الأمن الأوروبي والـ2 بالمئة

  • أدى خفض الوجود الأمني الأمريكي في أوروبا والتراجع الكبير في القدرات العسكرية الأروربية منذ التسعينيات إلى خلق فراغ أمني في أوروبا. وتمثل المقياس التي حددها الناتو، 2 بالمئة، أداة لمواجهة تلك المشكلة.
  • كوسيلة لتحقيق زيادة في القدرات العسكرية، بالكاد يمثل مقياس الـ2 بالمئة وسيلة نافعة. حيث لا يقيس الإنفاق بالقيمة الحقيقية أو النتيجة الفعلية.
  • نجح ذلك الهدف قليلا في تحفيز النقاش حول الأمن الأوروبي. حيث أصبح مقياسا هاما يوضح من يلتزم ومن لا يلتزم سياسيا بالمهمة الجوهرية للناتو، وهي، أمن أوروبا.
  • يستهين الأوروبيون بالأهمية السياسية لمقياس الـ2 بالمئة في النقاش الأمريكي حول الالتزامات الأمنية تجاه أوروبا.
  • بينما يبالغ الأمريكيون في وصف الأهمية السياسية لذات المقياس وسط صراع الأوروبيين مع التقشف والتهديدات المتعددة المتصورة، ما يضفي المزيد من الصعوبة على التزاماتهم الأمنية.

استنتاجات

  • رغم العيوب النظرية، سيظل مقياس الـ2 بالمئة أداة الاختيار في النقاش حول الانفاق العسكري في الناتو. وسيؤدي تبني مقياس أكثر ذكاء إلى انتاج صورة أكثر تقدما عن الواقع، ولكن لن يكون له نفس التأثير السياسي.
  • سيركز النقاش الحقيقي بشكل أقل حول الإنفاق وبشكل أكبر على الانقسام المتسع حول المحيط الأطلسي بشأن الأمن في أوروبا. بينما ينتظر التساؤل حول هوية من سيضمن أمن أوروبا، في ضوء التحولات الإستراتيجية العالمية، جوابا.
  • ستجبر أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية في المستقبل إن أرادت التعامل مع التهديدات الكثيرة في جوارها. يشمل ذلك تبني إنفاق دفاع أكثر ذكاء، والمزيد من التعاون الدفاعي، والمزيد من التقديرات المشتركة للتهديدات، واتخاذ دور أكثر قيادية من جانب الدول الممتنعة حتى الآن.

قمة الناتو في ويلز

أصدر رؤساء دول وحكومات دول الناتو في 5 سبتمبر 2014 بيانا أتبع قمة الحلف في نيوبورت، ويلز. تشكل تلك الوثيقة أعلى مستوى من الاستجابة النظرية بصدد الأزمة التي تبلورت منذ خريف 2013 في أوكرانيا. حيث أدت تلك الأزمة إلى تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا، وتعتبر على نطاق واسع ممثلة لتحول جذري في الهيكل الأمني لأوروبا.

وسط جهود لطمئنة الدول الأعضاء بالجناح الشرقي للحلف، التي شعرت بالتهديد إزاء العمل الروسي العدائي في أوكرانيا وقلقت حول أن التزام الدفاع المشترك المنصوص عليه في المادة الخامسة من المعاهدة يحتاج إلى إعادة تأكيد، فتبنى الناتو مجموعة كاملة من الإجراءات. من حيث الأهمية بالنسبة لتطور الناتو كحلف سياسي وعسكري، يبرز اثنان من تلك الاجراءات. أولهما، تبني “خطة الجاهزية للعمل” التي تشتمل على مجموعة كاملة من الخطوات العسكرية الهادفة إلى تحسين قدرة الوضع العسكري للناتو على الردع على حدوده الشرقية. ثانيا، تعهد الدول الأعضاء بالناتو بالعمل على إنفاق 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الخاص بهم على الدفاع خلال عقد.

بينما تهدف خطة الجاهزية للعمل إلى مواجهة المخاوف الأمنية المباشرة النابعة من الأزمة الحادة الآخذة في التطور في الجوار المباشر للناتو، بينما يهدف تعهد الـ2 بالمئة إلى مواجهة مشكلة أكثر هيكلية في الحلف، ألا وهي، نقص التمويل. حيث نص البيان على أن:

  • جميع الحلفاء المنفذين بالفعل لمبدأ الناتو الذي ينص على إنفاق حد أدنى 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع سيسعون إلى مواصلة ذلك.
  • جميع من تنخفض مقاييس إنفاقهم على الدفاع عن هذا الحد:
    • سيوقفون أي خفض في إنفاق الدفاع.
    • سيسعون إلى زيادة إنفاق الدفاع من حيث القيمة الحقيقية مع نمو إجمالي الناتج المحلي.
    • سيسعون إلى تحقيق قاعدة الـ2 بالمئة خلال عقد، بغية تحقيق أهداف القدرة الخاصة بالناتو، وعلاج أوجه العجز في قدرات الحلف.

رغم أن تعهد مقياس الـ2 بالمئة ليس التزاما قاطعا على نحو قانوني من قبل الدول الأعضاء بالناتو، إلا أن تضمينه في البيان اعتبر على نطاق واسع ذي مغزى، بل وخطوة تاريخية أيضا. ورد الهدف في النقاش حول مستقبل الناتو وتشارك العبء منذ قمة الحلف في ريجا عام 2006 على الأقل. وقبل شهر من تلك القمة، وصفت فيكتوريا نولاند، السفيرة الأمريكية بالناتو في حينها، مقياس الـ2 بالمئة بأنه “حد أدنى غير رسمي” بالنسبة لإنفاق الدفاع في الناتو. ولكن لم يسبق أن تبنته جميع حكومات الناتو، 28 حكومة، بشكل رسمي على أعلى مستوى سياسي ممكن – أي، بيان قمة. وفي ضوء الاهتمام المتزايد بالأمن منذ بدء الأزمة الأوكرانية، حظيت مشكلة ذلك المقياس بأهمية سياسية متزايدة.

ولكن هل مقياس الـ2 بالمئة مفيد؟ وهل يمكن تحقيقه؟ ما معناه الحقيقي؟ تحمل إجابات تلك الأسئلة أهمية كبيرة بالنسبة للنقاش حول مستقبل الحلف.

بالأرقام: ناتو أكبر وتمويل أقل

في أوساط الحلف، تراكم خلال العقدين الأخيرين خوف وشعور بالإلحاح بشأن تطوير ميزانيات الدفاع. منذ نهاية الحرب الباردة في التسعينيات، انخفض إنفاق الدفاع الكلي بين أعضاء الناتو بشكل كبير جدا ومستمر لدرجة إثارة مخاوف جادة حول جاهزية الحلف عسكريا وقدرته على الحفاظ على مصداقية ضمانه لأمن الدول الأعضاء. أبرز قرار تبني مقياس الـ2 بالمئة تلك المخاوف، والتي توجت بالأزمة الأوكرانية.

