محتوى مترجم
المصدر
Freedom House
التاريخ
2015/09/08
الكاتب
راسيل رايموند

جُرِّدَ أعضاء بأقلية «الروهينجا» المسلمة في ميانمار من جنسيتهم وتعرضوا للاضطهاد من قبل الحكومة، مع إجبار الكثيرين على العيش في مخيمات أو الهرب إلى الخارج.


الإقصاء من المشهد السياسي في ميانمار

لمدة حوالي 50 عاما، حُكِمت ميانمار بواسطة مجالس عسكرية، والتي طبقت سياسات قاسية للقمع الداخلي والعزل الدولي. بدأ ذلك في التغير عام 2011 مع نقل الجيش -بشكل مفاجئ- للسلطة إلى حكومة شبه مدنية، وأطلق سراح السجناء السياسيين، ووجه دعوات للاستثمار الأجنبي. أدت تلك التحركات، نحو ميانمار (المعروفة أيضا باسم بورما) أكثر انفتاحا وحرية، إلى دفع الحكومات الديموقراطية إلى استعادة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية ودعم التحول السياسي في البلاد.

في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ستجري ميانمار أول انتخابات برلمانية تنافسية في تاريخها، ولكن لن يسمح للجميع بالتصويت. فقد أزيلت أسماء مئات الآلاف من أعضاء عرق الروهينجا، لتمثل تلك الخطوة الأخيرة بعد عقود من الاضطهاد تحت قيادة الدولة. حتى الآن، رغم بيانات الإدانة القوية، لم يكن المجتمع الدولي فعالا في وقف، أو عكس مسار ما وصفه متحف الهولوكوست التذكاري الأمريكي مؤخرا بـ«علامات مبكرة للإبادة الجماعية».


عقود من التمييز

تعيش الروهينجا، وهي جماعة عرقية مسلمة يقدر عددها بحوالي مليون نسمة، بشكل رئيسي في ولاية «راخين» بغرب ميانمار. وبعد عقود من السياسات الحكومية التمييزية، توصف الروهينجا الآن عادة كواحدة من الأقليات المضطهدة في العالم. في عام 1982، جردتهم الحكومة من جنسياتهم، ليصبحوا دون جنسية مع تعرضهم لانتهاكات. علاوة على ذلك، حوالي 10% من شعب الروهينجا محتجزون حاليا في مخيمات للمهجرين، حيث لا يحصلون على ما يكفي من العناية الصحية، والتعليم، والوظائف.

جدي كان مواطنا، ووالدي كان مواطنا، على خلافي

استثنى قانون المواطنة الخاص بعام 1982، الروهينجا من قائمة الجماعات العرقية المعترف بها رسميا، وعددها 135 جماعة. بل ويرفض المسؤولون الحكوميون اليوم الاعتراف بلفظ «روهينجا»، مصرين على أنهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش المجاورة وليس لهم تاريخ في البلاد.

سمح ذلك الحرمان من المواطنة بحدوث الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان وإعاقة الجهود الدولية لمساعدة العدد المتنامي من الروهينجا الذين يفرون إلى دول مجاورة هربا من الاضطهاد.وثَّقت منظمة «فورتيفاي رايتس» سياسات الدولة المتعسفة المستمرة التي تستهدف الروهينجا، ومنها تحديد النسل القسري بحد أقصى طفلين، وفرض قيود على الزواج، وقيود على التحركات، والمراقبة الشديدة والفحوصات الأمنية. كما يوضح متحف الهولوكوست التذكاري أن الروهينجا يواجهون عنفا جسديا، وانتشار خطاب الكراهية، والابتزاز، ومصادرة الأراضي، والعنف الجنسي، والاعتقال والاحتجاز التعسفي.


مواطنون من الدرجة الثانية

حتى ربيع العام الحالي، امتلك أعضاء الروهينجا وثائق هوية مؤقتة تحمل اسم «البطاقات البيضاء». إلا أنه بعد أن قرر البرلمان السماح لحاملي البطاقات البيضاء بالتصويت في الاستفتاء المنتظر على التعديلات الدستورية، أدى السخط الشعبي، والاحتجاجات العامة من قبل الرهبان البوذيين المتشددين، بالرئيس «ثين سين» إلى التراجع عن تلك السياسة، والإعلان عن أن جميع البطاقات البيضاء ستنتهي صلاحياتها قريبا، وأن حاملي البطاقات البيضاء سيكونون غير مؤهلين للتصويت في انتخابات نوفمبر. وبدءًا من أبريل، ستسحب البطاقات البيضاء من الروهينجا وسيستعاض عنها بوثيقة هوية جديدة مؤقتة. حتى الآن، لا تعتبر خطط الحكومة واضحة بالنسبة لتلك الوثائق.


