قبل أن نبدأ علينا أن نعترف، أنه وبالرغم من ادعاءاتنا امتلاكنا الخبرة والمعرفة بما بتعلق بكيفية التعامل مع الطفل إما من خلال القراءة أو من خلال تجربة سابقة مع الأطفال، إلا أننا نكتشف أن لكل طفل شفرته الخاصة والخاصة جداً، علينا قبل البدء في التعامل معه، أن نفك رموزها، قبل أن نصدر عليهم أحكامنا الغليظة التي نوصمهم بها بل ونتعامل معهم على أساسها، وتكون مشكلة أطفالنا الأكبر ليست فيهم في الحقيقة، وإنما فينا نحن الآباء والمربين!

من بين الظواهر الشائعة التي تظهر عند بعض الأطفال ألا وهي ظاهرة العناد، فكما هو متداول، أن الطفل العنيد هو ذلك الطفل الذي (لا يسمع الكلام، يصمم على رأيه، يصر على تكرار الخطأ … إلخ)، ولا يخفى على أحد أن هذه المظاهر تفسد الوئام والسلام العائلي المنشود وتعكر صفو التواصل بين الآباء والمربين وبين أطفالهم.

ولكن، هل فكرت يوماً ما سبب تلك المشكلة؟ وهل هي أساس الداء أم مجرد عرض لشيء آخر؟ سنقترب أكثر من هذا المصطلح كي نفهم أصل الداء، وربما يدلنا هذا الاقتراب من طريق الحل.


خصائص الطفل العنيد

علينا أولا أن نؤكد على أن ليس كل طفل ذي إرادة حرة ومستقل هو طفل عنيد، يجب أن نفهم أولاً قبل أن نصدر أي أحكام ونتخذ إجراءات حيال الأمر.

1. حسب التعريفات العلمية المتداولة فالطفل العنيد هو الطفل الذي يرفض الخضوع لولي الأمر ويكسر القواعد ويرفض القيود من أبسط الأمور اليومية لأكثرها تعقيداً. وفي المقابل ينشئون قوانين خاصة بهم.

2. لديه القدرة الكبيرة على الجدال.

3. لديهم العزم الشديد للثبات على ما يردون وعلى عدم تغيير موقفهم من الأشياء تحت أي ضغط خارجي.

4. لديهم حاجة قوية للبوح وأن يكونوا مسموعين لذا يقومون دائماً بلفت الانتباه لهم.

5. يسعون لاستقلاليتهم بشكل قد يبدو عنيفاً.

6. دائمو السؤال عن السبب وراء ما يقومون به أو ما يطالبون بالقيام به.

7. كما هو حال كل الأطفال في تعرضهم لنوبات الغضب، ولكن الطفل العنيد يتعرض لنوبات غضب أكثر.

8.لديهم سمات قيادية واضحة، قد تصل أحياناً حد التسلط.

ولكن، هو طفل شديد الحساسية، وفي غالب الأمر تكون حساسيته هي حقيقة نمطه ويكون العناد هنا مجرد حيلة دفاعية. فالأطفال شديدو الحساسية لديهم طاقة تحد كبيرة حتى يتجاوزوا حساسيتهم المفرطة. فهم يعتمدون على حكمتهم الداخلية في مقابل السلطة الخارجية المتمثلة في الآباء والمربين. فهم لا يسمحون أن يتجنى عليهم أحد من خارجهم وعندما يرغبون بشدة في فعل شيء ما، يفعلونه بكل عزم وإصرار.

وعليه فهناك أمر ما وراء هذا العناد الظاهر، محاولة من الطفل لإثبات ذاته وإعلان صريح عن وجوده وهذا عند معظم الأطفال ولكن مع اختلاف نسب هذا السلوك حسب شخصية كل طفل. إذن نحن لسنا بصدد نمط أو طبع فطري يجب التعامل معه بل هو سلوك ظاهر يخبئ وراءه دافعاً أقوى منه،وهو عرض لعدم تفهم طبيعة الطفل وحساسيته الشديدة.

في غالب الأحيان لا تكون المشكلة بشكل كامل في الصغار،قد تكون مشكلة المربين بامتياز، نحن نسقط توقعاتنا الكبرى على أطفالنا، فنرفع كثيراً من سقف التوقعات منهم وإن لم يقدروا عليها، كما أننا في كثير من الأحيان لا نقدر الاختلافات التي يمكن أن تكون بيننا وبينهم.ليس فقط فارق السنين، بل فارق الشخصيات والإمكانيات والطموحات. فيصيبنا الإحباط كثيراً عند احتكاكنا بأول صدام بين المرب أو الآباء والأبناء.

