صوت الدكتور محمد حبيب، نائب مهدي عاكف المرشد الأسبق، كان يسير عكس التيار، فلم يحضر حفل تنصيب ومبايعة بديع، وشكك حبيب الذي فقد مقعده للمرة الأولى منذ سنوات كعضو في مكتب الإرشاد مع عبدالمنعم أبو الفتوح في نتائج الانتخابات، قائلُا: “إنها تمت بالاختيار لا بالانتخاب”، ثم استقال من منصبه كنائبٍ أول لمرشد الجماعة، واحتفظ بعضويته فى مجلس شورى الجماعة.

وعقب ثورة 25 يناير، عاد للاختلاف مع مرشد الجماعة؛ بعد استقالة كل من عصام العريان وسعد الكتاتني ومحمد مرسي من عضوية مكتب الإرشاد لتأسيس حزب الحرية والعدالة، ويرى حبيب أنه وفقاً لللائحة ومع خلو مناصب المستقيلين الثلاثة؛ كان عليهم تصعيده إلى مكتب الإرشاد دون انتخاب، لحصوله على 40% من الأصوات في انتخابات 2009، التي طالب فيها حبيب بلجنة تقصي حقائق لا تتبع مكتب الإرشاد أو منصب شورى الجماعة؛ للتحقيق في نتائج الانتخابات التي جاءت بـ«بديع» في منصب المرشد العام..

هيثم أبوخليل وتفاوض الإخوان مع السلطة

في 31 مارس 2011 استقال القيادي بجماعة الإخوان المسلمين بالإسكندرية ومدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبوخليل من الجماعة، وأورد 12 سببًا لذلك، أبرزها التفاوض مع عمر سليمان أثناء الثورة. يقول أبوخليل في نص استقالته: “أستقيل لاعتراضي على عدم اتخاذ إجراء صارم وحاسم ضد أعضاء من مكتب الإرشاد ذهبوا إلى لقاء سري على انفراد بينهم وبين اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، أيام الثورة، وهو لقاء آخر غير اللقاء المعلن الذي حضره الكثير من القوى الوطنية، هذا اللقاء الذي خصهم فيه سليمان بالتفاوض من أجل إنهاء المشاركة في الثورة مقابل حزب وجمعية، وكنت أتمنى بدلًا من أن يثور مجلس الشورى العام عليهم فور علمه، أن يُقيل مكتب الإرشاد بأكمله الذي أقسم أفراده على عدم البوح بهذه المصيبة”.

واتهم أبوخليل الجماعة بالتفاوض مع أمن الدولة عام 2005، على السماح للجماعة بالفوز بعددٍ من مقاعد البرلمان؛ مقابل نسبة معقولة من التزوير، كما أشار في أسباب الاستقالة إلى تجاهل الطعن الذي تقدم به الدكتور إبراهيم الزعفراني في نتائج انتخابات مكتب إرشاد الجماعة عام 2009.

عبدالمنعم أبوالفتوح وانتخابات الرئاسة

في يوينو 2011 أصدر الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين قرارًا بفصل الدكتور عبدالمنعم أبوالمفتوح، كان ذلك على خلفية إعلان جماعة الإخوان المسلمين عقب الثورة أنها لن تدفع بمرشحٍ رئاسي، وهو القرار الذي لم يلتزم به أبوالفتوح الذى يرى “أنه يمارس حقه السياسي وفقًا للائحة تنظيم الإخوان المسلمين”.

وبررت جماعة الإخوان حينها فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي التاريخي للجماعة؛ بأنه جاء بسبب مخالفته لقرار مجلس شورى الجماعة في فبراير 2011 والمؤكد في جلسة أخرى في أبريل 2011، والقاضي بعدم ترشح أي عضو منتسب لجماعة الإخوان في انتخابات رئاسة الجمهورية، ما استلزم زوال عضويته من الجماعة بعد التحقيق معه بمعرفة لجان التحقيق الدائمة والمنتخبة.

لكن الجماعة نفسها عادت وخالفت قرارها بالدفع بخيرت الشاطر للرئاسة.

