أثارت معركة «الدفاتر اللي تنقرا» التي بدأتها النائبة بمجلس الأمة الكويتي صفاء الهاشم، عندما وجهت رسالة مليئة بالتعالي والتعصب والعنصرية إلى وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم، بسبب تصريحات للأخيرة قالت فيها إن «المرأة المصرية خط أحمر»، ردًا على الاعتداء على سيدة مصرية بالكويت، غضب كثيرٌ من المصريين، فاندفعوا يهاجمون صفاء الهاشم منطلقين من نفس قاعدة التعصب القومي.

في خضم هذه الهجمة المرتدة راجت العديد من الأكاذيب وجرى التضخيم والمبالغة في العديد من الحقائق بهدف إبراز «الفضل» المصري على الكويت والكويتيين. كان من أبرز ما راج في هذا الإطار القول بأن مصر هي من حررت الكويت عندما احتلتها العراق مطلع تسعينيات القرن الماضي.

دفعنا هذا إلى التنقيب في «الدفاتر» بحثًا عن حقيقة الدور المصري في حرب الخليج الثانية/ حرب تحرير الكويت. ووجدنا في هذا الإطار العديد من المصادر والكتب، كان أبرزها كتاب «مقاتل من الصحراء»، وهو المذكرات الشخصية للفريق أول ركن الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، قائد القوات المشتركة (وبينها مصر) ومسرح العمليات في حرب الخليج الثانية، وكتاب «العرب في الحروب» للكاتب الأمريكي كينيث بولاك، الذي عمل سابقًا مديرًا لشؤون الخليج العربي في مجلس الأمن القومي الأمريكي، كما عمل لسبع سنوات في وكالة الاستخبارات المركزية كمحلل عسكري فيما يتعلق بالخليج «الفارسي».


حجم ونوعية وتسليح القوات المصرية

شارك في حرب الخليج الثانية 37 دولة من مختلف أنحاء العالم، بمجمل عدد قوات تجاوز 780 ألف جندي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الدول المساهمة بقوات، بعدد جنود تخطى 540 ألف مقاتل، تلتها المملكة العربية السعودية بـ 95 ألف جندي، ثم المملكة المتحدة بـ 45 ألف جندي، ثم أتت مصر في المرتبة الرابعة بنحو 34 ألف مقاتل، وفي المرتبة الخامسة كانت فرنسا بـ 14600 جندي، ثم الجمهورية السورية بـ 14300 مقاتل.

تنوعت مساهمات دول التحالف في المجهود الحربي، ففي حين شاركت بعض الدول في مختلف العمليات العسكرية جوًا وبحرًا وبرًا كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، اكتفت دولٌ أخرى بالمشاركة في العمليات البرية والجوية مثل قطر أو في العمليات البحرية والجوية مثل كندا، فيما اقتصرت دول أخرى كمصر وسوريا والمغرب مشاركتها على العمليات البرية، وفضلت بعض الدول المساهمة في الجانب الطبي مثل المجر وبولندا والفلبين.

كما أسلفنا، لم ترسل مصر طائرات أو قطع بحرية للمشاركة في الحرب، واكتفت بالقوات البرية فقط. وكانت هذه القوات مكونة من فوج من القوات الخاصة، الفرقة الثالثة مشاة آلية، لواء مدفعية ميدان، الفرقة الرابعة مدرعة (من أفضل فرق الجيش المصري في ذلك الحين). وتولى قيادة هذه القوات في البداية اللواء أركان حرب محمد علي بلال، ثم أسندت القيادة إلى اللواء أركان حرب صلاح حلبي.

كانت المملكة العربية السعودية هي المسؤولة عن نقل القوات المصرية من مصر إلى المملكة عبر سفنها، وتولت حماية حاملات الطائرات الأمريكية المتواجدة في البحر المتوسط تأمين عملية النقل، خشية قيام العراق بشن هجوم عبر أراضيه أو أراضي المملكة الأردنية المتحالفة معه ضد القوات المصرية.

كما تولت السعودية أيضًا مهمة نقل وإمداد وتموين القوات المصرية – وغيرها من القوات – خلال مشاركتها في الحرب. فبحسب مذكرات الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، فإن «القوات المصرية والسورية قدمت على جناح السرعة، ولم تصطحب معها الكثير من العتاد سوى أسلحتها وذخيرتها وعدد قليل من العربات. وبدأنا برنامجًا ضخمًا لإسناد القوات المصرية والسورية.