في عام 1990، أنفق الأعضاء الأوروبيون بالناتو، وعددهم 14 عضوا، حوالي 314 مليار دولار على الدفاع المشترك. وفي عام 2015، يتوقع إنفاق الأعضاء الأوروبيون بالحلف حاليا، عددهم 26 عضوا، حوالي 227 مليار دولار على الدفاع. إذن فبينما تضاعف عدد الأعضاء الأوروبيون بالناتو تقريبا منذ عام 1990، انخفض إنفاقهم على الدفاع بنسبة 28 بالمئة منذ حينها. ووفق المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، هبط الإنفاق الألماني على الدفاع بنسبة 4,3 بالمئة منذ عام 2008 فقط. في ذات الفترة، خفضت المملكة المتحدة إنفاقها على الدفاع بنسبة 9,1 بالمئة، وكذلك إيطاليا بنسبة 21 بالمئة. أحدث ذلك هبوطا حادا في القدرات العسكرية بالدول الأعضاء الأكبر والأبرز، كما أحدث المزيد من عدم التوازن في تشارك العبء، وهو غير المتكافئ بالأساس.

في الواقع، لم ينخفض اعتماد الحلفاء الأوروبيون بالحلف على الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، بل ازداد. بالنسبة لمقياس إجمالي الناتج المحلي، هبط إنفاق الدفاع من قبل الحلفاء الأوروبيون من متوسط 2 بالمئة بين عامي 1995 و1999 إلى 1,5 بالمئة عام 2014، بينما ارتفاع إنفاق الدفاع الأمريكي من 3,1 بالمئة إلى 3,4 بالمئة في ذات الفترة. في عام 1995، مثَّل إنفاق الدفاع الأمريكي نسبة 59 بالمئة من إجمالي إنفاق الدفاع الخاص بالناتو، بينما في 2015، يتوقع أن تتجاوز تلك النسبة 70 بالمئة. صحيح أنه لا يخصص كامل إنفاق الدفاع الأمريكي لأمن أوروبا – وهو الاختصاص الأصلي للناتو – إلا أنه من الواضح أن الحلفاء الأوروبيون بالناتو قد تراجعوا بصدد مشكلة تشارك العبء المالي في الحلف.

يتوقع تحقيق خمسة فقط من الدول الأعضاء بالناتو (إستونيا، واليونان، وبولندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) لهدف الـ2 بالمئة في عام 2015، بزيادة دولة واحدة – بولندا – عن عام 2014. وبشكل عام، أظهر أعضاء الناتو الأوروبيون القليل من الحماسة تجاه تعزيز إنفاقهم على الدفاع بشكل كبير منذ قمة ويلز، رغم إصدار عدد من البيانات حول الإنفاق المتزايد على مشروعات التسليح المتنوعة. ولكن حتى نكون عادلين، كان معظم دورات الميزانيات الوطنية لعام 2015 قد تقدمت للغاية بالفعل أو انتهت بحلول فترة لقاء الحكومات في ويلز في مطلع سبتمبر 2014 للتعهد بتعزيز الإنفاق.

بشكل عام، لم يظهر توجه واضح. حيث أظهر عدد جيد من أعضاء الناتو الأوروبيين استعدادا لإنفاق المزيد عام 2015، ولكن القوى العسكرية ذات الصلة ليست ضمن هؤلاء الأعضاء. وحتى من ينوون إنفاق المزيد لا ينفقون، إلى حد كبير، بشكل يقربهم إلى الحد الأدنى الحازم، 2 بالمئة. بينما يمكن تفسير تلك الأرقام بشكل إيجابي، لا تبدو مبشرة بالكثير من الأمل وأن قدرات عسكرية أكبر كثيرا ستنضم إلى ترسانة الناتو في أي وقت قريب. لا بد أن يزداد تركز النقاش حول تعهد الـ2 بالمئة ومنطقه الإستراتيجي خلال السنوات القادمة.

الخلفية الإستراتيجية: الفراغ الأمني في أوروبا

يبدو السؤال حول إن كان يجب على حلفاء الناتو أن ينفقوا 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع أم لا كسؤال فني ظاهريا. ولكنه ليس موضوعا معزولا يحظى بأهميته من القلق الحاد والإجرائي المتعلق بالأحداث الجارية داخليا في الناتو. كما لا يتعلق الأمر فقط بتلك التحديات الأكثر ارتباطا بالحلف، ألا وهي، القدرات العسكرية وتشارك عبء التحالف.

تنبع أهمية مشكلة الـ2 بالمئة من سؤال إستراتيجي أوسع، تراكم في أوروبا منذ مطلع التسعينيات ولم يجد إجابة حتى الآن. إنه التساؤل حول هوية المسؤول عن إبقاء أوروبا آمنة وحرة، الأوروبيون أم الأمريكيون – أم كلاهما.

منذ عام 1949، مثلت الولايات المتحدة القوة الضامنة لأوروبا (الغربية). باستخدام ترسانة أسلحتها النووية والوجود المكثف للقوات في أنحاء أوروبا، صُمم الردع الأمريكي الموسع لإبقاء حلفاء أمريكا الأوروبيين آمنين من الغزو البري والابتزاز السياسي. وبعد نهاية الحرب الباردة، ظل الضمان الأمني الأمريكي على حاله، بل وتم تمديده إلى أجزاء من أوروبا، لا تزال مقصاة من القارة حتى الآن. صُمم الناتو، كمنظمة سياسية، لإدارة ذلك الضمان الأمني ولجعل الأوروبيين أنفسهم أصحاب مصلحة فيه. لم يغب أبدا ذلك المبدأ الأساسي للنظام السياسي في أوروبا ويظل مطبقا حتى اليوم.

إلا أن الصفقة العسكرية السياسية التي ترتكز عليها تلك التسوية كانت محل تساؤل خلال العقد الماضي. حيث خُفِّضَ التواجد العسكري الأمريكي الدائم في أوروبا بشكل كبير منذ التسعينيات، ويستمر في التقلص. وفي ذات الوقت، لم يرفع الأوروبيون قدراتهم العسكرية لتعويض البصمة الأمريكية المنكمشة في قارتهم. لا يزال الضمان الأمني الأمريكي قائما، ويعتقد القليلون أن الولايات المتحدة لن ترعى التزاماتها في حال تعرض الحلفاء الأوروبيين لهجوم. إلا أن الشكوك قد ظهرت حول إن كان وضع القوات المخفَّضة، إلى الحد الأدنى، في أوروبا سيسمح للولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا، حتى إن أرادت ذلك. وفي غضون ذلك، يستمر الأوروبيون، بشكل عام، في خفض قدراتهم العسكرية.

تتمثل النتيجة النهائية في الفراغ الأمني الناشئ: فكلا الولايات المتحدة وأوروبا أصبحتا أقل قدرة على الصعيد العسكري في أوروبا، وتتركان مساحة إستراتيجية مفرغة يمكن على نحو محتمل ملؤها، أو استغلالها على الأقل، من قبل القوى الخارجية. قبل حتى الأزمة الأوكرانية وظهور الخوف من روسيا مجددا في أوروبا، مثل ذلك التطور الكلي في الأمن الأوروبي مشكلة إستراتيجية. حيث كان الجوار الأوروبي عادة غير مستقر ومصدرا للصراع والحرب طوال عقود عديدة – من الصراع المتجمد في المنطقة الانفصالية بمولدوفا، ترانسنيستريا، إلى غربي البلقان إلى الأزمة السورية وظهور التنظيم الجهادي الذي أعلن نفسه دولة إسلامية في الشرق الأوسط إلى الاضطراب في ليبيا والتدفقات الهائلة من المهاجرين عبر شمال أفريقيا.

