كتب فريد زكريا مقالة أثارت ضجة كما هو متوقع، يُشير فيها إلى أنه أيًا كان ما يقوله المسؤولون السعوديون، فالرياض ببساطة أكثر تخلفًا من أن تصنع سلاحًا نوويًا. وكتب زكريا “بصرف النظر عما يحدث مع البرنامج النووي الإيراني، فبعد 10 سنوات من الآن لن تملك السعودية أسلحة نووية. لأنها لا تستطيع”.

فريد زكريا
فريد زكريا

ورغم أنني لا أعتقد أنه من المرجح بشكل كبير أن تختار السعودية صنع أسلحة نووية، فأنا أعتقد أنه من الخطأ الشديد أن نخلص إلى أن السعودية (أو إلى حد كبير أي دولة) لا تستطيع أن تفعل ذلك. ببساطة، زكريا على خطأ، وليس من الصعب تمامًا أن نثبت لماذا.

لا يذكر زكريا ما يعتقد أنها المتطلبات الفنية اللازمة لصنع سلاح نووي، لكنه يعتقد بشكل واضح أن الأمر صعب. وربما كان هذا صحيحًا في عام 1945، عندما وصلت الولايات المتحدة لطريقين مختلفتين لصنع أسلحة نووية. إلا أنه منذ ذلك الحين، تطورت التقنيات المرتبطة بإنتاج البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، وخضعت لاستخدامات مدنية، وانتشرت في جميع أنحاء العالم. وحقيقة أن معظم الدول لا تبني أسلحة نووية له علاقة بضبط النفس أكثر من عدم التمكن من صنعها.

حجة زكريا بأن السعودية لا يمكنها صنع أسلحة نووية ضحلة جدًا، وتعتمد إلى حد كبير على اثنين من المزاعم: القول بأن السعودية تفتقر حتى لصناعة السيارات المحلية، وادعاء سطحي يعتمد على البيانات عن مستوى السعودية “بالغ السوء” في الرياضيات والعلوم.

أولًا، إنتاج السيارات هو مؤشر مريع عما إذا كانت الدولة تستطيع بناء سلاح نووي. فالتكنولوجيا ليست متماثلة على الإطلاق – أو على الأقل لا يجب أن تكون متماثلة. الهند وباكستان وكوريا الشمالية كلها نجحت في بناء أسلحة نووية على الرغم من عدم امتلاكها الكثير من صناعة السيارات. والسوفييت كانوا جيدين حقًا في بناء أسلحة نووية، على الرغم من أن سياراتهم كانت مشهورة بأنها شديدة السوء.

على أي حال، تستثمر السعودية في صناعة سيارات محلية. وتأمل وزارة التجارة والصناعة بأن تكون السيارة “ميا” في السوق بحلول عام 2017. حسنًا.

نموذج السيارة السعودية ميا
نموذج السيارة السعودية ميا

الأهم من ذلك، تستثمر السعودية في الصناعة النووية المدنية. يتساءل زكريا “أين ستدرب السعودية العلماء للعمل على برنامجها السري؟”. أوه، لا أعرف، ماذا عن مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة؟ بطريقة أو بأخرى لم يذكر زكريا أن المملكة العربية السعودية تبني مدينة مخصصة لتدريب العلماء النوويين. لا أستطيع التنبؤ بما إذا كانت هذه الاستثمارات سوف تؤتي ثمارها، لكن ولا زكريا يمكنه التنبؤ بذلك – ذلك إذا كان يعرف أنها موجودة.

زكريا أيضًا متشكك، لأنه يكتب أن السعودية “تحتل المرتبة 73 في جودة تعليم الرياضيات والعلوم،وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي – وهو مستوى منخفض للغاية بالنسبة إلى بلد غني. لكن إيران، على الرغم من من العقوبات التي استمرّت 36 عامًا ومستوى الناتج المحلي الإجمالي الأقل بكثير للفرد الواحد، تقع في موقع أفضل بكثير، وهو 44“.

منخفض للغاية بالنسبة إلى بلد غني؟ ربما. لكن بالنسبة إلى دولة تمتلك أسلحة نووية؟ لا. دعونا نفعل ما كان عليه القيام به ونرسم جدولًا صغيرًا باستخدام بياناته الخاصة. هذه لائحة لبلدان مختارة – مكتوبة بخط سميك إذا كانت تمتلك حاليًا أسلحة نووية – مرتبة حسب “جودة تعليم الرياضيات والعلوم” (مرة أخرى، هذه هي بياناته هو، لا تلوموني!).

