محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2018/12/12
الكاتب
بيتر غريست

أعلنت مجلة «تايم» الأمريكية عن شخصية عام 2018، ومنحت المجلة هذا اللقب أربعة أشخاص وجريدة لأول مرة في تاريخها، بدلاً من منحه شخصًا واحدًا.

وأطلقت «تايم» على الصحفيين الأربعة لقب «الحراس»، وهم الصحفي السعودي المقتول «جمال خاشقجي»، والصحفية الفلبينية «ماريا ريسا» رئيسة تحرير موقع «رابلر» الصحفي، والصحفيان الشابان «وا لون» و«كياو سوا وو» لدى وكالة رويترز اللذان يقضيان حاليًا عقوبة بالسجن لسبع سنوات بسبب كشفهما عن مجزرة ارتكبت في ميانمار، وطاقم العمل في جريدة «ذا كابيتال جازيت»، التي تصدر من مدينة أنابوليس بولاية ميريلاند الأمريكية، والذين واصلوا عملهم الصحفي بعد إطلاق الرصاص على خمسة من زملائهم في هجوم على الجريدة في يونيو/حزيران الماضي.

وتمنح مجلة «تايم» لقب شخصية العام للأشخاص الذين ترى المجلة أنهم حققوا التأثير الأكبر على الأخبار خلال العام، وليس بالضرورة أن يكون ذلك التأثير إيجابيًّا (إذ منحت المجلة اللقب أدولف هتلر عام 1938). ولا يشير اختيارها لهؤلاء الأشخاص إلى التأثير الفردي لكل منهم فحسب، وإنما يبرز أيضًا أزمة الثقة في الصحافة و«الحقيقة» على نطاق عالمي أوسع، فلم يحصل هؤلاء على اللقب بسبب إنجازاتهم فقط، بل بسبب ما يمثلونه أيضًا.


شهيد و3 معتقلين

لا شك أن خاشقجي هو الشخصية الأشهر في تلك المجموعة، فالتفاصيل الأليمة لحادثة اغتياله تشبه ما يحدث في الروايات السوقية الرخيصة، حيث اسُتدرج لدخول القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على وثائق زواجه، ثم خُنق حتى الموت وقُطعت أوصاله بمنشار عظام، ولكنها أيضًا كشفت عن ازدراء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للقيم الإنسانية، وهو الذي حاول تقديم نفسه في صورة المنقذ الليبرالي للمملكة العربية السعودية وصديق الغرب، بينما يخالف القيم الليبرالية وينكل دون رحمة بمعارضيه.

وكما تساءل جمال خاشقجي نفسه ذات مرة في عموده الصحفي في جريدة «واشنطن بوست»:

أما ماريا ريسا فهي أقل شهرة من خاشقجي، ولكنها ليست أقل شجاعة، وهي مراسلة سابقة لوكالة «سي إن إن» الإخبارية، وساهمت في إنشاء موقع «رابلر» الإخباري منذ سبع سنوات، ليتحول إلى أحد أكثر مصادر الأنباء المستقلة مصداقية في الفلبين.

وغطى موقع «رابلر» دون خوف القرارات السلطوية للرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، بما في ذلك حربه على المخدرات التي لقي بسببها 12 ألف إنسان مصرعهم، وواجهت ريسا في غضون ذلك عاصفة من الانتقادات من دوتيرتي نفسه ومن لجانه الإلكترونية (الذباب الإلكتروني). وتواجه الآن اتهامات بالتهرب من الضرائب قد تؤدي إلى سجنها لمدة 10 سنوات، وهو ما يبدو أنه لا يستهدف معاقبتها على جرائم مالية، وإنما إسكات صوت انتقاداتها البارزة.

أما «وا لون» و«كياو سوا وو»، فقد أنتجا أحد أكثر المقالات الصحفية روعة لعام 2017، حول تحقيقهما في مقتل العشرات من رجال الروهينجا المسلمين في ميانمار، والذي أبدى اهتمامًا قويًا بالتفاصيل الجنائية.

ونشر الصحفيان مجموعة من صور الضحايا والجناة، وأبديا قدرة على وضع سردية مفصلة مُقنعة أجبرت السلطات على سجن الجنود المسئولين عن المذبحة لمدة 10 سنوات، ولكن ألقت السلطات القبض على الصحفيين وعاقبت كلًّا منهما بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة إفشاء أسرار رسمية، رغم شهادة ضابط شرطة في المحكمة بأنهم لفقوا التهمة للصحفيين.


جريدة على خط النار

هل يجب علينا الاختيار بين قاعات السينما أو حقوقنا كمواطنين في التعبير عن أنفسنا كمؤيدين أو معارضين لتصرفات حكومتنا؟
وماذا عن «كابيتال جازيت»؟

بعد بضع ساعات من اقتحام مسلح لمكاتب الجريدة وقتله لخمسة من العاملين بها، نشر تشيز كوك، أحد الصحفيين العاملين بها، تغريدة تقول:

أستطيع أن أخبركم أننا سنصدر صحيفتنا غدًا.
وهو ما فعلته الجريدة بالفعل.

لم تكن تلك الجريدة تعمل على ذلك النوع من الأخبار الذي قد يؤدي إلى جرائم قتل، فهي مجرد جريدة محلية تغطي أخبار انتخابات المجالس المحلية والأنشطة الرياضية للمدارس، وليس أخبار الطغاة والمذابح، ومع ذلك فقد هيمنت شيطنة الصحافة على الأذهان إلى الدرجة التي بررت لأحد القراء إطلاق النار على الجريدة لأنها نشرت أخبارًا حول قضية متهم فيها.

وهذه الأمثلة للمشاكل التي تتعرض لها الصحافة المحلية والعالمية على حد سواء تكشف أن الصحافة التي تمثل أحد أهم الأعمدة الأساسية للمجتمع الليبرالي الحر تتعرض لهجمة شرسة.

وتقع مسئولية تلك الهجمة جزئيًّا على الثورة الرقمية، التي خلقت سيلًا دافقًا من المعلومات يُمكّننا من إيجاد «الأخبار» التي تؤكد ما نؤمن به، وفي نفس الوقت، فقد أدت إلى تلاشي ثقتنا في وسائل الإعلام، ومنحت القدرة كل من يستطيع جذب الاهتمام الرقمي أن يقرر ما هي الأخبار «المزيفة»، وبذلك قوّضت قدراتنا على اكتساب المعرفة وإقامة حوار مجتمعي عقلاني على نحو خطير.

ليس من الخطأ القول بأن أزمة عالمية قد ضربت أسس الديمقراطية، ومن ثم، فإن قرار مجلة «تايم» جاء في حينه، وهو على قدر كبير من الأهمية.

إن الصحفيين ليسوا معصومين من الخطأ، فصناعة الأخبار مهنة بشرية فوضوية مشوبة بالأخطاء، وخلال عجلة الصحفي لصنع الأخبار التي تبرز من بين الضوضاء الرقمية قد يخالف بعض معايير المهنية، ولكن الاعتداءات اللفظية والبدنية والمادية على وكالات الأنباء والعاملين بها تتجاهل العمل الصحفي الاحترافي الذي يقوم به الكثيرون ممن يعملون في هذا المجال، فالفارق بين الأخبار المزيفة والأخبار الحقيقية يكمن في إقرار الصحفي الجيد بأخطائه وتصحيحها بسرعة.