ولم يقتصر البرنامج على الشاحنات فحسب، بل شمل كذلك شراء الخيام والمولدات والجرارات والمطابخ المتنقلة والمواد الغذائية ودورات المياه وآلاف المواد الأخرى. زودنا السوريين بنحو 2800 عربة، ولما كانت القوات المصرية ضعف السورية، فقد احتاج المصريون إلى عدد أكبر من العربات. وتقديرًا من المملكة لدورهم، أصدر الأمير سلطان (وزير الدفاع) تعليماته أن يصطحب المصريون والسوريون، عند عودتهم، آلاف العربات والأنواع المختلفة من المعدات».


الحرب البرية التي انتهت في 100 ساعة

قدمت القوات الأمريكية إلى الحرب ومعها خطة متكاملة لكيفية إدارتها والفوز بها، وهي الخطة التي تبناها التحالف الدولي، حسبما روى الأمير خالد بن سلطان. شملت الخطة 4 مراحل هي: حملة جوية إستراتيجية ضد العراق، وحملة جوية ضد القوات العراقية في الكويت، والقضاء على قوات الحرس الجمهوري وعزل ميدان المعركة في الكويت، وأخيرًا شن هجوم بري لطرد القوات العراقية من الكويت.

بدأت الحملة الجوية يوم 17 يناير/ كانون الثاني 1991، واستغرقت 38 يومًا لتمهيد ميدان المعركة من أجل الاجتياح البري، وشارك فيها ما يربو على 4750 طائرة، نفذت 108 ألف طلعة جوية. كانت نسبة القوات الأمريكية من هذه الطلعات 83.6%، بينما كانت نسبة قوات المملكة العربية السعودية 6.5%، و5.1% لقوات المملكة المتحدة، و2.1% للقوات الجوية الفرنسية، ونفذت القوات الجوية التابعة للكويت والإمارات العربية المتحدة وكندا وقطر والبحرين وإيطاليا ونيوزيلندا باقي الطلعات الجوية.

كانت الحملة الجوية شديدة القسوة، إذ كانت العراق ميدانًا لتجريب الأسلحة واستعراض العضلات، خاصة من الدول الغربية المشاركة في التحالف. وألقي على العراق والكويت أكثر من 88500 طن من القنابل، كانت كفيلة بتكبيد العراق خسائر فادحة والقضاء على بنيته التحتية تمامًا، وشل قدرة القوات العراقية على الإتيان بأي رد فعل معتبر.

استهدفت الحملة الجوية في البداية القصور الرئاسية والملاجئ المحصنة لقيادة القوات الجوية والدفاع الجوي، ومقاسم الهاتف، ومحطات تقوية الإرسال وخطوط البث، ورادارات الدفاع الجوي ومراكزه، ومجمع الأسلحة الكيماوية، ومقر قيادة حزب البعث، ومحطات توليد الكهرباء، ومصافي البترول ومستودعاته، ومواقع إطلاق الصواريخ، والمطارات وملاجئ الطائرات، وفرق الحرس الجمهوري وكافة الأهداف الحيوية التي يمكن أن تلعب دورًا في الرد على الهجوم.

على مدى 38 يومًا متواصلة كانت القوات العراقية في كل مكان تتعرض للضرب بلا هوادة، وانقطعت خطوط إمداداتها، فعانت من الجوع والظروف المعيشية الصعبة والانهيار، فضلًا عن شل حركتهم بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع قيادتهم لانقطاع الاتصالات. وكانت أعداد القوات العراقية في تناقص مستمر، فمن بين نحو 350 ألف جندي عراقي في الكويت، فر 153 ألف جندي، وقتل 9 آلاف، وجرح 17 ألفًا، وكل هذا كان خلال الحملة الجوية وقبل بدء العملية البرية.

بدأت الحملة البرية لتحرير الكويت فجر 24 من فبراير، ولم تجد قوات التحالف البرية مقاومة تذكر، باستثناء بعض المعارك الهامشية، إذ استسلمت أغلب القوات العراقية، بعد أن أتت الحملة الجوية بنتائج فاقت توقعات قوات التحالف. انتهت الحملة البرية بعد 100 ساعة فقط من بدايتها، باستسلام نحو 90 ألف جندي عراقي، وفرار نحو 100 ألف آخرين.