أضِف إلى ذلك تزعزع الاستقرار المتنامي في شرقي أوروبا والصراعات المحتملة في المنطقة الأوروبية الأوسع (القطب الشمالي، وآسيا الوسطى، والقوقاز، والخليج، وجنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا)، وظهور صورة لقارة معرضة لمخاطر أمنية كبيرة.

وبالتالي بينما أصبح هذا الوضع الإستراتيجي أكثر خطورة خلال العقد الماضي على الأقل، تقلص رأس المال السياسي الذي يستطيع القادة في أوروبا والولايات المتحدة إنفاقه فيما يتعلق بالمشكلات الأمنية التي تمس حلفائهم الأوروبيين في أوروبا. تجد الحكومات الأوروبية صعوبة في الحفاظ على الدعم السياسي، ليس فقط من أجل إنفاق الدفاع، بل وعلى نحو أكثر جذرية، لصياغة مفاهيم للأمن كالدفاع الإقليمي والغزو التوسعي.

حتى رئيس وزراء دولة قوية ولديها توجهات تدخلية عادة مثل المملكة المتحدة لا يستطيع أن يكون متأكدا بشأن الصلاحيات التنفيذية غير المقيدة في مجال عمليات النشر العسكري. فبينما قد يمثل ذلك تطورا مرحبا به من وجهة نظر شرعية ديموقراطية نظرية، إلا أنه يبرز نقص الموارد المتاحة للحفاظ على مستويات الجاهزية المتناسبة مع التهديدات في محيط أوروبا.

وفي غضون ذلك، في الولايات المتحدة، أدت حتمية تحويل التركيز الإستراتيجي والأصول السياسية والعسكرية نحو منطقة آسيا المحيط الهادي إلى خفض الأهمية السياسية للمخاوف الإستراتيجية الأوروبية في أوساط النخبة وصناع القرار بواشنطن. لقد أصبح أصعب الآن على أي رئيس أمريكي أن يطرح مسألة الإنفاق الحكومي في أوروبا، وأصبح كسب الانتباه السياسي عند تناول الشؤون الأوروبية أقل سهولة.

قد يكون ذلك جزئيا مسألة اختيار بالنيابة عن أمريكا أقل اهتماما بالشؤون الأوروبية، ولكنه بشكل رئيسي مسألة ضرورية. وبشكل شبه مؤكد، لن تمثل أوروبا السوق الأهم لاستقرار العالم، بل سيكون آسيا، حيث يلوح صراع القوى العظمى بقوة ويتمثل النظام القائم بالفعل في الاختلالات الإقليمية، والمظالم التاريخية، وغياب الثقة، والتوازن العسكري المضاد. فحتى إن أرادت الولايات المتحدة التركيز على أوروبا مثلما اعتادت في الماضي، لن تستطيع.

بين حاجة أمريكا لخفض تواجدها في أوروبا والعجز الأوروبي وعدم الاستعداد للعودة، يظهر فراغ القوة والأمن. حيث يترك الأمريكيون والأوروبيون مساحة إستراتيجية مفرغة يمكن ملؤها على نحو محتمل، أو على الأقل استغلالها، من قبل القوى الخارجية. يؤثر ذلك الفراغ على كامل الساحة الإستراتيجية الأوروبية ولكنه أكثر وضوحا في شرق أوروبا، حيث تنكشف أراضي الناتو إلى أقصى درجة، ولا تتمركز قوات مقاتلة تابعة للناتو بشكل دائم.

دار النقاش حول كيفية ملئ الفراغ لمدة عقدين تقريبا، ولكن الأزمة الأوكرانية جعلت المعضلة الإستراتيجية الأوروبية مختلفة عن أي أزمة سابقة. فمن يعتني بأمن أوروبا عندما تكون أمريكا أقل احتمالا لتحمل الجزء الأكبر من العبء؟

يمثل النقاش الدائر حول هدف إنفاق الـ2 بالمئة في الناتو أحد الأعراض العديدة للصراع المتعلق بالتعامل مع هذا السؤال، هناك مؤشرات أخرى حول مدى جذرية، وبالتالي أيضا عاطفية، السؤال حول أمن أوروبا. يمثل الحوار حول إن كان الناتو يجب أن ينشر قواته بشكل دائم في أراضي حلف وارسو السابق أحد تلك المؤشرات. ويمثل التبادل الجاري للآراء حول الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي كلاعب عسكري محتمل مؤشرا آخر، والذي أثير مؤخرا إثر اقتراح لرئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، بتأسيس جيش مستقل تابع للاتحاد الأوروبي. في إطار ذلك الحوار الأوسع، تعرض حتى الناتو نفسه ودوره الاستثنائي كموفر لأمن أوروبا للتشكيك.

كما تمثل النقاشات حول الحاجة إلى هيكل أمني جديد بالكامل لأوروبا – هيكل يشمل روسيا ودول شرق أوروبا التي تتمتع بفرص قليلة للانضمام للناتو – إظهارا أكبر لمدى تنوع المحاولات للتعامل مع السؤال الجوهري لأوروبا. يشير بعض المحللين إلى ألمانيا ويسندون أهمية كبيرة إلى حقيقة أن العملاقة الاقتصادية الأوروبية تصبح المزودة للقارة بالقوة الصارمة، وهو دور لا تشعر ألمانيا بالارتياح لتوليه، لعدد من الأسباب. كما اعتبر النقاش البريطاني حول تحديث النظام المسن للردع النووي، القائم على الغواصات، أم لا كجزء من الحوار الأوسع حول كيفية ملئ الفراغ الإستراتيجي في أوروبا.

بينما يتمثل مشهد آخر للمشكلة في الحوار المحفز حول القيمة الإستراتيجية لشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، التي ستبرم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يقول البعض أن الاتفاق يمثل الفرصة الأخيرة لتعزيز الاتصال عبر الأطلسي بشكل يربط الجانبين معا كشركاء إستراتيجيين، وبالتالي خلق تأثير امتداد أمني نتيجة للاتفاق التجاري. بينما يقول آخرون إن المخاوف الإستراتيجية الأوروبية ستواجه بأفضل شكل عبر اتباع نهج إقليمي تجاه الأمن، ما يشير إلى أن النورديكيين، والشرقيين، والجنوبيين في الاتحاد الأوروبي هم الأكفأ، والأكثر توافقا بطبيعة الحال، وبالتالي فهم الأكثر ملائمة لتأمين مناطقهم.

وسط تلك الأعراض، قد تكون مشكلة الـ2 بالمئة هي الأقل وضوحا للجمهور، ولكن حسبما توضح جاهزية الدول الأعضاء بالناتو لتخصيص الأموال، يمكن القول إنها تمثل المؤشر الأهم حول مدى الجدية في تناول القضايا الإستراتيجية الأساسية. لا يخلو الأمر من قدر من المأساة أن قضية مثل هذه، تحمل تلك الدرجة من الشمول والأهمية الشديدة، ربما دارت حولها نقاشات ساخنة كتخوف متعلق بالميزانية وليس، كما تستحق، كقضية مرتبطة بالنفوذ الجيوستراتيجي في أوروبا، وقيمة الضمانات الأمنية الأمريكية، وفي النهاية، مستقبل النظام العالمي الليبرالي.

