مثل عمر، في عزلته، حليفا قويا للقاعدة، وتمثل وفاته ضربة قوية للتنظيم وقائده، أيمن الظواهري. كان عمر صديقا وفيا للقاعدة منذ أن سيطر طالبان على أفغانستان عام 1996. خلال تلك السنوات، وقف إلى جانب أسامة بن لادن حتى مع تحدي قائد تنظيم القاعدة لأوامره بعدم إجراء مقابلات مع الإعلام الغربي، ما كان يعقد جهود طالبان لتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي. تسبب ولاء عمر لابن لادن في إحداث اضطراب داخل طالبان، فقد أرادت إحدى الفصائل من عمر أن يقطع العلاقات مع السعودي الخارج عن السيطرة. تصاعدت تكاليف حماية ابن لادن وأتباعه أكثر بكثير بعد أحداث 11 سبتمبر، عندما رفض عمر تسليم بن لادن، ما أدى إلى الغزو الأمريكي الذي أسقط نظام طالبان.

كان تقرب القاعدة من طالبان يحمل اتجاها أكثر نفعية. ففي عام 1998، تعهد بن لادن بالولاء لعمر، على مضض وعبر وكيل وليس وجها لوجه. مثل ذلك جهودا لتهدئة غضب طالبان بشأن تحدي القاعدة لتعليمات عمر بخفض ظهوره وتجنب فعل أي شيء يضر بمصالح أفغانستان. وفي الأعوام التالية، استمر تنظيم القاعدة في رؤية البيعة لعمر من منظور برجماتي، حيث غير الطريقة التي يوظف بها القسم ليناسب مصالحه. بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجد القاعدة تلك البيعة أداة مفيدة لصد فرعها السابق.

إثر استمرار ترنحه إثر موت بن لادن وقادة آخرين كبار، ومتطلعا إلى رد فعل من جانبه بصدد أحداث الربيع العربي، لم يتمتع القاعدة بالكثير من القوة لمواجهة داعش. فقد كان أضعف جدا من أن يحقق الانضباط في صفوف فرعه العراقي بالقوة. وبدلا من ذلك، اختار القاعدة التنصل من التنظيم، فقط ليرى ازدياد قوة داعش بعد أشهر قليلة عندما احتل الموصل وسيطر على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. عندما أتبع داعش انتصاراته بإعلان إحياء الخلافة، وتنصيب قائد التنظيم أبو بكر البغدادي خليفة جديد، تذكر القاعدة حليفه القديم، طالبان. في جهود لمقاومة تعدي داعش ولتحدي شرعية التنظيم الذي أعلن نفسه خلافة، جدد الظواهري البيعة لعمر. وحذى قادة أفرع القاعدة حذوه، مجددين بيعاتهم للظواهري، ومن خلاله إلى زعيم طالبان.

كان منطق القاعدة بسيطا. أولا، تطلع التنظيم إلى تحدي مزاعم داعش بتمثيل جميع المسلمين عبر تذكير الجهاديين والمناصرين لهم حول العالم أن عمر قد حمل لقب أمير المؤمنين قبل سنوات من البغدادي. وقدم طالبان نفسه فقط كإمارة، وهو طموح أصغر كثيرا من أن يعلن نفسه خلافة، ولكن لقب عمر كان كافيا للإشارة إلى أن سلطة داعش كانت محل نزاع.

ثانيا، عبر تجديد صلاته بطالبان، سعى القاعدة إلى صد مطالبات داعش بأن ينضم إلى الخلافة. ثالثا، حاول القاعدة أن يميز نفسه عن داعش عبر الإشارة إلى حفاظه على التزاماته. أما البغدادي، على النقيض، فقد نكث بقسمه للظواهري. وأخيرا، أشار الظواهري، عبر تجديد البيعة، إلى أن القاعدة كان مركزا على إرضاء الله والعمل لصالح المجتمع المسلم، بينما سعى البغدادي وراء السلطة الشخصية.

والآن مع إعلان موت عمر، قد تتهاوى استراتيجية القاعدة. فعلى أقل تقدير، سيجعل ذلك القاعدة – وكذلك المسلمين حول العالم – أكثر عرضة للاستجابة لمطلب داعش بالإعتراف بسلطة البغدادي. فبيعة القاعدة لعمر لا تنتقل تلقائيا لخليفته. نظريا، قد يعيد القاعدة تقييم الموقف ويحول تحالفه إلى داعش، ولكن من غير المرجح بشدة أن الظواهري قد يوافق أبدا على أن يصبح تابعا للفرع السابق للقاعدة. وفي ذات الوقت، سيكون الدفاع عن قرار الاستمرار مع طالبان أكثر صعوبة. حل محل عمر قائد يحظى باحترام أقل، وأظهرت عملية الخلافة بعض التصدعات الداخلية في طالبان.