كما أننا لا نراعي كثيراً المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل ولا سماتها وأسئلتها الملحة، فعلى سبيل المثال: الطفل دون السابعة لا يرى ما يلزم وما لايلزم مثلما نراه نحن البالغين، بل هو يفعل ما يريد أن يفعله وليس ما يجب عليه فعله في تلقائية قد تبدو لنا فوضى مدمرة وعارمة ولكن باقترابنا أكثر من عالمهم الصغير، يمكننا ولو بقدر قليل تقبل منطقهم عن الأشياء وهذا يحسن كثيراً من طريقتنا في التعامل مع الطفل بما يؤثر على ظهور أي سلوكيات عدائية أو تمردية.

فالعناد والتمرد إذن سلوكيات ظاهرة لطبع كامن وراءه قد يكون حساسية مفرطة أو محاولة لكسب ثقة في نفس الطفل وإمكاناته وأنه يستطيع، كما أنه سلوك فيه تحد واضح لكل القيود التي وضعت من قبل آخرين لا تراعي طبيعة الطفل ولا رغباته، وهو أيضاً اختبار لردود أفعال البالغين لدراسة سلوكياتهم عن كثب.

وفي مفاجأة علمية قد تبدو غريبة للبعض، فهناك أبحاث تؤكد أن كثيراً من الأطفال المتسمين بالعناد وتمرد لديهم فرص نجاح أكثر من أقرانهم عندما يكبرون.


هل الطفل العنيد هبة من الله؟

في دراسة نشرتها المنظمة الأمريكية النفسية ونشرتها جريدة الاندبنت أجريت على ما يقارب من 700 فرد تتراوح أعمارهم ما بين 8 و12 عاماً. أكدت نتائجها على قدرة التنبؤ بسلوك البالغين ونجاحهم من خلال دراسة سلوكهم في مراحل مبكرة من طفولتهم. وكان من أكثر السلوكيات غرابة في نتائجها هو العند أو الإصرار على كسر قواعد وسلطة الكبار.

في بداية التجربة، نظر الباحثون في سلوك الأطفال، بما في ذلك تشتت الانتباه، والشعور بالدونية، والتعجل، وكسر القواعد، وتحدي سلطة الأبوين والقواعد. ومنها تم تقييم الأطفال وتصنيف سلوكياتهم.و بعد مرور 40 عاما، تمت إعادة فحص نفس عينات التجربة بنفس الأشخاص وسماتهم السلوكية، حيث أظهرت النتائج أن الأطفال الذين يصرون على انتهاك القواعد الأبوية بتحد واضح كانوا من أكثر الطلاب إحساساً بالمسئولية في مراحلهم الدراسية المختلفة كما أنهم حققوا نجاحات ملحوظة في حياتهم المادية.

كما ذكر الباحثون أنه من الجائز أن يكون هؤلاء الأطفال ذوو السلوك التمردي أكثر استعدادًا لفعل ما هو صحيح، مقارنة بما يفعله أقرانهم. وهذا إذا كان بإمكان الوالدين تحفيزهم وتحويسلوكهم هذا من عدائي لمنحة يستفيد منها الطفل، قد يكون مستقبل لهؤلاء الأطفال أن يكونوا قادة محفزين يفعلون الشيء الصحيح حتى لو اضطروا للقيام بذلك بمفردهم. فكيف نحد من سلوك أطفالنا الذي قد يكون مزعجًا؟


آليات التعامل مع سلوك الطفل العنيد

إن كان هناك ما يشبه بالكتالوج الموحد للتعامل مع طفلك يقدم لك حلولاً سحرية للحد من أي سلوك مزعج وتحديداً العناد والتمرد، فهو الحب بما فيه من صدق وتفهم واحترام لهذا الكائن الذي وإن صغر حجمه ومهاراته وخبارته في الحياة، إلا إنه إنسان كامل له كامل الحق في الاختيار والعيش بحرية. لذا فعليك أن تعرف طفلك أولاً قبل أن تعرف الطريق الذي ستسلكه في تقويم ما أزعجك من سلوكه. تأكد أولًا من أنك لست سبباً في أن يكون طفلك عنيداً!

لذا فعلينا أولاً أن نراعي التالي وأنت تعامل طفلك شديد الحساسية:

1. قبول أطفالنا بشكل حقيقي:

نعم، فالبداية تكمن من الداخل، من عقولنا وقلوبنا، أن نقبل الطفل بمنطقه الصغير وسمات شخصيته والفروق الفردية بين طفل وآخر وإن كان شقيقه. وأن نتعامل مع الطفل على أنه كائن بشري كامل لا ينقصه فقط إلا بعض من المهارات والخبرات الحياتية والقدرة الجسمانية التي هي لديك بطبيعة الحال بحكم تقدم عمرك وسنوات خبرتك عنه.

2. مراعاة المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل:

فمن غير المقبول وصم طفل لم يكمل عامه الثاني بأن سلوكه عنيد أو متمرد، فهي طبيعة المرحلة بأن يحاول فعل كل ما يستطيع فعله البالغين ويستطيع فعله هو الآخر، فهو سلوك عفوي يقول به الطفل أنا موجود.

