بين مؤيد ومعارض انقسمت الآراء، وتعددت النقاشات. بدا الأمر كأنه ميدان لسجال جديد بالساحة التونسية. هو بالفعل كذلك، لكنه سجال متجدد يبدأ كل عام بحلول الشهر الكريم. ومن خلاله يثور الجدل حول حق الأفراد في الإجهار بالإفطار، وتتباين وجهات النظر بشأن تدخل الدولة وفرضها عقوبات على المفطرين.

سريعاً ما يُترجم ذلك عبر مواقع التوصل الاجتماعي، فتنتشر الوسوم، وتتسع دائرة النقاش، ويتطور الأمر إلى الخروج بمظاهرات للمطالبة بالإفطار العلني. فلماذا يتصاعد هذا الجدل كل عام؟ وهل تمثل الحالة التونسية استثناء في هذا المسار أم أن الأمر متكرر في سياقات مختلفة بالمنطقة العربية؟


جدل متصاعد: فكيف بدأت القصة؟

وزير الداخلية التونسي لطفي برهام.

تسبب ذلك التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية بتصاعد الجدل بالشارع التونسي. إذ رأى فيه البعض مخالفة للدستور الذي يكفل حرية المعتقد، ومغازلة من الوزير لحركة النهضة الإسلامية. فيما اعتبره آخرون أمراً قانونياً استناداً لـ«منشور مزالي»، الذي أصدره وزير الداخلية السابق محمد مزالي عام 1981، ويقضي بحظر فتح المقاهي في شهر رمضان.

رداً على ذلك،أكد الوزير أن السماح بفتح المقاهي نهار رمضان يمكن أن يمثل وسيلة لبعض الجماعات المتطرفة للتحريض على الدولة ولارتكاب أعمال إرهابية. وتبرأت حركة النهضة من علاقاتها بالقرار، موضحةً أنه يأتي تطبيقاً للمنشور الذي أصدرته وزارة الداخلية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بغلق المقاهي في نهار رمضان. كما شددت على ضرورة عدم الزج بها في الخلاف مع الوزير، إلا أن ذلك لم يمنع من تصاعد وتيرة الجدل.

فبدأ المفطرون حملتهم وأطلقوا على تويتر وسم: #مش_بالسيف (ليس بالإكراه)، طالبوا من خلاله بتناول الطعام والشراب علانية. مؤكدين أن الأمر هو محض حرية واختيار شخصي وأن الدستور يسمح لهم بذلك.

وفي المقابل، خرج إلى العلن هاشتاغ #Fater (فاطر)، رأى من خلاله المعارضون أن الأمر به استفزاز للصائمين، وطالبوا بتطبيق القانون على المتجاوزين على اعتبار أن ذلك ينتقص ركنًا من أركان الدين الإسلامي الذي يعتنقه التونسيون.

http://twitter.com/BelKassemOmar/status/997781174192885760

بالتزامن مع هذا،دعت جمعيات حقوقية تونسية السلطات إلى حماية حرية الضمير والمعتقد التي كفلها الدستور، إذ دعا الائتلاف المدني من أجل الحُريات الفردية للامتناع عن انتهاك الحقوق الفردية تحت أي مبررات. كما ظهرت دعوات من قبل ناشطي المجتمع المدني وحملة «مش بالسيف» إلى تظاهرة أمام وزارة السياحة في 27 مايو/آيار الجاري للتنديد بإغلاق المقاهي والمطالبة بالتكريس الكامل لحرية الدين المنصوص عليها بالدستور.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يخرج بها التونسيون للتظاهر والمطالبة بحرية الإفطار علنًا. حيث تكرر الأمر العام الماضي، إثر صدور أحكام بالسجن شهراً ضد أربعة أشخاص قامت قوات الأمن بإيقافهم وهم يتناولون الطعام ويدخنون في إحدى الحدائق العامة، ووُجهت لهم تهمة التجاهر بالفحش.

واستندت المحكمة في ذلك إلى النص القائل بأن «القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بالدستور»، واعتبرت أن المفطرين الأربعة اعتدوا على الآداب العامة بعدما أكلوا في حديقة عمومية، في حركة استفزازية خلال رمضان، في دولة ينص دستورها على أن الإسلام دينها.


هل مثلت تونس استثناء؟ وماذا عن تعامل دول المنطقة مع الأمر؟

لم تكن الحالة التونسية استثناء في هذا المسار، إذ تجدد جدل الإفطار العلني بالعديد من دول المنطقة وفي مقدمتها المغرب. حيث يدور النقاش بها حول إلغاء أو إبقاء الفصل 222 من القانون، والذي يُجرِّم الإفطار العلني. وتتعدد دعوات التوقف عن ملاحقة واعتقال المفطرين. كما تنتشر الحركات المناهضة لهذه الملاحقات كما هو الحال في حركة «ماصايمينش» والتي أثارت ردوداً غاضبة من قبل الأغلبية المسلمة بالمغرب.

