محتوى مترجم
المصدر
Bloomberg
التاريخ
2016/09/06
الكاتب
نوح فيلدمان

يجري الحديث عن إشارات مختلطة. في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن تخفيض ثلاثمئة ألف رجل في حجم جيش التحرير الشعبي الصيني. قرار احتسب، على الأقل جزئيًا، حتى تبدو الصين وكأنها لا تمتلك نوايا عدوانية تجاه بقية العالم. لكن في نفس الوقت تقريبًا، بعث الرئيس الصيني خمس سفن في بحر بيرينغ قرب ألاسكا، في مناورة غير مسبوقة بالتزامن مع اليوم الأخير من زيارة الرئيس باراك أوباما للدولة. وهذا النوع من الرمزية قريب جدًا لما تعرّفه الكتب بعدوان استعراض العضلات.

فما الذي يحدث؟ هل يصير الرئيس شي شخصًا سلميًا أم معاديًا؟ إن الجواب معقد – لكن بما أنها ظروف الحرب الباردة بين الصين والصعيد المحلي الأمريكي، فإن الرئيس شي يريد الإشارة إلى أن لديه اليد العليا على الجيش، وأن هناك حاجة إلى إصلاحات وأنها جارية على قدم وساق، وأن الصين لن تُبدد المال على القوات البرية التي لديها القليل لتفعله بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي. وعلى الرغم من أن هذه التحركات ليست سلمية تمامًا، فهي على الأقل ليست مثيرة للحرب.

أدى الصعود الاقتصادي للصين إلى توسع ثابت في نواح كثيرة من قدراتها العسكرية وارتفعت ميزانيتها العسكرية بنحو 10 % سنويا وفقا للتقديرات الرسمية

في نفس الوقت، يريد شي أن يشير إلى كل من الجماهير المحلية والخارجية بأن الصين ستواصل الضغط من أجل ميزة إستراتيجية عالمية ضد الولايات المتحدة من خلال تركيز جهودها العسكرية في المناطق التي لا تؤكد فيها الولايات المتحدة قوتها الذاتية.

ويبدو أن القطب الشمالي مثال عظيم على ذلك. فليس ثمة وجود واضح للبحرية الأمريكية في منطقة القطب الشمالي، كما تبين أن خفر السواحل هناك ليس له أهمية كبيرة.

قبل زيارته الرسمية إلى واشنطن، في وقت لاحق من هذا الشهر، سيتوجب على شي أن يشير إلى أوباما أنه سيسعى بقوة نحو مصالح الصين أين ومتى لم تراهن الولايات المتحدة على استحقاقاتها. وسيكون من الصعب على أوباما أن يناقش قضية القافلة المكونة من خمس سفن مع شي، لأن شي سيمكنه القول حينها إن الصين لم تنخرط في أي من مياه الولايات المتحدة.

ولألاعيب ما قبل القمة هذه ميزة إضافية بالنسبة إلى شي. فهي تظهر آليته العسكرية الكبيرة التي مفادها أن خفض القوات ليس رجوعًا عن السعي وراء العظمة الوطنية الصينية. ولقد لوحظ على نطاق واسع أن شي لديه علاقات وثيقة مع الجيش كرئيس للصين مقارنة بأي من أسلافه.

ماذا تعني هاتان الخطوتان الدقيقتان بالنسبة إلى مستقبل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة؟ تطرح الخطوتان على نحو مصغر المعضلة العميقة التي تواجه صانعي السياسة الأمريكية اليوم والتي ستواجه الرئيس المقبل.

لقد أدى الصعود الاقتصادي للصين إلى توسع ثابت في نواح كثيرة من قدراتها العسكرية. وقد ارتفعت ميزانيتها العسكرية بنحو عشرة في المئة سنويًا، وفقًا للتقديرات الرسمية، وربما أكثر من ذلك. كما تسببت استفزازات الصين الموثقة جيدًا في البحار المحيطة بها في قلق بالغ لجيرانها، وجميعهم تقريبًا يعتمد على العلاقات الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة.

