قد تدوم الحرب 6 أيام، أو 6 أسابيع وأشكّ في أن تتواصل لـ ـ6 أشهر.

دونالد رامسفيلد في 7 فبراير 2003 عن المدة التي يتوقعها للحرب

قبل عام من توجيه الرئيس اﻷمريكي السابق جورج بوش مهلة 48 ساعة للرئيس العراقي صدام حسين لمغادرة العراق، أعلنت الإدارة الأمريكية إستراتيجيتها للأمن القومي، والمتضمنة عبارات دالة وواضحة، تتحدث فيها عن مبادرات تقوية الاستخبارات والقدرات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية، وعلى ضرورة تدمير المنظمات الإرهابية العالمية ومصادر دعمها، والتأكيد على أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الأخطار وسوف تواجهها معتمدة على العمل الاستباقي حيث لن تدع الأعداء يسددون الضربة الأولى.في ذكرى احتلال العراق نحاول فهم كيف كانت حالة الجيش العراقي عشية الغزو، كيف تحول من قوة إقليمية مخيفة في الثمانينات إلى جيش منهك يحاول الصمود؟، وماذا كانت إستراتيجيته العسكرية لمواجهة قوات الاحتلال؟، وكيف يمكن فهم أسباب الانهيار السريع للجيش العراقي وسقوط بغداد؟، وما حقيقة حديث الخيانة؟.


حالة الجيش العراقي بعد حرب الخليج

كانت حرب تحرير الكويت عام 1991 بمثابة الضربة القاصمة للجيش العراقي؛ إذ صاحبها حظر طيران شمال وجنوب العراق، وحصار اقتصادي قاسٍ، لتنكمش وبشكل ملحوظ القدرات العسكرية لجيش عدّه البعض في يوم أقوى جيوش المنطقة. و بالنظر للقوات الجوية والمتمثلة في 689 طائرة قتال حديثة كان العراق يمتلكها قبل 1991، انحسرت لتصل قبل الاحتلال إلى 320 طائرة مقاتلة يرجع تاريخ أحدثها لأواخر الثمانينات، كما حاول العراق بناء قوة بحرية تتكون من عدة فرقاطات وزوارق صواريخ وطوربيد وسفن ألغام، تم تضاؤلها بعد الحرب لعدة زوارق يخنقها محدودية المنفذ البحري للعراق على الخليج.
صورة توضح حجم الدمار الذي لحق بالجيش العراقي في حرب الخليج عام 1991.
في حين أدى التدمير الواسع للجيش لتقليص واضح لإمكانيات القوات البرية ومعداتها من دبابات ومركبات قتال واستطلاع وناقلات جنود، وانسحب أيضًا على عدد أفراد الفرق والتشكيلات العسكرية التي انخفضت لما يقارب الربع، فعلى سبيل المثال انحسر عدد الدبابات من 5500 إلى 2600 دبابة، وعدد أفراد الحرس الجمهوري من 150 ألف إلى 60-80 ألف. و برغم تمتع العراق في أعوام حربه مع إيران بإمكانات مالية، ودعم إقليمي، وتوافر كوادر علمية، استفاد منها في برامج تطوير التصنيع العسكري، كان أشهر إنتاجاتها صواريخ الحسين والعباس طويلة المدى وغيرها؛ إلا أن أغلب المنشآت، خاصة ما كانت لها علاقة بتطوير الأسلحة النووية، تم تدميرها من قوات التحالف لتحولها الحكومة إلى منشآت لها مهام مدنية أو لتطوير الأسلحة المسموح بها مع نقص التمويل والمعدات.

