في صباح يوم مشرق عام 1915، وتحديدًا داخل مسرح أستور بولاية نيويورك الأمريكية، ظهر مشهد سينمائي أذهل جميع الحضور. فباستخدام اثنين من أجهزة العرض السينمائية، رُسمت تعابير بهجة واستغراب على وجوه رواد ذلك المسرح أثناء عرض خاص لبعض التأثيرات الحقيقية بأبعاد لم يشهدها العالم على شاشة من قبل.

تأثيرات عجيبة عُرضت على المسرح وشاهدها الجالسون من خلال عدسات ملونة بما بين الأحمر والأخضر، أكدت نجاح المخرج إدوين بورتر وشريكه ويليام وادل في تجربة لعرض مجموعة من صور شلالات نياجرا في أبعاد ثلاثية لم تعهدها العين. برغم نفور كثيرين من ارتداء الورق المقوَّى بعدستيه الملونتين، فإن التجربة لاقت رواجًا حينها. مُنذ هذه اللحظة وحتى عامنا الحالي تغيرت طُرق وأدوات عرض الأفلام ثلاثية الأبعاد، فكيف يتم محاكاة رؤية العين لإنتاج الصور المُجسمة ثلاثية الأبعاد؟ وكيف تعمل النظارات ثلاثية الأبعاد؟


البُعد الثالث بين الحقيقة والمحاكاة

خُلقت العين البشرية بقدرة على تقدير للفضاء ثلاثي الأبعاد، بوجود عاملين يؤثران في عملية الرؤية، أولهما التقارب والاختلاف في زاوية الجسم، والثاني الإدراك المُجسّم للعمق نتيجة اختلاف زاوية الرؤية بين العينين. وكلا العاملين هما الأساس الذي بُني عليه محاكاة الرؤية ثلاثية الأبعاد في الأجهزة الرقمية.

دعنا نجري تجربة ما لنثبت لك تقريبًا ما يحدث أمامك، حاول أن ترفع إبهامك أمام ناظريك، حدق فيه جيدًا ثم حاول إغلاق إحدى عينيك واترك الأخرى مفتوحة، ثم اعكس العملية، فستجد رؤيتين مختلفتين لنفس الجسم «إبهامك»، وستشعر وكأن إصبعك يتحرك من مكانه. انفصال العينين عن بعضهما يجعلنا نرى العالم من منظور مختلف. يعالج الدماغ هاتين الصورتين المختلفتين، وهذا ما يُعطيك الشعور بالعمق ويتيح لنا قياس المسافة.

هناك عملية تُحاكي الرؤية العادية للإنسان وتُدعى «ستيروسكوبي» أي التصوير المُجسّم وهي تقنية تُستخدم لتوضيح التأثير بأبعاده الثلاثة، وهي ببساطة إضافة بُعد العمق إلى الصور المسطحة. إدراك العُمق هو الإدراك البصري للمسافات التفاضلية بين الأشياء التي تقع في خط بصري واحد. أما الرؤية «الاعتيادية» فهي مبنية على تباعد العينين في رؤيتها للجسم، ومن خلال رؤية الصورتين يبدأ الدماغ في ربط الصورتين لنرى الصورة كاملة. إذن لعرض الصور ثلاثية الأبعاد لابد من صورة مختلفة الزاوية لكل عين، فكيف تُنتج هذه الصور المجسمة إذا أردنا مُحاكاتها؟

لمحاكاة عمل العين وطريق إنشائها للبُعد الثالث، تُستخدم اثنتان من الكاميرات أو كاميرا بعدسة مزدوجة لالتقاط صورتين بزوايا مختلفة بحيث تبعد العدسات عن بعضها البعض بمقدار 2.5 بوصة (أي 6.3 سم) وهي نفس المسافة الفاصلة تقريبًا بين العينين. تُعرض بعد ذلك هاتين الصورتين على الشاشة باستخدام جهازي عرض متزامنين، وعلى المشاهد أن يرتدي نظارات ملونة أو مستقطبة لترى كل عين صورة الجسم بزاوية مختلفة عن العين الأخرى. يرى المُشاهد في الحقيقة صورًا منفصلة، ولكنها تُعطي شعور البُعد الثالث لاختلاف الصورتين عن بعضهما في زاوية الالتقاط. لرؤية هذه الصور المُجسمة نستخدم نظارات مُعدّة لذلك، فكيف تعمل هذه النظارات؟


كيف تعمل النظارات ثلاثية الأبعاد؟

تعمل هذه النظارات بناء على مفهوم التصوير المجسم. نرتدي النظارات ثلاثية الأبعاد للحصول على صور مختلفة للعينين، فالشاشة تعرض صورتين في الواقع تتداخل فيما بينها لتُعرض أمامك كاملة،هذه بعض أنواعها الشائعة.