إيجاد المقياس: مزايا وعيوب مقياس الـ2 بالمئة

وبالتالي يقع عبء ثقيل على تعهد الـ2 بالمئة. حيث يعمل كوكيل يتم من خلاله إعاقة مشكلة جيوسياسية أكبر للغاية. هل الفكرة قوية كفاية لتحقق ذلك؟ أثيرت شكوك جادة حول قيمة الـ2 بالمئة كمقياس مفيد. يؤدي الاطلاع على نقاط الضعف النظرية لذلك الهدف سبب كونه عرضة للانتقاد.

الانتقاد الأكثر تكرارا وربما الأكثر جوهرية الموجه ضده هو أنه يقيس المدخلات وليس النتائج. فالإنفاق بمقياس 2 بالمئة لا يوضح كثيرا القدرات العسكرية الفعلية للبلاد، ولا جاهزيتها، ولا عمليات الانتشار، ولا مستويات الاستمرارية، وكفاءة القوات التي يمكن إيفادها. كما أنه مبهم بشأن جاهزية الدولة لنشر القوات وتحمل المخاطر بعد نشر تلك القوات. ولا يقيس إن كانت الدولة تنفق مواردها المحدودة بذكاء. وأخيرا، لا تخبرنا شيئا عن معدلات الاستثمار أو الأبحاث أو التنمية في الميزانيات، والتي تعتبر عادة ضمن المؤشرات الأهم حول إن كانت البلاد جادة بشأن جهودها للدفاع.

يقول انتقاد آخر إن مقياس الإنفاق المفيد لا يأتي في شكل نسبة من إجمالي الناتج المحلي، بل بالإنفاق الكلي للحكومة. فقط عند ذلك سيمثل بالفعل مؤشرا على الإرادة السياسية. إلا أن محللا آخر يزعم أن ذلك الهدف لا يؤدي “بشكل جيد بالمقياس إلى تقييم تشارك العبء”، كما أنه ليس مفيدا بشكل خاص في “تحديد حجم تشارك الخطر”، والذي سيكون كلاهما أقرب إلى الحوار الذي يحتاجه الناتو بالفعل.

من مساوئ مقياس الـ2 بالمئة بالتأكيد أنه يمثل معيارا تعسفيا. فلماذا 2 بالمئة، وليس 3 أو 5، أو 1,5؟ لا نستطيع إيجاد إجابة مقنعة، رغم زعم مسؤول رفيع المستوى في قسم سياسات الدفاع والتخطيط بالناتو بشكل متكرر أن، تقريبا من قبيل المصادفة، الإنفاق بنسبة 2 بالمئة سيوجد أموالا كافية ليشتري الناتو والدول الأعضاء به جميع تلك القدرات التي أقر الحلف نقصها في تقييماته الداخلية لفارق القدرة.

بشكل عام، يبدو مقياس الـ2 بالمئة ضعيفا عند مقارنته بالمعايير النوعية. فلا يوضح أي شيء عن قدرة الدولة على استيعاب الأموال بشكل ينتج قدرات عسكرية إضافية ملموسة. كما لا يرقى إلى التوافق مع التقييمات الفعلية للتهديدات والمتطلبات الإستراتيجية الأخرى التي قد تحددها الحكومة. وبالنسبة لأي من تلك المتطلبات، يعتبر مقياس الـ2 بالمئة ببساطة ثابتا ومبسطا للغاية.

يتمثل عيب إضافي، من منظور مؤسسي، في أن مقياس 2 بالمئة يوجد خطرا كبيرا على المصداقية بالنسبة للناتو. فقد التزم الحلف، بهدوء، بتحقيق الهدف خلال جدول زمني يمتد إلى عشر سنوات. وسيعتبر أي فشل في تحقيق الهدف (أو الاقتراب منه على الأقل) دليلا على مدى الانفصال الذي أصبحت فيه الدول الأعضاء، وحجم القوة الملزمة التي تتمتع بها التزامات الحلف.

علاوة على ذلك، يخلص الموعد النهائي المنصوص عليه للتنفيذ، بعد عشر سنوات، الحكومات الحالية من مأزقها ويزيد الإغراء لترك مهمة التطبيق المؤلم إلى الحكومات التالية. ففرص أن يظل أي من الحكومات الموقعة في السلطة بحلول عام 2024 ضئيلة للغاية. وبالتالي يأتي تجاهل الالتزامات بعيدة المدى حرا من أي تكلفة سياسية تقريبا.

وأخيرا، زعم المنتقدون لذلك النموذج أن مقياس 2 بالمئة ليس مقياسا ضعيفا فقط، بل ويمثل تشتيتا بعيدا عن المشكلات الحقيقية للناتو. تتمثل تلك المشكلات في غياب التقدير المشترك للتهديدات بين الحلفاء الـ28، وبطء اتخاذ القرارات في مجلس شمال الأطلسي، ونقص قدرات التحذير المبكر، ضمن مشكلات أخرى.

في ضوء هذه المجموعة من الحجج التي تهاجم مقياس الـ2 بالمئة، يبدو واضحا أن المقياس لا يزال مستخدما. ولكن عند الاطلاع على مزايا الفكرة نرى عجز أي حجة فنية عن عرقلة فكرة عندما يحين وقتها.

أولا، يحظى مقياس الـ2 بالمئة بقيمة على الصعيد السياسي. حيث يلخص مشكلة معقدة إلى أمر عددي بسيط. كما يمكن إدراكه سريعا، ويمكن بسهولة من خلاله قياس الفشل أو النجاح في تحقيق الهدف. تلك الفائدة البارزة في الحوار السياسي هي السبب الرئيسي لاعتبار مقياس الـ2 بالمئة ركيزة أساسية في الجهود الهادفة إلى استقراء مستقبل الناتو.

إلا أن الأهمية السياسية لذلك المقياس لا تتمتع بالملائمة العملية. فعلى مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، اكتسب مقياس الـ2 بالمئة جاذبية كبيرة في الولايات المتحدة بصفته المعادلة الوحيدة التي تحتسب عندما يتعلق الأمر بقياس إخلاص أوروبا تجاه الأمن المشترك وجهود الدفاع في الناتو.

بعيدا جدا عما يقيسه بالفعل مقياس الـ2 بالمئة، ترى الآن قدرة الحلفاء الأوروبيين أو عجزهم عن تحقيق النسبة كمؤشر رئيسي لجودة الشراكة عبر الأطلسي. فمن وجهة نظر واشنطن، يقسم مقياس 2 بالمئة النوعي بسهولة حلفاء أمريكا إلى فئتين نوعيتين من الشركاء والفرسان الأحرار. فليس من المفاجئ أن الإدارات الأمريكية – وتحديدا، الذين يرغبون بقوة في توفير الأمن الأوروبي – ظلت مرارا وتكرارا أعضاء بالناتو من أجل التحرك نحو مقياس الـ2 بالمئة. يحتاج هؤلاء الأمريكيون إلى أكبر عدد من الدول المحققة للنسبة في أوروبا حتى يطرحوا المشكلة في بلدهم بالكونجرس وأمام الجمهور ويقولوا إن أوروبا لا تزال متوافقة معهم، ومستعدة للرد بالمثل على المشاركة الأمريكية، وبالتالي فإنها مستحقة سياسيا ومعنويا للاستثمار الأمني الأمريكي المستمر.