الإقصاء من كشوف المصوتين

لا تظهر أي أسماء من الروهينجا في لائحة المصوتين المسجلين بأحد المكاتب الحكومية بـ«سيتوي»، عاصمة ولاية راخين. فقد أزيلت أسماء أعضاء الروهينجا، الذين صوتوا في آخر انتخابات وطنية عام 2010، من كشوف المصوتين في الانتخابات البرلمانية التاريخية في نوفمبر/تشرين الثاني – وهي أول انتخابات يتنافس فيها حزب المعارضة الرئيسي.يقدر مركز كارتر أن ما بين 600,000 إلى مليون شخص قد حرموا من التصويت.

في أغسطس/آب، فاقمت الحكومة سياسات الحرمان التي تمارسها. حيث منع «شوي مونج»، العضو البرلماني الوحيد من الروهينجا، من الترشح مجددا في انتخابات العام الحالي، بما أن الحكومة تزعم الآن إن والديه ليسا مواطنين.


موجات من العنف

تواجه جماعة الروهينجا توترات عرقية ودينية قديمة مع الأغلبية البوذية في ولاية راخين، حيث يعتبرهم البوذيون دخلاء غير مرغوب فيهم. وفي عام 2012، استهدفت حشود راخين العرقية الروهينجا والقطاعات المسلمة الأخرى بموجات من العنف. فلقى المئات مصرعهم، ودمرت الكثير من المنازل والشركات، بينما وقفت قوات الأمن الحكومية عادة متفرجة.

بعد الموجة الأولى في يونيو/حزيران،ذكرت منظمة «هيومن رايتس واتش» أن «السلطات الحكومية دمرت المساجد، وشنت حملة اعتقالات جماعية عنيفة، ومنعت وصول المساعدات إلى المسلمين المهجرين». كما أدت التصريحات العامة الداعية للتطهير العرقي للروهينجا إلى بدء جولة أخرى من العنف في أكتوبر من نفس العام.


التهجير القسري إلى المخيمات

بعد العنف الذي جرى عام 2012، هجر حوالي 140,000 شخص، معظمهم من الروهينجا، من منازلهم ونقلوا إلى مخيمات متواضعة للمهجرين، حيث يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات المقدمة من المنظمات الإنسانية الدولية. ولم تجرِ أبدا تحقيقات ذات مصداقية بشأن العنف، ولم يقدم أي متهمين للمحاسبة.

إلا أن منظمة «هيومن رايتس واتش» خلصت إلى أن سلطات مينامار الحكومية وأعضاء مجموعات راخين، «ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهينجا». وبعد ثلاث سنوات، استمرت المخيمات، وترسخ الفصل المادي بين شعبي راخين والروهينجا، وتستمر السياسات والممارسات المميزة. حيث قال رجل ينتمي إلى الروهينجا ويعيش في مخيم: «لدى الحكومة خطة طويلة الأمد للقضاء على الروهينجا».


عاجزون عن العودة إلى منازلهم

أضافت حقيقة الحياة في مخيمات، بعدا جديدا لاضطهاد قطاعات الروهينجا. فالدخول مؤمن بواسطة عدة نقاط تفتيش أمنية، ولا يسمح للروهينجا بمغادرة المخيمات.ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في ميانمار، «يانجي لي»، في مارس/آذار أن «القيود التمييزية على حرية التحرك للمسلمين المهجرين داخليا تظل على حالها، ما يؤثر بشدة على الوصول إلى العناية الصحية، والطعام، والماء، والصحة العامة، بالإضافة إلى التعليم وسبل العيش».

لم يرَ الكثيرون المنازل والأعمال التي امتلكوها مسبقا منذ نقلهم إلى المخيمات، إن كان ذلك لا يزال في إمكانهم. تقول السلطات في ميانمار إن تلك القيود لا تزال مطبقة لمنع المزيد من العنف المجتمعي، رغم أن البوذيين في راخين يسمح لهم بالدخول والخروج بحرية من المخيمات.


الهجرة الجماعية عبر البحر

قال الروهنجيون الذين أجريت معهم مقابلات في المخيمات إنه ليس هناك مؤشرات على تحسن أو إنهاء وضعهم. أدت آفاق الحياة في تلك الأوضاع بالكثيرين –مع منعهم من التنقل، ودون وظائف أو تعليم، ولا أمل في مستقبل حقيقي لعائلاتهم– إلى المخاطرة بحياتهم ومحاولة الهجرة عبر البحر إلى الدول المجاورة.

