محتوى مترجم
المصدر
bloomberg
التاريخ
2016/04/21
الكاتب
Peter Waldman

في مطلع العام الماضي، بالقصر الملكي بواحة روضة خريم، زار الأمير السعودي محمد بن سلمان عمه، الملك عبد الله، في أيامه الأخيرة قبل دخول المستشفى. من غير المعروف لأي شخص خارج عائلة آل سعود أن العلاقة بين الرجلين، اللذين يفصل بينهما من العمر 59 عامًا، قد شهدت توترات حادة فيما مضى، والتي بلغ مداها منع الملك عبد الله لابن أخيه «الطائش»، الذي كان عمره 26 عامًا في تلك الفترة، من أن يضع قدمه في وزارة الدفاع، بعد أن وصلت الشائعات إلى القصر الملكي حول أن الأمير متهور ومتعطش للسلطة. ولكن لاحقًا، أصبح الثنائي مقربًا، حيث ربطهما اعتقاد مشترك بأن المملكة يجب أن تتغير جذريًا، وإلا ستضطر لمواجهة الخراب في عالم يحاول التخلي عن النفط.

طوال عامين، بتشجيع من الملك، كان الأمير يخطط بهدوء لإعادة هيكلة شاملة للحكومة السعودية والاقتصاد السعودي؛ بهدف تحقيق ما يصفه بـ«الأحلام المختلفة» لجيله لمستقبل ما بعد الكربون. مات الملك عبد الله بعد فترة وجيزة من زيارته، في يناير 2015. عند ذلك تولى والد الأمير محمد، سلمان، العرش، وعين ابنه نائبًا لولي العهد – أي بالمرتبة الثانية في تسلسل ولاية العرش – وأولاه سلطات غير مسبوقة على النفط الحكومي المُحتكر، صندوق الاستثمار الوطني، السياسة الاقتصادية، ووزارة الدفاع. يمثل ذلك محفظة وزارة أكبر من تلك الخاصة بولي العهد نفسه، الشخص الوحيد الذي يسبقه في تسلسل الخلافة. بشكل فعال، يعد الأمير محمد اليوم القوة الواقفة وراء أقوى عرش في العالم. يصفه الدبلوماسيون الغربيون في الرياض بأنه «رجل كل شيء»، بينما يبلغ عمره 31 عامًا.

يصف الدبلوماسيون الغربيون في الرياض الأمير محمد بن سلمان بأنه «رجل كل شيء» في المملكة.

يقول الأمير محمد: «منذ نصف اليوم الأول، بدأ إصدار القرارات. وخلال الأيام العشرة الأولى، أعيدت هيكلة الحكومة بالكامل». تحدث الأمير محمد لـ«بلومبرج» لمدة ثمان ساعات خلال مقابلتين في الرياض، حيث قدم لمحة نادرة عن تفكير نوع جديد من ملوك الشرق الأوسط؛ نوعٌ يحاول محاكاة ستيف جوبز، ينهي ألعاب الفيديو ببراعة مثيرة، ويعمل لمدة 16 ساعة يوميًا في بلد به الكثير من الوظائف السهلة.

في العام الماضي سرى شبه ذعر بين مستشاري الأمير عندما اكتشفوا أن المملكة تستهلك احتياطياتها الأجنبية أسرع مما تصور أي شخص، إذ أصبح الإفلاس على بعد عامين فقط. أحدث تراجع عائدات البترول عجزًا في الميزانية بلغ حوالي 200 مليار دولار، قدم ذلك لمحة عن مستقبل لا يعود فيه صادر السعوديين الوحيد الصالح للتداول قادرًا على سداد فواتيرهم، سواء بسبب غمر النفط الصخري للأسواق أو بسبب السياسات المتعلقة بالتغير المناخي. اعتمدت المملكة تاريخيًا على قطاع البترول لتوفير 90 بالمئة من ميزانية المملكة، وكامل عوائد التصدير تقريبًا، وأكثر من نصف إجمالي ناتجها المحلي.

