محتوى مترجم
المصدر
Foreign Affairs
التاريخ
2015/09/01
الكاتب
ماثيو ليفيت

لا تزال تفاصيل القبض على «المغسل» مجهولة، ولكن التوقيت يثير أسئلة عديدة. كيف أمكن فجأة القبض على شخص ظل فارًّا طوال 20 عاما؟ وماذا يعني أن يأتي القبض عليه على خلفية الاتفاق الإيراني النووي، وفي سياق توترات متصاعدة بين إيران والسعودية وحلفاء كل منهما في لبنان؟

لم يؤكد بعد المسؤولون في بيروت، والرياض، وواشنطن القبض على المغسل، ولكنه ليس سرًا أن المحققين السعوديين والأمريكيين كانوا حريصين على القبض عليه لسنوات. وجه الاتهام للمغسل إثر تورطه في التفجير في المحكمة الجزئية للمنطقة الشرقية بولاية فرجينيا، وتقدم مكافآت وزارة الخارجية الأمريكية لبرنامج العدالة، 5 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض عليه.

علمت السلطات السعودية بشأن المغسل قبل حتى تفجير الخبر، ولذلك هرب من السعودية في التسعينيات وشق طريقه إلى بيروت. كان المغسل في بيروت، حوالي عام 1993، عندما بدأ التحرك نحو التآمر والمراقبة اللذين أديا إلى الهجوم على القوات الأمريكية وقوات التحالف المتمركزة عند أبراج الخبر عام 1996.


المراقبة

كلف «المغسل» حزب الله السعودي بمراقبة الأمريكيين في السعودية، ثم شارك المعلومات التي استخلصها منهم مع مسئوليين إيرانيين

في عام 1993، حسبما خَلُصَ مكتب التحقيقات الفيدرالية لاحقًا، أرشد المغسل خلية سعودية تابعة لحزب الله لبدء مراقبة الأمريكيين في السعودية. حيث قضى عناصر حزب الله السعودي ثلاثة أشهر في تغطية الأهداف الأمريكية في الرياض، ليمرروا تقارير مراقبتهم إلى المغسل، الذي التقى العناصر ليستخلص منهم المعلومات بشكل شخصي.

ثم شارك المغسل تلك التقارير مع مسؤولين إيرانيين. وفي مطلع عام 1994، وسّع حزب الله السعودي مراقبته لتتجاوز الرياض وتشمل المنطقة الشرقية بالسعودية. في أواخر عام 1994، وبعد إجراء أنشطة مراقبة مكثقة بالمنطقة الشرقية بالسعودية، حددت عناصر عديدة بالتنظيم، «أبراج الخبر» بشكل خاص، الواقعة بمدينة «الخبر»، كموقع عسكري أمريكي هام. فركز المغسل على هذا الهدف وقدم سريعا التمويل لهدف صريح وهو إيجاد مكان يستطيع حزب الله السعودي أن يخزن فيه المتفجرات في المنطقة الشرقية.

ومع استمرار مراقبة أبراج الخبر، احتاج المغسل لضمان أنه يمكنه تهريب المتفجرات اللازمة للعملية من لبنان، عبر الأردن، إلى السعودية. وكان الوقت قد حان لإجراء اختبار، رغم أن السائق المعين لتلك المهمة، «فاضل العلوي»، سيقال له إنه ينفذ المهمة الحقيقية. إلا أنه اكتشف عندما عاد أن المغسل كان يختبره.

لاحقا من ذات العام، قرب أكتوبر/تشرين الأول 1995، أتى رجل إلى منزل العلوي في المنطقة الشرقية بالسعودية وسلمه خريطة لمجمع أبراج الخبر. أراد المغسل أن يفحص دقة الخريطة، حسبما أخبره الزائر. عندما عاد الرجل لاسترداد الخريطة بعد فترة وجيزة، ترك طردا صغيرا يزن حوالي كيلو جرام. كان العلوي أذكى من أن يفتش الطرد، واحتفظ به حتى اتصل به المغسل وأخبره بإرشادات لتوصيل الطرد إلى شخص آخر.