نجح الظواهري تماما في إبقاء الأفرع الأخرى من القاعدة موالية له خلال الصعود النيزكي لداعش. رغم أن التنظيم قد عانى من انشقاقات لصالح داعش، بشكل أساسي على مستوى المقاتلين والعناصر متوسطة المستوى، إلا أن معظم القادة استمروا في الوقوف إلى جانب الظواهري. حتى عندما مات قادة أفرع القاعدة في اليمن والصومال إثر غارات الدرون، ظل خلفائهم موالين للقيادة المركزية. ولكن يرجح أن يؤدي موت عمر إلى تركيز الضغوط من الأعضاء للتعاون مع داعش.

تقوض التقارير التي تزعم أن طالبان قد أخفى موت عمر لعامين (والتي أنكرها التنظيم) مصداقية التنظيم المسلح وتعزز مزاعم داعش بأن التنظيم المستقر في أفغانستان يعاني من إختلالات دينية، ففي النهاية، إن مات عمر بالفعل منذ فترة طويلة، فإن طالبان كانت تتم قيادته طوال عامين بواسطة شخصية لم ترشح وفق الإجراءات الشرعية الإسلامية. سواء أكان ذلك صحيحا أم لا، ستؤدي الشكوك حول توقيت وفاة عمر إلى إضعاف قدرة القاعدة على استخدام طالبان كثقل معادل لداعش، وقد تؤدي إلى موجة من الانشقاقات لصالح داعش. كلما طال الوقت اللازم لخليفة عمر، الملا أختر محمد منصور، لتوحيد طالبان تحت قيادته، كلما بات أصعب على القاعدة أن تحتوي سقوطها.

يرجح أن داعش سيستمر في استخدام الفارق بين التاريخ المزعوم لوفاة عمر وإعلان طالبان لتركيز الشكوك حول الظواهري. إن كان عمر قد مات منذ عامين، فإن السؤال حول معرفة الظواهري بذلك أم لا يجب أن يظهر. فمن ناحية، من المرجح أنه عرف بشأن موت زعيم طالبان، ولكن لم يتسطع كشف معلومة تخالف ما أعلنته قيادة طالبان. ولكن إن كان ذلك صحيحا، فإن جهود القاعدة لاستخدام سلطة رجل ميت لنزع الشرعية عن خلافة البغدادي يجعله متواطئا في كذبة طالبان. وعلى الجانب الآخر، إن لم يعلم بموت زعيم طالبان، سيكشف ذلك أن الظواهري غير مطلع، ما يثبت أن نفوذ القاعدة في أفغانستان وباكستان قد انكمش بشدة. وبالتالي، مالم يثبت أن عمر قد مات مؤخرا جدا، سيستمر الظواهري في التعرض للاتهام بالجهل وسوء التقدير، أو كلا الاتهامين. وعلى أي حال، تعرضت قيادته لضربة قوية.

قدرة قائد القاعدة على حماية التنظيم ستنخفض بشكل أكبر بفعل التهديدات التي تمس حياته. جدير بالذكر أن الظواهري لم يصدر أي بيانات منذ سبتمبر 2014 عندما أعلن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، أحدث أفرع القاعدة. وأصبح معتمدا على نحو متزايد على أفرع القاعدة في اليمن وسوريا لإبقاء التنظيم ذائع الصيت. ومع تعرضه لضغوط بالفعل، على الظواهري أن يقلق بشأن الموالين لداعش على الأرض حتى مع استمراره في الحذر من هجمات الدرون الأمريكية. ففي النهاية، قد يمثل الإمساك بزعيم القاعدة خطوة مغيرة للعبة بالنسبة لداعش.

تصب محن القاعدة في حسن حظ داعش. حيث يمكن لقادة داعش أن يحتفلوا بإضعاف المعارضة لتوسعه في أفغانستان وباكستان، وأيضا بتعزيز مزاعمه بقيادته للحركة الجهادية. رغم أنه من غير المرجح أن موت زعيم طالبان سيقوى سلطة داعش على المسلمين، إلا أن التنظيم بالتأكيد يرى موت عمر ممثلا لإشارة أخرى إيجابية على استمرار الخلافة.

*باراك مندلسون أستاذ العلوم السياسية المشارك في كلية “هارفارد”، وزميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب