إذن فقد توفي الملا عمر، ومن الواضح أن أحدا لم يلاحظ لعامين كاملين. وفاته هي شيءٌ جيد، بقدر ما توفر لدافعي الضرائب الأمريكيين الجائزة البالغ قيمتها 10 ملايين دولار التي كانت الولايات المتحدة تعرضها للإمساك به. رغم ذلك، إذا كنت لأسقط ميتا فقط كنت لأفضل أن يلاحظ شخص ما الأمر على نحوٍ أسرع قليلا، على الأقل لأن أطفالي قد يتساءلوا لماذا لم يعد أحد يطبخ العشاء. لكن ربما يشرح هذا التأخير: لم يعد الملا عمر يعد العشاء لأي شخص في مجتمع الاستخبارات الأمريكي.

رغم ذلك، فإن أفول الملا عمر الذي تم إدراكه متأخرا يوفر عدة دروس للولايات المتحدة.

1. نحن لا نعلم ما الذي يجري

كان الملا عمر على قائمة أكثر المطلوبين للولايات المتحدة لمدة حوالي 15 عاما، ولم نستطع حتى اكتشاف ما إذا كان حيا أم لا. تعامل مع كل التقديرات الاستخباراتية بقدرٍ من الشك.

الأفضل من ذلك، تعامل بكثيرٍ من الشك: تشير التقاير الآن إلى أن جلال الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني المميتة التابعة لطالبان والتي تتخذ من وزيرستان مقرا لها، كان ايضا متوفيا خلال العام الماضي – وقد كان يعد العشاء بالفعل لهؤلاء في مجتمع الاستخبارات الأمريكي، في الأيام الخوالي.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ أعتقد أنه قريبا سيتم إخبارنا أن أنجيلا ميركل متوفية منذ عشر سنوات وأن الألمان كانوا فقط يدفعون تمثالها جيئة وذهابا منذ ذلك الحين.

2. تم المبالغة في التقارير عن أفول طالبان، لكن ذلك لا ينطبق على التقارير عن أفول الملا عمر

رغم التقارير المستمرة عن وقوعها في حالةٍ من الفوضى، نجحت طالبان في الحفاظ على وفاة الملا عمر سرا لعامين (انظر إلى رقم 1)، ولا تزال الحركة تشكل تهديدا ملحا ومستمرا على الاستقرار الأفغاني والباكستاني. يستمر وقوع هجماتٍ كبيرة لطالبان في كلا البلدين، وفي تقريرٍ صدر في شهر مايو، أشار معهد بروكينجز إلى أن “موسم قتال 2015 بين طالبان وقوات الأمن الأفغانية يتضح أنه الأكثر دموية منذ عام 2001”. ليس سيئا بالنسبة لحركةٍ تقودها مجموعة من الموتى.

3. استراتيجيات “قطع الرأس” مشكوك في قيمتها

عملت الولايات المتحدة لسنوات على افتراض أنها إذا استطاعت فقط التخلص من كبار قادة الإرهابيين، فإن تنظيماتهم وحركاتهم الأيديولوجية سوف يتم تقويضها. تشير حقيقية عدم ملاحظة المقاتلين العاديين لطالبان أو باقي العالم موت الملا عمر لعامين كاملين إلى أن ذلك ليس صحيحا بالضرورة.

شككت دراساتٌعديدة في فعالية مطاردة كبار قادة الإرهابيين. اسأل نفسك كم عدد المرات التي أعلنت فيها واشنطن بنبرة المنتصر موتقادة إرهابيين كبار منذ هجمات 11 سبتمبر، ثم اسأل نفسك ما إذا كان التهديد العالمي الذي يشكله المتشددون الإسلاميون قد تضاءل.

4. الحرب على الإرهاب لا تسير على ما يرام على الإطلاق

رغم جميع هؤلاء الموتى، فقد زادت الهجمات الإرهابية العالمية، كما زاد عدد القتلى نتيجة الهجمات الإرهابية.