وبالفعل، حتى مع إقرار العديد من المراقبين الأوروبيين والمسؤولين بالناتو أن مقياس الـ2 بالمئة، بالرغم من عيوبه النظرية، يمثل كأداة سياسية. حيث لا يُرى الآن على نطاق واسع (وبشكل صحيح) كمحفز هادف إلى المزيد من القدرات العسكرية بل كمؤشر على الرغبة السياسية. من يبذلون جهودا لتحقيق النسبة، أو الاقتراب منها، ينظر إليهم كمستثمرين في الأمن عبر الأطلسي، بغض النظر عما تشتريه لهم تلك الأموال بالفعل. بينما ينظر إلى البقية كمحجمين أو منعزلين، بغض النظر عن مدى نشاطهم أو مشاركتهم في خلاف ذلك. “يتم التحديد والتعيير على أساس مقياس الـ2 بالمئة”، حسبما أوضح مسؤول بارز بالناتو، “أصبح ذلك الآن جزءًا من التخطيط الدفاعي للناتو. ففي كل عام، تضطر كل دولة ضعيفة الأداء إلى توضيح سبب عدم تحقيقها للأهداف. وبمرور الوقت، سيكون لتلك الخطوة تأثير”.

قد يكون ذلك صحيحا، رغم أن السجل متداخل. حيث تبدو ألمانيا غير معجبة بأداءها الضعيف بصدد هدف الـ2 بالمئة، وأعلنت بلجيكا بالفعل أنها لن تطمح إلى تحقيق النسبة. حيث قال وزير الدفاع البلجيكي، ستيفين فانديبوت، في فبراير 2015 إن إنفاق بلاده على الدفاع سوف يهبط إلى حوالي نصف بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2019، زاعما أن الحكومة ستسعى بعد ذلك إلى إرجاع الإنفاق ليتراوح بين 1,5 و1,6 بالمئة بحلول عام 2030. اعتبر ذلك على نطاق واسع تخليا غير مباشر عن تعهد الـ2 بالمئة من قبل الحكومة البلجيكية التي وقعت إعلان ويلز منذ أشهر قليلة.

ولكن دول أخرى، مثل المملكة المتحدة، قطعت أشواطا طويلة لضمان ألا تنخفض عن الحد، بما أن خسارة الهيبة والقدرة التفاوضية في الناتو ستكون كبيرة. بالفعل، أعادت حكومة المملكة المتحدة تسمية أجزاء من ميزانيتها حتى يتم احتساب المصروفات ضمن إنفاق الدفاع، وبالتالي الإبقاء على ميزانيتها الدفاعية المتقلصة فوق حاجز الـ2 بالمئة.

أدت نقاط الضعف النظرية الخاصة بمقياس الـ2 بالمئة إلى إجراء بحث لإيجاد وسائل بديلة لقياس مدى إخلاص الدول لجهود الدفاع المشترك الخاصة بالناتو. ففي عام 2011، كلف الحلف مجموعة عاملة بتطوير مقياس أكثر توجيها نحو النتائج. وفي أغسطس 2011، قدم مركز الدروس المستفادة والتحليل المشترك التابع للناتو إلى وزراء دفاع الحلف تقريرا يقيم 13 مقياسا للدفاع مقسمين إلى خمس مجموعات. تضمنت الفئات القدرة النوعية على نشر القوات واستمراريتها بعد نشرها، والتزامات الدولة العملياتية تجاه الناتو، والإسهامات المقدمة إلى هيكل القيادة الخاص بالناتو، ومقاييس نتائج الاستثمار.

كأداة للتخطيط الدفاعي للناتو، استخدم ذلك المؤشر سنويا منذ تدشينه. ولكن التقارير سرية ومخصصة للاستخدام الداخلي فقط، لذلك فإن القيمة السياسية لذلك المعيار الأكثر تقدما محدودة. ووفق مصادر بالناتو، تعتبر الأداة الجديدة فعالة جدا في خلق ضغوط داخل الحلف على الدول ضعيفة الأداء. ولكن لا تريد أي دولة عضوة أن تخاطر بأن تحدد وتعاير بشكل معلن، لذلك يظل تطبيقه، إلى حد كبير، خفيا. لا عجب أن مركز الدروس المستفادة والتحليل المشترك لم يستبدل تماما مقياس الـ2 بالمئة في النقاشات السياسية الداخلية بالناتو ولم يصبح عاملا في الحوار العام الأوسع. تبدو الدول الأعضاء قادرة على قبول التسمية والتعيير عندما لا يحدثا بناء على مقياس الـ2 بالمئة الصعب وغير المتقدم، ولكنهم يحاولون تجنبه عندما يقوم على بيانات أكثر تفصيلا بكثير وبالتالي أكثر كشفا.

تتمثل قوة مقياس الـ2 بالمئة في انتصاره للتبسيط على التعقيد. وحقيقة أن من يناصرون استخدامه قد نجحوا، عبر الإصرار والتكرار، في تحويله إلى مشكلة رمزية – مشكلة تحظى بأهمية سياسية أكبر مما تستحق وفق مزاياها الفنية وحدها – تمثل دليلا على ذلك.

ما مدى واقعية هدف إنفاق 2 بالمئة؟

إن أصبح مقياس 2 بالمئة المعيار الذهبي لإنفاق الدفاع في النقاش حول مستقبل الناتو، إذن فما مدى واقعية تحقيق ذلك الهدف؟ يسود التشاؤم عند تناول تلك الإشكالية. “ذلك المبدأ … إن اتخذ بشكل حرفي، سيخلق موقفا مستحيلا بالنسبة لبعض الحلفاء”، حسبما يذكر إيان أنثوني بمعهد ستوكهولم للسلام الدولي. فدولة مثل ألمانيا يجب أن تستوعب 74 مليار يورو (82 مليار دولار) من إنفاق الدفاع بدلا من قيمته الحالية 37 مليار يورو (41 مليار دولار)، وهو أمر لن تكون قادرة على فعله (ولا مستعدة)ـ وسيؤدي ذلك بدوره إلى “القصور والتبديد، بدلا من زيادة القدرة النافعة”.

تمثل ألمانيا أيضا محل تركيز نقاش آخر يهدف إلى جعل الـ2 بالمئة تبدو غير واقعية. فالزيادة الهائلة في صافي إنفاق الدفاع في ألمانيا، مع اقتصادها الكبير، التي ستنتج عن مقياس 2 بالمئة قد تحدث درجة من التوتر وسط بعض حلفاء البلاد. كما يقول كارل هاينز من الأكاديمية الاتحادية الألمانية لسياسات الأمن، “إن أنفقت ألمانيا 2 بالمئة من إجماليها الضخم للناتج المحلي، ستنتج ميزانية دفاع تطغى على ميزانيات فرنسا وإنجلترا، ما سيحدث المزيد من القلق، بدلا من طمأنة جيرانها”. تعتبر تلك الحجة ضعيفة، بما أنها تتشكك بشكل أساسي في الموثوقية السياسية لشريك بارز بالناتو، والذي يقع تحت أكبر ضغط لإنفاق المزيد على الدفاع. بشكل أكبر، إنها حجة دفاعية أنانية تنتقد إنفاق الدفاع الأكبر الذي استخدم بشكل رئيسي من قبل الألمان أنفسهم، وليس إلى درجة كبيرة من قبل حلفاء الناتو الآخرين.