3. قلل سقف توقعاتك من الطفل:

بناء على النقطة السابقة، فلكل مرحلة عمرية ظروف مختلفة عن غيرها وأسئلة وتحديات مختلفة، فلا تتوقع من طفل ذي ثلاثة أعوام أن يسعد بالرخوج الدائم للأسواق التجارية دون ملل أو ضجر، أو أن يجلس مهذباً بلا حراك في زياراتك العائلية غير الملزمة له بطبيعة الحال.

4. علاقة تراحمية لا صدامية:

لا نحاول الدخول مع أطفالنا في علاقة ندية فيها تحد، فقط انتبه لأنك تفهمه أكثر وتتفهم طبيعة طبعه ونمط شخصيته ولا تحول علاقتهم معه إلى صراع إرادات.

5. مهارة الاختيار:

عليك أن تضع له في مكل موقف يمر به عدة اختيارات يختار منها بحرية، فكل الخيارات بكل تأكيد في هذه الحالة ستكون مرضية بالنسبة لك، وإن حاول هو التمرد من القائمة وإدخال خيار آخر، يأتي هنا دور الحزم في أن هذه الخيارات فقط المتاحة لتماشيها فعلاً مع الموقف، ولكن عليك أن تقبل بأفكار أخرى طالما كانت فكرة جيدة وإن لم تصدر منك، فكر قليلاً فقط قبل اتخاذ القرار .

6. التهيئة:

عليك تهيئة الطفل قبل أن تعرضه لمواقف مختلفة مثل الخروج أو مقابلة شخص غريب يقابله لأول مرة، ولا يمكن أن تجبر طفلك على شيء تعلم أنه يرفضه.

7. التفاوض دون مساومة:

أن يكون هناك متسع من الخيارات يمكن أن نتحدث بشأنها دون أن تساومه افعل كذا كي أعطِ كذا.

8. استمع ولا تجادل.

9. عزز سلوكياته الإيجابية.

10. الروتين:

قم بوضع روتين له ولكل الأطفال في البيت يلتزمون به على أن يقوموا بوضعه معك، وأن يكون مناسباً لطبيعتهم، مثل موعد للاستيقاظ والنوم ما علينا فعله فور الاستيقاظ وما نفعله أثناء الأكل وقبله. تمكننا هذه الأداة من توفير كثير من الوقت يمكن إهداره في محاولات إخضاع الطفل لعمل هذه الأشياء.

11. ابتعد عن الوصم؛ راقب كلامتك:

راقب ما تقوله لطفلك إذا كان من الكلمات من النوع الذي تحبه ويعزز من تواصلك وحبك له، أم هو كلام جارح يصمه بالرعونة والتمرد وفقط. فهذا يؤثر جدًا على رد فعل الطفل.

12. كلمة «لا» ليست كل شيء، فالسبب في انزعاج الأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية عند سماعهم «لا» بشكل متكرر، هو أنهم يظنون أنهم هم المرفوضون لا طلباتهم، فيشعرون بالضعف ويحاولون تعزيز قوتهم بسلوكيات قد تبدو مزعجة.

13. ابق هادئاً وتعلم كيف تدير غضبك:

على كل مرب أن يتعلم كيف يدير غضبه أثناء تواصله مع أطفاله رداً على سلوكياتهم المزعجة فهذا يجنبنا الكثير من الصدام المحتمل ويجعلنا قادرين أكثر على حل المشكلات بشكل أفضل كما نقدم نموذجاً جيداً لكيفية التعاطي مع المشكلات

وأخيرًا، ليس علينا جلد ذواتنا على أننا مقصرون في حق أبنائنا، فنحن مثقلون بميراث عظيم من الأفكار التربوية المغلوطة المتراكمة برمجت عقولنا ونحتت لنا طريقاً من الصعب علينا أن نحيد عنه.. ولكنه ليس مستحيلاً. فنحن في محاولات مستمرة في التوفيق بين ما نفعله كرد فعل تلقائي وما يجب علينا فعله.

فكلما اقتربت المسافة بين الأمرين زادت فرص فلاحنا مع أبنائنا. فنحن مدينون لصغارنا بكل الشكر والعرفان، فلولا تسامحهم معنا ومع أخطائنا غير المقصودة، لما استطعنا القيام مرة أخرى من العثرة واستكمال الريق في محاولة منا أن نكون لهم آباء صالحين.

فقد حفر باولو كويلو الروائي المهم كلمات من نور حين قال:

عندما تجدين طريقك، يجب ألا تخافي، ويجب أن تكون لديك الجرأة الكاملة لكي ترتكبي الأخطاء، ويجب أن تعلمي أن خيبة الأمل والانكسار والهزائم واليأس والإحباط هي أدوات الله يستخدمها ليرشدنا إلى الطريق