لكن في تلك الأثناء أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن “مهمتنا القتالية في أفغانستان قد انتهت” لأن “حربنا في أفغانستان قد وصلت إلى نهايتها“، مازال هناك الآلاف من الجنود الأمريكيين في أفغانستان. وقد أشار ستيفن بريستون، عندما كان في منصب المستشار العام لوزارة الدفاع، إلى أن “الولايات المتحدة تظل في حالة صراع مسلح مع طالبان”. (انظر أيضا إلى تصريح بيل كلينتون عام 1998: “يعتمد الأمر على ما تعنيه كلمة “تكون” ليبارك الرب المحامين!)

ولا تعتبر القاعدة قد انتهت بعد. التأكيدات المستمرة على أن التنظيم الإرهابي في حالة فوضى، مثله مثل طالبان، لم تمنعه من اختطاف العديد من المتمردين السوريين الذين دربتهم الولايات المتحدة أو تفجير الناس في اليمن.

أما بالنسبة للدولة الإسلامية، فهي على ما يرام، شكرا جزيلا: “بعد إنفاق مليارات الدولارات وقتل أكثر من 10 آلاف متشدد”، اختتمت الأسوشيتد برس الأسبوع الماضي، “فإن تنظيم الدولة الإسلامية ليس أضعف بصورةٍ رئيسية مما كان عليه عندما بدأت حملة القصف التي تقودها الولايات المتحدة منذ عامٍ مضى”. ولا يبدو أن أي شخص، على الأقل في البيت الأبيض، لديه فكرة واضحة عن نهاية اللعبة. حتى الآن، كان الرد الرئيسي للولايات المتحدة على انتصارات الدولة الإسلامية الأخيرة هو الإعلان عن “منطقة خالية من الدولة الإسلامية” بطول 100 كيلومتر شمالي سوريا. (ربما سيحددون المنطقة بأقماع المرور؟)

5. عندما يموت قائد إرهابي كبير، فمن الصعب توقع العواقب

عندما أُعلن موت أسامة بن لادن عام 2011، أعلن بعض المعلقون أنه “انتصارٌ رمزيٌ كبير” و”ضربةٌ للقاعدة”. قلق آخرون من أنه سوف يؤدي إلى “هجماتٍ انتقامية”، بينما أعلن آخرون أنه “ليس له تأثير“. بالفعل أعلن صحفيون وخبراء أن موت الملا عمر “قد يمهد الطريق لنهايةٍ لسنوات القتال” أو “يحبط أكثر محادثات واعدة في أفغانستان منذ عشر سنوات”. على أقل القليل فإنه “سوف يعقد مفاوضات الحكومة الأفغانية مع طالبان“. بعبارةٍ أخرى، لا أحد يعلم.

لكنني لن أعتبر أن طالبان قد خرجت من المعادلة. ظلت الحركة تهديدا قويا رغم أكثر من عقدين من الاقتتال الداخلي الوحشي والإدانة العالمية، ناهيك عن 14 عاما من الضرب المتواصل من قِبَل الجيش الأمريكي.

6. يرجح أن يكون الفائز على المدى القريب هو تنظيم الدولة الإسلامية

الاقتتال الداخلي في طالبان هو لا شيء مقارنةً بالمعركة الأوسع للسيطرة على القوى العالمية للتطرف الإسلامي العنيف. لعدة أعوام الآن، ظلت الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة تقاتل قوات ما يسمى بالدولة الإسلامية، التنظيم الذي أعلن نفسه خلافةً عالمية في يونيو حزيران 2014. انتقل القتال بين الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية إلى العراق واليمن وما بعدهما. خلال العام الماضي، سعت الدولة الإسلامية إلى السيطرة على مناطق في أفغانستان أيضا؛ في يناير 2015، أعلنت الدولة الإسلامية تكوين “ولاية” أفغانية جديدة، يقودها مجموعة من المنشقين عن طالبان.

ادعى كلا من زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي والملا عمر المتوفي الآن كونه أمير المؤمنين الحقيقي وقائد الإسلام العالمي. مع الكشف عن وفاة الملا عمر، ربما نشهد انشقاق العديد من أعضاء طالبان وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية. ربما أيضا يغير بعض أعضاء القاعدة ولاءاتهم: التزمت القاعدة اسميا، على الأقل، بدعم الملا عمر من خلال البيعة – وهو قسم ولاء قام به بن لادن وجدده خليفته أيمن الظواهري. وفقا لأحكام البيعة، تقاتل القاعدة وجميع أعضائها “تحت الراية المنتصرة” للملا عمر. لكن البيعة هي قسم ولاء لفرد، وليس لمنظمة، وفي عقول بعض أعضاء القاعدة على الأقل، فإن وفاة الملا عمر سيُنظر إليها على الأرجح كتحريرٍ لهم لاتباع أمير مؤمنين جديد – مثل البغدادي زعيم الدولة الإسلامية.