ماذا كانت إستراتيجية الجيش العراقي لمواجهة الاحتلال؟

اعتقدت القيادة العراقية بقدرتها على إطالة الحرب من 3 – 6 شهور، فصدام حسين كان يراهن على أن طول المدة وزيادة الخسائر من الجانبين ستحرك الرأي العام العالمي لإيقاف الحرب.
التشكيلات العسكرية كانت تتألف من الجيش النظامي، والحرس الجمهوري، والحرس الجمهوري الخاص، وفدائيي صدام، وجيش القدس، بالإضافة لميليشيات الحزب والأجهزة الأمنية.
كانت تكمن الخطة في تمركز الجيش داخل المدن وعمل أطواق دفاعية للدفاع عنها لإجبار القوات الأمريكية على الاشتباك معها، كان هذا في أم قصر والنجف وسماوه. هذا التكتيك – والذي توقعه الاحتلال أيضًا – كان جرّاء خبرة الجيش الأليمة من حرب الخليج، فالغطاء الجوي للقوات العراقية المكشوف يجعل أي قوة في الخلاء معرضة للتدمير؛ فكانت الأوامر الصارمة بمنع تواجد أي قوة غرب الفرات.فى حين وقع على الحرس الجمهوري، والمكوّن من فيلقين يحتوي الفيلق الواحد على 3 فرق، مهمة تأمين جنوب وشمال بغداد، والذي فيما بعد سيتم دفعه للاشتباك خارج بغداد في كربلاء والديوانية، وهو الأمر الذي سيكبّدها في الذهاب والعودة خسائر فادحة.

كيف خاضت قوات الاحتلال الحرب؟

على عكس القوة العراقية المثخنة، كانت الولايات المتحدة تحشد أفضل قدراتها من أقمار صناعية توجه القذائف وتصيب الأهداف بدقة، والطائرات الشبح المحلقة على ارتفاعات أدنى مما تستطيع الرادارات السوفييتية التي يمتلكها العراق رصدها، وطائرات بدون طيار، وطائرات تجسس، كما كانت القوات البرية عالية الجهوزية، وتحتوي على أجهزة للتصويب الليلي والاتصالات والملاحة الحديثة. كانت أسوأ السيناريوهات بالنسبة لقوات الاحتلال أن يقوم الجيش العراقي بمحاولة ضرب الكويت بالأسلحة الكيماوية، أو بإطلاق بعض صواريخ سكود باتجاه إسرائيل، مثلما فعلها سابقًا أثناء حرب تحرير الكويت، أو تدمير حقول النفط في رميلة، لكن النظام اكتفى بإطلاق 4 صواريخ باليستية وسي إس إس 33 سلكوورم تجاه الكويت تم إسقاط 3 منهم.وعن الضربة الجوية الأولى المكثفة يقول الجنرال ويسلي كلارك القائد الأسبق لقوات الناتو: كانت الحملة الجوية المعدة مسبقًا (الصدمة والرعب) في ليلة 21 مارس بنظريتي (اضرب بقوة فى البداية – ضربة واحدة قاضية تدمر إرادة المقاومة عند الخصم)، حيث الهدف القضاء على أنظمة القيادة والسيطرة قبل أن يتمكن الخصم من تقدير القوة الحقيقية للضربات أو يتدارك نفسه؛ لذا فتم إسقاط أكثر من 1300 قنبلة وقذيفة صاروخية على أنظمة القيادة والسيطرة، والدفاعات الجوية، ووحدات الحرس الجمهوري، والحرس الخاص، والطائرات المقاتلة، وعدد من الصواريخ والقاذفات في تلك الليلة.ويمكن اعتبار أن السلاح الجوي، الذي أجرى ما يتجاوز الـ 700 طلعة، كان له الدور الأساسي في كشف أرض الجيش العراقي، وتحقيق السيطرة الجوية، وتدمير الاتصالات والدفاعات الجوية، وطبعًا القوات البرية.كما أن الإعلام لعب دورًا فاعلًا في هذه الحرب، فمن جانب كان الاحتلال يعتبر التغطية الإعلامية لتقدم قواتهم جزءًا من الحرب؛ لكن في نفس الوقت كان رصد حوادث قتل وإصابات المدنيين، كما في حادثة ضرب السوق، تأثير كبير معاكس على الرأي العام.ولم تخلُ المعركة من مفاجآت لم تكن في صالح قوات الاحتلال، فبجانب مفاجآت الإعلام ونقله للخسائر الإنسانية من جانب المدنيين، حدثت عاصفة عطلت تقدم القوات لمدة من الزمن، كما فوجئوا باستهدافهم من قبل عناصر غير نظامية وانتحاريين؛ لتصبح علاقتهم بالمدنيين أكثر توجسًا، كما كان هناك الأمر الأغرب لهم وهو لماذا لم يتمرد الشعب على النظام أو يفرحوا بدحره؟.

