اختتمت مساء الأحد 28 مايو/آيار 2023 الانتخابات الرئاسية التركية التي تابعها ملايين المشاهدين والمراقبين حول العالم بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث تعتبر على الأرجح أهم انتخابات رئاسية شعبية في تاريخ الجمهورية التركية، والأولى التي تنتقل فيها هذه العملية الانتخابية إلى الجولة الثانية. بيد أن خطاب النصر لأردوغان الذي ألقاه من شرفة القصر الرئاسي كان له مجموعة من الدلالات المهمة، أبرزها الشركاء السياسيون لأردوغان الذين وقفوا بجانبه لتحية الجماهير بعد انتهاء الخطاب، لا سيما أنهم ليسوا جميعًا على درجة واحدة من الشهرة السياسية، خصوصًا خارج تركيا. نسرد هنا أسماء هذه الشخصيات، وما يحمله وجودهم من اعتبارات سياسية.

1. دولت بهشلي: رئيس حزب الحركة القومية

لعل أبرز هذه الشخصيات وأشهرها وأكثرها أهمية بالنسبة لأردوغان هو رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي، الحليف الأساسي لأردوغان في آخر سبع سنوات الذي كان على توافق تام مع أردوغان وحزبه في هذه الفترة في كل المواقف السياسية، وهو الشريك المؤسس لتحالف الجمهور الذي أطلقه حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية قبل أن تنضم له مؤخرًا أحزاب صغيرة أخرى، إما كأعضاء في التحالف أو كداعمين. وحزب الحركة القومية يعتبر أهم ممثل للتيار القومي في تركيا، وهو تيار رئيسي في معظم محطات التاريخ السياسي التركي المعاصر، وقد بدأ يشهد انبعاثًا جديدًا، ويكسب زخمًا متزايدًا في الآونة الأخيرة.

2. سنان أوغان: المرشح الرئاسي صاحب الترتيب الثالث

كان حصول سنان أوغان على الترتيب الثالث بنسبة معتبرة وصلت لـ 5 % في الجولة الأولى من هذه الانتخابات سببًا في جعله هدفًا لمحاولة كسبه من قبل كلا المرشحين الأساسيين في الجولة الثانية، أردوغان وكيلشدار أوغلو، وقد اختار أوغان مناصرة أردوغان في الجولة الثانية. ورغم أن موقفه الداعم لأردوغان قد لا يكون بالضرورة هو السبب الأساسي في فوز أردوغان بالجولة الثانية، فإن المفاجأة كانت بمدى تقربه من معسكر أردوغان مؤخرًا، لدرجة ظهوره في فعالية شعبية مع شاوش أوغلو وزير الخارجية في حكومة أردوغان، ثم في شرفة النصر مع باقي القيادات الحزبية الممثلة لتحالف الجمهور.

وهذه المفاجأة مرجعها إلى أمرين: أولًا أن كلًّا من أردوغان وأوغان أكدا عدم وجود صفقة سياسية بينهما مقابل دعم أوغان لأردوغان. وثانيًا والأهم، أن أوغان ورغم ترشحه كمستقل فإنه فعليًّا عضو مفصول سابقًا من حزب الحركة القومية حلفاء أردوغان. بل إنه قد تم فصله ثلاث مرات من الحزب بسبب خلافاته مع رئيس الحزب دولت بهشلي، آخرها كان بسبب دعم بهشلي لمشروع أردوغان في التحول للنظام الرئاسي. فأن يكون أوغان، الأحد الماضي، على نفس الشرفة مع أردوغان وبهشلي يحتلفون جميعًا بفوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة له دلالات مهمة، مع الأخذ في الاعتبار أن أوغان يعتبر من أبرز الرموز الأكاديمية لعموم التيار القومي في تركيا.

3. فاتح أربكان: رئيس حزب الرفاه الجديد

أهم الأحزاب المنضمة لتحالف الجمهور بعد الحزبين المؤسسين هو حزب الرفاه الجديد الذي أنشأه فاتح أربكان، نجل الزعيم السياسي الراحل نجم الدين أربكان مؤسس التيار الإسلامي الحركي في تركيا المعروف باسم حركة الميلي غوروش أو الرؤية الوطنية، وهو التيار الذي كان أردوغان من أهم رموزه قبل أن ينشق هو ومجموعة من شباب هذا التيار عن أستاذهم نجم الدين أربكان بعيدًا عن حزب السعادة، آخر الأحزاب التي أسسها نجم الدين أربكان، ليؤسسوا حزب العدالة والتنمية بالشراكة مع مجموعات سياسية أخرى.