ثم في أواخر خريف عام 1995 ومجددا في أواخر 1995 أو مطلع 1996، عاد أحد عناصر حزب الله السعودي إلى بيروت ليتشاور مع المغسل بشأن مؤامرة الخبر. خلال الأول من تلك الاجتماعات، أحضر بعض تقارير المراقبة إلى المغسل وعلم لأول مرة أن حزب الله سيهاجم أبراج الخبر بشاحنة صهريج محملة بالمتفجرات والوقود.

وفي الاجتماع الثاني، بدأ المغسل وضع الأدوار العملياتية للأعضاء المختلفين بالخلية. حيث ناقش الحاجة لمراكمة قدر كافٍ من المتفجرات لتدمير صفٍّ من المباني، وأشار إلى أن «التفجير يهدف إلى خدمة إيران عبر دفع الأمريكيين خارج منطقة الخليج»، وفق لائحة الاتهام الخاصة بوزارة العدل الأمريكية.

في جميع الاحتمالات، كان ما مكَّن أعضاء خلية حزب الله السعودي من إجراء تلك المراقبة بنجاح دون اكتشافهم هو تدريبهم السابق في لبنان وإيران. ولكنهم حظوا أيضا بالإشراف الوثيق والدعم خلال تنفيذ العملية من قبل مسؤولين بحزب الله اللبناني وإيران.

على سبيل المثال، أثناء إجراء الخلية لنشاطات المراقبة، قال المغسل لأحد العناصر أنه قد تلقى مكالمة هاتفية من مسؤول حكومي إيراني رفيع المستوى ليستفسر عن تقدم العملية. ولاحقا، وفق لائحة الاتهام السعودية، كشف المغسل أنه «تمتع بعلاقات وثيقة بمسؤولين إيرانيين، والذين أمدوه بالأموال والتوجيهات». تشير المعلومات السعودية إلى أنه «تمتع بعلاقات عائلية وثيقة بحزب الله اللبناني، وكان على اتصال بمكتب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي».


الإستراتيجية السعودية

المغسل كان علي علاقة وثيقة بمسئولين إيرانيين أمدوه بالأموال والتوجيهات، كما كان علي اتصال بمكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي

بعد اطلاعه في بيروت، سافر المغسل في يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط من عام 1996 إلى «القطيف»، ليس بعيدا عن الظهران وأبراج الخبر، حيث أرشد أحد عناصره إلى البحث عن مكان لتخزين وإخفاء المتفجرات. تم التوصل إلى المواقع، حسبما يبدو، سريعا، لأنه في فترة ما قرب شهر فبراير/شباط، عاد عنصر بحزب الله السعودي إلى بيروت باتجاه المغسل، ثم رجع إلى السعودية بسيارة محملة بالمتفجرات المخفية. عندما وصل إلى القطيف، وصل العنصر السيارة إلى رجل مجهول ملثم الوجه.

عانى حزب الله من انتكاسة عملياتية خطيرة في الشهر التالي. فبعد أن نجح العلوي في اختبار المغسل بشهر يونيو/حزيران السابق، استدعي العلوي مجددا إلى بيروت في مارس 1996 وأعطى مفاتيح سيارة أخرى محملة بالمتفجرات المخبئة. قاد العلوي السيارة عبر سوريا والأردن، ووصل إلى معبر الحديثة على الحدود الأردنية السعودية يوم 28 مارس/آذار.

