تجمع عدد من المحتجين في العديد من الميادين والعواصم العربية منادين بالكرامة الإنسانية او بإجراء عدد من الإصلاحات السياسية، قد يكون بعضها نجح في إسقاط تلك الأنظمة وفشلت الاحتجاجات الأخرى، وهناك من البلدان ما تم احتواء احتجاجته مبكرًا بالقمع أو بالإصلاحات السياسية أو الاثنين معًا.


الجزائر: احتواء بنكهة القمع

وقد اشتبكت قوات الشرطة مع المحتجين في عدد من المحافظات مما أدى لسقوط ستة قتلى ومئات الجرحى والمصابين

محاولات مستمرة

كما اتخذت الحكومة الجزائرية، على نطاق طويل المدى، عددا من الإصلاحات السياسية مثل رفع حالة الطوارئ في البلاد السارية منذ عام 1992، والتي تم إلغائها في 13 مارس 2011، أي بعد اندلاع الاحتجاجات بشهرين، وهي الخطوة التي ينظر إليها بعض المتابعين للوضع الحقوقي في الجزائر إلى أنها خطوة فقدت مضمونها، بعدما منح النظام الجيش صلاحيات موسعة استثنائية بدعوى التصدي للإرهاب وأعمال التخريب، مما ترتب عليها بقاء الأوضاع على ما هي عليه، حيث ظلت هناك حالة من التضيق على حق التجمع السلمي وعقد الاجتماعات العامة.كما أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه، في 15 إبريل 2011، نيته في تعديل الدستور وإجراء إصلاحات في قوانين الانتخابات والأحزاب السياسية وتطوير حقوق المرأة والحقوق السياسية وإصلاح الحريات الإعلامية.وبالفعل تم رفع الحظر عن إنشاء أحزاب جديدة، ذلك الحظر الذي استمر قرابة عشر أعوام، وبالفعل تم اعتماد 21 حزبًا جديدًا من قبل وزارة الداخلية الجزائرية، إلى جانب النص على تحديد كوتة للمرأة في قوائم الأحزاب، ومنح مكافئات مالية للأحزاب السياسية وفق عدد المرشحات على قوائمهم، مما أدى لوصول المرأة إلى نسبة 32% داخل البرلمان الجزائري، الذي عُقدت انتخاباته في 10 مايو 2012. وعلى الرغم من طابع الشفافية الذي تعمد النظام إيصاله إلى الرأي العام العالمي، إلا أن السلطات قد سبقت الانتخابات بعدد من الحملات القمعية لعدد من النشطاء في الجزائر، مثل القبض على الناشط السياسي علي عبده جودي والقبض على 24 ناشطا آخرين.


ماذا بعد الإصلاحات؟
إذا كانت السلطات الجزائرية جادة في احترام حقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية، فعليها أن تحرر القوانين حتى لا يشعر الجزائريون بالخوف من ممارسة حقهم في التجمع.

سارة ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفرقيا هيومان رايتس واتش

وبالرغم من تلك الإصلاحات ما زال وضع حقوق الإنسان والمدافعين عنها مترديًا جدًا، ففي تقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في العالم، عامي 2014/2015، أشار إلى أنه ما زالت هناك قيود على حرية التعبير بالجزائر، ففي 12 مارس 2014، أغلقت الحكومة قناة أطلس –محطة تلفزيونية خاصة- التي كانت تنقل الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وأتاحت الفرصة لمعارضي النظام للظهور على شاشتها.كما أشار التقرير نفسه، إلى أن القيود على حرية التجمع وتكوين الجمعيات الأهلية والحقوقية في البلاد ما زالت موجودة، ولم يتحسن وضعها بعد، فما زال هناك حظر للتظاهر بالعاصمة الجزائرية، وما زالت القيود التعسفية على تكوين الجمعيات متواجدة حتى الآن، وقد عانت المنظمة نفسها من صعوبة التسجيل وفق القانون المتاح، على الرغم من تقديمها لعدد من الطلبات المتكررة.ومع بداية العام الحالي، تجددت الاحتجاجات في الجزائر وبالتحديد يوم 5 يناير، منددة بإقرار البرلمان لقانون المالية للعام الحالي، حيث أنه سيؤدي إلى زيادات في أسعار الوقود والكهرباء والضرائب، إلى جانب موجة من زيادات أسعار السلع الغذائية هناك، كما يرى عدد من نواب المعارضة أن هذا القانون يصب في صالح رجال الأعمال على حساب المواطنين. كمل نتج عن تلك الاحتجاجات العديد من الاشتباكات بين المحتجين وقوات فض الشغب، مما أدى لإصابة العشرات من المحتجين.