دخول فاتح أربكان بحزبه الجديد ضمن تحالف أردوغان كذلك يحمل رمزيات مهمة، فالتيار المحافظ في تركيا الذي تعتبر حركة الميلي غوروش نواته الصلبة شهد طوال العقدين الماضيين انقسامًا في قاعدته الجماهيرية بين من ناصر حزب العدالة والتنمية وبين من ناصر حزب السعادة، مع نجاح العدالة والتنمية دومًا في جذب القسم الأكبر، وعجز السعادة عن الدخول للبرلمان منذ ظهور العدالة والتنمية بسبب قانون العتبة الانتخابية.

لكن تقارب القيادة الحالية لحزب السعادة مع خصومهم التاريخيين حزب الشعب الجمهوري من أجل إسقاط أردوغان قوبل باستهجان شرائح واسعة من القاعدة الجماهيرية المحافظة، وظهور فاتح أربكان كقائد شاب مع ما يحمله من رمزية اسم العائلة كوريث لوالده المؤسس (وما يحمله أيضًا اسم حزبه كوريث لأحد الأحزاب القديمة التي أسسها والده وأغلقها العسكر سابقًا) خلق خيارًا جديدًا للكتلة المحافظة التقليدية، كما أن انضمامه لتحالف أردوغان يعني طي صفحة الانقسام داخل هذا التيار، فسواء صوَّت الناخب الإسلامي المحافظ اليوم لحزب العدالة والتنمية أو حزب الرفاه الجديد، فكلاهما داخل معسكر واحد بعد أن كان الانقسام بين السعادة من جهة والعدالة والتنمية من جهة أخرى عامل إضعاف لهذا التيار، لا سيما أن حزب الرفاه الجديد تمكن من حصد خمسة مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أول مشاركة له، وهو ما عجر عنه حزب السعادة طوال السنوات العشرين الماضية.

هذا ووجب التنويه هنا أن تيار الميلي غوروش داخل العدالة والتنمية بدأ يشهد أيضًا صعودًا ملحوظًا من جديد ضمن أطر الحزب، وهي كلها رسائل مهمة لدور التيار المحافظ في الأعوام القادمة، خصوصًا مع عودة أردوغان نفسه في آخر سنين للخطاب الفكري والعقدي الذي عرف به في فترة شبابه كقيادي في حركة الميلي غوروش، بعد أن تخلى عن هذا الخطاب في السنوات الأولى من عمر العدالة والتنمية.

4. مصطفى دستيجي: رئيس حزب الاتحاد الكبير

وهو أحد الأعضاء المنضمين رسميًّا لتحالف الجمهور، غير أنه لم يوفق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الفوز بأي مقعد، لكنه حزب يعتبر له عراقة ومحسوب على الأحزاب القومية، حيث إن له جذورًا مشتركة مع حزب الحركة القومية، وقد تكوَّن نتيجة خلافات مؤسسيه مع الزعيم التاريخي لحزب الحركة القومية ألب أرسلان في فترة الثمانينيات.

5. زكريا يابيجي أوغلو: رئيس حزب الدعوة الحرة (هدى)

وهو حزب كردي إسلامي صغير يمثل الشريحة المتدينة والمحافظة من الأكراد مقابل الأحزاب الكردية اليسارية الطاغية مثل حزب العمال الكردستاني المسلح وامتداده السياسي حزب الشعوب الديمقراطي. ويتمايز حزب الدعوة الحرة المعروف اختصارًا أيضًا باسم حزب هدى عن تلك الأحزاب الكردية اليسارية، ليس فقط من حيث المرجعية الفكرية المناقضة، لكن أيضًا في موقفه من الدولة التركية الرافض للنزعة الانفصالية التي تتسم بها الأحزاب الكردية اليسارية.

هذا الموقف الوحدوي، إن جاز التعبير، لعله يكون مدخلًا مهمًّا في تفسير تواجد زعيم حزب كردي على الشرفة إلى جانب قيادات قومية تركية لا زالت في الغالب تتحفظ على أي كيانات سياسية ذات هوية قومية مغايرة. كما أن المرجعية الإسلامية لهذا الحزب، بالإضافة إلى كونها مصدر طمأنة لأردوغان من حيث المشترك الفكري بعد انهيار تقاربه السابق مع الأحزاب الكردية الكبرى، فإنها قد تكون أيضًا وسيلة للحزب الحاكم في اختراق شريحة المجتمع الكردي من جديد، وسحب كتل معتبرة منه من قاعدة الأحزاب الكردية المعارضة عن طريق حزب الدعوة الحرة (هدى).