يوضح تقرير حقوق الإنسان الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية أن؛ أكثر من 100,000 من الروهينجا فروا من ولاية راخين منذ عام 2012. تسهل تلك الهجرة من قبل «الجيش، وقوات الأمن، ومهربي البضائع والبشر في ميانمار»، الذي يعرضون المهاجرين إلى المزيد من الانتهاكات والاستغلال. وفي مؤتمر دولي بشأن أزمة لاجئي الروهينجا في مايو، رفض المسؤولون الحكوميون بمينامار الاعتراف بمسؤوليتهم عن السبب الأساسي للأزمة، ألا وهو، معاملتهم للروهينجا.

في المخيمات، يعيش عادة ثمانية إلى عشرة أفراد داخل ملجأ واحد. قال قائد محلي للروهينجا في مقابلة، «كنت ضابط شرطة لمدة 16 عاما. والآن أنا لست مواطنا ولا يسمح لي بمغادرة المخيم. نحن نعيش في سجن. لقد اعتدت أن أعيش في مدينة. والآن نعيش كلنا في منازل كالحيوانات، مثل أقفاص الدجاج».


التسرب من المدارس

قبل نقلهم إلى المخيمات، اعتاد الكثير من أعضاء الروهينجا الالتحاق بالتعليم، وإدارة الأعمال، أو السعي إلى الدرجات العلمية المتقدمة. بينما يجد طلاب الروهينجا الذين اعتادوا الدراسة إلى جانب طلاب راخين أنفسهم الآن منعزلين، وممنوعين من العودة إلى كلياتهم السابقة أو الالتحاق بالدراسة بجامعة سيتوي. بنيت المدارس المؤقتة بواسطة منظمات الإغاثة الدولية لتوفر المستوى الأساسي من التعليم لأطفال المخيمات، ولكنها لا تفي بالغرض. ويعلق أحد رجال الروهانجيا: «خلال سنوات قليلة، سيكون لدينا جيل كامل من الأطفال الأميين».


ضعف الوصول إلى العناية الصحية

أدت القيود المفروضة على حرية انتقال الروهينجا في المخيمات إلى مفاقمة مشكلات مثل ضعف الوصول إلى العناية الصحية الملائمة. فقد أجبرت الحكومة منظمة «أطباء بلا حدود» على إيقاف عملها في راخين في فبراير/شباط 2014. بينما سمح للمنظمة بمتابعة خدماتها الصحية الأساسية في مطلع 2015، ولكن يظل توافر الخدمة الصحية الكافية محدودا.


غياب الإغاثة بعد العواصف

في أواخر يوليو 2015، ضربت عواصف شديدة ولاية راخين، فأسقطت الأشجار، وأغرقت القرى، ودمرت المنازل. وفي الأيام التي تلت، عمل مئات ضباط الشرطة، وأفراد الجيش، والسكان المحليين على إزالة الأضرار التي وقعت في الشوارع المحيطة بستوي. إلا أنه في مخيمات الروهينجا لم تصل أي مساعدة أو أنشطة حكومية. وأجبرت العائلات التي فقدت منازلها الصغيرة على العيش مع الجيران.

أشار قادة المخيم بسخرية إلى أن الحرس الشرطي فر إلى بر الأمان أثناء العاصفة، ولكن السكان لم يتمتعوا بتلك الرفاهية. وأضاف: «إن حدث إعصار حقيقي، فسنكون محاصرين هنا. لا نستطيع مغادرة المخيم. سيعني ذلك موتنا».


تعرض عمال الإغاثة للتهديد

يعتقد الكثير من البوذيين في راخين أن منظمات المجتمع الدولي مهتمة فقط بمساعدة الروهينجا، وأنها مميزة ضد راخين. في مارس/آذار 2014، هاجمت حشود من راخين مكاتب الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية الأخرى في «ستوي». أجبرت تلك الهجمات العاملين الدوليين والمحليين على مغادرة الولاية مؤقتا، ما تسبب في وقف توصيل الطعام والخدمات إلى المخيمات لمدة ستة أسابيع.


صمت الداعمين المحليين للديموقراطية

نحن نعيش في سجن

كجماعة بلا حقوق مواطنة، ولا صوت في عملية تحول ميانمار إلى دولة ديموقراطية، لا تتمتع الروهينجا بأي موارد للمطالبة بحقوق الإنسان الأساسية الخاصة بها باستثناء مناشدة المجتمع الدولي. فالحديث عن دعم الروهينجا داخل ميانمار محرم. حيث التزم نشطاء حقوق الإنسان المحليين والسياسيين المناصرين للديموقراطية، مثل الحاصلة على جائزة نوبل «أونج سان سو كيي»، الصمت بذلك الصدد.

قد تخشى تلك الشخصيات تعريض سمعتهم أو أمنهم الشخصي للخطر، أو الاتفاق بهدوء مع سياسات الحكومة. يغذي ذلك الغياب للنقاش الداخلي بيئة خطيرة، يسمح فيها بنمو خطاب الكراهية والتضليل.