http://gty.im/57154895

في يوم 25 إبريل، يُنتظر أن يكشف الأمير الستار عن «رؤيته للمملكة السعودية»، وهي خطة تاريخية تشتمل على تغيرات اقتصادية واجتماعية واسعة، كما تتضمن إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، والذي سيحمل في النهاية أصولًا تفوق قيمتها 2 تريليون دولار؛ أي ما يعد كافيًا لشراء شركات آبل، جوجل، مايكروسوفت، بيركشاير هاثاواي، أكبر أربع شركات عامة في العالم. يخطط الأمير لاكتتاب عام قد يبيع «أقل من 5 بالمئة» من شركة آرامكو السعودية، المنتجة الوطنية للنفط السعودي، حيث ستُحول إلى أكبر تكتل صناعي في العالم. سيتشكل الصندوق من أصول غير نفطية، حيث سيقلص اعتمادية المملكة شبه الكاملة على عائدات النفط. ستؤدي تلك الخطوات القوية من الناحية الفنية إلى «جعل الاستثمارات مصدر دخل الحكومة السعودية، بدلًا من النفط»، حسبما أوضح الأمير، «لذلك فخلال 20 عامًا، سيكون لدينا اقتصاد أو دولة لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط».

طوال 80 عامًا، أمّن النفط «العقد الاجتماعي» الذي تقوم المملكة على أساسه، أما الآن، فالأمير محمد يضع قواعد جديدة.

طوال 80 عامًا، أمّن النفط «العقد الاجتماعي» الذي تقوم المملكة على أساسه؛ الحكم المطلق لآل سعود، مقابل الإنفاق السخي على الـ 21 مليون مواطن. أما الآن، يضع الأمير محمد قواعد جديدة. فقد خفّض بالفعل الدعم الحكومي الهائل للوقود، الكهرباء والماء. كما يُحتمل أن يفرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب على السلع الترفيهية والمشروبات السكرية. تهدف هذه الإجراءات وغيرها إلى توفير 100 مليار دولار سنويًا من العائدات الإضافية غير النفطية بحلول عام 2020. لا يعني ذلك أن عهد منح الحكومة السعودية المجانية قد ولى، فليس هناك خطط لفرض ضريبة على الدخل. ولتخفيف العبء عن كاهل منخفضي الدخل، يخطط الأمير لتقديم إعانات نقدية مباشرة، حيث يوضح: «لا نريد ممارسة أية ضغوط عليهم، بل نريد ممارسة ضغوط على الأثرياء».

لا تستطيع السعودية تحقيق الازدهار بينما تقيّد حقوق نصف شعبها، فقد أشار الأمير إلى أنه سوف يدعم تقديم المزيد من الحرية للمرأة التي لا تستطيع القيادة أو السفر دون إذن أحد أقاربها الذكور. ويعلّق الأمير: «نعتقد أن المرأة لها حقوق في الإسلام لم تحصل عليها بعد». يقول مسؤول عسكري أمريكي سابق التقى بالأمير مؤخرًا إن الأمير قد أبلغه بجاهزيته للسماح للمرأة بالقيادة لكنه ينتظر اللحظة المناسبة لمواجهة المؤسسة الدينية المحافظة التي تهيمن على الحياة الدينية والاجتماعية في المملكة. وأضاف المسؤول السابق: «قال الأمير: إن كان قد سُمح للمرأة بركوب الجمال – في عهد النبي محمد ﷺ -، فربما ينبغي علينا السماح للمرأة بقيادة السيارات، إنها جِمال العصر الحديث».

http://gty.im/185625377

في سياق منفصل، مُنعت هيئة الأمر بالمعروف السعودية من ممارسة التوقيف أو الاستجواب دون مساعدة سلطات أخرى. قد تؤدي محاولات التحرر إلى تعريض الاتفاق الذي عُقد قبل جيلين بين عائلة آل سعود والأصوليين الوهابيين للخطر، لكن من غير المرجح أن يأتي نوع الاستثمارات، التي يريد الأمير محمد جذبها إلى المملكة، إلى دولة تفرض قيودًا كبيرة على المرأة. واليوم، بغض النظر عن كم الأموال الموجودة لدى الرياض، سيفضل المصرفيون وعائلاتهم البقاء في دبي.

