يعد استخدام البارود في الأعمال العسكرية هو نقطة التحول المحورية بين النمط التقليدي للحروب من حيث استخدام الرماح والسيوف والمنجنيق وبين ما نراه اليوم من أسلحة حديثة والتكتيكات المصاحبة لها. فلقد أعطى البارود القدرة على قذف كرات من الحديد أو المتفجرات في أشكال بدائية من دانات المدافع لمهاجمة القلاع والحصون بكفاءة وفاعلية أكبر من التي يمنحها المنجنيق بمراحل، وبدون الحاجة إلى الأيدى البشرية الكثيرة التي يتطلبها تشغيله.


كيف أثر البارود على تطوير المدافع والبنادق؟

يعتمد المنجنيق في فكرة عمله على تحويل طاقة الوضع إلى طاقة حركة، حيث يرفع طاقم المنجنيق كتلة كبيرة من الخشب أو الحجارة المربوطة إلى طرف صاري طويل من الخشب لأقصى ارتفاع ممكن، وفي الطرف الآخر يقبع المقذوف ساكنا منتظرا ترك الكتلة الخشبية لتهوي بفعل الجاذبية، مما يمنحه طاقة الحركة التي تستخدم بعد ذلك في مهاجمة القلاع. بينما يولد احتراق البارود السريع كمية كبيرة من الغاز والحرارة في وقت قصير مما ينتج عنه تمدد سريع للغاز في حيز المدفع المحكم الغلق، عدا الفوهة، مطلقا القذيفة في اتجاه الفوهة بكمية حركة عالية. فكل ما على العنصر البشري القيام به هو إعادة حشو المدفع ليعمل من جديد. وعلى الرغم من المميزات التي منحها المدفع إلا أنه كان له عيوب قاتلة منها انفجار المدفع أحيانا، وطول وقت التلقيم، وثقل وزنه ووزن قذيفته، مما يتيح للعدو الوقت الكافي لاستهدافه.

أشكال متعددة من المنجنيق

وظلت السيوف مستخدمة في الحروب حتى بعد استخدام المدافع لفترة طويلة. حيث أنها حلت محل النبال فقط إلى أن تم اختراع البندقية والتي لها نفس فكرة عمل المدفع سالف الذكر. حيث كان لزاما على جندى المشاة حشو البندقية بلفافة البارود ثم القذيفة ثم كبسها ثم التصويب ثم إعادة الكرة مرة أخرى مما جعل أكثر الجنود تدريبا وسرعة لا يطلق أكثر من أربع إلى خمس رصاصات في الدقيقة. وبالأخذ بعين الاعتبار المدى القصير (بمفاهيم اليوم) للرصاصة؛ ما نتج عنه عدد قتلى كارثي في كلا الجانبين. ويوجد بعض نماذج لهذه الأسلحة بمتحف محمد على بالقاهرة.

كانت سرعة إعادة التلقيم هي المشكلة الرئيسية في إنتاج أسلحة فعالة، وكان صومائيل كولت من أوائل من حل هذه المعضلة

الرشاش: أداة القتل السريع والمتعدد

من المثير للدهشة أن أول رشاش في التاريخ قد أخترع لإنقاذ الأرواح في الأساس

بندقية «جاتلنج»

ومن المثير للدهشة أن أول رشاش في التاريخ قد أخترع لإنقاذ الأرواح في الأساس. حيث لاحظ ريتشارد جاتلينج عدد القتلى في معارك إنديانا في بدايات الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861 وعدد الجنود الذين توفوا بعد المعارك جراء الإصابة. وهذا دفعه للتفكير في سلاح يمكنه تقليل عدد الجنود المقاتلين في المعارك مما يقلل من عدد الوفيات. وعلى الرغم من أنه كان في الأساس طبيبا ممارسا إلا أنه برع في إنتاج أول رشاش شبه آلي في التاريخ يدار بواسطة يد دوارة. كانت فكرة عملة عبقرية وتتلخص في وجود عدة سبطانات (مواسير الاطلاق) مركبة على هيئة دائرة كل منها له ميكانيكية تلقيم مستقلة وعند إدارة اليد تدور السبطانات ليتم تلقيمها من شريط الرصاصات المثبت أعلى الرشاش وعند مكان معين يتم تفعيل الإطلاق في كل سبطانة على حدة لتسقط الرصاصة الفارغة من أسفل السلاح. وبذلك كانت هناك دائما سبطانة تذخر بينما الأخرى تطلق والثالثة تتخلص من الفارغ لتعيد الدورة من جديد.