لماذا انهار النظام العراقي بسهولة؟

1. أسباب تتعلق بشخص صدام:

يتحدث أحد قادة الحرس الجمهوري السابقين أنه حضر لقاء الجيش مع الرئيس قبل الحرب بشهر. كان الجميع يقولون: نحن جاهزون، فسألهم صدام ماذا تقرأون في عيون المقاتلين؟، قال له المتحدث: أرى في أعينهم سؤال: هل يمكننا إحراز النصر؟، فنظر له صدام بحدة وكتب أمامه شيئًا وأعطاه لقصي خارجًا، عاتبته باقي القيادات على حديثه، ولم يستطع النوم جيدًا حتى قيام الحرب.
صدام حسين
كعادة الأنظمة العربية والتي تعتبر أمن الحاكم والنظام هو الأمن القومى للبلاد، فالرئيس العراقي السابق لم يشذّ عن هذه القاعدة، فالمناصب القيادية خاصة العسكرية كان أساسها الولاء لا الكفاءة، فرئيس المخابرات برزان التكريتي كان أخوه غير الشقيق، ووزير دفاعه في التسعينات وقائد المنطقة الجنوبية وقت الحرب ابن عمه علي حسن عبد المجيد «علي الكيماوي»، كما كان المشرف على قوات الحرس الجمهوري هو نجله قصي.كما يُرجع باحثون عدم اكتراث الناس لزيادة الفجوة بين الشعب والقيادة. ففي ظل ظروف اقتصادية خانقة على مدار 13 عامًا أثرت على الناس مباشرة، كان الرئيس يكثر من بناء القصور، ليكون من الطبيعي أن تظل الأسواق تعمل في غمار عملية القصف المتواصل على قوات الجيش العراقي.

2. عدم توازن القوة:

بمقارنة بسيطة يظهر تفوق قوة الاحتلال، فالطيران ضد دفاع جوي متهالك هدفه إشغال الطائرات لا إسقاطها، وامتلاك العدو أساطيل بحرية حافلة بحاملات الطائرات يقابله عراقيًّا بعض الزوارق البحرية، هذا بجانب ترسانة نووية تحت مظلة دولية أمام جيش لا يملكها بل ومتهم بها، وأخيرًا ميزانية حوالى 1:100 لصالح قوة الاحتلال.وفي مقابل قدرات العدو في كشف الأرض وامتلاك ميزة المبادرة واختراق الثغرات، كانت القوات العراقية تعاني التمركز دون أن تعرف خطط وتحركات وأماكن العدو وأين وصل، كما أن انقطاع الاتصالات واعتمادهم على الاتصال والاستطلاع بالأفراد، لعدم كشف أماكنهم، جعل التنسيق بين القوات وحركاتهم، وتنفيذهم للخطط الموضوعة مسبقًا أكثر بطئًا وتكلفة في ظل معركة تتغير موازينها سريعًا.ويروي أحد قادة الحرس الجمهوري السابقين استخدام القوات الأمريكية لقنابل نيوترونية وفسفورية حارقة، وقنابل تزن 9 أطنان قادرة على سحق منطقة عمليات بحجم سرية، كما تحدث قواد آخرون عن قذائف تعرضوا لها تصهر المعادن والدبابات والجثث.