17.فرنسا

44. إيران

51.الولايات المتحدة الأمريكية

56.الصين

59.روسيا

63.المملكة المتحدة

67.الهند

73. المملكة العربية السعودية

79.إسرائيل

104.باكستان

125. ليبيا

144. جنوب أفريقيا

– العراق

كوريا الشمالية

بلدان مختارة، مرتبة حسب جودة تعليم الرياضيات والعلوم

(المصدر:المنتدى الاقتصادي العالمي)

باستخدام مقياس زكريا نفسه، فإن السعودية لن تكون أقل البلدان التي تحصل على سلاح نووي ذكاءً. الآن، من الواضح أنني كنت أفضل الحصول على بيانات تاريخية. لكن أشك بقوة أن ترتيب الصين والهند لم يكن بذلك الارتفاع في 1964 و 1974 عندما أجرتا أول تجاربهما النووية. هذه هي النقطة المهمة: أنت لا تحتاج إلى أن تكون دولة غنية، أو أن يكون لك نظام تعليم عظيم، لصنع قنبلة نووية.

لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئًا. هل ذكرت أننا احتفلنا للتو بالذكرى 70 لأول تفجير نووي، يا إلهي؟ سبعون عامًا. هل هناك أي تكنولوجيا عمرها 70 عامًا نعتقد أنها لا تزال مستحيل اكتسابها بالنسبة إلى البلدان غير الأوروبية، حتى بعد أن اكتسبها الكثيرون؟ أتعرف ماذا أيضًا أُخترع في الأربعينات؟ أفران الميكروويف، والجيتار الكهربائي، ولعبة “سلانكي”.

انفجار القنبلة النووية في هيروشيما
انفجار القنبلة النووية في هيروشيما

أنا لا أقصد “اكتساب” من حيث شراء سلاح نووي من على الرف – وأنا أتفق مع زكريا أنها فكرة مجنونة. وأنا لا أقصد شراء بنية تحتية جاهزة لإنتاج البلوتونيوم، كما فعلت سوريا من كوريا الشمالية، أو يورانيوم عالي التخصيب كما فعلت ليبيا من الباكستاني عبدالقادر خان. لا، أعني بناء قنبلة من الصفر. الأدوات والآلات والمواد والمكونات الثمينة التي كانت مناسبة بما فيه الكفاية لبناء أسلحة نووية في السبعينات موجودة على نطاق واسع الآن.

المثال المفضل بالنسبة إلي هو أن أحد أدوات الآلات المرتبطة بشبكة عبدالقادر كانت أداة “دِن” Denn مستعملة. إذا ذهبت إلى موقع Denn، يقولون لك ما يمكن أن تستخدم فيه أجهزة دِن الخاصة: كل شيء بداية من الأسلحة إلى أدوات المطبخ – ومن أجل فريد زكريا، قطع غيار السيارات. (آلات تشكيل المعادن تصنع جنوط السيارات) لنتكلم عن الاستخدام المزدوج!

كانت الولايات المتحدة متشككة بشدة أن باكستان يمكنها بناء أجهزة طرد مركزي بسبب قاعدة البلاد الصناعية المحدودة. لكن ما لم يدركه المحللون الأميركيون هو أن القاعدة الصناعية في باكستان كانت العالم بأسره كأي مُنْتِج آخر. ليس هناك سبب للاعتقاد بأن هذه المشكلة انتهت مع عبد القدير خان. القِ نظرة على “علي بابا“، موقع التبادل التجاري الصيني الكبير.

علاوة على ذلك، لا يجب على أي منتج أن يحاول الحصول على أجهزة طرد مركزي أكثر حداثة. حين وجد مفتشو الأمم المتحدة ما تبقى من البرنامج النووي العراقي في أوائل التسعينات، وجدوا اكتشافًا مدهشًا:“الكالوترونات” Calutrons. كانت تلك عبارة عن تقنية تخصيب يورانيوم عفا عليها الزمن (فصل النظائر الكهرومغناطيسية) من الأربعينات، وسقطت من الحسبان بعد الحرب العالمية الثانية. بالتأكيد كان تغييرها أمرًا فعالًا، لكنها جيدة بما فيه الكفاية لصنع اليورانيوم عالي التخصيب للقنبلة الصغيرة التي دمرت هيروشيما.

بصراحة، نحن محظوظون أن الأسلحة النووية لم تنتشر بسرعة انتشار التكنولوجيا اللازمة لصنعها. يدين بعض النجاح في إبطاء انتشار الأسلحة النووية إلى فرض العقوبات وضوابط التصدير، والضربات الجوية في بعض الأحيان. لكن المسؤول عن أغلب ذلك النجاح هو النظام الذي يشجع الدول التي يمكنها صنع أسلحة نووية ألا تقوم بذلك في المقام الأول.