قد تحتضن الاستجابة العدوانية الأمريكية علنًا إستراتيجية لاحتواء الصين. وهو ما قد يعني تعزيز العلاقات الثنائية وربما زيادة العلاقات العسكرية من بلد لآخر داخل آسيا حيثما أمكن ذلك. ويمكن لدعاة إستراتيجية الاحتواء هذه، مما لا شك فيه، أن يشيروا إلى الحلقة القطبية الشمالية كمثال على فعالية تلك الاستجابة – تحديدًا، تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة القطبية الشمالية.

والأكثر اعتدالًا أنه حتى استجابة حمائمية (سلمية) أمريكية للتغيير البطيء في الموقف العسكري الصيني قد ترفض أن تبتلع الطعم، مع الحفاظ على العلاقات الأمنية القائمة دون رفع الحصص من خلال تكريس مزيد من الموارد العسكرية لمنطقة المحيط الهاديء. ويجادل الحمائم، ولديهم منطق في ذلك، بأن الاستجابة للصين من خلال الاحتواء العلني لن تؤدي لشيء غير تنفير الجمهور الصيني، وتعزيز المتشددين داخل الجيش، والبدء في دورة غير عقلانية ومكلفة ويمكن أن تكون ضارة للغاية من التصعيد المتبادل.

مقاربة أوباما للصين تتفق مع سياسته الخارجية، والتي تعترف بحدود نفوذ الولايات المتحدة في سياقات غير مرجح ممارسة السلطة العسكرية فيها

هناك سبب لعدم قيام الولايات المتحدة بمركزة قوات في منطقة القطب الشمالي. إن مصلحة الولايات المتحدة هناك في التجارة الحرة والشحن. وحتى الآن، لا أحد، بما في ذلك روسيا، قد فعل أي شيء لعرقلة تلك المصلحة. وفي حال حدوث تحرك غير محتمل في المنطقة القطبية الشمالية من قِبل روسيا أو حتى الصين، يمكن للولايات المتحدة استغلال تفوقها البحري الشاسع وإرسال حاملات طائراتها ومدمراتها شمالًا.

على مدى السنوات الست ونصف السنة الماضية، انتهجت إدارة أوباما في الغالب نسخة معتدلة من الاستراتيجية الحمائمية أمام الصين. لا يقول المسؤولون الأمريكيون كلمة «الاحتواء» والصين في نفس الجملة، أو حتى في الفقرة نفسها، خشية أن توجد عواقب عكسية. وقد أعلن أوباما بشكل شهير التمحور حول آسيا، لكن في الممارسة العملية التي تهدف في المقام الأول إلى خفض الوجود العسكري في الشرق الأوسط بدلًا من زيادة كبيرة في الوجود البحري في المحيط الهاديء.

وقد شجعت الإدارة حلفاء مثل الرئيس الياباني شينزو آبي في جهودهم لصقل دفاعاتهم والوقوف على أقدامهم. وهذا نوع من الاحتواء. لكنه أيضًا نوع من الاعتراف بمخاوف الحلفاء الآسيويين بأن الولايات المتحدة قد لا تكون دائمًا موجودة لحمايتهم من الصين.

إن مقاربة أوباما للصين تتفق على نطاق واسع مع السياسة الخارجية العامة له، والتي تعترف بحدود نفوذ الولايات المتحدة في سياقات حيث من غير المرجح ممارسة السلطة العسكرية بسبب القيود الظرفية.

ومن المحتمل، مع ذلك، أن يتغير هذا النهج إلى حد ما في الحكومة القادمة، أسواء كان الرئيس ديمقراطيًا أو جمهوريًا. وربما كان هذا شيء جيد. لقد استمرت استجابة الصين تجاه اعتدال أوباما في التوسع الحذر. وإن مقاومة أكبر من جانب الولايات المتحدة قد تضع ضغوطًا على الصين بعدم الاستفادة من الولايات المتحدة في الأماكن التي لم يكن من الضروري الشروع في خلق قوة فيها في الآونة الأخيرة.

على المدى الطويل، هذا من شأنه أن يوفر الجهد ويقلل من مخاطر المواجهة، وليس رفعها. فهناك مخاطر مرتبطة بالاحتواء. ولكن المخاطر المرتبطة بعدم الاحتواء أكبر.