بعد القبض علي أربعة أعضاء بالخلية، عاد المغسل إلي السعودية وجمع فريقا جديدا وتولي تدريبه ليقوم بالمهمة من جديد

ولكن على خلاف نظيره الغامض، الذي تمكن من تهريب المتفجرات عبر الحدود في اختباره السابق، ألقي القبض على العلوي في الحال عندما عثر حرس الحدود السعودي على 38 كيلوجرام من المتفجرات إثر تفتيش سيارته. أدى ذلك بدوره إلى شن حملة اعتقالات على مدار ثلاثة أيام في مطلع أبريل/نيسان طالت بقية خلية حزب الله السعودي. فجأة، وجد المغسل نفسه دون عناصره الأساسية، ومواجها لاحتمالية أن بعض عناصر العملية قد يساوموا. إلا أن ذلك لم يردعه، حيث أوجد سريعا بدائل لعناصره الأربعة المقبوض عليهم وتولى دور التدريب الميداني ليشرف على العملية من خلاله.

في فترة ما في أواخر أبريل/نيسان أو مطلع مايو/أيار، عاد المغسل إلى السعودية ليجمع بنفسه فريقا جديدا للتنفيذ. حيث سافر بجواز سفر مزور تحت غطاء الحج، وظهر دون إعلان مسبق في بيت أحد أعضاء حزب الله السعودي بالقطيف في الأول من مايو/أيار. أطلع المغسل مضيفه على مؤامرة تفجير أبراج الخبر وأنباء اعتقال أربعة أعضاء بالخلية، وطلب مساعدته في تنفيذ الهجوم. لابد أن المغسل قد افترض أن مضيفه سيوافق، لأنه قبل أن يغادر، قدم لمضيفه جواز سفر إيراني مزور، والذي يجب أن يجهز مسبقا، وأمره «أن يبقى على استعداد لمكالمة التنفيذ في أي وقت».

بعد ثلاثة أيام من زيارة العنصر الأول بحزب الله السعودي، طرق المغسل باب عنصر آخر بالتنظيم، وبعد تجنيده لتنفيذ المهمة وإطلاعه على الخطة، ترك له جهاز توقيت ليخفيه في منزله. خلال الشهرين، على الأقل، السابقين لتفجير الخبر، وصل عضو آخر بالتنظيم إلى منزل العنصر المجند طالبا المساعدة في إخفاء عدة حقائب زنة كل منها 50 كيلوجرام، وعلب طلاء مملؤة بالمتفجرات في مواقع قرب القطيف. ثم، مع تبقي حوالي ثلاثة أسابيع فقط على الهجوم المخطط له، انتقل المغسل وعنصر مجهول من حزب الله اللبناني إلى منزل العنصر المجند في القطيف، حيث جمعوا القنبلة.

في غضون ذلك، استمرت المؤامرة على قدم وساق. وباستخدام بطاقة هوية مسروقة، اشترت الخلية شاحنة صهريج من وكيل سيارات سعودي مقابل حوالي 75,000 ريال سعودي، أو حوالي 20,000 دولار. قضت الخلية الأسبوعين السابقين للهجوم في تحويل الشاحنة إلى شاحنة مفخخة في مزرعة بمنطقة القطيف. كان المغسل جزءًا من الفريق بالمزرعة، إلى جانب بقية الخلية التابعة للتنظيم والعنصر التابع لحزب الله اللبناني. أخفيت المتفجرات داخل شاحنة صهريج لنقل الوقود حتى لا تكتشف المتفجرات إن أوقفت وفتشت.

فإن فتح أحدهم الفتحة في أعلى الشاحنة، سيرى ما يبدو كصهريج ممتلئ بالوقود. في الواقع، ثبت الفريق اسطوانة ذات حمولة 50 جالونا داخل الصهريج ذي حمولة 20,000 جالون. تحت الاسطوانة المعبأة بالوقود، حوى الصهريج 2268 كيلوجراما من المتفجرات البلاستيكية. وعند تفجيرها، ستحدث القنبلة أثر انفجار حوالي 10,000 كيلوجرام من مادة «تي إن تي».