كانت هذة البندقية ذات فاعلية جيدة وقوة نارية مقبولة واستمر العمل بها حتى عام 1911 ولكنها كانت تمتلك عيبا قاتلا وهو طريقة الإطلاق. حيث يزيد الجندى من سرعة دوران اليد مما يرفع عدد الطلقات في الدقيقة منتجا حرارة تتسبب في عطب البندقية. مما دفع «جاتلنج» في النهاية إلى استخدام الموتور الكهربى كمشغل لآليه الاطلاق. ولكن البندقية الجديدة لم تلق رواجا كسابقتها لثقلها الشديد وعدم خفة حركتها في المعركة .ولم ير العالم السلاح الرشاش الأتوماتيكى بالمعنى الحديث إلا على يد المخترع هيرام ماكسيم صاحب البندقية المسماه بإسمه ابان الحرب العالمية الأولى (بندقية ماكسيم).

بندقية «ماكسيم»

أشكال متعددة من المنجنيق
أشكال متعددة من المنجنيق

في يوم صيد عادى كان ماكسيم ورفاقه يطلقون النار من بندقية عادية يعاد تلقيمها باليد. فعانى ماكسيم في ذلك اليوم من الإرتداد الشديد للبندقية في كتفه وسأم كذلك من إعادة التلقيم مع كل طلقة. فكانت الفكرة العبقرية التي بنىت عليها معظم الأسلحة في العصر الحديث وهو استخدام رد فعل الرصاصة ( قوة ارتداد البندقية بعد إطلاق المقذوف) تبعا لقانون نيوتن الثالث للحركة الشهير «لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه». كانت الفكرة في وجود عتلة عند ارتدادها تقوم بطرد الفارغ وبقوة زنبرك (سوستة) يضغط في عكس اتجاة المقذوف تعاد العتلة إلى مكانها الأصلى حاملا رصاصة جديدة إلى السبطانة. مما مكن من إطلاق عدد كبير من الأعيرة النارية في الدقيقة الواحدة.

أدى اختراع «ماكسيم» وانتشاره إلى دخول الأسلحة الرشاشة لساحة المعارك كفاعل أساسى ومؤثر جدا في سير المعارك

في بداية استخدام الرشاشات في حرب الخنادق كانت الرشاشات تركز بطول الخندق مما مكن المهاجمين من اختراقها بسهولة، وان كانت باهظة التكاليف من حيث عدد القتلى، ولكن الألمان في الحرب العالمية الأولى طوروا تقنية التمركز عند الأجنحة، وهى أن يقوم رشاشان فقط بحماية الخندق من أطرافه ويكون كل منهما مسئول عن الإطلاق في القوس المرسوم بين المقدمة والخندق المتمركز فيه الرشاش ولا يقوم الجنود بالإطلاق مباشرة عند الهجوم ولكن يترك الخصم ليدخل نقاط التقاطع بين الرشاشان مكونين جدارا ناريا لا يكمن اختراقه. لقد حقق هذا التكتيك نجاحا باهرا ففي أول يوم من معركة «سوم» بين بريطانيا وألمانيا تكبدت بريطانيا 20 ألف قتيل باستخدام هذا التكتيك. وقدرت ضحايا الرشاشات في الحرب العالمية الأولى بحوالى 5 مليون قتيل.

منذ اختراع ماكسيم تسابقت الدول فيما بينها في امتلاك أسلحة رشاشة خفيفة وسهلة الحمل يمكن للجنود المهاجمين حملها في ساحات المعارك. من أشهر الأمثلة على هذة البنادق البندقية الأمريكية M16والروسيةAK47 أو الكلاشنكوف، غير أن الكلاشنكوف يختلف في آلية عمله حيث يعتمد على ضغط الغاز الناشىء عن احتراق المادة القاذفة في إعادة تلقيم الرشاش.

لم يقتصر عمل الرشاشات على الجنود والحرب البرية فقط ولكنه تعداها للعمل على الطائرات في القتال القريب او ما يعرف ب (Dog Fight)، وكذلك في الهليوكوبتر والدفاعات القريبة للسفن الحربية ومضادات الطائرات. ولكن هناك مدفع شهير لا يمكننا الحديث عن الرشاشات دون ذكره وهو «الجاو 8 افانجر» المحمل على الطائرة A10 قاتلة الدبابات والتي يمكن وصفها بأنها «مدفع زود بطائرة». فطلقة هذا المدفع أثقل بقليل من نصف كيلو جرام وهى أسرع من الصوت وقادرة على اختراق دروع الدبابات.

الطائرة A10
الطائرة A10
مدفع الجاو 8 افانجر مركب على طائرة A10
مدفع الجاو 8 افانجر مركب على طائرة A10

لا أحد يعرف على الإطلاق كيف يمكن أن تتطور الأسلحة اليدوية في المستقبل فيمكن في القريب العاجل أن نرى أسلحة هجوم للافراد تطلق أشعة ليزر ذات عدد لا نهائى من الطلقات. أو أسلحة تتسبب في الشلل التام للعدو وأسره. أيا ما كان تصورك فستظل هذة الاسلحة فعالة ومميتة.

اليوم يتساوى الشجاع والجبناء …صومائيل كولت

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.