ولكن نقص القدرة بين الدول الأعضاء لاستيعاب ميزانيات متزايدة بشكل كبير ليس العامل الوحيد الذي يؤدي إلى إثارة شكوك حول تحقيق هدف الـ2 بالمئة. بل ينبع أكبر قلق من حقيقة أن العديد من دول الناتو قد وافقت على تعهد الـ2 بالمئة في ويلز ولكنها ليس لديها نية حقيقية لتحقيق تعهدها. “لا تتمثل المشكلة في أن معظم حلفاء الناتو سيفشلون في تحقيق نسبة الـ2 بالمئة. بل المشكلة في تلك الدول التي لن تحاول حتى تحقيقها”، حسبما يوضح كامب. حيث تبدو القرارات المبدئية المتعلقة بالميزانيات التي اتخذت في نفس توقيت قمة ويلز أو بعدها، وحتى البيانات العامة من قبل العديد من الدول الأعضاء، مشيرة إلى أن الرغبة السياسية في تحقيق نسبة الـ2 بالمئة بالفعل غير نامية في أنحاء الناتو.

تمثل أيضا المخاوف الاقتصادية أسبابا للتشكك حول أن تعهد نسبة الـ2 بالمئة يمكن تحقيقها. “طالما استمر التقشف شعارا اقتصاديا لمنطقة اليورو، من غير المرجح تحقيق الحلفاء الأوروبيين للهدف”، حسبما يقول أحد الباحثين. في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة، يزعم عادة أن انقلاب الاتجاه الهابط في إنفاق الدفاع سيمثل بالفعل نجاحا، ولكن الزيادة التي تتجاوز مقياس 2 بالمئة ستكون أكثر من أن تنتظر على نحو واقعي.

تجعل قمة ويلز نفسها نسبة الـ2 بالمئة معتمدة على التنمية الاقتصادية الإيجابية، حيث نصت على أن الحلفاء “يسعون لزيادة مخصصات الدفاع بالقيمة الفعلية لزيادة إجمالي الناتج المحلي”. يهدف ذلك الاشتراط إلى توليد المزيد من إنفاق الدفاع من اللحظة التي يبدأ فيها التعافي الاقتصادي. إلا أن حجم النمو اللازم لزيادة إنفاق الدفاع ليس محددا، ولم يذكر حتى مرجع زمني لفترة النمو المشار إليه. هل يجب قياس الإنفاق مقابل صافي نمو إجمالي الناتج المحلي بصفة سنوية، أم يجب أن يصبح معدل النمو هو المقياس؟ أم يجب أن يقاس نمو إجمالي الناتج المحلي مقابل نقطة ثابتة في الزمن – على سبيل المثال، إجمالي الناتج المحلي قبل الأزمة المالية؟

في الواقع، قد يوفر ذلك الاشتراط بابًا خلفيا لمن لا ينوون إنفاق المزيد. حيث ستتمكن دائما الدول الأعضاء غير المستعدة من تفسير تلك القواعد الميسرة بأي شكل يريدونه لتجنب الزيادة في إنفاق الدفاع.

بالنسبة للاقتصادات المنكمشة، يجعل مقياس 2 بالمئة الأمر أسهل عليهم لتجنب زيادة الإنفاق لأن الحكومات يمكنها إجراء تعديلات نحو المستويات المطلوبة من قبل الناتو دون فعل الكثير. فإن ظَلَّ صافي إنفاق الدفاع على حاله في اقتصاد منكمش، يرتفع المقياس تلقائيا، رغم أن إبقاء مستويات الإنفاق على حالها قد لا يكون سهلا على الصعيد السياسي في حال الكساد الاقتصادي. وفي الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى تحقيق دول لمقياس 2 بالمئة مع الإنفاق بشكل أقل على الدفاع.

بالتطلع إلى الأمام، في ظل النمو الأوروبي البطيء والضبابية المستمرة حول المستقبل الاقتصادي بعد أزمة اليورو، ستظل الاعتبارات الاقتصادية عوامل رئيسية لضعف أداء الأوروبيين بصدد معيار الـ2 بالمئة.

إلا أن السبب الرئيسي لاستمرار محللي الدفاع في تشككهم بشأن مقياس الـ2 بالمئة لا يتعلق بالاقتصاد. بل يذكرون مشكلتين، أولا، أن العامل الحاسم بالفعل الذي يحرك إنفاق الدفاع ليس التعهد متعدد الأطراف على مستوى الناتو وليس العافية الاقتصادية، بل التهديدات المتصورة. ولا يشعر الأوروبيون، رغم الأزمة الأوكرانية والزيادة في الأنشطة الإرهابية العالمية على أراضيهم وجوارهم، بالتهديد بشكل كافٍ حتى يقلقوا بشأن مستوياتهم المنخفضة من القدرة العسكرية. ثانيا، أن الأوروبيون يستمرون في الاعتماد على الولايات المتحدة لرفع تكاليف الحفاظ على أمن أوروبا، وأنه لا يمكن لأي تحذيرات أو مناشدات من جانب واشنطن أن تقنعهم بأن الأمريكيين لن يستمروا في فعل ذلك.

بشكل عام، من غير الواقعي تماما أن يحقق جميع حلفاء الناتو الـ28 هدف الـ2 بالمئة. ظاهريا، قد يبدو ذلك كمشكلة محتملة في المصداقية بالنسبة للناتو. إن لم يرجح تنفيذ التعهد المقدم على أعلى مستوى سياسي للحلف، فإن وضع الناتو كحجر زاوية الأمن الأوروبي قد يتضرر بشدة.

في ذات الوقت، لن تتمثل المشكلة إلى حد كبير بالنسبة للحلف في تحقيق مقياس الـ2 بالمئة. حيث سيكون مضرا بشكل أكبر إن لم تحاول الدول الأعضاء حتى أن تقترب من ذلك المستوى. “بالنسبة للأمن العام للناتو، قد يكون من الأهم للحلفاء أن يبدأوا التحرك نحو هذا الهدف من أن ينفذوا التزاماتهم بالفعل”، وفق سينان أولجين من كارنيجي. ولكن تحقيق الهدف كان غير محتملا منذ البداية. إلا أن عدم المحاولة حتى، قد تُرى كعلامة واضحة على اللامبالاة بالتضامن عبر الأطلسي، وهو سلوك أكثر إزعاجا على نحو محتمل من ضعف الإنفاق نفسه.

ربما قد يضعف موقف الأمين العام للناتو، ينس شتولتنبرج، عبر إظهار ضعف دوره. اتخذ شتولتنبرج نتائج ويلز برنامجا خاصا به بعد وصوله إلى منصبه في أكتوبر 2014، وسواء أكان سيعتبر ناجحا في منصبه أم لا؛ سيعتمد إلى حد كبير على قدرته على جعل الحلفاء يذعنون لبرنامج ويلز.

في الواقع، لا تقوم أهمية مقياس الـ2 بالمئة أيضا على جميع الدول الأعضاء – بل على حفنة قليلة منهم. حيث سيكون للزيادة في إنفاق الدفاع أثر ملموس من حيث القدرات العسكرية المتزايدة في الناتو إن جاءت من أكبر ستة منفقين (لا يشملون الولايات المتحدة). تلك الدول، حسب الترتيب التنازلي، لعام 2015 هي: المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأسبانيا، وكندا. في جميع الدول الأخرى، مع الاستثناء المحتمل لهولندا، يشير المقدار الصغير لإنفاقهم على الدفاع إلى أن تحقيق مقياس 2 بالمئة لن يمثل نموا ملموسا في القدرات الحقيقية، حتى إن أنفقت الأموال الإضافية بأكثر الطرق الممكنة حكمة.

