معاناة المرأة في وقت النزاع دومًا ما تكون خلف الكاميرات، فما يتعرضن له نتاج خسارة صفوف رجال جيشهن، يجدنه في الاغتصاب اليومي، ثم القتل والتنكيل بهن. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن هذه الاعتداءات مجردة فقط لإشباع حاجات الجنود الجنسية فقط، فالاغتصاب أثناء الحرب معروف كنهج عسكري متعمد لتحقيق مكاسب نفسية، مثل إذلال المعارضين في الصفوف الأخرى، وإجبار الأقليات على هجرة أرضهم، ونقل أمراض جنسية للنساء، أو إحداث تشوهات بأرحامهن.

هنالك قوانين دوليّة وضعت من أجل تجريم تلك الأفعال وتصنيفها تحت مُسمى «جرائم حرب»، ففي يوليو/تموز 2002 صدّقت 60 دولة على تشريع روما، وكانت تلك الوثيقة هي الأولى من نوعها التي تعترف بأن «الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى وقت النزاعات المسلحة، تمثل جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية».

لكن عدم محاسبة المجرمين وإفلاتهم من العقاب تحول دون وضع حد لإنهاء تلك الجرائم الوحشيّة، لتظل المرأة موضع شرف مجتمعها، وتظل في موقف ضعف بسبب نوعها.


السوريات: اغتصاب القاصرات بورقة شرعية

ما قد يختلف فيه داعش وبقية مغتصبي سباياهم من النساء، هو تمرير هذه الجريمة تحت غطاء شرعي، فقد سبى المسلحون وعذبوا، وباعوا النساء والأطفال، وتبادلوهم كهدايا بينهم، واغتصبوهن، وتزوجوهن قسريًا، نساءً وأطفالًا، في سوريا وشمال العراق، مُتباهين بذلك تحت لائحة «جهاد النكاح».

هناك شهادات أدلت بها نساء وفتيات هربن من داعش، وجميعهن قد أُجبرن على الزواج من أحد المسلحين، ثم بيعهن لآخر، أو إهدائهن، وتستمر هذه الدائرة عدة مرات. اعتبرت وحدات حماة المرأة بشمال سوريا الاعتداء على غيرهن من نساء سوريا اعتداء عليهن، لتتحمل الوحدات مهمة الدفاع عن هاته الفتيات.

هجم مسلحو داعش علينا وأخذونا إلى تل لعفر بقين فيها شهرين، ثم جئنا إلى سوريا، وبقين 40 يوماً ووزعونا إلى مناطق مختلفة. باعوني إلى خمسة رجال بقيت عند الأول 3 أيام، بعدها باعني إلى رجل آخر بقيت عنده شهرين، وهو الآخر باعني إلى رجل بقيت عنده 3 أيام، وآخر 15 يوماً، والأخير 3 أشهر. كانوا يضربونني ويضربون أطفالي بقسوة. ابنتي الصغيرة والتي عمرها سنة، كان هذا الأخير يضربها ويعضها حتى يخرج الدم من يدها، وذلك عندما كنت أرفض ما يطلبه مني من الناحية الجنسية، ومن خوفي على صغاري هربت دون التفكير بشيء آخر، وتوجهت بعدها إلى مقر لوحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب الكردية، وأنا الآن تحت حمايتهم.
ش.ع، من قرية خانة صوري

لم يقف ضعف فتاة بكماء أمام مسلحي داعش، ليضموها إلى سباياهم، وحتى بعد تحريرها من أيديهم، ما زالت تحكي بالإشارة عن معاناتها بانفعال واضح يبدو منه قسوة ما تعرضت له. ومع ضعف هذه الفتاة البكماء، لم يرحم المسلحون طفلة عمرها 9 سنوات من الاغتصاب، لتظل تبكي بعد تحريرها: «أريد أن ألتقي بوالدتي، وأريد أن تُحررن أهلي من يد داعش كما حررتموني».

من سوء حظ الإيزيديات السوريات أن الممارسات التي تمارسها داعش ضدهن يمارسها النظام السوري، فالنظام السوري قد سمح بمثل هذه الانتهاكات، خاصة ما حدث في منطقتي الشدادي والرقة، وهما مقران استراتيجيان لداعش، حيث يتشابه النظام بداعش في الجرائم المرتكبة بحق النساء، وقد جرى توثيق أكثر من 12 ألف حالة اغتصاب حتى منتصف 2016 من الطرفين.


حرب البوسنة والهرسك: اسألي كل رجل هل أنت أبي؟

«عندما فعل ما فعله، تمنيت أن يقتلني، فعلًا تمنيت ذلك، فأنا لم أكن أريد العيش بعد هذه الصدمة، لقد اغتصبني أمام كل أفراد عائلتي».

بينما دوي القنابل يهز أركان سراييفو، كانت النساء اللواتي نزحن هربًا من الموت، يواجهن خطرًا آخر، ففي أوج حرب البوسنة والهرسك اغتصب الصرب حوالي 50 ألف امرأة، وبعد مرور 20 عامًا ما تزال هاته النسوة تعايشن الإحباط والخوف، وتحكي إحداهن عن تعرضها للاغتصاب من طرف جارها وأمام أفراد عائلتها، وأنها تمنت الموت بعدما مرت به.