المغرب: الاحتواء المبكر

https://www.youtube.com/watch?v=640oDFVG6ts

تعد المملكة المغربية من أكثر الدول العربية ذات الخصوصية السياسية والثقافية، فينظر المواطنون إلى الملك على أنه أمير المؤمنين، إلى جانب الدور التاريخي الذي لعبته الأسرة الحاكمة في المغرب في مواجهة الاستعمار، إلا أن ذلك لم يمنع أن تصل رياح الاحتجاجات إليها.ففي بداية عام 2011 خرجت العديد من الاحتجاجات الشعبية، وبالتحديد في 20 فبراير 2011، والتي نادت بإجراء إصلاحات سياسية عميقة في البلاد مطالبة بتغير الدستور بحيث يصبح النظام المغربي ملكيًا نيابيًا، ويتم تقليص سلطات الملك ووضع حدًا للفساد وإسقاط الحكومة، وحل البرلمان، إلى جانب إقرار مبادئ العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وحرياته، كما طالب التظاهرات بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإغلاق السجون السرية واحترام سلطات القضاء.


إصلاحات لا ترقى لطموح المحتجينوعقب أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات، خرج الملك محمد السادس بمبادرة تعديل الدستور ليتم صياغته بنصوص أكثر عصرية، إلا أنها حافظت على سلطاته، وبالتالي فلم ترتق إلى نظام الملكيات الدستورية التي يسود فيها الملك ولا يحكم.
لم تقتصر المبادرة المكلية على تعديل الدستور وفقط، بل دُعي الملك إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في شهر نوفمبر 2011، والتي فاز على أثرها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي بأكثرية الأصوات مما مكنه من تشكيل الحكومة الجديدة

لم تقتصر المبادرة المكلية على تعديل الدستور وفقط، بل دُعي الملك إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في شهر نوفمبر 2011، والتي فاز على أثرها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي بأكثرية الأصوات، مما مكنه من تشكيل الحكومة الجديدة. شملت المبادرة أيضًا تشكيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بديلًا عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتعتبر تلك خطوة جيدة حيث لم يعد دور المجلس استشاريًا، مثلما كان قبل ذلك، فأصبح من حقه مطالبة القضاء بفتح التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان.وعلى الرغم من تبني عدد من الإصلاحات السياسية، إلا أن السلطات المغربية لجأت إلى استخدام القوة المفرطة في تفريق المظاهرات المنادية بالإصلاحات، وقد لقي ستة أشخاص مصرعهم في الأيام الأولى للاحتجاجات واعتقل أكثر من 200 شخص يومي 20 و21 فبراير.


المغرب ما زالت تعانيوعلى الرغم من تلك الإصلاحات إلا أن المغرب ما زالت تعاني من انتهاكات حقوق الإسان، حيث أشار تقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في العالم، عامي 2014/2015، أن السلطات المغربية حاكمت عددًا من الصحفيين والنشطاء لانتقادهم السلطات المغربية. حدث ذلك مع الصحفيين “علي أنزولا” و “حميد المهدوي” بتهم السب والقذف والدعوة إلى الإرهاب، كما ظلت حرية تكوين الجمعيات مقيدة، حيث تمت إعاقة عدد من الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان من التسجيل الرسمي مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجمعية الحرية الآن، إلى جانب العديد من الانتهاكات الأخرى.
البحرين من جديد