7. تعامل مع الأمر بجدية

أقسام ولاء! قيادة المؤمنين! في عالمنا المعلمن، من المغري رفض كل ذلك بوصفه ليس أكثر من هراءٍ بلاغي. أكد أوباما ذاته مرارا على أن ما يدعى بالدولة الإسلامية “ليس لديها رؤية سوى … الذبح” و”لا يمكنها أبدا اجتذاب أي شخص عبر أفكارها أو أيديولوجيتها – لأنها لا تعرض شيء!”.

لكن ذلك ليس صحيحا، لدى الدولة الإسلامية – وطالبان والقاعدة – الكثير من الرؤى وأكدت بإسهاب قدرتها على اجتذاب الكثيرين. نحن نجد رؤيتها مقززة، لكنها تظل رؤية، وتدعمها مناقشاتٍ مفصلة جنبا إلى جنب مع الوحشية. ربما لا نبالي بالحديث عن الأقسام الدينية، لكن لا ينبغي أن نفترض أن المتشددين الإسلاميين أيضا يرونه كخطابٍ أجوف.

يحتوي آخر إصدار من مجلة الدولة الإسلامية باللغة الإنجليزية، دابق، والذي نُشِر قبل تأكيد وفاة الملا عمر، على مقالٍ مطول يهدف إلى الإجابة على سؤالٍ لـ”شخصٍ بارز في صفوف طالبان والذي … يرغب في إعلان ولاءه للبغدادي”، لكن تقلقه حقيقة أنه ملزم بالفعل بقسم ولاء للملا عمر. إذا كان الملا عمر حيا، هو يسأل، أفلا يعني ذلك أن إدعاء البغدادي كونه الخليفة “مشكوكٌ فيه”؟ ألا يُفترض أن ينتظر المسلمون الصالحون من “تأكد وفاة الملا عمر يقينا” قبل أن يمنحوا ولاءهم للبغدادي؟

ردا على ذلك، تعرض الدولة الإسلامية تحليلا كثيفا متحذلقا في ست صفحات يحوي إشارات إلى كل كل شيء من تعيين الضحاك بن قيس كنوعٍ من الخليفة المؤقت في دمشق عام 64 من الهجرة (أواخر القرن السابع بالتوقيت الجريجوري) إلى الرؤى الفقهية التي عبر عنها إمام الحرمين الجويني في كتابه غياث الأمم منذ حوالي 1,000 عام.

أنت لا تجمع حجة تتكون من 8,000 كلمة وتستغرق بحثا مكثفا إلا إذا كنت تعتقد أن الكلمات والأفكار مهمة بنفس قدر الوحشية الخالصة. تجاهل أعدائنا بوصفهم “لا يملكون رؤية” هو حماقة. إذا كنا نريد مواجهة أيديولوجيتهم، فأفضل ما نفعله هو أن نحاول فهمها.

8. قد لا يكون هناك تأثير لوفاة الملا عمر

يصل علماء الدولة الإسلامية المجهولين في النهاية إلى الاستنتاج الثقيل بأنه لا يجب أن يشعر أي شخص بوخز الضمير نتيجة تحويل الولاء من الملا عمر زعيم طالبان إلى البغدادي زعيم الدولة الإسلامية، لأنه حتى “إذا افترضنا أن الملا عمر مازال حيا … إذن فهو ومن معه ملزمون بطاعة (البغدادي) والخضوع له … وأيضا كل من أقسم بالولاء للملا عمر ملزم … بأن يعرف أن قسمه قد تم تجاوزه من قِبَل عهد آخر أكثر صلاحيةً وإلزاما، وهو عهد الولاء للبغدادي”. فبعد كل شيء، البغدادي هو القائد الشرعي لجميع المسلمين، بينما الملا عمر كان “على الأكثر … زعيما سابقا لإحدى الأراضي الإسلامية”.

المصدر

*ترجمة فريق موقع راقب