إلا أن هذا الحزب يواجه تحديًا نسبيًّا متعلقًا بصورته النمطية، وذلك نتيجة الارتباطات التاريخية لبعض قياداته بما كان يعرف سابقًا باسم حزب الله التركي الكردستاني الذي كانت له مواجهات مسلحة في فترة التسعينيات ضد الدولة التركية، وضد حزب العمال الكردستاني في نفس الوقت، قبل تخليه عن العمل المسلح مطلع الألفية.

حزب الدعوة الحرة (هدى) يعتبر مناصرًا لتحالف الجمهور ولم ينضم رسميًّا للتحالف، على الأرجح بسبب تحفظات من قبل حزب الحركة القومية، إلا أنه استطاع الحصول على مقاعد برلمانية في آخر انتخابات من خلال التواجد على قوائم العدالة والتنمية مباشرة، وهو ما يعطيه ثقلًا مهمًّا كحزب كردي في البرلمان مقابل حزب الشعوب الديمقراطي الذي احتكر تمثيل الأكراد برلمانيًّا فيما سبق.

6. أوندير أكسال: رئيس حزب اليسار الديمقراطي

وهو حزب اشتراكي تركي من يسار الوسط مبني على ما يعرف بالأجويدية، نسبة إلى مؤسسه رئيس الوزراء السابق بولند أجويد. حزب اليسار الديمقراطي أيضًا لم ينضم رسميًّا إلى تحالف الجمهور، إلا أنه كان كذلك مناصرًا للتحالف ولترشح أردوغان تحديدًا للرئاسة في هذه الانتخابات، وهو موقف عبر عنه رئيس الحزب أكسال بتصرحيات قوية.

كما أن تواجد أكسال على شرفة النصر في خطاب الاحتفال يدل على حميمية العلاقة التي تتجاوز المناصرة العامة التي عبرت عنها بعض الأطراف الأخرى الغائبة. وقد تمكن الحزب من حصد مقعد في هذه الانتخابات البرلمانية، مما يعزز من أهميته مع تحالف الجمهور التي قد تتجاوز الرمزية، فأردوغان وتحالف الجمهور الحاكم سيكون في حاجة لكل صوت يمكن كسبه داخل البرلمان في الخمس السنوات المقبلة التي يتوقع أن تشهد مشاريع تشريعية مهمة قد تغير من شكل الدولة التركية بشكل جذري.

بهذا يعتبر حزب اليسار الديمقراطي الحزب الوحيد المحسوب على طيف اليسار ضمن معسكر أردوغان، وهو اختراق مهم ونوعي لحزب العدالة والتنمية، حيث إنه لم يسبق للحزب أن دخل في شراكة مع أي من أطراف معسكر اليسار التركي، وهو معسكر له قاعدة انتخابية معتبرة تتنافس عليها مجموعة من الأحزاب أهمها حزب الشعب الجمهوري أكبر منافسي العدالة والتنمية. كما أن حزب اليسار الديمقراطي يكتسب رمزية مهمة في ذاته، لكونه الحزب الذي أسسه الزعيم السابق بولند أجويد كما ذُكر آنفًا، فهو من الأحزاب التي لها عراقة تاريخية، وكذلك امتدادات في الدولة العميقة.

بالإضافة إلى أسماء المشاركين في شرفة النصر مساء إعلان الانتصار، فإنه ربما من المهم أيضًا التوقف عند المكان نفسه. فقد كانت سابقًا معظم خطابات النصر التي يلقيها أردوغان عقب فوزه بالانتخابات هي من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية بأنقرة، إلا أن هذا هو الفوز الأول الذي يخطب فيه أردوغان من شرفة القصر الرئاسي، وقد كان بجانبه هذه الثلة من الحلفاء (معظمهم حلفاء جدد)، في مشهد يحوي عديد الرمزيات السياسية، التي قد تحمل ربما في بعض طياتها شيئًا من المتناقضات، إلا أنها وبلا شك ستكون في مجملها انعاكسًا لتحولات مهمة في المشهد السياسي التركي في قادم السنوات.