وفي الجزائر، عادة ما يثور النقاش حول ما يصطلح عليهم بـ «وكالين رمضان»، ممن لا يمارسون الصيام ويُقدمون على الإفطار علناً بالأماكن العامة. وعادةً ما تُوجه أصابع الاتهام إلى حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل المعروفة اختصاراً بـ «الماك». الأمر الذي أرجعه البعض إلى رغبة هذه الأقليّة في إبراز تميّزها عن بقية الجزائريين لتمرير رسائل سياسية تعزز طرحها الانفصالي، فيما رآه البعض الآخر مطالبة بحماية الحريات الفردية.

وفي الأردن أطلق عدد من الناشطين حملة «غزوة_ناعور» على فيسبوك وذلك بعد مداهمة الأجهزة الأمنية لمطعم سياحي في بلدة ناعور، في يونيو/حزيران الماضي. حيث قدم طعامًا إلى طلاب الجامعة الألمانية خلال شهر رمضان. وقد تم طرد أصحاب المطعم والطلاب، الأمر الذي فجر جدلاً حول حرية الإفطار.

بين هذه الحالات وغيرها اختلفت طريقة الدول العربية مع هذا السلوك. فدول قبلته وأخرى عاقبت عليه. حيث تراوحت العقوبة في كل من المغرب والأردن ودول الخليج بين السجن مدة شهر أو أكثر والغرامة. بينما في دولة مثل لبنان لم يشر القانون إلى أي نص يجرّم الإفطار العلني. وهو الحال كذلك بالجزائر، ولكن ما يحدث أن تُصدر قرارات إدارية بغلق محال بيع المأكولات والمشروبات.

أما عن القاهرة، فلا يوجد بها هي الأخرى مثل هذه العقوبات، ولكن ما حدث في 2009، أن شنت السلطات حملة مفاجئة وقامت باعتقال مواطنين في الشارع موجهة لهم تهمة «الجهر بالإفطار»، كما ألقت القبض على 150 مواطنًا في أسوان بنفس التهم، ومع هذا فقد أخلت النيابة سبيلهم استناداً إلى عدم وجود نص قانوني يُجيز القبض عليهم.


لماذا يتصاعد الجدل؟

الوزارة ستقوم بحماية شعائر الأغلبية المسلمة في تونس خلال شهر رمضان، وستُطبق القانون وتغلق المقاهي كافة في نهار رمضان.

يبدو واضحاً من هذا الاختلاف في نمط التعامل مع قضايا الإفطار العلني أن الأمر لا يرتبط بالجوانب الشرعية، وإنما بالواقع الاجتماعي لكل بلد. حيث نجد مجتمعات تتقبل هذه الظاهرة، بينما مجتمعات ثانية يمكن أن تتعرض فيها حياة المفطرين للخطر.

كما يرتبط الأمر كذلك بما خلفته ثورات 2011، من تداعيات سياسية واجتماعية، مست دول المنطقة بدرجات متفاوتة. إذ اتسع النطاق لمناقشة الحريات الفردية؛ وخرجت العديد من التيارات الشبابية إلى العلن لتعبر عن نفسها وتطالب بحماية حرياتها حتى لو كانت تتعارض مع السائد لدى الأغلبية المسلمة. وفي سياق تلك الموجة من التحرر برزت مسألة المجاهرة بالإفطار وانتقل نشاطها من الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ترجمة ذلك واقعياً عبر الخروج في تظاهرات.

وفي الحالة التونسية بصفة خاصة، نجد الأحزاب السياسية تلعب دوراً واضحاً في تبلور هذا الجدل. فقد أطلق عادل العلمي رئيس حزب «الزيتونة تونس»، دعوة للتصدي للمجاهرين بالإفطار في رمضان،وكذلك شنّ حملات على المقاهي المفتوحة نهارًا والتي يرتادها المفطرون، وتصويرهم والتشهير بهم ومقاضاتهم.

بالطبع فجر ذلك جدلا حادًا داخل المجتمع ما بين اتجاهين: الأول، داعم للفكرة باعتبارها تؤدي إقناع المفطرين بالعدول ذلك، والثاني مناهض ومستنكر لتلك المحاولات ويرى بها تضييقاً على حرية الأفراد وتدخل في حياتهم الشخصية.

كما كان ذلك أحد الدوافع وراء انطلاق حملات من قبيل «مش بالسيف»، والتي أكد ناشطوها إنهم يقاتلون على جبهتين: الأولى على جبهة رجال الدين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتشهير بالمفطرين، والثانية لتعزيز التوعية وتكريس الحقوق الفردية وتشكيل آلية ضغط عبر الفضاء الإلكتروني لتطبيق القانون.

https://www.youtube.com/watch?v=26Ht9Ufezd0