http://gty.im/184225208

اندلعت الاحتجاجات في البحرين، يوم 14 فبراير 2011، مطالبة بإجراء إصلاحات دستورية لتصبح مملكة دستورية هي الأخرى، وللملكة البحرينية وضع مختلف حيث أن أغلبية سكان البحرين من المواطنين الشيعة بنسبة 70%، بينما الحكم في البحرين حكم سني مطلق، كما نادت الاحتجاجات البحرينية بأن يكون رئيس الحكومة محايدًا من خارج الأسرة الحاكمة، وهو ما يدفع النظام الحاكم لتوصيف المعارضة هناك بأنها معارضة شيعية.بدأت الاحتجاجات عند دار اللؤلؤة في المنامة، وكان إطارها المطالبة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان وحرياته، إلا أن الاحتواء البحريني في ذلك الوقت اختلف عما حدث في الجزائر والمغرب، حيث لجأ النظام إلى القمع المباشر للمحتجين في أول الأيام، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى واعتقال العديد من المشاركين في الاحتجاجات.وكان من أبرز الأحداث التي سقط فيها قتلى واعتقال الكثير من المحتجين، هو فض اعتصام قصر الؤلؤة يوم 17 فبراير 2011، وفي شهر مارس فرض الملك حالة الطوارئ في البلاد. كما تدخلت قوات من مجلس التعاون الخليجي بدعوى حفظ الأمن والنظام داخل البحرين، كما تم إعلان حظر التجوال في عدد من المناطق، وإنشاء محكمة عسكرية استثنائية وإحالة المئات من النشطاء والحقوقيين إلى المحاكمة أمامها، وصدرت أحكام ضدهم ما بين السجن المؤبد والحكم بالإعدام. بالإضافة إلى إغلاق عدد من المواقع الإلكترونية وحظر بعض المطبوعات والصحف.


الاحتواء السياسيوعلى الرغم من لجوء النظام البحريني إلى القمع، إلا أنه لجأ إلى بعض الحلول السياسية مثل الدعوة إلى الحوار الوطني، والذي بدأ أولى جلساته في 2 يوليو 2011 بهدف إعادة إطلاق عملية الإصلاح السياسي، وقد انطلق الحوار بحضور 300 شخص ممثلين عن القوي السياسية في البحرين.في 2012 أقدمت السلطات على إجراء بعد التعديلات في الدستور وفق لتوصيات الحوار الوطني، كما تمت انتخابات أولى لمجلس النواب ولم يتم تعينه، وقرر المجلس برنامج الحكومة، وهي خطوة تعادل خطوة منح الثقة للحكومة في النظم الدستورية والشبه رئاسية. إلا أن تلك الدعوى للحوار الوطني لم تستمر كثيرًاـ فتم تعليقها في يناير 2014 بعدما انسحبت المعارضة من جلسات الحوار.واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين قائمة إلى اليوم، فوفق لمنظمة العفو الدولية واصلت السلطات قمع المعارضة وزيادة التهم المتعلقة بالإهانة العلنية للملك، أو العلم البحريني، أو الشعار الوطني، وتتراوح العقوبة من سنة إلى سبع سنوات بالسجن ودفع غرامة باهظة. كما ظلت حرية التجمع في العاصمة محظورة، إلى جانب اعتقال العديد الأشخاص بتهم المشاركة في الاحتجاجات، والعديد من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان مثل فرض الحظر على تكوين الجمعيات، والاستخدام المفرط للقوة.هكذا كان الجانب الآخر من الربيع العربي الجانب الذي تم احتواؤه، الجانب الذي ما زالت تتجدد به الاحتجاجات سنويًا سواء على خلفيات سياسية وإصلاحية أو خلفيات اجتماعية واقتصادية، ولا تزال جميع البلدان العربية تناضل من أجل كرامتها وحقوقها على أمل أن تصل إليها في يومًا من الأيام.
المراجع
  1. مركز القاهرة لدرسات حقوق الإنسان، آلام المخاض، حقوق الإنسان في العالم العربي، التقرير السنوي 2012. القاهرة 2012.