كان الكثير من السعوديين، الذين اعتادوا تولي الأبناء المسنين للملك المؤسس للمملكة مقاليد السلطة، مذهولين إثر التعزيز السريع لسلطات الأمير محمد العام الماضي. صب صعود الأمير المنتمي إلى الجيل الثالث – حفيد الملك المؤسس – في مصلحة نصف الشعب المنتمي للفئة العمرية تحت سن 25 عامًا، خاصة العدد المتزايد من السعوديين المتحضرين ذوي التعليم الجيد، الذين يعتبرون القيود المفروضة على المرأة أمرًا مُحرجًا لهم. كما تبلغ نسبة بطالة الشباب حوالي 30 بالمئة.

لكن دعم الإصلاح شيء، ومعايشته أمر آخر. فقد انطوت ردة الفعل العامة على البداية الاقتصادية الجديدة على القلق، وأحيانًا الغضب. خلال هذا الشتاء، لجأ الكثير من السعوديين إلى تويتر، وسيلتهم المفضلة للحديث غير الخاضع للرقابة؛ للتنفيس عن شعورهم تجاه زيادة بلغت 1000 بالمئة في فواتير المياه، وللشكوى بشأن احتمالية بيع آرامكو، التي تمثل إرثًا سعوديًا، لتمويل الأحلام الاستثمارية للأمير المبتدئ.

انطوت ردة الفعل العامة على البداية الاقتصادية الجديدة، التي يدشنها محمد بن سلمان، على القلق، وأحيانًا الغضب.

«لقد كنا نصرخ طلبًا لبدائل للنفط طوال 46 عامًا، لكن لم يحدث أي شيء»، حسبما علّق برجس البرجس، المعلق الاقتصادي المنتقد لخطوة بيع حصص آرامكو. «لماذا نعرض مصدر معيشتنا الرئيسي للخطر؟، الأمر أشبه بحصولنا على قرض من المشتري سنضطر لسداده طوال حياتنا».

يعتقد البرجس ومشككون سعوديون آخرون أن مستثمري القطاع العام سيطالبون بتخفيضٍ هائل حتى يستثمروا في حصصها، خشية أن الدولة سيكون لديها دائمًا أولويات أخرى بالنسبة لأرامكو سوى تعظيم أرباحها. كما يتساءلون حول سبب وجوب ثقة السعوديين في مدراء صندوق الثروة السيادية، غير الخاضعين للمحاسبة، لتحقيق عائدات مرتفعة تفوق التي يحققها المدراء التنفيذيون لآرامكو. جدير بالذكر أن حجم الشركة مذهل، إنها الأولى على مستوى العالم في إنتاج النفط، حيث تتوفر لديها قدرة على ضخ أكثر من 12 مليون برميل يوميًا؛ أي أكثر من ضعفي قدرة أي شركة أخرى، وهي رابع أكبر مكرر للنفط في العالم. كما تتحكم آرامكو في ثاني أكبر احتياطيات للنفط في العالم، بعد فنزويلا؛ لكن على النقيض من حزام أورينوكو الفنزويلي، الذي يتكلف استخراجه الكثير من الأموال، يعد النفط في المملكة رخيصًا وسهل الاستخراج. كما أن آرامكو واحدة من أكثر الشركات سرية في العالم،حيث لا يتوفر أي قياس رسمي لأدائها المالي.