مع توافر جميع التفاصيل العملياتية، التقى العديد من المنفذين في ضريح السيدة زينب في دمشق. كان الهدف من الاجتماع، الذي أجري في يوم ما بين 7 إلى 17 يونيو/حزيران، التشاور مع القيادة العليا لحزب الله السعودي. حيث ترأس زعيم التنظيم الاجتماع، واستعرض تفاصيل مؤامرة التفجير وأوضح للجميع أن المغسل يدير العملية.

بعد أسبوع من اجتماع الضوء الأخضر في دمشق، عاد المغسل وأعضاء خليته إلى السعودية وكانوا جاهزين لتنفيذ الهجوم. وفي أمسية تنفيذ الهجوم، التقوا في مزرعة بالقطيف، على بعد حوالي خمسة أميال من أبراج الخبر، لمراجعة التحضيرات النهائية. حضر ذلك الاجتماع فقط الأعضاء الفعليين بالوحدة العملياتية.

غادر أولا عضوان بخلية حزب الله السعودي من المزرعة، قبل الساعة 10 مساء مستخدمين سيارة «داتسون»، دخل الاثنان إلى موقف السيارات المجاور لمبنى 131 بأبراج الخبر وأوقفوا سيارتهما في أقصى الزاوية. وعملا كفريق مراقبة، حيث مسحا المنطقة بحثا عن دوريات التأمين أو أي شيء آخر قد يعطل الهجوم.

تسبب تفجير «أبراج الخبر» في مقتل 19 موظف أمريكي، وإصابة 500 شخص من سبع دول علي الأقل

دخلت سيارة «شيفروليه كابريس» إلى المكان المجاور. استعيرت تلك السيارة من أحد المعارف، الذي لم تكن لديه فكرة على الأرجح عن أن سيارته ستسخدم كوسيلة هروب لمرتكبي هجوم إرهابي ضخم. وعند إدراك عدم وجود أي مشاكل، أومض المراقبان أنوار السيارة «داتسون»، وهي إشارة زوال الخطر حتى تدخل السيارة الأخيرة إلى الساحة. عند إشارتهما، دخلت الشاحنة المفخخة، يقودها المغسل بنفسه مع راكب آخر. أخذا الشاحنة إلى السور في مقدمة المبنى 131، ثم قفزا إلى المقعد الخلفي لسيارة الهروب المنتظرة، لتذهب بعيدا، متبوعة بالمراقبين في سيارة الإشارة.

بعد دقائق، انفجرت القنبلة، مخلفة حفرة بعرض 26 مترا وعمق 11 مترا. كان ذلك أكبر انفجار غير نووي في حينها، وأمكن الشعور به على بعد 20 ميلا عبر الطريق المعبد في البحرين. لقى إثر التفجير 19 موظف خدمة أمريكي مصرعه، وأصيب حوالي 500 شخص من سبع دول على الأقل.

يحتمل جدا أن يكون القبض على المغسل مصادفا للتوترات الطائفية التي تهز المنطقة، وللاتفاق النووي المعلق مع إيران. أو قد يكون المغسل، إثر كونه هاربا منذ فترة طويلة، قد انزلق إلى بعض الأعمال الروتينية التي سمحت للسلطات بالتعرف والقبض عليه. إلا أن مجيء القبض عليه على خلفية الاتفاق النووي، والتنافس الإيراني السعودي على النفوذ في المنطقة بشكل عام وفي بيروت بشكل خاص، يحمل دلالة خاصة – مع انزلاق لبنان إلى الفوضى.

أيا كانت الملابسات، لن يكون القبض على الرجل الذي نظم ذلك الهجوم الضخم أمرا هينا. فالأمر لا يتوقف عند استحقاق عائلات الضحايا للعدالة، بل إن موقع المغسل، المتحدث للفارسية، يجعله قادرا على تسليط الضوء، الضروري، على الأنشطة السرية للعناصر الإيرانية وعملائهم ووكلائهم في المنطقة.