كان قرار البوسنة والهرسك بالاستقلال بعد سقوط يوغوسلافيا إيذانًا بوقوع حرب مروعة استمرت لأربع سنوات، لقي فيها 312 ألف شخص مصرعهم، واضطر 2 مليون شخص للهجرة، وفقدوا ديارهم، وتم اغتصاب النساء منهم بشكل ممنهج.

تعرضت 50 ألف امرأة للاغتصاب بصورة متكررة، في منزل «كرمان» واحد من أشهر مراكز الاغتصاب، احتفظ الجنود الصرب ورجال الشرطة بالفتيات للاغتصاب بشكل مستمر، ويختار كل منهم فتاة أو اثنتين لاغتصابهن، تحت علم السلطات المحلية الصربية، وتوضيحًا لمدى بشاعة ما تعرضت له النساء بهذه المراكز؛ فقد كانوا يجبرون البوسنيّات على الحمل لإنجاب أطفال صرب، مما يُعد نوعاً من التطهير العرقيّ، وانتشرت مقولة بين النساء البوسنيات في نهاية التسعينات تقول: «يا بُنيتي ارحلي إلى كرواتيا، واسألي كل رجل: هل أنت أبي؟!».

خوفًا من العواقب الوخيمة، لم تتقدم هاته النسوة بشكاوى ضد من اغتصبهن. وحتى اليوم رغم استقرار الوضع الأمني، فهناك آلاف النساء يتعرضن للاغتصاب سنويًا، بسبب استمرار الخلافات العرقية في البوسنة وفي منطقة البلقان إلى الآن، لأن هذا النوع من العنف مُشجَع عليه من المجتمع، وحتى الآن من الصعب التطرق لموضوع الاغتصاب والجرائم الجنسية لحساسيته، ولضعف قوة المرأة في الدفاع عن حقوقها.


نساء المتعة: كوريات من أجل اليابانيين

تعرضت 50 ألف امرأة للاغتصاب في البوسنة والهرسك، وفي منزل «كرمان»، احتفظ الجنود الصرب ورجال الشرطة بالفتيات للاغتصاب بشكل مستمر.

في الحرب العالمية الثانية، تم تجنيد النساء لإشباع رغبات الجنود، حيث ظهر مصطلح «نساء المتعة» للعمل لصالح الجيش الياباني في اليابان وكوريا والصين والفلبين، وغيرها من مستعمرات اليابان في هذا الوقت. ووصلت أعداد نساء المتعة حسب تقدير المؤرخين إلى 200 ألف امرأة شابة، مهمتهن إشباع رغبة الجنود اليابانيين، وكان معظم هاته الفتيات من كوريا وتايوان وتايلاند وفيتنام وسنغافورة وإندونيسيا.

كان اليابانيون يختطفون الفتيات في طريقهن إلى المدرسة أو للعمل أو في الشارع ويغتصبهن في اليوم عشرات المرات، وإذا تمنّعن، فمصيرهن الموت الضرب حتى الموت.

بنى اليابانيون معسكرات للاغتصاب، وكانت مراكز احتجاز قسري، مُصمَمة للاغتصاب وإهانة المحتجزات، فكانت القوات النظامية تفصل الأسر بعزل النساء عن أطفالهن، وتسميتهن بـ «نساء المتعة»، بالإضافة إلى بيع مئات الآلاف كرقيق أبيض من أجل ممارسة الجنس معهن.

كان اليابانيون يختطفون الفتيات في طريقهن إلى المدرسة أو للعمل أو في الشارع ويغتصبهن في اليوم عشرات المرات، وإذا تمنّعن، فمصيرهن الموت الضرب حتى الموت.

لم يتوقف الجنود اليابانيون عند هذا الحد بل نفذوا أثناء الحرب العالمية الثانية مجزرة بحق الصينيين بعد دخولهم إلى مدينة نانجنج الصينية، وبدأوا عملية تصفية للجنود الصينيين المختبئين في المدينة، وكانت الحصيلة الأولى اغتصاب 20 ألف امرأة من الفتيات والنساء والعجائز، والبعض من الجنود اليابانيين شوهوا جسم الفتيات بعد اغتصابهن، ثم قتلهن بوضع عصاة خيزران في الأماكن الحساسة من أجسادهن.

انتهت الحرب وانتهت سلطة اليابانيين على هاته النسوة، ففُتحت معسكرات الجنس التي اُعتقلن داخلها، ولكن الألم الداخلي مازال يعتصر قلوبهن، هرمت هذه النساء ولم يتضاءل الغضب في صدورهن، بل تضخم مع مرور السنين، وما زاد من الألم هو تعنت اليابان في الاعتراف بهن كضحايا، وعدم الاعتذار لهن، وأخيرًا جاء الاعتذار والاعتراف، من أجل تحسين العلاقة بين كوريا الجنوبية واليابان، ولكنه جاء متأخرًا، فقد ماتت الكثير من الضحايا، قبل أن يسمعن هذا الاعتذار، لاسترداد شعورهن بالكرامة، في وقت أصبح أي تعويض لهن بلا قيمة تذكر.