يرجح أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 1,5 بالمئة عام 2016، وهي أبطأ وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية، حسبما توضح إحصائية لبلومبيرج، بينما يتراجع الإنفاق الحكومي – وهو المحرك الذي يشغل الاقتصاد – للمرة الأولى منذ أكثر من عقد. لا تزال الدولة تُشغل ثلثي العاملين السعوديين، بينما يحصل الأجانب على حوالي 80 بالمئة من مرتبات القطاع الخاص. مثلت بعض حملات التنويع السابقة في المملكة إخفاقات واضحة. على سبيل المثال، مركز الملك عبد الله المالي الذي دُشن عمله عام 2006 بقيمة 10 مليارات دولار، والذي لم ينجح إلى حد كبير، حيث تسلل مسار حديدي أحادي الخط عبر حوالي 70 مبنى، بما فيها خمس ناطحات سحاب جديدة من الزجاج والصلب. وقد ترك بعض عمال البناء المشروع مؤخرًا، زاعمين أنهم لم يحصلوا على أجورهم.

http://gty.im/504659346

«في النهاية، الجميع يعرف ما تعنيه الديموغرافيا للمملكة»، حسبما علق كريسبين هاويس، المدير العام بشركة «تينيو إنتلجينس». «لا تبدو هذه الديموغرافيا الآن ألطف بأي شكل عما كانت عليه منذ 10 سنوات. فدون إصلاح اقتصادي جذري حقيقي، من الصعب للغاية رؤية كيف سيتمكن الاقتصاد السعودي من خلق مستويات العمالة التي يحتاجها».

لن يخوض الأمير محمد في تفاصيل عن أي استثمارات مستقبلية غير نفطية، لكنه يقول إن الصندوق السيادي الضخم سوف يتحد مع شركات الاستثمارات الخاصة ليستثمر في النهاية نصف أرصدته بالخارج، باستثناء حصة آرامكو، في أصول سوف تنتج تدفقًا مستمرًا من العوائد غير المرتبطة بالوقود الأخفوري. هو يعلم أن كثيرين غير مقتنعين. «لهذا أجلس معك اليوم»، حسبما قال في منتصف إبريل، «أريد إقناع شعبنا بما نفعله، كما أريد إقناع العالم».

يقول الأمير محمد إنه معتاد على المعارضة، وقد أصبح أكثر صلابة بفضل الأعداء البيروقراطيين الذين اتهموه ذات مرة بالتشبث بالسلطة أمام والده والملك عبد الله. يقول الأمير إنه يدرس وينستون تشرشل وكتاب صن تزو “فن الحرب” وإنه سيحوّل الشدائد لصالحه. يمكن لكل ذلك أن يعتبر مجرد حديث مضطرب إن لم يكن لدى الأمير مسار واضح إلى السلطة، أو إن لم يكن قد تحدث بحرية شديدة وبطرق تصدم النظام العالمي النفطي السياسي.

يوضح الملك المستقبلي المرجح للسعودية إنه لا يأبه إن ارتفعت أسعار النفط أو هبطت، حيث يقول إنها إن ارتفعت، سيقدم ذلك المزيد من الأموال للاستثمارات غير النفطية، وإن هبطت، يمكن للمملكة، بصفتها المنتج المتمتع بالتكلفة الأقل، أن تتوسع في الأسواق الآسيوية النامية. فولي ولي العهد يتنصل في الأساس من عقودٍ من العقيدة النفطية السعودية، كونها زعيمة منظمة «أوبك». لقد أحبط تجميدًا مقترحًا لإنتاج النفط في يوم 17 إبريل باجتماع المصدرين في قطر؛ لأن إيران، المنافسة، لن تشارك. اعتبر المراقبون ذلك تدخلًا نادرًا للغاية من قبل أحد أعضاء العائلة الملكية، التي أتاحت عادة مجالًا واسعًا أمام التكنوقراطيين بوزارة البترول للمناورة بشأن سياسيات النفط. «لا تهمنا أسعار النفط؛ سواء أكانت 30 دولارًا أو 70 دولارًا، الأمر سيان بالنسبة لنا. هذه ليست معركتي».