إن تركزت نسبة الـ2 بالمئة على تلك الدول التي تصنع الفارق فقط، فإن احتمالات تحقق ذلك الهدف – أو حتى تحقيق زيادة كبيرة لا تتخطى حد الـ2 بالمئة – لا تزال قاتمة. فحقيقة أن القيمة العسكرية للـ2 بالمئة تقرر في تلك البلدان الستة لا تبشر بالخير، بما أن معظمهم سوف يزيد إنفاقه بشكل هامشي فقط مثل ألمانيا، أو سيصارع لإبقائه عند مستواه الحالي مثل المملكة المتحدة (وإن كان عند مستوى أعلى)، أو تجري عليه المزيد من التخفيض مثل إيطاليا وأسبانيا.

تحقق المملكة المتحدة وفرنسا بالفعل نسبة الـ2 بالمئة، أو تقتربا منها، لذلك فإن العبء يقع بشكل أقل عليهما من وقوعه على الدول الأخرى. لا يمكن إنقاذ هذا الموقف بواسطة دول مثل بولندا وبعض الدول الأخرى التي قررت زيادة ميزانيتها الدفاعية إلى 2 بالمئة أو إلى معدل قريب منه. فأسس ميزانياتها ومستويات قدراتها العسكرية أصغر من أن تصنع ذلك الفارق الحاسم.

يبدو أن احتمالية أن تلك الـ2 بالمئة سوف تحقق النتائج العسكرية المصممة لإنتاجها ضئيلة للغاية. يتمحور السؤال الآن حول إن كان ذلك يمثل بالفعل مشكلة للناتو أم لا.

المشكلة الحقيقية: الانقسام الأمني الأمريكي الأوروبي

مع عدم استعداد وعدم قدرة الأوروبيين على تحقيق زيادة كبيرة في إسهاماتهم الدفاعية، تتعلق مشكلة الـ2 بالمئة بشكل أساسي بمستقبل الوجود الأمريكي في أوروبا.

حاولت الولايات المتحدة بشكل محموم أن تضغط على حلفائها الأوروبيين لتحمل جزء أكبر من عبء الدفاع. يجب أن ترى قرارات قمة ويلز في هذا السياق. أما بالنسبة للأوروبيين، تتعلق خطة الجاهزية للعمل بشكل رئيسي بضمان الطمأنينة العسكرية لأعضاء الناتو الشرقيين، ويمثل هدف الـ2 بالمئة الأداة المالية لجعل ذلك ممكنا، وبالنسبة للأمريكيين تعمل تلك الخطة – ربما بشكل رئيسي – على عكس ذلك. بالنسبة لواشنطون، تمثل خطة العمل المشترك وسيلة لرفع إنفاق الأوروبيين إلى 2 بالمئة.

يمثل ذلك معضلة للولايات المتحدة. فلسنوات، حاولت الحكومات الأمريكية المتعاقبة أن تحفز المزيد من الإنفاق الدفاعي عبر الإيضاح لحلفائهم الأوروبيين أن الولايات المتحدة لا يمكنها تقديم المجموعة الكاملة من الخدمات الأمنية لأوروبا مثلما اعتادت، وعبر الإشارة إلى أن التشارك غير المتكافئ بشكل كبير لعبء الدفاع بين الحلفاء ليس دائما. ومع ذلك، عززت الولايات المتحدة تواجد قواتها (المؤقت) في أوروبا وتمويلها لجهود الدفاع في أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية وكجزء من خطة الجاهزية للعمل. بدا ذلك مؤكدا على التصور الأوروبي المنطوي على أنه، إن تأزم الموقف، ستتواجد الولايات المتحدة لتقدم المساعدة، مثلما فعلت دائما.

في أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة بشكل ما أكثر مشاركة، ولكن بشكل عام هناك وجود أمريكي أكثر محدودية في خطط طمأنة ما بعد أوكرانيا. بالتأكيد مثل تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإنفاق مليار دولار على إجراءات الدفاع في وسط أوروبا بيانا سياسيا قويا. إلا أنه كاستثمار حاسم في الأمن الحقيقي الثابت على الأرض كان معتدلا للغاية، خصوصا في ضوء أن تلك الأموال يجب تمديدها على مدار سنوات عديدة.

تعتبر تكاليف إجراء تدريبات عسكرية على أساس دوري، حسبما تتنبأ خطة الجاهزية للعمل، والحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية العسكرية للقوات المتنقلة في أي وقت، ضخمة. كما أن التدابير الأخرى للاستجابة للأزمات، مثل التعزيزات المؤقتة للقوات، واستعراضات الدبابات، والنشر التطلعي للمعدات العسكرية الثقيلة، لا يمكنها إخفاء حقيقة أن الولايات المتحدة لا تخطط لزيادة وجود قواتها في أوروبا بشكل كبير من الناحية الهيكلية. الرسالة واضحة: نحن نقف إلى جانب حلفائنا الأوروبيين، ولكنهم في حاجة إلى تحمل الجزء الأكبر من التكاليف ليطمئنوا على قارتهم بأنفسهم.

بالنسبة لبعض الأوروبيين، لا يمثل ذلك التزاما واضحا كفاية من قبل أمريكا، ويستمرون في الضغط على الولايات المتحدة لتظهر إخلاصا أكبر لأوروبا، خصوصا في الشرق. بينما ينزعج آخرون بفعل أمر آخر، ألا وهو، النهج الفعال المدروس بشكل أكبر تجاه خطة الجاهزية للعمل كأداة لجعل حلفاء الناتو الأوروبيين ينفقون بشكل أكبر على الدفاع. لا يمثل ذلك صفعة خداع بالنسبة لبعض الأوروبيين فقط، بل وقد يعني أيضا أن الولايات المتحدة تربط الكثير من الأهمية بمقياس، لدى الكثير من الأوروبيين تحفظات بشأنه.

وبالتالي تستمر المعضلة: فلا يزال الأوروبيون معتمدون على الخدمات الأمريكية لأمنهم، ولا تزعجهم تلك الحقيقة كثيرا. وفي ذات الوقت، يريد الأمريكيون بشدة أن يفعل الأوروبيون المزيد ولكن لا يمكنهم بالفعل أن يجبروهم بشكل مؤلم لأنه في النهاية تعتبر أوروبا هامة للغاية على الصعيد الاستراتيجي للولايات المتحدة حتى تتخلى عنها وتترك دفاعها للأوروبيين وحدهم.

في غضون ذلك، تشعر الولايات المتحدة بالحاجة لتظهر لكلا الأوروبيين والقوى الخارجية أنها تتمسك بالتزاماتها الأمنية تجاه أوروبا وأنها جاهزة لاستعراض القوة عندما يتطلب الأمر. قد يعيق ذلك الضغط الأمريكي القوي على الأوروبيين من أجل تبني نسبة الـ2 بالمئة. وقد يجعل الهدف أقل واقعية عبر خلق شعور مزيف بالأمن بين الأوروبيين، ما يعمل كحافز ضد، وليس مع، المزيد من إنفاق الدفاع الأوروبي.