تم تشكيل «قوتي واجب» إحداهما تضم وحدات من المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، والأخرى تضم وحدات عسكرية من الكويت ومصر وسوريا والمملكة، بهدف دخول مدينة الكويت بصورة مشتركة من الجنوب والغرب حتى الوصول إلى مكان محدد وسط المدينة، وذلك بهدف «أن تحظى كل الدول، بالتساوي، بشرف مهمة تحرير مدينة الكويت. فلا تدعي دولة، فيما بعد، أنها هي التي قامت بالمهمة منفردة، أو كانت الأسبق إلى دخول المدينة قبل غيرها من الدول»، وذلك وفق مذكرات الأمير خالد بن سلطان.

عن أي دور مصري نتحدث؟

حرب تحرير الكويت
من كتاب الأمير خالد بن سلطان

كما هو واضح من رواية الأمير خالد، وهو القائد الأعلى للقوات المشتركة والمطلع على كافة تفاصيل الحرب، فإن الحملة الجوية كانت قد حسمت الحرب لصالح قوات التحالف، وكانت الحملة البرية لإتمام النصر فقط. ولما كانت مصر لم تشارك بأي شكل من الأشكال في الحملة الجوية، واقتصرت مشاركتها في الحرب على التواجد في إطار القوات البرية التي دخلت الكويت، فإن الحديث عن كون مصر هي من حررت الكويت ضرب من المبالغة غير الواقعية على الإطلاق.

حتى «معركة الخفجي» التي اندلعت عقب سيطرة الجيش العراقي على مدينة الخفجي السعودية القريبة من الكويت، لم يكن للقوات المصرية فيها دور يذكر، وحررت المدينة على يد وحدات مشتركة من السعودية وقطر والبحرين والكويت والمغرب وعمان والإمارات العربية المتحدة والسنغال، وبدعم جوي من الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما ذكر الأمير خالد في الفصل العشرين من كتابه.

وجهت انتقادات إلى آداء القوات المصرية في العملية البرية، فبحسب الكاتب الأمريكي كينيث بولاك، فالقوات المصرية لم تكن مستعدة لبدء التحرك في الساعة المحددة، وبدلًا من أن تبدأ تحركاتها مع ضوء الفجر تأخرت حتى الثالثة عصرًا. وكانت تحركاتها تتسم بالبطء الشديد ما تسبب في إحداث فجوة بين القوات المتقدمة. كما لم تسيطر الوحدات المصرية على قاعدة الأبرق في الوقت المطلوب، لذلك تم سحب مهمة القاعدة منها.

وكانت قرارات قيادة القوات المصرية تتخذ ببطء وبيروقراطية شديدة، إذ كان يتوجب عليها مراجعة قيادتها السياسية في القاهرة قبل أي تحرك حتى لو بسيط. وخلص بولاك إلى أن «القوات المصرية اتسمت بالفقر الشديد في الأداء والمرونة والفكر والإبداع التكتيكي أثناء المعركة»، وفي نهاية الحرب كان قد استشهد 11 جنديًا مصريًا، وجرح 84 آخرون.

هذا على المستوى العسكري، أما على المستوى السياسي فقد كان من المهم للغاية مشاركة مصر في التحالف، مهم لمصر كما هو مهم للتحالف. فاحتلال العراق للكويت وتهديدها لأمن باقي دول الخليج، كان يهدد مصر ونفوذها في المنطقة بشكل مباشر، ويهدد الملايين من مواطنيها العاملين في الخليج، لذلك كانت مشاركتها في الحرب أمرًا ضروريًا، كذلك استفاد التحالف سياسيًا من المشاركة المصرية باعتبارها الدولة الأكبر عربيًا وصاحبة الثقل في المنطقة.

كانت الولايات المتحدة تريد من المشاركة المصرية والسورية على وجه التحديد أن تكون واجهة لتحالفها الواسع لإضفاء صبغة العروبة والتوافق على حربها ضد العراق، ما يعني أن المشاركة المصرية لم تكن صورية، وكانت مهمة، لكنها في الوقت ذاته لم تكن حاسمة على أرض الواقع.

المراجع
  1. «مقاتل من الصحراء»، الفريق أول ركن الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز.
  2. «العرب في الحروب»، كينيث بولاك.