إذا سألت خبير سياسة إذا كان نظام منع الانتشار ناجحًا أم لا، هناك احتمال كبير أنك ستسمع عن التحذير الشهير الذي أطلقه الرئيس جون كنيدي “أرى إمكانية أن يكون رئيس الولايات المتحدة في السبعينات عليه مواجهة العالم الذي فيه 15 أو 20 أو 25 دولة لديها تلك الأسلحة”. (وهي نقطة مهمة للحديث كما تعلمنا في وقت مبكر).

لكن هذا لم يحدث – والفضل يعود إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1970. لمعرفة السبب، انظر إلى البلدان التي كانت في قائمة كنيدي التي تتكون من 15 أو 20 أو 25 دولة مسلحة نوويًا. جاءت تقديرات كينيدي في ورقة إحاطة عام 1963 مقدمة من وزير الدفاع روبرت ماكنمارا، وقد رفعت عنها السرية الآن. هنا هو الرسم البياني الذي قدمه ماكنمارا:

قدرات السلاح النووي للبلدان

XXX كبيرة

XX متوسطة

X قليلة

P محتملة

— لا توجد تقديرات

رسم بياني قدمه وزير الدفاع مكنمارا لرئيس الولايات المتحدة كيندي بخصوص الدول المحتمل إمتلاكها للأسلحة النووية
رسم بياني قدمه وزير الدفاع مكنمارا لرئيس الولايات المتحدة كيندي بخصوص الدول المحتمل إمتلاكها للأسلحة النووية

القِ نظرة على تلك الأسماء. إنها ليست أي دول، وإنما هي قائمة بالبلدان الصناعية نسبيًا في العالم، إلى جانب عدد قليل من القوى الإقليمية النامية مثل الصين والجمهورية العربية المتحدة (كانت الجمهورية العربية المتحدة اتحاد سياسي وجيز بين مصر وسوريا). كان الافتراض من وراء تقدير كينيدي أن أي دولة يمكنها صنع أسلحة نووية ربما ستقوم بذلك.

وذلك لأنه قبل معاهدة حظر الانتشار النووي، كان ينظر إلى الأسلحة النووية من قِبل العديد من الناس على أنها مجرد سلاح آخر، جزءًا من الترسانة المستقبلية لأي جيش حديث. في الواقع، درست تقريبًا كل البلدان غير المشتركة في حلف وارسو في هذه القائمة بشكل جاد برنامج أسلحة نووية. بل و أستراليا و السويد و سويسرا جميعها كان لها برامج أسلحة نووية نشطة.

ساعدت معاهدة حظر الانتشار النووي على تغيير ذلك. (في حالة أستراليا، كتب جيم والش آراءً مقنعة عن الدور الذي لعبته معاهدة حظر الانتشار النووي في تقييد طموحات كانبيرا النووية). المعاهدات ضرورية للغاية. فببساطة من غير الممكن الحفاظ على نظام شبه العالمي من خلال إنكار التكنولوجيا والعمل العسكري. يعتمد النظام على أن تختار الغالبية العظمى من الدول الامتثال، مما يسمح للمجتمع الدولي التركيز على جهود الإنفاذ على عدد صغير من الحالات الصعبة مثل كوريا الشمالية وإيران.

يمكن لنظام حظر الانتشار النووي أن يعمل فقط بدعم من الدول التي يمكنها صنع أسلحة نووية، لكنها تختار عدم القيام بذلك – دول مثل السعودية. من الواضح أن السعوديين يشعرون بالقلق من إمكانية وجود سلاح نووي إيراني. رغم أنني أظن أن الكثير من الحديث عن امتلاك أسلحة نووية يهدف إلى جعل الولايات المتحدة تركز على المخاوف الأمنية السعودية، إلا أن الاستهزاء بنظامهم التعليمي وقدرتهم على امتلاك أسلحة نووية لا يساعد على تبديد قلق الرياض.

بدلًا من ذلك، نحن بحاجة إلى التركيز على التأكد أن نظام حظر الانتشار النووي يسري على السعودية وغيرها من الدول. وهذا يعني توثيق المشاورات حول قضايا الدفاع الإقليمية، وزيادة الترتيبات الأمنية، والأهم محاولة تجنب صنع قنبلة إيرانية بتسوية عن طريق التفاوض. قد يفوز فريد زكريا برهانه الذي يقول إن السعوديين لن يكون لديهم قنبلة خلال 10 أعوام، لكن ليس لأنهم لا يمكنهم. إذا فاز برهانه – وآمل أن يفعل – فذلك لأن الولايات المتحدة وقوى أخرى نجحت في تناول البرنامج النووي الإيراني والقضايا الأمنية الإقليمية التي كانت ستدفع الرياض نحو قنبلة. ومن يدري، ربما خلال 10 أعوام سنقود كلنا سيارات “ميا”.

المصدر