إبراهيم الزعفراني وخلاف المسار

وفى إبريل 2011 استقال إبراهيم الزعفراني القيادى الإخواني بالإسكندرية وعضو مجلس شورى الجماعة، الذي ظل عضوًا بها لأكثر من 45 عامًا، وجاء في نص استقالته التي قدمها للمرشد العام حينها الدكتور محمد بديع، “لقد عشت داخل تنظيم الإخوان 45 عاماً، أظن أني كنت ثابتًا فيها كغيري من الإخوان الكرام، حتى كانت أوائل سنة 2010، حيث أُجريت انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد العام، وكانت لي اعتراضات على اللائحة، وضرورة تطويرها وكذلك مذكرةٌ فيما جرى في الانتخابات، ومر عام وأكثر ولم يحدث تطوير، ولم أتسلم ردًا على مذكرتي.

وأضاف الزعفراني “بعد ثورة 25 يناير لم أرَ تغييرًا حقيقيًا، وظهرت دلائل هي في نظري لا توحي بفصل الحزب عن العمل الدعوي والتربوي والاجتماعي؛ بعد أن قام مكتب الشورى بتعيين وكيل مؤسسي الحزب، مما يعنى تبعيته لتنظيم الإخوان المسلمين”.

كما يرى الزعفراني أن قرار عدم السماح بالاشتراك لأفراد الجماعة في أي حزب غير “الحرية والعدالة”؛ هو حرمان لهم من الانخراط في المجتمع.

شبابٌ من جماعة الإخوان المسلمين وتأسيس حزب التيار المصري

وفي نفس سياق استقالة الدكتور إبراهيم الزعفراني وإقالة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، أعلنت الجماعة في نفس الفترة تقريبًا، فصل 10 أعضاء من شباب جماعة الإخوان المسلمين، وهم إسلام لطفي، مصعب الجمال، عبد الرحمن هريدي، عبد الرحمن خليل، هاني محمود، محمد القصاص، محمد شمس، محمد نور، محمد عباى، وأحمد عبدالجواد؛ بسبب مخالفتهم قرار الجماعة وتكوين حزب سياسي، وهو حزب “التيار المصري”، خلافًا لقرار الجماعة بتكوين حزب واحد فقط، وهو حزب الحرية والعدالة.

كمال الهلباوي والخلاف السياسي

الدكتور كمال الهلباوي، أحد أبرز قياديي الإخوان في التنظيم الدولي حتى عام 1997 حيث كان متحدثًا باسم الإخوان في أوروبا، وكان محظورًا عليه دخول مصر لمدة 23 عامًا من قِبل نظام مبارك وحتى قيام الثورة المصرية. استقال الهلباوي على الهواء مباشرة في مقبالة تليفزيونية من عضويته في جماعة الإخوان المسلمين؛ بعد إعلان مكتب الإرشاد ترشيحَ المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لرئاسة الجمهورية، حيث اعتبر الهلباوي هذا تخبطًا في قرارات مكتب الإرشاد؛ حيث سبق وأعلن عدم ترشيح الإخوان أحدًا للرئاسة، مما يُعَد تناقضًا يعمل على شق الصفوف وإشعال الفتن بين شباب الإخوان فى الأقاليم.

ومن الأسباب الأخرى لانشقاق الهلباوي عن الجماعة كما ذكر، هي فصلها للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عندما أعلن ترشحه للرئاسة، وأيضًا الهجوم المتكرر عليه من أعضاء مكتب الإرشاد، ومنهم الدكتور محمود غزلان المتحدث الإعلامي للجماعة، والدكتور رشاد البيومي نائب المرشد، بأن الهلباوي مفصول من الجماعة ولم يكن قياديًا فيها على الإطلاق.

خاتمة

هي محطات عديدة من الانشقاقات والأزمات مرت بها جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها، إلا أنها تعود في كل مرة وتتغلب عليها؛ بامتصاص بعضها ولفظ آخرون خارج عرشها.

مراجع

-الموسوعة الرسمية لتاريخ الإخوان المسلمين.

-عمر التلمساني: ذكريات لا مذكرات.

-الإخوان المسلمون.. قراءة في الملفات السرية.

-مقالات أحمد السكري عضو التنظيم الخاص، بـ جرديتي “صوت الأمة” و”الكتلة” تحت عنوان “كيف انزلق البنا بدعوة الإخوان؟”.

-ملف المفصولين من أرشيف جريدة “الحرية والعدالة”.