1. نظارات فصل الألوان

نظارات ثلاثية الأبعاد, تقنية, ألوان
نموذج لنظارات فصل الألوان

أبسط طرق عرض الصور ثلاثية الأبعاد تُستخدم فيها نظارات بعدستين مختلفتي اللون، وعادة ما يكون اللونان الأحمر والأزرق. تفصل النظارة طبقات الفيديو أو الصورة المعروضة لتظهر في لون مختلف لكل عين. ويبدأ الدماغ بتركيب الصورتين لترى رؤية مُجسمة للصورة أمامك. عيب هذه الطريقة أنها تُفقد المُستخدم رؤية التفاصيل اللونية المختلفة وهو ما يطغى بشكل كبير على جودة الصورة المعروضة.

تتميز هذه الطريقة بانخفاض تكلفة رؤية البعد الثالث، فلا تحتاج إلى تقنيات وأجهزة مكلفة لرؤية الصورة ثلاثية الأبعاد، ولكن من خلال نظارات ورقية قيمتها لا تتعدى دولارًا واحدًا تستطيع تجربة الأمر. يُمكنك رؤية البعد الثالث باستخدام نظارات فصل الألوان على أي شاشة تريد وبدون أي مرشحات إضافية.

2. نظارات الاستقطاب ثلاثي الأبعاد

طريقة عمل نظارات الاستقطاب ثلاثي الأبعاد

تُنشئ نظارات الاستقطاب ثلاثية الأبعاد وهمًا للأبعاد الثلاثة في الصورة، وذلك بتقييد الضوء الذي يصل إلى كل عين. لتقديم صورة مجسمة تبدو فيها الحركة واضحة، يتم عرض صورتين على نفس الشاشة من خلال مرشحات استقطاب الضوء المختلفة، يرتدي المشاهد نظارات منخفضة التكلفة تحتوي على زوج من المرشحات الاستقطابية المختلفة. يمرر كل مرشح الضوء الذي تم استقطابه بطريقة مماثلة ويحجب بقية الضوء الخاص بالاتجاه المعاكس لترى كل عين صورة مختلفة عن غيرها، مما يوهمك بالتأثير ثلاثي الأبعاد، وذلك بعرض نفس المشهد في كلتا العينين باستقطابين مختلفين.

هناك نوعان من هذه الطريقة يختلفان فيما بينهما بنوعية المرشحات الاستقطابية، فمنهما الاستقطاب الخطي، ومنهما الدائري. تتميز هذه الطريقة بانخفاض تكلفة النظارات ثلاثية الأبعاد، فيمكنك شراء زوجين من النظارات بحوالي 5 دولارات أو أقل. لا تحتاج هذه الطريقة أيضًا إلى استخدام مرشحات ملونة في النظارات، وهذا يعني عدم تشويه الصورة كما في نظارات فصل الألوان. لكن الجانب السلبي يتركز في تكلفة بناء أجهزة العرض ذاتها.

3. نظارات الإغلاق الفعّال ثلاثي الأبعاد

نظارات, استقطاب, ثلاثي الأبعاد
نظارات, استقطاب, ثلاثي الأبعاد
نظارات الإغلاق الفعّال, ثلاثية الأبعاد, نظارات ثلاثية الأبعاد
طريقة عمل نظارات الإغلاق الفعّال ثلاثي الأبعاد

يُستخدم هذا النوع من النظارات مع شاشات الكريستال السائل. تحتوي كل عدسة على طبقة من الكريستال السائل أيضًا الذي قد يصبح مُعتمًا أو شفافًا عند تغير الجهد. نستطيع التحكم في هذه النظارات عن طريق الأشعة تحت الحمراء وترددات الراديو ومرسل البلوتوث الذي يُرسل إشارات مؤقتة تُعتم كل عدسة عن الأخرى بالتناوب، وذلك بنفس تزامن العرض في الشاشة. تعرض الشاشة وجهات مختلفة لنفس الصورة لكل عين على حدة باستخدام تقنية تُدعى تسلسل الإطار الذي يضمن ظهور تأثير الصور الخاص لكل عين.

مثال على ذلك من شركة سوني:

تُعد هذه الطريقة هي الطريقة الأكثر انتشارًا في أجهزة التلفاز ثلاثية الأبعاد. تختلف بالطبع هذه النظارات عن الأنواع الأخرى بحيث تعرض الطيف اللوني كاملًا دون أي مساس بجودته. كما تقدم هذه الطريقة دقة تصل إلى 1080 بكسل عالية الجودة، ولذلك فهي الأكثر تكلفة من بين أنواع النظارات ثلاثية الأبعاد.

في المرات القادمة التي تزور فيها إحدى دور السينما، حاول أن تجرّب مشاهدة أحد الأفلام التي صُنعت اعتمادًا على تقنية الرؤية ثلاثية الأبعاد، وعندما تجلس على كرسيك حاول تصنيف طريقة العرض إلى الأنواع التي ذكرناها، وبتكرار ذلك ستتعرف على الأنواع نظريًا وعمليًا، وقد تكتشف طريقة أخرى لعرضها في منزلك يومًا ما.