3. أخطاء إستراتيجية وإدارية:

أدت كثرة التنظيمات العسكرية إلى التخبّط في القرار على الأرض، فعدم وجود غرفة عمليات مشتركة بين وزارة الدفاع والحرس الجمهوري أدى إلى الاختلاف، وأثّر على كفاءة الخطط؛ مما أدى لعدم توزع المقاتلين والمهمات بالشكل الجيد.يتذكر مزهر العبيدي، أحد قيادات الجيش العراقي، تقديم وزارة الدفاع خطة للدفاع عن بغداد رُفضت من قبل نجل الرئيس قصي بحجة أن الحرس الجمهوري والحرس الخاص قادرون على حماية العاصمة، ثم بعد ذلك تم إرسال بعض فرق الحرس إلى معارك خارجها مستنزفًا إياها ومشتتًا لها عن مهمتها ومعركتها اﻷهم. وفي المقابل تجاوزت قوات الاحتلال المدن المقاومة في طريقها لبغداد، في نفس الوقت الذي انكمش فيه حجم القوات المتبقية لتأمين بغداد.

خريطة توضح مسارات تحرك القوات الأمريكية في طريقها لبغداد

بالإضافة إلى أن قطاعات الحرس الجمهوري كانت منتشرة بشكل غير واضح، إذ يذكر أحد قيادات وزارة الدفاع أنه عندما طلب من لواء تحت قيادته التحرك للدفاع عن بغداد، لم يجد خطة للدخول ولا مكانًا واضحًا للتمركز أو طريقة للاتصال بالقيادات، كما وجد نواقص لوجيستية مما جعل اللواء مشلولاً وبدأ تسرب الجنود منه.

4. تهاوي الروح المعنوية للجنود:

بدأت عملية تسرب الجنود من المعركة في 1 أو 2 إبريل، وكان هذا بعد الخسائر الفادحة في صفوف القيادة، وتدمير المعدات والآليات نتيجة للضربات الجوية المكثفة والقنابل غير الاعتيادية، محدثة أثرًا معنويًّا سلبيًا على الجنود بالإضافة لعدم ظهور أي دلائل للتقدم. ومع تقدم الوقت وصل التسرب لمعدلات مخيفة، إذ يذكر أحد قادة الفرق أن من بقي معه يوم 6 إبريل من فرقته البالغة 12 ألف مقاتل هو 500 شخص فقط.وقد حاولت القيادة العراقية مواجهة الحرب النفسية بنشر كلمات للرئيس صدام حسين، ينشر فيها الحماسة ويؤكد عدم قتله بعد انتشار شائعات بموته، كما نشر التلفزيون العراقي أحد لقاءاته الجماهيرية والهتافات الشعبية.

هل للخيانة دور في سقوط العراق؟

خريطة توضح مسارات تحرك القوات الأمريكية فى طريقها لبغداد
يستدل البعض على حكاية الخيانة بالسرعة التي استغرقتها قوات الاحتلال في دخول بغداد مقارنة بما قضته في الاشتباك جنوب العراق، رابطين ذلك باسم سفيان ماهر الذي قيل إنه طلب من جنوده الانسحاب وعدم إكمال المعركة، وإنه ذهب وعائلته إلى الولايات المتحدة كما ورد في القناة البريطانية في وثائقي عن الحرب.لكن يجزم قواد سابقون بعدم حدوث الخيانة بمعنى التآمر مع العدو على حساب الوطن وشرف العسكرية، إنما يمكن اعتبار الإهمال والتقصير والأخطاء الإستراتيجية وعدم مصارحة الشعب والمقاتلين بالحقائق في نفس درجة الخيانة، وبالرجوع لقدرات وخريطة تحركات الجيش العراقي كما أسلفنا يمكن فهم قدرة العدو على الاختراق والتجاوز. وبالنسبة للقائد سفيان، فقد رآه عدد من القادة حتى اليوم السابع من إبريل، وفرقته قد دمرت تمامًا، كما أنه تم القبض عليه من داخل العراق بعد الاحتلال بعام كامل ليهدم هذه الرواية كلها.