في غياب أي رغبة سياسية من الأوروبيين لتدعيم دفاعهم، يمكن بشكل أساسي تخطي ذلك الطريق المسدود عبر أحد طريقين، إما أن تصبح الولايات المتحدة صريحة تماما بشأن دورها في أوروبا وتقول إنها ستستمر في دعم أمن القارة. سيعني ذلك غالبا التزاما باهظ الثمن ودائما تجاه أوروبا خلال العقد القادم أو نحو ذلك. وإما أن تخفض الولايات المتحدة التزامها، وبالتالي تخاطر بإحداث أزمة أمنية في أوروبا وتآكل أحجاز الزاوية لنظامها العالمي.

بالتأكيد لن يتم تبني أيا من هذين الحلين الراديكاليين. بل سيستمر على الأرجح خيار ثالث لبعض الوقت، ألا وهو، تحقيق التوازن بين الاثنين والتطلع إلى أن مزيج التضامن الأمريكي الواضح، والمحاضرات، والتهديدات بالمغادرة سوف يحرك الأوربيين نحو الاتجاه المرجو.

سيمثل ذلك تسوية هشة. حيث يمكن أن تستمر فقط طالما لم يتعرض الناتو والأراضي المحمية بموجب المادة الخامسة من المعاهدة للتهديد من قبل أي طرف، وطالما صمد الاجماع في واشنطن الذي يقول إن أوروبا، وهي الساحل الجيوستراتيجي المقابل لأمريكا، يجب أن يدافع عنه دائما بواسطة الولايات المتحدة. في حال تغير الوضع الإستراتيجي في أوروبا بشكل كبير، أو في حال تراجع الدعم الأمريكي لأوروبا، مثلما يقول البعض أنه سيحدث حتميا، سيصبح الوضع القائم غير قابل للاستدامة. لا أحد يعلم كم سيتغرق الوصول إلى تلك المرحلة.

يمثل مقياس الـ2 بالمئة عنصرا رئيسيا في الانقسام الإستراتيجي بين أوروبا والولايات المتحدة. حيث يبرز الهوة بين من يشعرون بالتهديد ومن لا يشعرون به – وبين من يشعرون بالمسؤولية عن الآخرين ومن لا يتورعون عن اعتبار الضمانة الأمنية أمرا مفروغا منه ومضمون من قبل الآخرين. وهذه هي الفائدة الحقيقية لنسبة الـ2 بالمئة. حيث توضح الخطوط الأمامية في النقاش الإستراتيجي حول مستقبل الأمن في أوروبا.

مقياس الـ2 بالمئة: معيب ولكن لا غنى عنه

هل يمثل مقياس الـ2 بالمئة أداة مفيدة في النقاش حول مستقبل الناتو؟

إن كان الغرض من الهدف خلق نقاش سياسي، وإبقاءه حيا، حول تشارك العبء والقدرات، فيجب أن تكون الإجابة نعم صريحة. إن استخدم بشكل جيد، فيمكن للنقاش حول مقياس الـ2 بالمئة أن يوضح المشهد الاستراتيجي المتغير في أوروبا وما هو معرض للخطر في ضوء المنطقة الخطيرة التي تجدها أوروبا على عتباتها. إن استخدم بدقة وتصميم، قد يصبح مقياس الـ2 بالمئة قادرا على خلق مساحة لشكل ما على الأقل من الحوار العام حول أمن أوروبا. قد يمثل موطئ قدم يفتح مساحات لم تكن متاحة عادة.

لذلك يعتبر مقياس الـ2 بالمئة، رغم عيوبه النظرية، أمرا جيدا في حد ذاته. إلا أن نجاحه السياسي النهائي سيعتمد على كيفية استخدامه من قبل من يصرون على الفكرة الاستراتيجية الأوسع بشأن الأمن في أوروبا، والتي لن يعالجها مقياس الـ2 بالمئة وحده.

إن كانت مهمة الـ2 بالمئة معرفة بشكل ملموس لتوجد المزيد من القدرات الدفاعية على الأرض، فالإجابة أقل وضوحا. ستريد بعض الدول أن تكون على الجانب الجيد من النقاش، وبالتالي ستنفق أكثر. بينما لم يتم المساس بالآخرين من قبل ديناميكيات النقاش. وحتى من سينفقون المزيد قد لا ينفقونه بشكل جيد. فأوجه قصور مقياس قائم على المدخلات أكبر من أن تخلق زخما كافيا لتوفير القدرات على أساسه فقط.

يبرز مقياس الـ2 بالمئة بوضوح الانقسامات بين حلفاء الناتو. ففي أوروبا، من المقدر وغير المفهوم على نطاق واسع إلى أي حد يحتاج صناع القرار الأمريكيون الذين يؤمنون بالعلاقات عبر الأطلسي إلى إجراء الأوروبيون لبعض التحسينات الظاهرة على إنفاق الدفاع حتى يستطيعون الاستمرار في إثبات أحقية أوروبا في واشنطن. وفي واشنطن، في غضون ذلك، ربما تركز التأكيد الهائل على مقياس الـ2 بالمئة كرصاصة فضية في النقاش حول الأمن عبر الأطلسي بشكل مبالغ. الأمز يزعج الأوروبيين ويجعل الولايات المتحدة تبدو مهتمة بشكل رئيسي بترك أوروبا بدلا من البقاء فيها.

ويمثل المقياس تذكيرا بتكاليف الحفاظ على الحرية والسلام في أوروبا. تلك التكاليف متواضعة نسبيا، بالمقارنة بالبديل، رغم أنها قد تبدو مرتفعة بشكل مؤلم في المناخ السياسي الأوروبي الذي يبدو في منتصف 2015 قلقا بشكل شبه حصري بشأن صموده الاقتصادي. ولكن في ضوء وجود جوار تمزقه الصراعات كمحيط أوروبا، قد يمثل التركيز على الاقتصاد فقط في النهاية أسلوبا أعلى تكلفة.

أخيرا، يمثل مقياس 2 بالمئة أيضا تذكيرا بأن التعهدات والمناشدات والالتزامات لن تثني النخب والمصوتين عن إنفاق المزيد على الدفاع. ما سيثنيهم هو التهديدات التي يمكنهم رؤيتها والشعور بها. وذلك محزن لأنه طبيعي. سيتطلب الأمر الكثير من الجهود من قبل الحكومات الأوروبية لتثبت أحقيتها بقدرات عسكرية أفضل إن أرادت تجنب موقف تجبرهم فيه الحالات الطارئة الملحة والحقيقية – قد يكون بعضها متعلقا بالصمود المادي – على فعل تحت الضغط ما لم يتمكنوا من فعله عندما توافر وقت كافي.

يمكن لمقياس الـ2 بالمئة أن يمثل فقط نقطة بداية لحوار حول الهيكل الأمني المستقبلي لأوروبا. والاعتماد على هذا الهدف وحده لن يكون كافيا لتحفيز النقاش. ولكن مقياس الـ2 بالمئة يتمتع بجميع العناصر اللازمة ليمسَّ جميع جوانب الأمن الأوروبي الهامة. ولذلك، رغم عيوبه النظرية الكبيرة، سيظل ذلك المقياس لا غنى عنه في الخطاب السياسي الأوروبي في المستقبل القريب.

*جان تيشو مدير مؤسسة “كارنيجي أوروبا”.

المصدر | نشر في 2 سبتمبر 2015